بو بكر يحيى: التعويل على الذات يتطلب قرارات سياسية جريئة

63
بو بكر يحيى: التعويل على الذات يتطلب قرارات سياسية جريئة
بو بكر يحيى: التعويل على الذات يتطلب قرارات سياسية جريئة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. كشفت دراسة محلية مؤخرًا أن تونس نجحت نسبيًا في أخذ مسافة من صندوق النقد الدولي ورفض شروطه القاسية، خاصة المتعلقة برفع الدعم ووقف التعيينات والتقليص من كتلة الأجور، في خطوة فاجأت الأوساط الاقتصادية بعد أن أظهرت السلطة نجاعة توجهها في علاقتها بصندوق النقد.

وأشار النائب في البرلمان التونسي بوبكر يحيى في حواره مع “أفريقيا برس” أنه رغم “النتائج الجيدة التي حققتها تونس عقب رفضها لشروط صندوق النقد، إلا أن “سياسة التعويل على الذات التي تنتهجها كخطة بديلة تتطلب قرارات سياسية جريئة وقوية، كفتح ملف الطاقة وإعادة النظر في عقود الشراكة وتشخيص المؤسسات العامة وإعادة هيكلتها، إضافة إلى ضرورة تبني دبلوماسية اقتصادية فعالة.”

ورأى أن “الدعوات إلى مصالحة وطنية هي مطلوبة اليوم في ظل التغيرات العالمية المتسارعة، غير أنه يجب أن تكون ملتزمة وفق المبادئ المنبثقة عنها لحظة 25 جويلية.” وفق تقديره.

وبوبكر يحيى هو نائب بالبرلمان التونسي عن دائرة محافظة “دوز”، وقيادي بحركة الشعب، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة بالبرلمان.

ما رأيكم في الدعوات البرلمانية التي تم إطلاقها مؤخرًا والمطالبة بمصالحة وحوار وطني جدي وتعديل قوانين الردع؟ وأي جدوى لهذه الدعوات في ظل عدم إصغاء السلطة لها حتى الآن وعدم التفاعل معها؟

إن التغيرات العالمية المتسارعة، وخاصة في محاولات تغيير الخارطة السياسية للشرق الأوسط ومدى تأثيرها على العلاقات الدولية والإقليمية، تجعل من الضروري أن لا تعيش تونس في عزلة. ومن باب التوقي والحذر والمحافظة على أمن البلاد، تم إطلاق دعوات برلمانية للمطالبة بمصالحة وطنية من أجل بناء جبهة داخلية قادرة على الدفاع عن مصلحة الوطن أمام أي مخاطر محتملة. هذه الدعوات ضرورية اليوم ويجب أن تكون ملتزمة بمبادئ التصحيح المنبثقة عن لحظة 25 جويلية. أما استجابة السلطة من عدمها، فهي موكولة لها ولتقديرات المرحلة.

هل كان الرئيس يقصد حين تحدث عن وحدة وطنية صماء بفتح باب الحوار أمام المعارضة؟ وهل يمكن أن تفرض التغيرات الإقليمية على الرئيس قبول التهدئة وتجميع جميع الفرقاء باختلافاتهم على طاولة واحدة؟

تونس اليوم أمام تحديات كبرى في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ورغم حديث السيد الرئيس عن الوحدة الوطنية، إلا أنه لم يبين ماهية الوحدة الوطنية التي نريد، ومن المعني بها، وكيف يمكن تجسيدها في الواقع الآن. وبالتأكيد، هذا المبدأ مهم جدًا وضروري في الوقت الراهن للتفاعل مع كل المتغيرات الدولية والإقليمية، لتأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي، والمحافظة على أمننا الداخلي والخارجي.

في دراسة صدرت مؤخرًا، استنتجت أن تونس نجحت نسبيًا في أخذ مسافة من صندوق النقد الدولي ورفض شروطه. هل ترى أن ابتعاد تونس عن الصندوق ليس بالسوء المتوقع، وبإمكانها النجاح في سياسة التعويل على الذات التي تتخطاها؟

الحقيقة أن عدم استجابة تونس لبعض شروط صندوق النقد الدولي يعتبر موقفًا مهمًا وجيدًا، رغم أننا ما زلنا ملتزمين ببعض الإجراءات حتى الآن، مثل رفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية وقانون التقاعد الاستثنائي وغيره. في مقابل ذلك، لجأنا إلى الاقتراض من مؤسسات أخرى لتغطية حاجياتنا من سداد الديون الداخلية والخارجية، ودعم الميزانية، وتغطية العجز.

أما مبدأ التعويل على الذات، فهو يتطلب قرارات سياسية جريئة وقوية، مثل فتح ملف الطاقة، وإعادة النظر في عقود الشراكة، وتشخيص المؤسسات العامة، وإعادة هيكلتها، وحوكمة التصرف فيها. إضافة إلى تحديد دقيق لثرواتنا الباطنية وغيرها، حتى نعرف ما لنا وما علينا. وهو المدخل الوحيد للتعويل على الذات، حيث لا يمكن تطبيق هذا المبدأ دون معرفة دقيقة وواضحة لإمكاناتنا وإراداتنا التي سنبني عليها المستقبل، ودون وجود دبلوماسية خارجية فعالة وناجحة.

هل بإمكان الحكومة التونسية فتح الباب أمام التوظيف العمومي، وهي دعوة من الرئيس سعيد مؤخرًا، أم يصعب ذلك لأنه يتطلب موارد مالية جديدة؟

عادة ما يكون التوظيف مرتبطًا بنسبة النمو السنوية وببرمجة احتياجات الدولة من الإطارات والأعوان، وتحديد ما يمكن توظيفه حسب موارد الدولة القارة والدائمة. وفي ظل غياب استثمارات كبرى ودورة اقتصادية نشطة يمكن أن تخلق الثروة وتحدث مداخيل جباية تساهم في تعبئة الموارد، فإن الحكومة اليوم غير قادرة على فتح باب التوظيف أكثر مما ورد في ميزانية 2025.

هل تتوقع الاستجابة لتتالي الدعوات بسحب أو تعديل المرسوم 54؟ وما هي مشاريع القوانين التي ترى لها أولوية النظر في الفترة القادمة؟

عديدة هي الدعوات التي تطالب بتنقيح المرسوم 54، وقد أودعنا ككتلة الخط الوطني السيادي مقترح تعديل منذ الدورة البرلمانية الأولى، ولكن للأسف لم يتم تمريره إلى اللجنة المختصة إلى حد الآن. ما نأمله هو أن يتم النظر فيه في أقرب وقت، وسيكون تنقيحًا يتفاعل فيه جميع المتداخلين، ويهدف إلى تصحيح الهدف من هذا المرسوم وإلغاء ما يتعارض مع نص دستور 2022.

أما مشاريع القوانين التي يجب أن تكون ذات أولوية فهي تلك التي تدعم الاستثمار في جميع المجالات، وتقطع مع الإجراءات الإدارية المعطلة، وكذلك تلك التي لها صبغة اجتماعية باعتبار الدولة ذات بعد اجتماعي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وكأولوية يجب تنقيح مجلة الاستثمار، مجلة المياه، مجلة الشغل، مجلة الصرف وغيرها.

ما هي قراءتكم لقانون الشيكات الجديد وسط دعوات بتأجيل تطبيقه إلى العام القادم، والذي برأي كثيرين يزيد الأعباء المالية والاجتماعية على التونسيين؟

جاء قانون الشيكات ليحد من استعمال الصكوك بدون رصيد، وليقنن التعاملات المالية بطريقة أكثر شفافية ووضوحًا، مما يساعد على الابتعاد عن العقوبات السجنية. إلا أنه قد يعطل بعض البرامج والمشاريع، خاصة بالنسبة للشركات الصغرى والمتوسطة. كما أن له تداعيات اجتماعية على عموم التونسيين، خاصة في التزود بحاجياتهم وكيفية تسديد مستلزماتهم.

أما دعوات تأجيل تطبيقه قبل دخوله حيز التنفيذ بقليل فهي ليست ذات معنى. كان بالإمكان اقتراح التعديلات الضرورية قبل تمريره إلى الجلسة العامة. والآن علينا انتظار نتائج تطبيق هذا النص وانعكاساته على الدورة الاقتصادية، وتقييم تأثيره على سلوكيات التصرف المالي لدى المؤسسات والمواطنين. وإذا ظهر أي خلل أثناء التطبيق أو تبين وجود عيب، يمكن تقديم مقترح تعديل.

هل تعتقد أنه كان من الأفضل تطبيق هذا القانون على مراحل وبالتدرج لتبسيط وتفسير بعض النقاط التي قد تعترض المتعاملين؟

أمام غياب نسيج اقتصادي صلب ومنتج ومتوازن وخالق للثروة، كان بالإمكان تطبيق هذا القانون على مراحل وبالتدريج لتسهيل الإجراءات، واستيعاب التعامل معه، خاصة في غياب حملة تفسيرية دقيقة من السلطات المعنية لإنارة المواطن والمؤسسات حتى يكون الجميع على بينة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here