آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. قيم الصحفي والمحلل السياسي بسام حمدي، في حواره مع «أفريقيا برس»، المشهد السياسي في تونس، وبرأيه «رغم أن التجاذبات الحزبية بشأن تقاسم السلطة قد انتهت منذ انطلاق مسار 25 جويلية، إلا أن تونس لم تشهد إلى حد اليوم استقرارا في الحكم، حيث تداول على رئاسة الحكومة التونسية أكثر من شخصيتين، كما شهدت أغلب الحقائب الوزارية تحويرات على رأسها».
وأشار إلى أن «نظام قيس سعيد ما زال يبحث عن مفاتيح إحياء دولة اجتماعية ناجعة من خلال سن وإصدار تشريعات يحاول عبرها استنهاض مؤسسات الدولة المناط بها القيام بمهام اجتماعية، في حين يترقب الشارع ترجمة هذه الشعارات على واقعه المعيشي».
واعتبر أن «الأحزاب لم تعد قادرة على استعادة ثقلها في الشارع، سيما وأن أغلبها عاشت أزمات وانشقاقات أضعفتها»، كما مثل خيار الأحزاب معارضة السلطة خارج أسوار البرلمان فشلا سياسيا جعل منها مجرد أحزاب شبيهة بجمعيات، وهو ما ساهم في إضعاف مكانتها في المشهد، وفق تقديره.
وبسام حمدي هو صحفي ومحلل سياسي تونسي.
كيف تقيم المشهد السياسي في تونس مع تراجع دور الأحزاب والأجسام الوسيطة في السنوات الأخيرة؟
يعرف المشهد السياسي في تونس، بعد سن إجراءات 25 جويلية، جملة من التغييرات السياسية والحزبية جعلت الوضع العام مختلفا كليا عما كان عليه قبل حل البرلمان من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد. وبعد أن كانت البلاد، ومنذ المصادقة على دستور 2014، تحتكم إلى نظام شبه برلماني تتقاسم فيه عدة أحزاب الحكم، تغير النظام السياسي بمفعول دستور 2022 إلى نظام رئاسوي تمنح فيه معظم الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية، وبات البرلمان، في ظل أحكامه، يلعب دور الوظيفة التشريعية بعد أن كان يسمى سلطة تشريعية واسعة الصلاحيات.
وبعد كل هذه التحولات، انحصر دور الأحزاب السياسية – باستثناء بعضها – في لعب دور المعارضة للسلطة، وباتت الأجسام الوسيطة تكتفي بانتقاد ومعارضة النظام الذي أقامه قيس سعيد، خاصة بعد أن اختارت عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية التي تلت حل البرلمان، في حين بقيت بعض الأحزاب لها تمثيلية برلمانية محدودة التأثير في الخيارات والسياسات العامة. ونتج عن انزياح الأحزاب عن الحكم تفتت بعضها واندثاره، على غرار حركة النهضة التي انقسمت، وحزبي «نداء تونس» و«تحيا تونس» اللذين اندثرا في خضم كل هذه التغيرات. وشملت التقلبات الأجسام الوسيطة الأخرى، ومنها منظمات المجتمع المدني، فأضحت أقل فاعلية في السياسات العامة بالقدر الذي كانت عليه ما قبل 25 جويلية، خاصة وأن رئيس الجمهورية لا يعير اهتماما للدعوات التي تطلقها لإجراء حوار وطني. ورغم أن التجاذبات الحزبية بشأن تقاسم السلطة قد انتهت، إلا أن تونس لم تشهد إلى حد اليوم استقرارا في الحكم، وتداول على رئاسة الحكومة التونسية أكثر من شخصيتين، كما شهدت أغلب الحقائب الوزارية تحويرات على رأسها.
برأيك هل نجح مسار 25 جويلية في بناء دولة اجتماعية؟
يبدو الخطاب السياسي الذي يعلنه رئيس الجمهورية متمسكا بالدور الاجتماعي للدولة، وتجلى ذلك في تمسك قيس سعيد بضرورة توفير الدولة لمقومات الحياة، ومنها الصحة والتعليم والنقل، إلا أن محاور هذا الخطاب لم تتجسد كليا في الواقع المعيشي للتونسيين. وبدا خطاب سعيد غير منسجم مع أداء الحكومة وكذلك البرلمان، ولم تنعكس التوجيهات التي يعلنها في خطاباته الرسمية على قانون الموازنة—باعتراف منه—ولا على ترميم البنى التحتية للمؤسسات الصحية والتربوية. وانحصرت بعض الإجراءات ذات البعد الاجتماعي في دعم أسطول النقل ببعض الحافلات، وفي قرارات أخرى تعلقت بعاملات الفلاحة، وكذلك القطع مع المناولة وتحسين وضعية العمال. ورغم تعدد الحكومات، ما زال نظام سعيد يبحث عن مفاتيح إحياء دولة اجتماعية ناجعة من خلال سن وإصدار تشريعات يحاول من خلالها الرئيس استنهاض مؤسسات الدولة المناط بها القيام بمهام اجتماعية.
هل برأيك التشريعات الأخيرة قادرة على حل مشكلة البطالة في تونس، خاصة لدى أصحاب الكفاءات؟
رغم أن بعض التشريعات – على غرار تنقيح مجلة الشغل – حققت استقرارا مهنيا لآلاف العمال وقطعت مع المناولة والتشغيل الهش، إلا أن إجراءات وقوانين أخرى لم تنجح في خلق مواطن شغل والتقليص من البطالة. وبقي خيار نجاح الشركات الأهلية حلما يناشده سعيد وأنصاره، لكنه لم يتحول إلى إجراء اقتصادي قادر على خلق مواطن شغل لأصحاب الشهادات، وتوقف إلى حد الآن عند التأسيس دون تبعات اقتصادية أو مالية ملموسة. كما ظلت هجرة الكفاءات التونسية نزيفا يستنزف البلاد، ولم تقدر الدولة على التصدي له، خاصة بعد أن اقترح عدد من النواب مشاريع قوانين شعبوية تجبر أصحاب الشهادات العليا الراغبين في المغادرة على منح مبالغ مالية للدولة. وإلى حد اليوم ما زال آلاف العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات – وخاصة من طالت بطالتهم -ينتظرون سن تشريعات يتم بموجبها انتدابهم في الوظيفة العمومية.
هل بوسع المعارضة التونسية استعادة وزنها وثقلها في الشارع، خاصة مع رفض السلطة الحوار والاستمرار في نهجها الفردي؟
توحي مؤشرات المشهد العام خلال هذه الفترة، وفي ظل النظام السياسي القائم، إلى أن الأحزاب لم تعد قادرة على استعادة ثقلها في الشارع، سيما وأن أغلبها عاشت أزمات وانشقاقات أضعفتها، دون نسيان أزمة الثقة التي حصلت بين التونسيين والأحزاب، التي فشلت في إدارة الحكم وهي السبب الأكبر لتقلص شعبيتها وعدم قدرتها على تنظيم احتجاجات ومظاهرات حاشدة من شأنها أن تفرض على السلطة تغيير توجهاتها؛ حيث لم تفلح عدة أحزاب في الضغط على الرئيس عبر الاحتجاج الشعبي، واكتفت بالضغط عبر التصريحات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ظل نظام سياسي يعتبر فيه قيس سعيد أن زمن الأجسام الوسيطة قد انتهى ولا حاجة للمواطن بها، ويرى أن الحكم لا يستوجب إشراكها، لن تقدر الأحزاب على تغيير أي شيء في المشهد العام وسيبقى دورها ضعيفا، خاصة في ظل تشتتها وعدم قدرتها على تكوين ائتلاف معارض واسع. كما أسهم خيار مقاطعة أغلب الأحزاب للانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2022 في إضعاف مكانتها، ومثل خيار معارضة السلطة خارج أسوار البرلمان فشلا سياسيا جعل منها مجرد أحزاب شبيهة بجمعيات، وينحصر دورها في إصدار بيانات التنديد. كما مثلت الملاحقة القضائية لعدد من قادة الأحزاب السبب الأبرز لاندثار الكثير منها، وذلك بعد سجن نشطاء سياسيين بتهم تخص التآمر على أمن الدولة، وكذلك ارتكاب جرائم مالية وإدارية، فضلا عن تهم أخرى تتعلق بالإرهاب.
هل تتوقع استجابة السلطة لمطالب المعارضة بالإفراج عن السجناء السياسيين، خاصة ممن يعانون من أوضاع صحية خطيرة؟
من الناحية القانونية، تريد السلطة إظهار كونها لا تتدخل في القضاء، ويشدد رئيس الجمهورية على أنه لا يصدر أوامر بإيقاف شخص أو الإفراج عنه، لكنها في الواقع تمتلك آلية العفو الخاص التي يفرج بمقتضاها عن سجناء، وعادة ما يعتمد عليها في المناسبات والأعياد الوطنية. وفي الحقيقة لا يبدو أن هناك نية للإفراج عن السياسيين المسجونين، سيما وأن هناك شخصيات ما زالت على ذمة التحقيقات القضائية ولم تصدر في شأنها أحكام قضائية باتة؛ لكن في بعض الحالات تم الإفراج عن بعض السجناء السياسيين، من بينهم الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين. ولا بد من التأكيد على أن السلطة، بضحفتيها السياسية والإدارية، مطالبة بتوفير الرعاية الصحية لكل السجناء مهما كانت صفتهم، حتى لا نعود إلى مربع التنكيل بالأشخاص داخل السجون.
هل تتوقع أن يسن البرلمان قانونا لتجريم التطبيع في ظل توسع المبادرات التضامنية في تونس مع غزة؟
يبدو مبدأ تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني مسألة متفقا عليها بين أغلب مكونات المشهد العام: شعبا وسلطة ومعارضة، إلا أن سبل تجسيد هذا المبدأ على أرض الواقع عبر تشريعات ونصوص قانونية ما زالت محل خلاف. إذ يطرح عديد البرلمانيين مشروع قانون لتجريم التطبيع ويدعون للمصادقة عليه، إلا أن الأمر تعثر بعد تعليق جلسة عامة برلمانية كانت مخصصة لمناقشة الموضوع. وفي المقابل، تبدو نوايا رئيس الجمهورية متجهة نحو الاكتفاء بتنقيح مجلة الإجراءات الجزائية في اتجاه معاقبة كل من يثبت تعامله مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الأكثر حظوظا. وتخوفا من أي استتباعات اقتصادية لتجريم التطبيع، أعتقد أن هذه المسألة ستتطلب الكثير من الوقت لدراستها، وهو ما يعني أن قيام تونس بتجريم التطبيع خلال هذه الفترة أمر مستبعد.
كيف تقرأ مشروع القانون الأميركي ضد تونس، وكيف يمكن أن تتجنب البلاد الضغوط الخارجية؟
أعتقد أن مشروع القانون الأميركي لا يمثل ضغطا رسميا أميركيا بقدر ما يمثل خطوة فردية من النائب الجمهوري جو ويلسون، المعروف بقربه من مجموعات الضغط واللوبيينغ، وهو ما يضعف حظوظ تمرير هذا المشروع في الكونغرس الأميركي. وتبدو مؤشرات فشل هذا المشروع واضحة في توقيع نائبين فقط عليه، وهو ما يعكس ضعف التأييد ويبرهن أنه يفتقر إلى التحالفات السياسية الضرورية لنجاحه. كما فشلت محاولات ويلسون المتكررة لترؤس لجنة العلاقات الخارجية، لكنه استغل عضويته كمنصة للتأثير في السياسة الخارجية الأميركية، بما في ذلك الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط. ولا بد من التأكيد أن مشروع القانون الأميركي بشأن تونس يعكس منطقا استعماريا وتدخلا سافرا في سيادة تونس واستقلالها، ولا يتعلق البتة بدفاع ويلسون عن الديمقراطية والحريات، وهو الذي يصمت أمام دعم بلاده للقتل والإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس