أفريقيا برس – تونس. دعا سياسيون تونسيون إلى “تحرير” الرئيس قيس سعيّد من محيطه السياسي والأمني، معتبرين أن سعيد يخضع لعملية “تضليل” من قبل المحيطين به، وخاصة في ظل وجود تناقض كبير بين خطابه السياسي والواقع، في وقت طالب فيه عدد من الأحزاب الجيش التونسي بالابتعاد عن الصراع السياسي والالتزام بدوره المحايد الذي حافظ عليه طيلة ستة عقود، كما دعوا إلى التوقف عن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
وقال النائب الصافي سعيد إن الرئيس قيس سعيّد “مسجون داخل قصر قرطاج”، مشيراً إلى أنه طلب لقاء الرئيس لتسليمه رسالة تتضمن مبادرة مقدمة من قبل سبعين نائباً (حوالي ثلث أعضاء البرلمان)، لكن طلبه قوبل بالرفض، كما تمت قراءة الرسالة عدة مرات من قبل عناصر الأمن قبل تسليمها لمكتب الرئيس.
وأضاف، في تصريح إذاعي: “سرت أكثر من 2 كلم مرفوقاً بشتى أنواع القوات المسلحة من جيش وحرس وغيرهما، كما تم أخذ الرسالة مني وقراءتها من قبل عدد من عنصر الأمن متصلين بجهاز اللاسكلي للإبلاغ أني قادم ومعي 70 نائباً، فتدخلت للإيضاح أني وحدي فاسكتني قائلاً: أعرف عملي”.
وتابع بقوله: “اكتشفت أن الرئيس قيس سعيد سجين ومعزول دخر القصر، والأجهزة الأمنية هي التي تدير الأمور”.
وأكد النائب عياض اللومي (من مجموعة السبعين نائب) ما حدث مع الصافي سعيد بقوله: “عملنا مجموعة تضم سبعين نائباً مستقلاً وتوجهنا برسالة لرئيس الجمهورية، تتضمن مبادرة سياسية وطلباً للقاء الرئيس، أخذها النائب الصافي سعيد إلى قصر قرطاج قبل أسبوع ولم نتلق إجابة من الرئيس حتى الآن، كما أن الصافي سعيد تعرض لموقف محرج حيث اضطر للتوقف في أربعة مكاتب أمنية قرأت جميعها الرسالة، قبل أن يتم إيداعها في القصر”.
وتطالب بـ”عودة البرلمان لفترة وجيزة ومحددة من أجل المصادقة على الحكومة القادمة التي بإمكانها فيما بعد الاشتغال عبر المراسيم، ومجلس النواب ينكب على القانون الانتخابي لتنقيح قانون الأحزاب وتنقيح الدستور إثر حوار وطني، ثم المضي لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها في ظرف ستة أشهر أو سنة”، وفق ما أكده النائب العياشي زمال في تصريح صحافي.
وكتب رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة: “إذا صح أن الرئيس أضحى رهينة لدى الإدارة والمحيطين به، والعهدة على رواية صافي سعيد، فعلينا أن نحدد الأهداف والأولويات، هل المطلوب منا الآن أن نخوض معركة تحرير الرئيس وفك أسره، أم تحرير البلد الذي بات سجيناً ويتدحرج إلى أسفل الأسفلين، ويدار بالمراسيم والتعليمات الشفوية دون حكومة ولا برلمان ولا دستور ولا قوانين ضابطة؟”.
وأضاف: “منذ القرن الثامن عشر عرّف مونتسكيو في “روح القوانين” الحاكم المستبد لا بمقدار العنف والصلف الذي يمارسه، بل في تطويع الحكم لرغباته وشهواته الخاصة، بحيث تتحول أهواء الحاكم هي نفسها إلى قوانين وأعراف سياسية قاهرة. ومع ذلك يبدو لي أن تحرير الأوطان متقدم على تحرير الأفراد، فالأهم من فك أسر الرئيس وتحرير إرادته من المحيطين به، هو تحرير تونس في جملتها بعد أن باتت رهينة إرادة شخص واحد متفرد”.
وكتب زهير إسماعيل، القيادي السابق في حزب الحراك: “لصافي سعيد قال كلاماً مهمّاً حول رسالته التي أراد أن يوصّلها للرئيس قيس سعيّد. وكلامه بدا أهمّ بكثير من لو أنّ الرسالة وصلت بطريقة عاديّة إلى رئيس الجمهوريّة. ومكّنت طريقة تعامل ما سماه “الأجهزة” الصافي سعيد من إيصال رسائل في غاية الأهميّة. أوّل هذه الرسائل أنّه عرّف بأصحاب الرسالة (مجموعة السبعين الداعمة للديمقراطيّة). واعتبر أنّ الأمر يتعلّق ببداية تشكيل جبهة للدفاع عن المسار الديمقراطي. وهذا مهمّ في ظلّ الفراغ المؤسسي وحيرة سعيّد وتخبّطه”.
وأضاف: “وثانيها وهي الخلاصة التي انتهى إليها في كلامه: القرار لم يعد بيد الرئيس والرجل سجين من قبل الأجهزة والمطلوب تحريره من الداخل من الخارج. ولمّا سئل الصافي سعيد عن طبيعة هذه الأجهزة، قال بأنّه لا يعرف. ولكنّه نقل بدقّة أداءها وطريقة تعاملها واختلاف ردود أفعالها (إشارته إلى الأمن الرئاسي بالزي المدني). وهذا أهمّ من تسميتها، حتّى لو كان يعرف هويّتها”.
فيما تساءل الوزير السابق أنور معروف: “هل رئيس الجمهورية ضحية لتقارير أمنية مغلوطة ومضلِّلة؟”، منتقداً استمرار وضعه تحت الإقامة الجبرية منذ أربعين يوماً “دون سبب وبدون تمكيني من أي وثيقة قانونية تبرر قرار الإقامة الجبرية”.
كم حذر من “تزايد خطابات الكراهية والحقد وانتشار رهيب للإشاعات والأخبار المضللة، ما جعل التفاعل مع الأصدقاء والمتابعين يفقد كثيراً من جدواه”، مضيفاً: “بعد تصريح رئيس الجمهورية بأن الخاضعين للإقامة الجبرية يتحركون في محيط ستين كم توجهت بطلبات متكررة لمنطقة الأمن للسماح لي بالتحرك في دائرة أقل من هذه لقضاء شؤون عائلية متأكدة ولكني منعت من ذلك. وهذا يطرح التساؤل حول أسباب التضارب بين تصريحات رئيس الجمهورية والممارسات التي تقوم بها الأجهزة”.
وأصدرت خمسة أحزاب تونسية، بينها حزب تونس الإرادة وحركة أمل وعمل، بياناً مشتركاً طالبت فيه المؤسسة العسكرية بـ”عدم الانخراط في الصراعات السياسية والالتزام بدورها في الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه”، كما دعت القضاء العسكري إلى التخلي عن محاكمة المدنيين والتصريح مستقبلاً بعدم اختصاصه في القضايا المتعلقة بالمدنيين.
ودعت الأحزاب المذكورة السلطة القضائية إلى “الإيمان بأن لا سلطان عليها إلا للقانون والاضطلاع بدورها في ضمان الحقوق والحريات وإقامة العدل وإقرار علوية الدستور وسيادة القانون”، كما دعت الأحزاب والمنظمات الوطنية إلى “توحيد الصف في الدفاع عن الشرعية الدستورية والتصدي للمساعي المحمومة الرامية إلى العودة بالبلاد إلى الدكتاتورية، ولعب دورها في تأطير التحركات الشعبية وضمان سلميتها” مطالبة “عموم الشعب التونسي بعدم الانسياق وراء دعوات التقسيم التي يرفعها قيس سعيد والوقوف سداً منيعاً ضد محاولات الرجوع عن مكتسبات الثورة والدفاع عن حقوقه في الشغل والحرية والكرامة الوطنية”.