إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. فرضت واشنطن خلال الأشهر الأخيرة تعريفات جمركية مرتفعة على صادرات تونس، فيما برّرت ذلك بأنه يدخل ضمن “تصحيح ميزان التجارة”، غير أن توقيت هذه الإجراءات وطريقة إعلانها، لا يبدو معزولا عن سياق الضغط السياسي كما فتح الباب أمام تأويلات غذّت نظرية “المؤامرة” التي ترى في مثل هذه الإجراءات استهدافا ممنهجا لتونس والجزائر والمنطقة ككل.
المحلل السياسي التونسي، الدالي البراهمي، يرى أن “إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم بنسبة 25% على واردات بعض الدول، منها تونس، يحمل رسائل سياسية واقتصادية مزدوجة”. وفي تصريح لـ”موقع أفريقيا برس”، قال البراهمي إن “هذه الخطوة جزء من سياسة تصعيدية أميركية تهدف إلى فرض التوازن بالقوة في العلاقات التجارية وموازين التبادل”.
وفي تعليقه على هذا القرار، أوضح رئيس غرفة التجارة الأميركية في تونس، مروان بن جمعة، أن “الإدارة الأميركية منحت تونس مهلة تمتد من 8 يوليو إلى غاية 1 أغسطس المقبل، لمواصلة المفاوضات بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات التونسية نحو السوق الأميركية”.
وكان ترامب فرض في بداية أفريل الماضي رسوما جمركية بنسبة 28 بالمئة على الواردات التونسية، لكن بعد ذلك خيّر فرض نسبة 10 بالمائة كخطوة أولى لفتح باب المفاوضات وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق فإنه سيتم فرض نسبة 25 بالمئة.
وقال الدالي: “طالت هذه الإجراءات صادرات تونسية أساسية، أبرزها زيت الزيتون والمنتجات الفلاحية والنسيجية، ما يضع المصدرين التونسيين أمام تحديات جديدة في النفاذ إلى السوق الأميركية”.
في المقابل، نوّه مروان بن جمعة في تصريحات إذاعية بأن “الدولة التونسية تعمل “بمجهودات كبرى” لخفض النسبة، وأن الطرفين يبحثان عن “حل رابح – رابح” يخدم مصالح البلدين، وأن تونس تملك حُجة ودبلوماسية اقتصادية قوية للدفاع عن موقفها”.
ثمن الانفتاح
قلّل الدالي البراهمي من التأثير المباشر لهذا القرار، وقال لـ”أفريقيا برس”: “رغم الطابع التصعيدي للقرار الأميركي، يبقى تأثيره الفعلي على الاقتصاد التونسي محدودا، بالنظر إلى حجم المبادلات التجارية المتواضع بين البلدين”.
ويضيف: “ومع انفتاح تونس على الحوار في إطار مقاربات عادلة ومتوازنة، تبقى الرسالة الأهم أن السيادة الاقتصادية ليست محل مساومة، وأن تونس ترفض أن تُدار علاقاتها التجارية بمنطق الإملاءات أو فرض الأمر الواقع.. وتأتي هذه الرسوم في وقت تعمل فيه تونس على تنويع شركائها الاقتصاديين وتوسيع أسواقها نحو فضاءات بديلة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ما يحدّ من التأثير الهيكلي المحتمل لمثل هذه الإجراءات”.
ويشدّد على أن “الرد التونسي على هذه الخطوة سيتّسم بالوضوح والحزم، إذ تمسّكت تونس بموقف سيادي ثابت يرفض الضغوط والابتزاز الاقتصادي، انسجاما مع توجهات الرئيس قيس سعيّد، الذي يضع استقلال القرار الوطني في صميم السياسة الخارجية”.
وهذا الانفتاح هو ما يبرر، وفق بعض المحللين، الموقف الأميركي خاصة وأن ترامب هدّد بشكل مباشر مجموعة بريكس والدول التي تنتمي إليها، أو تفكر في الانضمام إليها، “بفرض رسوم جمركية إضافية عشرة بالمئة على أي دولة بالتكتل تتبنى سياسات معادية للولايات المتحدة”.
وهنا لا يمكن قراءة الرسوم الأميركية الأخيرة على تونس بمعزل عن هذه الحرب الاقتصادية المفتوحة، خصوصا أن تونس صارت تصنَّف ضمن الدول ذات التوجهات المتزايدة نحو تنويع شركائها الاقتصاديين، بما في ذلك تعزيز علاقاتها مع الصين إلى جانب علاقتها “الخاصة” بالجزائر.
يقوّي توقيت القرار والتفاوت في النسب المفروضة (تونس 25% مقابل 10% لبعض الدول) حجّة أنصار نظرية “التآمر” وأن القرار تجاري لكنه لا يخلو من رسالة سياسية مستترة، خاصة وأن ترامب حذّر الرئيس التونسي من أن أية ردّ فعل مضادة يمكن أن تؤدي إلى ترفيع جديد.
ويعتبر أنصار هذه الرواية أن تونس تدفع ثمن مواقفها من إسرائيل ورفضها القاطع الدخول في مفاوضات من أي نوع بشأن اتفاقيات إبراهام التي تعتبر حجر الزاوية في سياسة ترامب والورقة التي عاد بها إلى البيت الأبيض.
وتذهب بعض القراءات إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن القرارات الأميركية، وإن كانت في ظاهرها امتدادا للحرب التجارية التي يخوضها ترامب تحت شعار “أميركا أولا”، إلا أنها تحمل بين طيّاتها ما هو أعمق وتستبطن نسخة ثانية من “الربيع العربي” يتجاوز تونس ليصل إلى الضغط والتضييق على الجزائر، التي تتمسك برفضها القاطع لأي علاقات مع إسرائيل، وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع كل من إيران وفنزويلا وروسيا.
وقد بلغت نسبة الترفيع في الرسوم الجمركية على الجزائر 30 بالمئة.
وكان ترامب حذّر من أن “من يرفض اتفاق إبراهام أو يقف مع طهران سيدفع الثمن”. وتتطلع الإدارة الأميركية إلى إنشاء “حزام تطبيعي” لكن موقف تونس والجزائر يعتبر أكبر عائق لها في المنطقة.
تجد تونس، بحدودها المشتركة مع الجزائر وبموقفها الرافض للتطبيع، نفسها اليوم بين خيارين: إما مواصلة الانفتاح على الشركاء البديلين، بما يحمله من تحديات، أو الرضوخ للضغوط الأميركية، مع ما قد يترتب عن ذلك من تداعيات سياسية وشعبية داخلية.
وفي مواجهة هذا الواقع، كتب الصحفي التونسي مصطفى عطية في تدوينة منتقدا الموقف الأميركي: “الرد الوحيد على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بـ25% على الصادرات التونسية إلى بلاده، هو الآتي:1- تمكين سفينة الاستطلاع الروسية ‘فاسيلي تاتيشيف”، التي ترعب الولايات المتحدة، من الرسو في المياه الإقليمية التونسية قبالة الأسطول الأميركي في المتوسط. 2- الشروع في تفعيل مشروع “طريق الحرير” الذي عرضته الصين الشعبية على تونس وفيه فوائد اقتصادية كبيرة لبلادنا. وسوف ترى كيف سيتغير خطاب وموقف ترامب بالكامل من التهديد إلى التودد. تونس لها أوراق عديدة رابحة لا بد من توظيفها بذكاء وحكمة”.
تحول في العلاقات الأميركية التونسية
موقع تونس يجعلها في قلب معادلة الضغط الأميركي. وعلاقاتها بواشنطن تشهد تغييرات على مختلف الأصعدة، بل إن “اختلالا استراتيجيا يُنذر بتحول كبير في العلاقات الأميركية التونسية في المستقبل القريب”، وفق مايكل والش الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية.
وكتب والش في صحيفة تايمز أوف إسرائيل، تعقيبا على رسالة ترامب الأخيرة بشأن تونس، قائلا: “، إدارة ترامب “ترى تونس من أسوأ المخالفين تجاريا ومن بين الدول التي تعرقل توسع اتفاقيات إبراهام (…) ومن شبه المؤكد أن إدارة ترامب تتوقع المزيد من حليف رئيسي من خارج حلف الناتو يتمتع بامتيازات خاصة، بما في ذلك الأهلية للحصول على تدريب متطور يُغطيه دافعو الضرائب الأميركيون”.
ويضيف والش أن “العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإسرائيل مقطوعة… والرئيس التونسي قيس سعيد منتقد صريح لاتفاقيات إبراهام. لذلك، تواجه إدارة ترامب معضلة خطيرة. فمن جهة، تسعى جاهدة للوفاء بالتزاماتها تجاه الناخبين الأميركيين. ويشمل ذلك توسيع نطاق نظام اتفاقيات إبراهام ليشمل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن جهة أخرى، تُعتبر تونس حاليا حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج الناتو”.
لذا، يرى مايكل والش أن “أي انهيار كبير في الشراكة الإستراتيجية سيحمل مخاطر سلبية جسيمة تتجاوز العلاقات الأميركية التونسية بكثير. من بين أمور أخرى، سيقلل ذلك من موثوقية الوصول الطارئ للجيش الأميركي وأجهزة الاستخبارات إلى “مركز الإرهاب في العالم” (أي منطقة الساحل). وهذا من شأنه أن يُصعّب على الحكومة الأميركية استخدام القوة بحكمة ضد المنظمات الإرهابية الأجنبية التي تُشكّل تهديدا واضحا وقائما للولايات المتحدة وحلفائها. لذلك، تجد تونس والولايات المتحدة نفسيهما عند مفترق طرق استراتيجي”.
تواجه تونس اليوم ضغوطا متصاعدة في معركة معقّدة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وإستراتيجية. وبينما تشتد المنافسة الدولية على شمال أفريقيا، تتقاطع الرسائل الأميركية مع ملامح تحول في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، قد تكون له تداعيات تتجاوز الاقتصاد إلى الأمن والاستقرار.
وهنا يرى مايكل والش أن “على تونس أن تُقرّر ما إذا كانت ستشرع في إصلاحات تُسهّل على إدارة ترامب الوفاء بالتزاماتها. وإن لم يكن الأمر كذلك، فعلى إدارة ترامب أن تُقرّر ما إذا كانت ستستخدم أساليب أكثر قسرية لمحاولة إجبار نظام هجين، بدأ ينحرف عن المسار الأميركي، على السعي وراء تلك الإصلاحات رغما عنه”.
ويلخص إلى أنه “مهما كان القرار، يبدو أن الوضع الراهن لن يدوم طويلا. هناك تغيير قادم في العلاقات بين الولايات المتحدة وتونس”.
لا شكّ في أن تغييرا قادما يلوح في الأفق بعد أن فعّلت الإدارة الأميركية سياسة “الضغوط القصوى” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف إعادة رسم خارطة التحالفات الإقليمية وفق إستراتيجية واضحة: إما الاصطفاف مع مشروع التطبيع من الخليج إلى أفريقيا، أو دفع الثمن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس