تونس تحتفي بتراث الطبخ في مهرجان “الأيام الدولية”

8
تونس تحتفي بتراث الطبخ في مهرجان
تونس تحتفي بتراث الطبخ في مهرجان "الأيام الدولية"

أفريقيا برس – تونس. تحت شعار “مذاق الأصالة وعبق التاريخ في كل رغيف”، احتضنت العاصمة التونسية فعاليات مهرجان “الأيام الدولية لتراث الطبخ”، بمشاركة وفود من أكثر من 30 دولة عربية وأجنبية تحمل معها جانبا من موروثاتها الغذائية.

يلتقي في هذه التظاهرة خبراء الطهي وصناع الخبز من مختلف الأقطار للمشاركة في أول مسابقة عربية للرغيف العربي، في مبادرة تهدف إلى التعريف بتراث المطبخ العالمي والترويج له.

ويقام مهرجان الأيام الدولية للطبخ في تونس للعام الثاني على التوالي، حيث انطلقت فعالياته يوم الأربعاء بقصر المعارض بالكرم وتختتم اليوم الجمعة، في إطار المعرض الدولي للصناعات الغذائية لأفريقيا 2025.

وتأتي هذه الفعالية التي تشرف عليها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بالتعاون مع الاتحاد العربي للصناعات الغذائية، إحياء لذكرى انعقاد المؤتمر العربي الدولي الأول لصناعة الحبوب سنة 1984 في الأردن، الذي كرس اهتمامه لصناعة الخبز والحبوب في العالم العربي. كما يجدد الاتحاد من خلالها التزامه بمناقشة واقع ومستقبل هذه الصناعة الحيوية، سعيا إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة.

فرصة لاكتشاف طرق جديدة لإنتاج الحبوب وضمان الأمن الغذائي

وأكد رئيس الاتحاد العربي للصناعات الغذائية، هيثم جفان، أن مهرجان الأيام الدولية للطبخ يمثل مناسبة بالغة الأهمية للتعريف بالموروث الثقافي لجميع الدول المشاركة، فضلا عن تسليط الضوء على موضوع الرغيف العربي الذي يجسد القوت اليومي للشعوب.

وأشار جفان إلى أن تنظيم أول مسابقة عربية للرغيف في تونس يعد خطوة إيجابية تكشف مدى اهتمام هذا البلد بقضية الخبز، رمز الغذاء الأساسي وأحد أعمدة الأمن الغذائي.

وأوضح أن هذه الفعالية تجسد انشغال منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والاتحاد العربي للصناعات الغذائية بقضية الأمن الغذائي العربي، وسعيهما لوضع استراتيجيات جديدة كفيلة بالحفاظ عليه.

وقال هيثم جعفان: “من خلال هذه التظاهرة، نسعى إلى تقييم الاحتياجات المستقبلية لمختلف أنواع الحبوب، واكتشاف سبل مستدامة لتقليص فجوة الإنتاج في العالم العربي”.

ولفت جفان إلى أن الاتحاد يضم العديد من اللجان المختصة بالأمن الغذائي، من بينها لجنة الحبوب، التي تولي اهتماما بالغا بالرغيف والحبوب، وكانت سباقة في إطلاق أول نداء عربي للتحذير من مخاطر تهديد الأمن الغذائي والخبز، وذلك لتذكير صناع القرار بأهمية هذا المورد الحيوي وضرورة حمايته.

وبين رئيس الاتحاد أن هذه الدعوة أسهمت في تحقيق نتائج ملموسة، سواء على صعيد تحسين جودة الخبز وتأمين الغذاء في الوطن العربي، أو من خلال تنظيم لقاءات دولية لمناقشة هذا الملف وتطويره.

وأشار جفان إلى أن الاتحاد العربي للصناعات الغذائية يعد ركيزة أساسية في إطار جامعة الدول العربية، مبرزا اختيار تونس لاحتضان هذه الفعالية نظرا لتميزها في إنتاج زيت الزيتون، ما يتيح لها المشاركة في المسابقات الموازية التي تنظم على هامش تظاهرة الرغيف العربي.

وخلال المهرجان، خصصت ندوة بعنوان “يوم الرغيف” شارك فيها عدد من الخبراء في علوم التغذية من تونس ومن مختلف أنحاء العالم، لتبادل الرؤى حول مستقبل إنتاج الخبز والحبوب وتحديات الأمن الغذائي.

من جانب آخر، أشار خبراء تونسيون إلى أن معدل استهلاك الأسرة التونسية من الخبز يبلغ 42 كيلوغراما في السنة، في حين يصل المعدل السنوي لاستهلاك الفرد إلى 74 كيلوغراما، وفق بيانات صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك.

وتظهر أرقام المعهد أن نحو 15.7 في المئة مما يقتنيه التونسيون من الخبز يلقى في النفايات، ما يعادل قرابة 100 مليون دينار سنويا، في حين يقتصر الاستهلاك اليومي على 900 ألف خبزة فقط.

كما تكشف البيانات أن تونس تستورد نحو 80 في المئة من حاجياتها من القمح اللين، وأن واردات القمح تمثل أكثر من 51 في المئة من إجمالي الواردات الغذائية للبلاد، ما يعكس حجم التحديات المرتبطة بتحقيق الاكتفاء الغذائي وضمان استدامته.

مسابقة الرغيف العربي: نافذة على تراث بلاد الرافدين

وقالت الطباخة العراقية ابتسام علي، إن هذه التظاهرة تمثل فرصة ثمينة للتعريف بالتراث اللامادي لبلاد الرافدين، من خلال عرض أطباق متنوعة من الأكلات الشعبية والحلويات التي تعبر عن عمق حضارة هذا البلد العريق.

وفي حديثها عن الخبز، الذي خصص له يوم كامل للتعريف به ضمن فعاليات المهرجان، شددت ابتسام على رمزيته، قائلة: “الإنسان من دون خبز لا يمكن أن يعيش؛ فهو الطبق الرئيسي والأساسي على موائد الفقراء والأغنياء على حد سواء”.

وأضافت أن الرغيف في العراق يعد وجبة رئيسية لا غنى عنها، ويتكون أساسا من الحنطة، ما يمنحه طعما خاصا يميزه عن باقي أنواع الخبز.

كما أكدت أن الخبز يمثل هوية ثقافية لكل دولة، وهو في الآن ذاته مؤشر اجتماعي يعكس أحوال الشعوب، مذكرة بأن العديد من المظاهرات في العالم العربي خرجت تنادي باسم الخبز، رمزا للكرامة وحق الحياة.

وفي الجناح العراقي، امتدت طاولة عامرة بالأطباق والحلويات التقليدية، التي استقطبت أنظار الزائرين وأثارت إعجابهم بنكهاتها المميزة.

وأوضحت ابتسام أن الوفد العراقي حرص على تقديم أبرز الأكلات التي تشتهر بها بلاد الرافدين، مثل “الطرشانة العراقية”، و”المقلوبة” من الموصل، و”الدوم” العراقي المعروف بنكّهته الخاصة.

ولم تغفل عن الإشادة بمهارة الطهاة العراقيين، قائلة إنهم يتميزون بلمستهم الخاصة التي سمحت لهم بحصد جوائز عالمية في مناسبات عديدة.

وأضافت: “نحن نسعى دائما إلى تطوير وصفاتنا، وكلما شاركنا في مسابقة ونلنا تقييما جيدا، زادت رغبتنا في تقديم إضافات جديدة تجعل أطباقنا أكثر لذة وتميزا للزائرين”.

الأمن الغذائي العربي في مواجهة التحديات المناخية

وفي سياق متصل، أكد مدير المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس، منذر بن سالم، أن المعهد عرض تجربته خلال تظاهرة الرغيف العربي، مبرزا جهوده في مجال البحوث الزراعية، خاصة في ما يتعلق بتطوير قطاع إنتاج الحبوب والتكيف مع التغيرات المناخية.

وقال منذر بن سالم: “يواجه قطاع الحبوب تحديات متزايدة بفعل المتغيرات المناخية، مثل شح المياه وارتفاع درجات الحرارة، ما جعل الأمن الغذائي العربي مهددا في ظل تراجع الإنتاج العام للحبوب”.

وأضاف أن البرامج البحثية تمثل أداة أساسية لمعالجة هذه الإشكاليات، مشيرا إلى أن المعهد الوطني للبحوث الزراعية في تونس يعمل على تطوير أصناف جديدة من الحبوب العلفية والرعوية والغذائية، مراعية هذه المتغيرات، بحيث تكون قادرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، ومقاومة الجفاف والأمراض المستجدة.

وأوضح ابن سالم أن للمعهد أكثر من قرن من الخبرة في مجال البحوث الفلاحية، وبشكل خاص في الزراعات الكبرى، حيث انكب طوال هذه العقود على استنباط طرق جديدة لتحسين مردودية القطاع وحمايته من المخاطر المحدقة به.

ولفت إلى أن استنباط صنف جديد من الحبوب عملية شاقة قد تستغرق أكثر من عشر سنوات من البحث والعمل المتواصل. لكنه شدد في الآن ذاته على أهمية تقليص هذه المدة من خلال تعزيز التعاون والحوار مع مختلف المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بتطوير قطاع الزراعات الكبرى في الوطن العربي، وذلك حتى لا يبقى الأمن الغذائي في دائرة الخطر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here