أفريقيا برس – تونس. في خطوة إقليمية حاسمة لدعم استقرار ليبيا، أنهت دول جوار ليبيا (تونس ومصر والجزائر)، أمس السبت، اجتماعا لوزراء خارجية الدول الثلاث، ويأتي هذا اللقاء ضمن المساعي المتواصلة لتلك الدول لمعالجة الأزمة الليبية وتداعياتها على المنطقة.
وركز الاجتماع على حث الأطراف الليبية إلى ضرورة ضبط النفس، والوقف الفوري لأي تصعيد مرتقب والحث على ضرورة التوافق بين الأطراف الليبية كافة، والعمل على إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات.
“بعيد المنال”
قال المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، إن “الاجتماع الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر في القاهرة، لم يخرج عن الإطار التقليدي المعتاد، إذ تكررت ذات التصريحات والمفردات الفضفاضة، التي لا تلامس جوهر الأزمة الليبية، رغم التأكيد المتكرر على ضرورة أن يكون الحل “ليبي – ليبي” ودعم لجنة “5 + 5″، والتي يرى أنها “لا تملك فعليا أي صلاحيات على الأرض، بل تعد مجرد واجهة شكلية، في حين أن القوات الفعلية المنتشرة على الأراضي الليبية لا تخضع لإمرتها أو توجيهاتها”.
وأضاف العبدلي أن “البيان الثلاثي تحدث عن أهمية تحقيق الاستقرار الأمني في ليبيا، مستدلين على ذلك بما تشهده العاصمة طرابلس من هدوء نسبي، إلا أن هذا الاستقرار لا يعكس واقعًا مستدامًا، في ظل تعدد الفواعل الأمنية وغياب سلطة موحدة فاعلة”.
وأشار إلى أن “الوزراء شددوا على دعمهم لإجراء الانتخابات ورفضهم لأي تدخلات خارجية، وهي مواقف تطرح في كل اللقاءات الدبلوماسية، لكن من دون أن تُترجم إلى خطوات عملية”.
وتابع: “الحديث نفسه يتكرر في كل الاجتماعات، بغض النظر عن الأطراف المشاركة، فيما تبقى الأزمة الليبية أكثر تعقيدا وتشابكا مما يُطرح في هذه البيانات”.
وأوضح العبدلي أن “التدخلات الخارجية في ليبيا، باتت مؤسسة وشرعنتها أطراف رسمية، سواء مجلس النواب في الشرق أو حكومة الوفاق السابقة أو حكومة الوحدة الوطنية في الغرب، فضلًا عن المجلس الأعلى للدولة، إذ أن جميع هذه الجهات استعانت بقوات أجنبية عبر اتفاقات رسمية”.
وأردف: “هذه القوات الأجنبية ساهمت، ولو جزئيًا، في خلق توازن على الأرض، حيث لم تتوقف الحرب في السابق إلا بتدخلات دولية مباشرة”.
وتابع قائلا: “ليبيا اليوم أمام أزمة مركبة، أبرز ملامحها أن الفاعلين الخارجيين يتحكمون في المشهد السياسي والعسكري، فيما يغيب القرار الوطني المستقل، ولذلك فإن الحديث عن حل من خلال بيانات إنشائية غير واقعي”.
وشدد حسام الدين العبدلي على أن “إنهاء التدخلات الأجنبية لن يتحقق إلا عبر سلطة موحدة قادرة على فرض نفوذها في عموم البلاد، من خلال حكومة قوية وبرلمان فاعل”.
وحول ملف الانتخابات، أشار العبدلي، إلى أن “هذا المسار لا يزال يواجه تحديات كبيرة، رغم أن اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة وضعت خارطة طريق تتضمن عدة مقترحات، أبرزها إجراء انتخابات برلمانية كخطوة أولى، في حين أن الانتخابات الرئاسية تبدو مؤجلة بسبب الخلافات العميقة بين الأطراف السياسية وعدم التوافق على قواعدها، إذ يريد الجميع أن يحكم”، على حد تعبيره.
ومضى مؤكدًا أن “ما تمخّض عن الاجتماع من التأكيد على الحل الليبي لا ينسجم مع واقع الانقسام السياسي الحالي، إذ ترفض الأطراف المسيطرة على المشهد التخلي عن مكاسبها، ولن تجتمع على طاولة واحدة دون تدخل ورعاية مباشرة من الأمم المتحدة، التي تظل الجهة الوحيدة القادرة على إضفاء الشرعية على أي اتفاق”.
كما أكد أن “هذه الاجتماعات مفيدة على صعيد تقريب وجهات النظر بين مصر والجزائر، وتعزيز الدور التونسي كوسيط محايد، إلا أن هذه الجهود لم تُقرب بعد من الوصول إلى تسوية واقعية وشاملة للأزمة الليبية”.
دور محوري
فيما يرى المحلل السياسي الليبي إدريس احميد، أن الدول الثلاث المجاورة لليبيا، وهي مصر وتونس والجزائر، “ترتبط بعلاقات متينة مع ليبيا على المستويات الجغرافية والاجتماعية والتجارية والاقتصادية والأمنية”، ويعتقد أن “الأزمة الليبية، التي انفرد مجلس الأمن الدولي بإدارتها وتبعها التدخل الأجنبي عام 2011، قد وقعت في غياب واضح لهذه الدول”.
وأوضح احميد أن “مصر، في تلك الفترة، كانت منشغلة بتداعيات أحداثها الداخلية، فيما انطوت الجزائر على نفسها خشية تأثيرات التدخل الأجنبي في ليبيا، أما تونس فقد كانت غارقة في ترتيباتها الداخلية بعد الثورة، وبهذا، تم إقصاء الدور الإقليمي لهذه الدول عن لعب أي دور حقيقي في حل الأزمة الليبية”.
وفي حديثه عن مصر، أكد احميد أنها “دولة كبيرة ذات ثقل إقليمي ودولي، ولها مصالح استراتيجية مشتركة وعميقة مع ليبيا، وتنظر إلى حالة عدم الاستقرار في ليبيا، كتهديد مباشر لأمنها القومي ولهذا، كان لمصر دور واضح في السعي لتحقيق الاستقرار، ومحاولة تعويض ما فاتها من غياب خلال المرحلة السابقة”.
وأشار احميد إلى أن “مصر تابعت ما يجري في ليبيا، بدقة وقلق بالغ، وكان لها دور مهم في إنهاء حرب عام 2019، حينما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن منطقة سرت خط أحمر، وهو ما ساهم في منع مزيد من التصعيد وحدّد ملامح الأمن الليبي في تلك المرحلة، ونجحت القاهرة في احتواء الموقف نسبيًا خلال تلك الفترة الحساسة”.
أما تونس، فيؤكد احميد أنها “ترتبط بعلاقات قوية مع ليبيا جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد لعبت دورا بارزا في احتضان عدد من الحوارات السياسية الليبية، كما تسعى بوضوح إلى دعم مسار الاستقرار السياسي في ليبيا”، وأشار إلى أن “العلاقة بين البلدين ظلت مرنة ومفتوحة رغم التحديات التي تواجه تونس داخليا”.
وفيما يتعلق بالجزائر، أشار احميد إلى أن “موقفها من الأزمة الليبية لا يزال غير واضح بشكل كافٍ، رغم أنها كانت من أوائل الدول التي رفضت التدخل الأجنبي في ليبيا، وسبق أن احتضنت اجتماع وزراء دول الجوار الليبي”، لكنه يرى أن “السياسة الجزائرية تجاه ليبيا لا تزال مترددة، وربما يعكس ذلك مخاوف مرتبطة بالأوضاع الأمنية المتقلبة في ليبيا”.
ويرى أن “هذه المخاوف دفعت الجزائر إلى تبني سياسة الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، خاصة في الملف الأمني”، لكنه شدد على أنه “من الضروري أن توضح الجزائر موقفها بشكل أكبر، وأن تسهم بشكل فعلي في دعم جهود إيجاد حل حقيقي للأزمة الليبية”.
وأكد إدريس احميد أن على “هذه الدول الثلاث أن تعمل إلى جانب الدول الكبرى، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي يمكن أن تلعب دورا مؤثرا بالتعاون مع مصر، في خلق حل سياسي حقيقي للأزمة الليبية، يقوم على دعم الحل “الليبي – الليبي”، ويبتعد عن التدخلات الخارجية”.
وأضاف أن “انخراط مصر وتونس والجزائر في حل الأزمة الليبية لم يعد خيارا، بل ضرورة تفرضها التحديات الراهنة في المنطقة، في ظل التدخلات السابقة، وما خلفته من فوضى، إلى جانب ما تمر به المنطقة من أزمات مثل القضية الفلسطينية وما تواجهه مصر كدولة مستهدفة من مخاطر متعددة”.
وواصل المحلل السياسي الليبي، بالقول: “يتوجب على هذه الدول أن تذهب إلى تنسيق موقف واضح وموحد، والعمل سويا على دعم الليبيين في حل أزمتهم بأنفسهم، ومساندة الحراك الوطني الليبي للخروج من حالة الانسداد السياسي، بعيدًا عن أية تدخلات أجنبية تعيق المسار نحو الاستقرار”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس