آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. دعا بلقاسم حسن عضو المكتب التنفيذي ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة في حوار خاص مع “أفريقيا برس” إلى “إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف المحاكمات السياسية والبحث الوطني المشترك عن الحلول الحقيقية للمشاكل والتحديات مما يسمح بإرساء مناخ سليم يساعد على دفع عجلة التنمية والاستثمار وتجاوز الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها البلاد”.
وأشار إلى أن “فشل المعارضة في الاستحقاقات الانتخابية وفي استعادة ثقة الشارع مرده تغليب بعض قوى المعارضة لصراعاتها مع بعضها البعض على المخاطر التي أصابت الحياة الديمقراطية ما قاد في النهاية إلى مزيد من ضعف المعارضات وانعزالها عن محيطها الاجتماعي الشعبي”.
وبيّن أن “حركة النهضة ستعمل على تجاوز الثغرات والسلبيات في أداء المعارضة دفاعا عن الحياة الديمقراطية”، لافتا إلى أن “ما تتعرض له الحركة من إيقافات لقياداتها وغلق لمقارها لا مبررات قانونية له”، مشددا على “تمسك الحركة بالأسس الديمقراطية وبالمصلحة الوطنية العليا حاضر ومستقبلا”.
وبلقاسم حسن هو عضو المكتب التنفيذي ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، ونائب سابق في البرلمان التونسي.
ما هو موقف حركة النهضة من نتائج الانتخابات الرئاسية التي نظمت في أكتوبر 2024؟ وبالمناسبة ما هو تقديركم لتراجع نسب المشاركة واهتمام الناس بالشأن العام والأحزاب رغم أهمية هذا السباق الانتخابي؟
نحن لم نشارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لا بإسم حركة النهضة ولا باسم جبهة الخلاص الوطني.
لم يكن منا مترشح ولم يكن لنا مرشح. لقد أصدرنا في الحركة قبل أيام من موعد الانتخابات بيانا سجل عديد السلبيات في مسار تلك الانتخابات وعدم توفر الحدود الدنيا من المناخات والشروط والمعايير الضرورية للانتخابات الحرة الديمقراطية النزيهة والشفافة، وخاصة في ما يتعلق بالتعامل مع ملفات المترشحين ومع حكم المحكمة الإدارية وتعديل بعض بنود القانون الانتخابي في مجلس النواب بعد انطلاق المسار الانتخابي مما يمثل إشكالا قانونيا وينطلق من اعتبارات سياسية انتخابية. ولذلك نحن لم نعلن مشاركتنا كما لم نعلن مقاطعتنا واعتبرنا أنفسنا غير معنيين بهذه الانتخابات، ولذلك لم نر موجبا للتعليق على نتائجها.
وبالنسبة إلى مسألة الإقبال على الانتخابات فقد تكرر ذلك تقريبا في مختلف المناسبات الانتخابية التي تم تنظيمها بعد 25 جويلية 2021، حيث كانت في حدود خمسة بالمائة في الاستشارة، و10 بالمائة في الانتخابات البرلمانية والمحلية ووصلت إلى حوالي 30 بالمائة في الاستفتاء على الدستور وفي هذه الانتخابات الرئاسية، وهذا يدل على أن هذه المناسبات الانتخابية لم تثر حماس أوسع قطاعات الشعب وخاصة الشباب والفئات الاجتماعية الشعبية وأبناء الطبقة الوسطى لانشغالهم بأوضاعهم الاقتصادية الصعبة وانتظارهم حلولا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة وعدم تقديم رؤى وبرامج انتخابية تثير اهتمامهم سواء من الأحزاب أو الشخصيات المشاركة في مختلف هذه المواعيد الانتخابية، إلى جانب حرص شريحة هامة تمثلها أساسا القوى السياسية الديمقراطية على توفير المناخات والشروط الدنيا الضرورية للانتخابات الديمقراطية حتى تقرر المشاركة فيها.
بماذا تفسر فشل المعارضة التونسية في استعادة ثقة الشارع، هل كان السبب يكمن في عجزها عن التوحد واختلافاتها الايديولوجية؟
بالفعل، نسجل أن أكثر ما تؤاخذ به المعارضة التونسية هو هذا العجز «العضوي المرضي» عن خلق الحدود الدنيا من أسس التنسيق والتشاور والتضامن والعمل المشترك الظرفي المحدود في المهام والزمان، مثلما كان مطلوبا وممكنا، ولكن مع الأسف لم يتحقق على أرض الميدان، وأقصد بذلك التنسيق والتضامن المشترك مع أهلنا في فلسطين ولبنان والتنديد المشترك بما يقع من مجازر وجرائم ضد أهلنا في غزة، ولا نذهب أبعد من ذلك لنتحدث عن الائتلاف والوحدة. لقد بقيت الخلافات الإيديولوجية والسياسوية هي السمة الطاغية على علاقاتها المتميزة بالتوتر والتباعد والتجاذبات الحادة مع بروز ظواهر الإقصاء والاستئصال لدى بعضها، خاصة تلك المشبعة بالتعصب العقائدي والانغلاق الفكري والفئوية الحزبية الضيقة والنزعات الزعاماتية الحادة.
لقد وصل الأمر ببعض قوى المعارضة إلى تغليب صراعاتها مع بعضها البعض على المخاطر التي أصابت الحياة الديمقراطية. وبطبيعة الحال كانت النتيجة هي مزيد من ضعف المعارضات وانعزالها عن محيطها الاجتماعي الشعبي وتزعزع ثقة المواطنين في قدراتها على حمل لواء الدفاع عن المسار الديمقراطي وعن الانتظارات الشعبية المتعلقة بالمطالب ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي.
ومع ذلك لم تقصر حركة النهضة ولا حلفاؤها في جبهة الخلاص الوطني في التوجه إلى ما نعتبرها قوى ديمقراطية للبحث عن المشترك الديمقراطي والوطني وإرساء أسس للتنسيق والتشاور والعمل المشترك في انتظار بلورة ائتلاف أوسع ببرنامج واضح وأهداف دقيقة ومهام مضبوطة… ولن نتوقف عن البحث عن تجاوز كل السلبيات والثغرات التي تعرقل إمكانيات إيجاد نوع من التطوير والتكامل في عمل المعارضة التونسية دفاعا عن الحياة الديمقراطية المتطورة والتنمية الوطنية الشاملة.
كيف ستسعى حركة النهضة إلى استعادة وزنها السياسي والشعبي في ظل ما تعيشه خاصة من غلق مقراتها وإيقاف الكثيرين من قياداتها؟
لحركة النهضة في المرحلة الراهنة أربعة أولويات مهمة حزبية داخلية وسياسية وطنية تمثل نوعا من عقدها الوطني وبرنامجها النضالي، ليس فقط تجاه قواعدها وأنصارها، بل وفي نفس الوقت نحو الشعب والوطن، وهي:
أ- التمسك بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ومن بينهم بطبيعة الحال قادة وإطارات الحركة المعتقلين.
ب- ضرورة رفع الحصار عن مقرات الحركة من المقر المركزي إلى المقرات الجهوية حتى تستطيع الحركة ممارسة نشاطها الحزبي بكل حرية وبكل أريحية في ظل القانون والديمقراطية.
ج- إجراء مجموعة من الإصلاحات والترتيبات التنظيمية الأولية ضمن مسار الإعداد والاستعداد لعقد المؤتمر 11 للحركة في أقرب وقت ممكن.
د- دعم جبهة الخلاص الوطني والحرص على مزيد تطويرها سواء من خلال انضمام قوى أخرى إلى صفوفها أو بلورة برنامج عمل مرحلي لها وتقديم رؤاها ومشاريعها ومقترحاتها لمعالجة المشاكل و الخروج من الأوضاع الراهنة التي تعيشها البلاد.
يرى مراقبون أن التونسيين لم يغفروا للأحزاب والنقابات ما واجهوه من صعوبات في ظل عدم الاستجابة لمطالبهم في التشغيل والمعيشة والتنمية، لذا فهم يثأرون لأنفسهم بالتعويل على منظومة حكم من خارج دوائر السياسة والمنظمات التقليدية، ما رأيكم في ذلك؟
هذه قراءات لا تحكمها الموضوعية، وإنما تستند إلى ما رسخه جزء مهم من الإعلام المعادي للتجربة الديمقراطية التي عاشتها تونس ليس خلال عشرية كما يروجوه وإنما خلال سنوات قد لا تتجاوز عدد أصابع اليد !! لأنه في الحقيقة هناك عدد لا يقل أيضاً عن الخمس سنوات لم تكن لقوى الثورة و الديمقراطية فيها الموقع المتقدم ولا الفاعل، وهذا سوف يحكم عليه التاريخ لاحقا…. ومع ذلك أكيد أن هناك خيبات أمل لدى شرائح واسعة من الشعب وأنه كان هناك أيضا وعي ومعرفة بما تعرضت له الثورة والتجربة الديمقراطية من عراقيل ومطبات وحصار ومناورات بهدف إفشالها والعودة إلى منظومة ما قبل الثورة.
كما أريد الإشارة إلى أن كل الثورات قد عرفت مسارات منعرجة ومراحل عرفت فيها الصعود وأخرى النزول… وتتطلب عددا أطول من السنوات قد تصل عقودا لتستقر الأوضاع ويستتب الأمر وتأخذ الحياة الديمقراطية السليمة مجراها، والحياة الديمقراطية السليمة هي تلك القائمة على الحرية والقانون والمواطنة والعدالة والمؤسسات وأسس المدنية والعيش المشترك.. وعندها تصبح الأجيال محافظة على مكتسباتها الديمقراطية وعلى أرصدتها المواطنية والمدنية والوطنية.
شهدت البلاد بعد الانتخابات الرئاسية العديد من القضايا و المحاكمات، لماذا برأيكم؟ وكيف تقرأون المشهد السياسي في المرحلة المقبلة؟
الإيقافات والمحاكمات تعود إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولم تتوقف بعدها…لقد مست الإيقافات والمحاكمات شخصيات تنتمي إلى أطياف واسعة من القوى السياسية والمدنية وشخصيات إعلامية وحقوقية ورجال أعمال…مما زاد في احتقان الأوضاع الاجتماعية وتوتير الحياة السياسية الديمقراطية.
لا أحد يشكك في العدالة أو يهرب منها، ولكن أغلب الموقوفين يحاسبون على مواقف واعتبارات سياسية ولم تثبت أي تهمة بحقهم.. إننا ندعو إلى إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف المحاكمات السياسية والبحث الوطني المشترك عن الحلول الحقيقة للمشاكل والتحديات مما سوف يسمح بإرساء مناخ سليم يساعد على دفع عجلة التنمية والاستثمار والاستقرار ويبني مكونات الوحدة الوطنية الصماء المنشودة.
ما رأيكم في الاعتداء الذي تعرض له رئيس حزب العمل والإنجاز والقيادي السابق بحركة النهضة، عبد اللطيف المكي، بمادة حارقة؟ هل تعتقدون أن لهذا الاعتداء بعدًا سياسيًا أم أنه مرتبط بخلافات شخصية؟
لقد أصدر حزب العمل والإنجاز بيانا حول الموضوع وشرح الواقعة كما حصلت. إننا نتعاطف مع الدكتور عبد اللطيف المكي وندين الاعتداء الإجرامي الذي تعرض له، ونطالب بتتبع المعتدين، مثل ما نتصرف إزاء أي اعتداء يتعرض له أي مواطن، فما بالك باستعمال مواد حارقة واستهداف شخصية سياسية وطنية وبمثل هذا الاعتداء الشنيع.
ما رأيكم في الاتهام الموجه إلى رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، بتبديل هيئة الدولة والتي ربما تصل عقوبتها للإعدام؟
نحن لا نفرق في ملاحظاتنا حول الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين السياسيين بين أي من المعتقلين، وهي تقريباً كلها تتحدث عن الفساد والوفاق الإجرامي والتآمر على أمن الدولة، وتصل الأحكام فيها تقريبا كلها إلى أقسى العقوبات بما فيها الإعدام.. لذلك نحن قلنا دوما إنها اتهامات جزافية وأن جل هذه القضايا سياسية وتستهدف خصوما سياسيين، وطالبنا ونطالب بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين دون أن نستثني في ذلك أحدا لا بالصفة ولا بالإسم٫ بما في ذلك السيدة عبير موسي، رغم كل ما قامت به وسعت إليه لإقصاء النهضة وضرب التجربة الديمقراطية وبلبلة الحياة البرلمانية.. نحن لا نتعامل بمكيالين ولا نبني قيمنا الديمقراطية والمواطنية حسب المزاج والحسابات والانتماءات، بل انطلاقا من تمسكنا بالقانون وبالديمقراطية وبالعدالة وبالمساواة.
هل ترى في هذه الأحكام وغيرها رسالة للحركة وهل سيؤدي الأمر إلى إيقاف عمل الحركة رسميا؟
لقد قلنا ونعيد القول بالصوت العالي وبكل ثقة واقتناع إن حركة النهضة حزب تونسي وطني مدني ديمقراطي إصلاحي ذو مرجعية عربية إسلامية خاضع للقانون ملتزم بالأسس الديمقراطية متمسك حد النخاع بالمصلحة الوطنية العليا حاضرا و مستقبلا.. لذلك لا نرى ولا نجد أي سبب لمنع حركة النهضة، ونعتبر ما تتعرض له من إيقافات في صفوف قياداتها، ومنعها من مقراتها يمس في العمق صميم الحياة الديمقراطية ولا مبررات قانونية له.
نحن ننتظر إطلاق سراح قادتنا وإطاراتنا المعتقلين واسترجاع مقراتنا لنتمكن من ممارسة أنشطتنا بكل حرية وأريحية ونواصل استعداداتنا لتنظيم مؤتمرنا القادم في أفضل الظروف وأقرب الأوقات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس