افريقيا برس – تونس. بقلم :محمد أمين الصامت صاحب كتاب ” المنوال التنموي الجديد” بعد 10 سنوات من الثورة على نظام بن علي، غرقت البلاد في مشاكل ما قبل الثورة (بطالة، اقتصاد غير قادر على خلق الثروة، ثروة محدودة تستأثر بها فئة محدودة، انهيار منظومات التعليم والصحة والنقل العمومي…) ومشاكل ما بعد الثورة وعلى رأسها منظومة الحكم الفاشلة التي لم تقدر على الإصلاح وأتاح ضعفها المجال للّوبيات لتعبث بالبلاد. أضف إلى ذلك، أزمة الكورونا التي زادت من متاعب الدول الضعيفة مثلنا.
الآن، أصبح التونسيون أمام خيارين: إمّا المرور إلى الإصلاح الشامل فتكون ثورة إصلاح وتجديد أو المرور إلى الانهيار الشامل. وقد تبنّى رئيس الجمهورية منذ أيام، مبادرة اتحاد الشغل لتنظيم حوار وطني هدفه تصحيح مسار الثورة وإيجاد الحلول للأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد، وهي فرصة جديدة للخروج من عنق الزجاجة، إلاّ أنّ المشهد مازال ضبابيا لأنّ كيفية تنظيم الحوار والمواضيع التي سيتطرّق لها والمشاركين فيه مازالت لم تحدّد بعد، وهي أسس الحوار وضمانات نجاحه في حال حسن التعامل معها.
من وجهة نظري الشخصية، فإنّ الحوار الوطني يجب أن يكون منتدى ضخم للإصلاح بقدر حجم المشاكل التي تغرق فيها البلاد، فيبلور مشروعا وطنيا مجمّعا للتونسيين يعيد لهم الأمل وينقل البلاد من ثورة على النظام السياسي إلى ثورة الإصلاح والتجديد.
ومن يستطيع فعلا أن يكون قوة اقتراح للإصلاح والتجديد هي الكفاءات والمنظمات الوطنية، ولذلك فإنّ هذا الحوار يجب أن يكون حوارا استراتيجيا بين هذه الأطراف، وهو ما يفرض تنظيمه من خلال مركز الدراسات الاستراتيجية تحت اشراف رئاسة الجمهورية ضمن لجان مختّصة تنكبّ على إيجاد الحلول للمشاكل الحقيقية للشعب التونسي، على أن يتكفّل مركز الدراسات الاستراتيجية بتجميع الحلول وتحويلها إلى رؤية مستقبلية شاملة للبلاد في أفق 2030 و2040 و2050 وذلك بالتعاون مع رئاسة الحكومة وبقية الأجهزة الحكومية، وهو ما يفرض التعاون والتكامل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة فتكون هناك أشغال مشتركة بين الحوار الوطني والمخطط التنموي 2021-2025 فيما يتعلّق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي.
هذه الرؤية الوطنية المنشودة، يجب أن تترجم لاحقا إلى اجراءات على المدى القصير والمتوسط والطويل وفق جداول زمنية مضبوطة. على أن تحدث هيأة وطنية مستقلّة لمتابعة وتقييم السياسات العمومية تكون مسؤولة على مراقبة تنفيذ الخطط الحكومية وتصحيحها.
وإنّني أقترح أن ينتظم الحوار الوطني عن بعد وأن يتفرّع إلى 18 لجنة مختصّة حسب المشاكل الكبرى، وأن تقسّم هذه اللجان بدورها إلى عشرات اللجان الفرعية الأخرى. وسأتطرّق لهذه لمشاكل الكبرى والفرعية بالتفصيل في آخر المقال، علما وأنّني سأنشر خلال الأسبوع القادم أهمّ الحلول المقترحة لهذه المشاكل ضمن وثيقة مشروع وطني شامل بعنوان: من رحم الأزمة إلى ثورة الإصلاح والتجديد.
وبالنسبة للكفاءات الوطنية التي يجب أن تشارك في هذا الحوار فهي الكفاءات المختصّة، كلّ في مجاله، من الكفاءات الإدارية وكفاءات القطاع الخاص والكفاءات العلمية، مع ضرورة إعطاء الفرصة للكفاءات الشابة البارزة التي لها القدرة على الإصلاح والتجديد ومنها الكفاءات المقيمة بالخارج، كما يجب الاستفادة من تجارب النجاح والفشل السابقة من خلال الكفاءات التي لها الخبرة ولا سيما الوزراء السابقون مهما كانت انتماءاتهم. ولا يجب استثناء الكفاءات المنخرطة في الأحزاب بحجّة أنّ الأحزاب هي السبب الرئيسي للأزمة الحالية، فهناك من الكفاءات المتحزّبة من له الرغبة الصادقة في الإصلاح، وفي نفس الوقت لا يجب أن يكون الحوار الوطني حوارا بين الأحزاب المكونة للمشهد السياسي الحالي، فيكون ساحة للتجاذبات التي تؤدّي حتما إلى إضاعة الوقت والخروج عن أهداف الحوار مثلما يحصل في مجلس نواب الشعب.
أمّا هيكلة اللجان الـ 18 المكوّنة للحوار الوطني فيجب أن تكون حسب أهمّ 18 مشكلة كبرى تواجه تونس حاليا وهي كما يلي: أزمة منظومة الحكم ‘système‘ 1- سوء هيكلة وحوكمة النظام السياسي
1-1 نظام شبه برلماني لا يحقّق الاستقرار المطلوب في فترة بناء الدولة ويضعف السلطة التنفيذية 1-2- مجلس النواب مشتّت وأدائه ضعيف وولاء أعضائه لأحزابهم أقوى من ولائهم لناخبيهم.
1-3- تشتّت المجالس البلدية بسبب النظام الانتخابي المتبنّي لأكبر البقايا. 2- سوء هيكلة وحوكمة الإدارة وضعف السياسات العمومية 2-1- ضعف التّصور الإصلاحي بسبب عدم وجود رؤية وطنية شاملة تندرج ضمنها الإصلاحات.
2-2- مركزية الحكم الإداري ونقص الموارد الإدارية بالجهات. 2-3- الفشل الإداري مركزيا على مستوى التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم. 2-4- التمشي المعتمد في محاربة الفساد غير مربح.
2-5- نسبة هامة من ميزانية الدولة توجه كدعم لغير مستحقيه. 2-6- الفشل في محاربة التهرب الضريبي. 2-7- الفشل في محاربة الاحتكار. 2-8- الفشل في الحدّ من الاقتصاد الموازي.
2-9- سوء التصرف في عقارات الدولة. 2-10- سوء التصرف في ملفّ الأموال المنهوبة. 3- سوء حوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية 4- ضعف السياسة الاتصالية لأجهزة الدولة 5- نظام قضائي بطيء ومازال يعيش مشاكل ما قبل الثورة (الفساد، التوظيف السياسي…) الأزمة الاجتماعية:
6- عدم بلورة عقد اجتماعي واضح بين الدولة ومختلف فئات المجتمع يعوّض العقد الاجتماعي القديم الذي سقط بعد الثورة (العقد القديم بين الدولة والمواطن: وافق أو نافق أو غادر البلاد كما يقول ابن خلدون).
7- انهيار متواصل للمنظومة القيمية وآلياتها (المدرسة والأسرة والاعلام والدّين ودور الثقافة والشباب…) 7-2- المنظومة التربوية تنتج أجيالا غير واعية ولا ترتقي بالجانب القيمي.
7-3- تدهور منظومة القيم بالأسرة التونسية. 7-4- الاعلام التجاري يغذّي أزمة القيم ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسائل لنشر للاشاعات. 7-5- انتشار التشدّد الديني أو العداء للدّين نتيجة ضعف الثقافة الدينية.
6-6- النخب التونسية لا تؤدي دورها في قيادة المجتمع. 7-7- تراجع الحسّ الوطني للتونسيين. 7-8- تهميش دور الثقافة والشباب والكشافة وعدم الاهتمام بالرياضة في المجتمع. 7-9- إحساس التونسيين بفقدان الأمل وانتشار الأنانية والعنف اللفظي.
8- إهمال الدولة لدورها في حماية المجتمع (الفقر، الانقطاع المدرسي، التعاسة الاجتماعية ،انتشار الجريمة، تدهور منظومة الصحة العمومية، إهمال إجراءات السلامة، انتشار التشدّد، التلوث…).
8-1- تقاعس الدولة عن إيجاد الحلول لتوفير الأموال الكافية لمساعدة الفقراء ومحاربة الانقطاع المدرسي والتسول. 8-2- تقاعس الدولة عن دورها في المجال الصحي.
8-3- تقاعس الدولة عن مراقبة إجراءات السلامة. 8-4- تفاقم المشاكل الاجتماعية دون تدخّل الدولة حتّى تصبح أزمات مركّبة يصعب حلّها. 8-5- بعد الدولة المعنوي عن مجتمعها الذي يعاني نفسيا (تونس في المرتبة 128 من ضمن 156 دولة في مؤشر السعادة العالمي).
8-6- إنتشار الجريمة في الأماكن العامّة وخاصة التي تنفّذ تحت تأثير المخدّرات واستهلاك الكحول. 8-7- مشاكل اجتماعية مرتبطة بتأخر سنّ الزواج. 8-8- انتشار المنتجات المضرة بالصحة.
8-9- التلوث البيئي. 8-10- عدم حماية الفئات الاجتماعية الضعيفة (العاملات الفلاحيات، العاملات المنزليات، المتشردين). 9- تعطّل المصعد الاجتماعي بسبب عدم تلائم مخرجات منظومة التعليم والتكوين المهني مع سوق الشغل وتدني جودتها.
9-1- عدم ملائمة التخصصات والمهارات في التعليم العمومي للاحتياجات في سوق الشغل. 9-2- تدنّي جودة النظام التعليمي العمومي ومساهمته في نزع الرغبة في المعرفة. 9-3- تدنّي جودة النظام التعليمي في نسبة هامة من مؤسسات التعليم الخاص.
10- ضعف التخطيط والتهيئة العمرانية ومنظومة النقل العمومي من الأسباب الرئيسية لتدهور جودة الحياة بتونس (يتسبّب في غلاء العقارات وصعوبة التنقل وقرب مراكز العمران من مناطق التلوث الصناعي وتضرّرها من الفيضانات…).
10-1- غلاء العقارات والتوسع الغير مدروس للمدن. 10-2- صعوبة تنقل المارة بسبب احتلال الرصيف أو تهيئة أشجار بأرصفة ذات أحجام صغيرة. 10-3- تدهور منظومة النقل العمومي وتنامي الاكتضاض المروري في المدن الكبرى.
10-4- تعرض المناطق السكنية لفيضانات متكرّرة. 10-5- تواجد مناطق العمران بجانب أنشطة صناعية ملوثة. أزمة الشباب والكفاءات والتونسيين المقيمين بالخارج (اجتماعية-اقتصادية-استراتيجية):
11- فشل الدولة في تثمين دور الشباب في قيادة التغيير. 12- تهجير الكفاءات الشابة. 13- عدم وجود استراتيجية شاملة خاصة بالتونسيين المقيمين بالخارج. الأزمة اقتصادية: محدودية قدرة الاقتصاد التونسي على خلق الثروة ومواطن شغل مستدامة
14- فشل تنموي بالجهات وخاصة الداخلية. 14-1- منوال التنمية بالجهات الداخلية غير ناجع. 14-2- ضعف تصوّر الدولة للمشاريع بالجهات. 15- محدودية قدرة التونسيين على إحداث المشاريع الناجحة (ما عدى المقاهي والمطاعم والعقارات) وتعطيل المشاريع المحدثة.
15-1- صعوبة مناخ الأعمال وخاصة بالجهات الداخلية. 15-2- ضعف ثقافة ريادة الأعمال وفشل الدولة في استقطاب المستثمرين وخاصة بالجهات الداخلية. 15-3- صعوبة تمويل إحداث المشاريع أو توسعتها.
16- ضعف الإنتاجية يحدّ من القدرة التنافسية والأرباح. 17- العجز عن تحقيق قيمة مضافة عالية. 17-1- صغر السوق التونسية وصعوبة ولوج المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى الأسواق الخارجية. 17-2- البطئ في تنفيذ التحولات القطاعية التي من شأنها خلق الثروة. 18- إهمال جانب الاستدامة.