وليد التليلي
أفريقيا برس – تونس. لاتزال السلطات في تونس تراقب بحذر شديد التطورات في سورية. وإلى اليوم، لم تهنئ الدبلوماسية التونسية الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، كما لم تبد موقفاً مسانداً أو حتى مرحّباً بتطور الأحداث هناك. وتميز الموقف التونسي بتردّد شديد حيال الأحداث المتسارعة في سورية، وسجل المراقبون حالة ارتباك واضحة، حيث نأت السلطات بنفسها عن اتخاذ مواقف جديدة إلى حين اتضاح المشهد، بسبب عوامل تحدث عنها خبراء، من بينها رصد الموقف الدولي من السلطات السورية الجديدة، والملف الأمني العالق بين تونس وسورية منذ سنوات بسبب وجود مقاتلين تونسيين في سورية، وعوامل أخرى مرتبطة بالوضع الداخلي في تونس.
وبعد أيام من إطلاق قوى المعارضة السورية لمعركة “رد العدوان” في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 ضد قوات النظام السوري السابق، التي قادت إلى إسقاط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أصدرت تونس بياناً أدانت فيه “بشدّة الهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سورية في المدّة الأخيرة”، وأعربت الخارجية التونسية عن “تضامنها التام مع الجمهورية العربية السورية”، داعية المجموعة الدولية إلى “مساندة هذا البلد الشقيق حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره ووحدة أراضيه”.
بعد ذلك، عدّلت الدبلوماسية التونسية من موقفها، فأصدرت بياناً في 9 ديسمبر 2024، إثر سقوط نظام بشار الأسد، قالت فيه إن “الجمهورية التونسية، وفي ضوء الأحداث المتسارعة التي تشهدها الجمهورية العربية السورية، تشدد على ضرورة تأمين سلامة الشعب السوري والحفاظ على الدولة السورية دولة موحّدة كاملة السيادة، بما يحميها من خطر الفوضى والتفتيت والاحتلال، وعلى رفض أيّ تدخل أجنبي في شؤونها”. وذكّرت تونس بـ”موقفها الثابت المتعلّق بضرورة التفريق بين الدولة، من جهة، والنظام السياسي القائم داخلها، من جهة أخرى. فالنظام السياسي هو شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، فهو وحده الذي له الحقّ في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي”.
وفي بيان ثالث صدر في 12 ديسمبر 2024، عبرت تونس عن إدانتها “للاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية، بعد سطو الكيان المحتلّ على جزء من الأراضي السورية في المنطقة العازلة في هضبة الجولان السورية المحتلة، في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمرّ بها الجمهورية العربية السورية الشقيقة”. وكانت تونس سعت بعد تسلّم قيس سعيد سدة الحكم لدعم العلاقات مع النظام السوري السابق، وأعاد البلدان فتح السفارتين وتبادُل السفراء منذ 2023، وجاء في بيان مشترك بين النظام السوري وتونس وقتها أن دمشقَ قررت إعادة فتح سفارتها لدى تونس وتعيين سفير على رأسها، وذلك تجاوباً مع مبادرة الرئيس التونسي قيس سعيد بتعيين سفير لبلاده لدى النظام.
وعن غياب موقف رسمي تونسي من الإدارة الجديدة في سورية، قال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، إن “هذا التريث التونسي حيال الإدارة السورية الجديدة أمر مفهوم”، وأضاف أن “توجهات هذه الإدارة وخياراتها لم تتضح بعد، وأغلب دول العالم لا تزال تراقب تطورات الأحداث هناك، وتتبيّن نوايا الحكومة الجديدة”، مشيراً إلى أن “الدول التي سارعت إلى الاعتراف بالإدارة السورية الجديدة لم تفعل ذلك فحسب، وإنما هي من كانت وراء دعمها وإسقاط نظام الأسد”.
ورأى العبيدي أنه من “المفترض أن يرتكز الموقف التونسي ويُعدّل على أساس موقف عربي واضح ومتضامن وجامع، ولكنه غير موجود حالياً للأسف”، مشدداً على أنه “لا يمكن الاعتماد كثيراً على التصريحات الظاهرة، لأن حقيقة المواقف قد تكون أحياناً غير ما نسمع”. وأكد أنه “ليس لتونس مصالح حيوية وهامة في المنطقة حتى تستعجل موقفاً، وإنما يجدر رصد التطورات ثم بناء موقف واضح دائم ينبني على الثوابت التونسية من القضايا الكبرى”.
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي أحمد الغليوفي أن “التردد هو سمة عامة في السياسة الداخلية والخارجية التونسية منذ 2021، حيث أن ثمّة عدم استقرار حكومي طيلة هذه السنوات في تونس، ما انعكس على السياسة الخارجية، ويمكن القول إنه لا توجد أي سياسة خارجية يحكمها المنطق”، وأضاف: “ليس هناك إدارة ولا عقل سياسي يفكر في علاقاتنا الخارجية”، مشيراً إلى أن “تونس تاريخياً عادة ما تنتظر مواقف الكبار والساحة الدولية حتى تعدل بوصلتها”، لكنه أكد أن “مختلف البيانات الصادرة عن الخارجية حيال المشهد السوري دليل على الارتباك”.
وبين الغليوفي أن “هناك موقفاً أيديولوجياً من السلطة الجديدة في سورية أيضاً، وقد يلتقي مع الموقف السعودي والإماراتي والجزائري، وهو أن قيس سعيد يدعي محاربة الإسلام السياسي، بينما الذين انتصروا في سورية هم الإسلام السياسي، وحتى هذا لا يفسر الصمت، وعليه أن يعبّر عن رفضه لما حصل في سورية نظراً للخلاف الأيديولوجي مع أحمد الشرع، ولكن حتى بعض هذه الدول أوضحت موقفها من الإدارة السورية الجديدة، وأنا أرى أن قيس سعيد لا يرتقي إلى مرتبة الخلاف الأيديولوجي، لأن الشعبوي لا أيديولوجيا له”.
ونبّه الغيلوفي إلى أن “سعيد لا يريد أن يتناقض مع موقف السعودية والإمارات ومصر إذا اعترفت بالشرع”، مشيراً إلى أن الرئيس التونسي “ينتظر أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويتريث بانتظار اتضاح موقف الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا من الشرع، وكذلك موقف مصر والسعودية والإمارات والجامعة العربية، ولن يمكنه البقاء على الحياد”. من ناحية أخرى، لفت المتحدث ذاته إلى أن “ملف عودة المقاتلين التونسيين في سورية ملف أمني مهم، وهناك تخوف من عودة هؤلاء، ولا بد من الاحتياط من هذا الأمر، ولكنه يبقى ملفاً أمنياً ينبغي أن تشتغل عليه وزارتا الداخلية والدفاع، ولا ينبغي أن يؤخّر الموقف السياسي التونسي الرسمي من الملف ككل”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس