آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تحاول الدبلوماسية التونسية تدارك حضورها الباهت وضعف تأثيرها في القارة الأفريقية، من خلال ما أظهرته من حماس في تعبيرها عن مدى الحاجة إلى وحدة أفريقية، وإلى تماسك قوي بين دول القارة في مواجهة التحديات والمتغيرات الدولية.
وأكدت تونس، الأربعاء، أن الوحدة التي أرادها “الآباء المؤسسون لأفريقيا” تأخرت بفعل التدخلات الخارجية، معربة عن أملها في أن تتجاوز بعض دول القارة ما تشهده من اضطرابات”، وفق بيان نشرته الخارجية التونسية، بمناسبة الاحتفال بيوم أفريقيا الموافق 25 مايو من كل عام.
وقالت الخارجية إن الاحتفال بيوم أفريقيا “مناسبة للتذكير بأنّ الوحدة التي أرادها الآباء المؤسسون لدول المنطقة وشعوبها قد تأخّرت على غرار عملية الاندماج الاقتصادي، نظرا إلى التدخلات الخارجية التي أجّلت تحقيق هذه الأهداف”.
وأضافت أن “هذه التدخلات الخارجية أجلت كذلك “تجسيم الحلم الذي راود مؤسّسي منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي لاحقا بأن تكون إفريقيا للأفارقة، سيّدةً لقرارها ومتحكّمةً في مقدّراتها وثرواتها الطبيعية.”
ولم تكتفي الدبلوماسية التونسية بالتذكير بأهمية الحفاظ على الوحدة الأفريقية، بل وجهت الرئاسة دعوة إلى رئيس جمهورية جنوب أفريقيا “سيريل رامافوزا” للقيام بزيارة رسمية إلى البلاد، في خطوة تؤكد المساعي الجدية لتعزيز البعد الأفريقي في سياسة البلاد الخارجية.
وكان الرئيس قيس سعيد قد تلقى، مكالمة هاتفية من نظيره الجنوب أفريقي “سيريل رامافوزا”، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية.
وجدّد سعيّد في هذه المكالمة موقفه الثّابت من أنّ “أفريقيا للأفارقة”. كما ذكّر” بالحلم الذي راود الآباء المؤسّسين غداة تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963 على غرار الرؤساء الحبيب بورقيبة و” كوامى نكروما” و”موديبو كايتا” وغيرهم، وزعماء كثيرون مثل “نيلسون مانديلا” و”توماس سانكرا”، مشيرا في هذا السياق إلى ملحمة “سويتو” وغيرها من ملاحم حركات التحرّر من الاستعباد والاستعمار.
ورحبت أوساط سياسية باستدارة تونس نحو عمقها الأفريقي، إلا أنها برأيهم استدارة متأخرة، حيث مازالت العلاقات الاقتصادية مع دول القارة تشكو ضعفا في التبادل التجاري، على غرار ضعف التمثيل الدبلوماسي حيث تبلغ عدد السفارات التونسية بحسب البيانات الرسمية 12 فقط في قارة تضم 54 دولة.
وأشار النائب ثامر مزهود في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “هذا الانفتاح نحو أفريقيا هو ما يجب أن يكون، وهذا ما طالبنا به عديد المرات. وخاصة في ضل التحولات العالمية الجذرية في النظام العالمي، فلا بد من سياسة خارجية تحسن التعامل مع كل هذه التطورات وتعمل على حسن التموقع في ظل التوازنات التي تتشكل الآن.”
وتابع “هنا تأتي أهمية الدائرة الأفريقية كفضاء أساسي وحيوي لتونس لتقارب التوجهات التحررية والوطنية لعديد الدول الأفريقية وخاصة دولة جنوب أفريقيا الصديقة.”
واعتبر”دعوة الرئيس سعيد إلى نظيره الجنوب أفريقي هامة وفي مرحلة دقيقة لابد من تنزيلها ضمن الإطار المذكور سابقا وتكون لها انعكاس سياسي وإقتصادي خاصة يكرس منوال جديد في السياسة الخارجية لتونس.”
وتبرر أوساط دبلوماسية تأخر تونس في الانفتاح على أفريقيا، بسبب تداعيات عملية الانتقال الديمقراطي أعقاب ثورة يناير 2011، والتهاء النخب السياسية بإعادة الاستقرار والملفات الأمنية، كما عملت الأحزاب الحاكمة على رسم ملامح للسياسة الخارجية وفق توجهاتها وأجنداتها الخاصة وفق استنتاجات المراقبين والمتابعين.
ولطالما وجهت للأحزاب الحاكمة خلال العشرية الماضية انتقادات لانضوائها تحت محور إقليمي بعينه وهو ما كانت تنفيه هذه الأحزاب، ثم حاولت الدبلوماسية التونسية في عهد الرئيس الراحل الباجي القائد السبسي استعادة ثوابتها القائمة على الحياد والانفتاح مع كل الدول بشكل متساو، مع ذلك لم تكن العلاقات مع أفريقيا من أولويات تلك المرحلة التي غلب عليها الصراع الحزبي والتنافس المحموم على السلطة.
وبالنسبة للرئيس قيس سعيد، فقد كانت أبزر عناوين وشعارات سياسته الخارجية منذ وصوله إلى سدة الحكم سنة في أكتوبر 2019، هو وجوب عمل البلاد من أجل القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إضافة إلى تعهده بإبقاء العلاقات متينة مع جميع الشعوب والأمم، كما أبدى رهانه على بناء شراكات مع قوى صاعدة جديدة مثل أفريقيا والصين.
ورأى الدبلوماسي السابق عز الدين الزياني في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “أي خطوة تجاه أفريقيا سيكون مردودها ايجابيا على تونس، وعلى الدول المعنية، خاصة دولة جنوب أفريقيا، ونحن على علاقات كبيرة معها منذ عهد نيلسون مانديلا.” واستحضر كيف” جاء مانديلا إلى تونس سنة 1963، وقد منحه الراحل حبيب بورقيبة جواز سفر لأجل التحرك والتعريف بقضيته في العالم.”
واستدرك “للأسف لم تشهد العلاقات تحسنا في فترة حكم حركة النهضة، لقد ساعدنا عديد من الدول الأفريقية، مع ذلك فإن حضورنا مازال ضعيفا وباهتا في القارة.”
وأوضح أن “تونس من بين الدول الأفريقية التي تدفع بانتظام حصتها بالاتحاد الأفريقي، والتي تقدر سنويا بقيمة 18 مليار دينار تونسي، في حين لا يتجاوز عدد العاملين التونسيين بالاتحاد الخمسون عاملا، وهو عدد ضئيل مقارنة بدول أخرى.”
وأكد على “ضرورة الاشتغال من خلال رؤية استشرافية على تقوية حضورنا بأفريقيا، وتدرك أخطاء الماضي، والعمل على زيادة تمثيلنا الدبلوماسي.”
ويتسق رأي الزياني، مع رأي الدبلوماسي عبد الله العبيدي، الذي بين في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “علاقات تونس ممتازة مع الدول الأفريقية وخاصة مع دولة جنوب أفريقيا،التي تعتقد أن تونس ساندتها ودعمتها ماديا في عهد بورقيبة كما ساهمت في تكوين إطاراتها.”
وعلق بالقول “البعد الأفريقي هو من الأبعاد الأساسية في الدبلوماسية التونسية.”
ولا يرى العبيدي في “الانفتاح مؤخرا مع أفريقيا توجها الجديد في السياسة الخارجية، حيث لطالما كان هناك تعاونا وتبادلا للزيارات والخبرات في مختلف الاختصاصات بين تونس ودول أفريقية، وإنما يمثل هذا الانفتاح بمثابة رجوع الأصل، بعد أن شهدت العلاقات مع أفريقيا حالة من الفتور والركود في العشرية الأخيرة، إلا أنها تشهد تعافيا الآن”، وفق تقديره.
ويلفت محللون إلى أن تونس بحاجة إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية، والمرور إلى تطبيق رؤية الرئاسة على أرض الواقع والتي تطمح إلى تخفيف التبعية للأسواق الأوروبية والتوجه نحو أسواق واعدة مثل الصين وأفريقيا.
وفيما تتنافس الدول الكبرى على دخول أفريقيا خاصة منذ إعلان الصين على مشروع الطريق والحرير، تؤكد الأوساط الاقتصادية التونسية على ضرورة تقوية البلد لحضورها في القارة خاصة في مجال الصناعة والتجارة ونقل التكنولوجيا والسير على خطى المغرب في هذا المجال التي وضعت العلاقات مع أفريقيا على رأس أولويات سياستها الخارجية وهو ما ساهم في إنعاش الاستثمار بالمملكة، كما جعلها لاعبا اقتصاديا مهما في القارة.
ويقول المحلل السياسي محمد بريك في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “لتونس امتداد تاريخي في أفريقيا منذ عهد الراحل بورقيبة، حيث كانت تحتضن الكثير من حركات الاستقلال الأفريقية، كما كانت لها دور فعال في عملية التنمية في عديد الدول الأفريقية عبر التعاون مع كبار الموظفين والكفاءات التونسية في داخل الإدارات التونسية.”
وأردف “كنا دائما نساهم في عملية الإعمار وفي إصلاح البنية التحتية سواء عبر الشركات الخاصة أو عبر التعاون بين الحكومات، كما كانت لها امتداد آخر من نوع الدبلوماسي في فترة حكم الراحل بن علي، الذي حرص على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول.”
ورأى أن “مبادرة الرئيس سعيد بدعوة نظيره الجنوب أفريقي هي خطوة ذكية جدا، ومن شأن ذلك أن يعزز من الدور التونسي في أفريقيا مستقبلا، كما من شأنه تدارك تبعات الحملة الشرسة التي تعرضت إليها تونس بسبب ملف المهاجرين الأفارقة.”
واستنتج بالقول “قضية المهاجرين هي قضية مفتعلة وعلى الدولة التونسية تداركها عبر هذه اللفتة الذكية والتي تأتي في توقيت ممتاز خاصة بعد إعلان تونس رسميا في 2018 عن انضمامها بشكل رسمي إلى اتفاقية الطريق والحرير الصينية، وهو ما سيساهم في تعزيز دورها الأفريقي ويجعلها بوابة أفريقيا الاقتصادية.”
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس