تأخر تشكيل المحكمة الدستورية في تونس يحرج قيس سعيد

69
تأخر تشكيل المحكمة الدستورية في تونس يحرج قيس سعيد
تأخر تشكيل المحكمة الدستورية في تونس يحرج قيس سعيد

أفريقيا برس – تونس. يحرج تأخر تركيز المحكمة الدستورية في تونس الرئيس قيس سعيد، خاصة وأن تعيين جميع أعضائها راجع إليه وفق ما ينص عليه دستور الجديد، الأمر الذي فسره خبراء قانون ومحللون بلجوء سعيد إلى المماطلة لرغبته في الانفراد بالسلطة وعدم رغبته للخضوع إلى الرقابة من قبلها.

وعلى رغم من تشديد رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة مؤخرا في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن النظر في المحكمة الدستورية يشكل أولوية، كما يوجد مقترح من قبل النواب بخصوصها سيناقش قريبا، إلا انه أقر في المقابل بوجود غموض بشأن وظيفتها الدستورية إن” كانت ستنظر في دستورية القوانين أم ستتحول إلى محكمة تأسيسية تنازع البرلمان في وظيفته التشريعية، الأمر الذي يستوجب الاستماع إلى عديد المختصين في القانون الدستوري”، حسب تقديره.

سلطة دون رقابة

تتساءل أوساط قانونية وسياسية عن سبب التأخر في تشكيل المحكمة الدستورية رغم غياب المعيقات التي كانت تحول دون تشكيلها في البرلمان السابق حيث حالت التجاذبات والمعارك بين الأحزاب الحاكمة طيلة عقد من الزمن على عدم تشكيلها، بينما بات الطريق سالكا إليها اليوم بعد التحول من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي يضع جميع الصلاحيات والسلط بيد الرئيس.

ويعتقد أيمن البوغانمي الباحث في الشؤون السياسية في حديثه ل”أفريقيا برس” أن “سبب التأخير في إرساء المحكمة واضح لأن الرئيس قيس سعيد لا يحبذ أي سلطة مضادة وواضح أنه يريد الحفاظ على كل الصلاحيات.”

معلقا “تركيز المحكمة الدستورية سيضعف من صلاحياته رغم أنها محكمة ضعيفة، لكن مع ذلك هو لا يفضل أي سلطة مضادة”.

ويرى بوغانمي أن” الرئيس يخشى تركيز المحكمة خاصة أن هناك حديث على أن بعض القضاة الذين سيعينون بالصفة هم معارضين له.. لكن هذا لا أستطيع أن أؤكده. ”

واستدرك بالقول “في كل الحالات أي سلطة يمكن أن تمكن من أي شكل من أشكال المراقبة لا يحبذها الرئيس وهو مفهوم حيث أن أي صاحب سلطة لا يريد أن يكون تحت الرقابة. ”

وتابع”الإشكال ليس في الرئيس الإشكال في من سمح له أن يصل إلى هذه المرحلة من السلطة دون خضوعه للرقابة”.

وشرح البوغانمي بأن “غياب المحكمة الدستورية لا يحمل أي تأثير لأنه واضح أنه منذ 25 جويلية المؤثر الوحيد في المشهد السياسي هو الرئيس”، ويستبعد أن”يغير وجودها المعادلة عموما وأن تداعيات غيابها حاليا هو غياب الرقابة على الرئيس”.

والمحكمة الدستورية هي هيئة قضائية صدر قانونها الأساسي عام 2015، وتضم 12 عضوا، وحسب الدستور السابق أي دستور2014 فإن 4 من أعضائها ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم “المجلس الأعلى للقضاء” (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.

وتراقب المحكمة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة.

وكان من المفترض تشكيل المحكمة الدستورية بعد عام واحد من الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2019 لكن الخلافات الحزبية حالت دون ذلك، ويعتقد خبراء أن وجودها كان سيكون عاملا رئيسيا في إنهاء الصراع السياسي وتهدئة الأوضاع بعد 25 جويلية باعتبارها ستكون الفيصل في مدى دستورية إجراءات سعيد، كما أنها ستكون الفيصل حال وقوع فراغ رئاسي مباغت في حال الوفاة أو تعرض الرئيس إلى وعكة صحية.

وعلى رغم أهميتها والسهولة في تركيزها وفق دستور 2022 حيث أن أعضاء المحكمة يعيون بصفاتهم، إلا أن التأخر في إرساءها عرض الرئيس إلى انتقادات حادة خاصة من معارضيه وسط اتهامات له برغبته في الانفراد بالسلطة وسياسته الإقصائية منذ انطلاق إجراءات 25 جويلية، حيث يعد الطرف المستفيد من عدم إرساءها إلى الآن.

وينص الفصل 125 من الدستور الجديد على أنّ المحكمة الدستورية تتشكل من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات، وينتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيسا لها طبقا لما يضبطه القانون.

واللافت للانتباه أن المحكمة الدستورية في دستور 2022 لها اختصاصات محدودة مقارنة بما كانت عليه في دستور2014، كما سحب سعيد من رئيس البرلمان في حالات الشغور النهائي في منصب رئاسة الجمهورية نيابة الرئيس وقتياً، حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ومنحها في مقابل ذلك لرئيس المحكمة الدستورية، ما يعني أن هذا المنصب شاغر إلى حد الآن بسبب غياب محكمة دستورية.

مع ذلك ورغم التقليص في صلاحياتها، تبقى وظيفة المحكمة الأساسية هي ضمان دستورية القوانين وفي غياب المحكمة الدستورية ستبقى القوانين في حلّ من كل رقابة.

أولويات المرحلة

يتفق المؤيدون والمعارضون لمسار 25 جويلية على أن تركيز المحكمة الدستورية من أولويات المرحلة حيث أن غيابها لا ينتج عنه تداعيات سياسية وخيمة فحسب بل اقتصادية كذلك وسط عجز السلطة عن النهوض بالبلد والخروج من عنق الزجاجة.

وسبق أن حذرت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أن “غياب محكمة دستورية سيساهم في تمديد الأزمة التي تمر بها تونس حاليا، مما قد يؤدي إلى تباطؤ نسق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وبالتالي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.

وتوسعت الدعوات المطالبة بإرساء المحكمة الدستورية أعقاب تنظيم انتخابات تشريعية وإرساء برلمان جديد غير أن الرئاسة قابلت هذه الدعوات بالصمت ، الأمر الذي يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لأجل تركيزها حسب استنتاجات المتابعين.

وبينما تقول المعارضة أن المماطلة في إرساء المحكمة يضع مصداقية البرلمان الجديد ومسار 25 جويلية ككل على المحك في ظل غياب رقابة دستورية، تضغط الأحزاب المؤيدة للمسار من أجل التسريع في تركيز المحكمة وغلق دائرة الجدل بشأنها لطمأنة الشارع بحفاظ البلد على النفس الديمقراطي وحرصها على علوية القانون.

وأشار صهيب المريزقي القيادي بحزب حركة البعث في حديثه ل”أفريقيا برس” إلى أن “عملية إرساء المحكمة الدستورية ليست بالعملية الصعبة حسب الدستور الحالي فقط تستوجب التعيين من قبل رئيس الجمهورية والعرض على مجلس نواب الشعب وليس كما كانت بدستور 2014 و المحاصصة الحزبية قصد السيطرة على التشريع و إحتكار التأويل. ”

وبرأيه “يجب أن تكون من بين الأولويات قبل التوجه إلى انتخابات مجلس الأقاليم والجهات، لأنه لا يمكن الحديث عن انتخابات على مستوى محلي وجهوي في غياب المحكمة الدستورية التي ستؤطر وستراجع مشاريع القوانين التي سيتم تمريرها في البرلمان، سواء تنظيميةً كانت أو انتخابيةً.

واعتبر أن التأخير الذي حصل إلى الآن مسألة قانونية في غياب القانون المنظم للمحكمة الدستورية الذي يجب أن يبادر به رئيس الجمهورية نواب البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه قائلاً إنه “إذا تم هذا الأمر فإن تركيز المحكمة الدستورية سيصبح أمراً سهلاً”.

وخلص بالقول “أضف إلى ذلك غياب الإرادة السياسية اليوم في سبيل إرساءها و هي ضرورة، و أعتقد أيضا أن العطلة البرلمانية اليوم قد حالت دون ذلك خاصة بعد لقاء رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة مؤخرا برئيس الجهورية قيس سعيد.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here