أفريقيا برس – تونس. بدأ التونسيون الإثنين التصويت على دستور جديد يثير انقساما واسعا في البلاد، حيث يرى الرئيس قيس سعيد والأطراف المؤيدة له، أنه يؤسس لجمهورية ثالثة ترسخ الديمقراطية الوليدة في البلاد، في وقت ترى فيه المعارضة محاولة للعودة إلى حكم الفرد والانقلاب على جميع المكاسب التي جاءت بها الثورة.
وخلال الأيام السابقة للاستفتاء، نظمت الأطراف المؤيدة للرئيس سعيد حملة انتخابية في أغلب المدن التونسية، حيث دعا الاجتماع الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، خلال اجتماع شعبي في جزيرة جربة، التونسيين إلى التصويت بـ”نعم” على مشروع الدستور الجديد لإنهاء “مرحلة سوداء عاشتها تونس طيلة عشر سنوات من الفساد والإرهاب واللوبيات. والعبور إلى الدولة الديمقراطية والاجتماعية التي لا يظلم فيها أحد”.
واعتبر أن الدستور الجديد يتضمن “فصولا مهمة ضمنت الحقوق والحريات وربطت الديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاجتماعية وأكدت على هوية البلاد، وهو فرصة لتونس جديدة تقطع مع “الخراب” الذي عاشته البلاد طيلة العقد الماضي.
ودونت ليلى حداد، البرلمانية عن حركة الشعب “أن من يلتزم عبور الصحراء لا يمكنه العودة على أعقابه، و ما دمنا لن نعود إلى الوراء، فينبغي لنا ألا نهتم إلا بأفضل طريق للتقدم إلى الأمام، والباقي مرهون بمشيئة الله، بما في ذلك الخطر”.
واعتبر حزب التيار الشعبي إن “التصويت بنعم لدستور الجمهورية الجديدة هو محطة مفصلية في مسار إخراج البلاد من أزمتها وإنهاء حكم الفوضى وفوضى الحكم، وهو خطوة متقدمة في طريق استعادة بلادنا التي اختطفتها حفنة من العملاء واللصوص وأداروها لحسابهم الخاص ولحساب مشغليهم في الخارج”.
وأضاف في بيان أصدره بمناسبة الذكرى التاسعة لاغتيال أمينه العام محمد البراهمي: “هو تصويت الشعب لنفسه ولشهدائه وتصويت للسيادة وقيم الجمهورية وهو تصويت للاستقرار، فالنعم هي طريق آمن نحو المستقبل حيث سنتمكن من استكمال إرساء بقية المؤسسات الدستورية والخروج من حالة الاستثناء والتفرغ لإعادة بناء البلاد بعيدا عن سيناريوهات الفوضى والتدخل الخارجي”.
فيما نظمت المعارضة تظاهرات تدعو لمقاطعة الاستفتاء، حيث أكد أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص، خلال تظاهرة يوم السبت وسط العاصمة، أن المعارضة ستدخل في “مرحلة عنوانها استمرار الكفاح ضد المسار الذي يقوده قيس سعيد إلى حين تنظيم حوار وطني ووضع حكومة إنقاذ وطني وإجراء انتخابات سابقة لأوانها”.
واعتبر أن “الأوضاع في تونس تأزمت أكثر مما كانت عليه منذ 25 جويلية (تموز) ودخول قيس سعيد في مسار انقلابي”، مضيفا: “سعيد يطلب صندوق النقد الدولي دعم تونس والصندوق يشترط الضغط على الأجور والانتداب في الوظيفة العمومية، ولكن لا يمكن المضي في أي إصلاحات خارج أي توافق وطني أو حوار وطني حقيقي”.
وكتب غاز الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي: “لن أعترف بدستور قيس سعيد، ولو صوّت عليه 90 في المئة من التونسيين بنعم. فقط لأنه دستور يكرس لحكم الفرد ويلغي النظام الديمقراطي ويعود بتونس لعهود الاستبداد والتسلط. دستور الفرد لا يلزمني”.
وأضاف هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي: “من المفارقات أن يوم عيد #الجمهورية سيؤسس الشعب التونسي العظيم الذي أبهر العالم إلى جماهيرية، أي إلى حكم فردي استبدادي ملتزم بتحقيق مقاصد الشريعة! أهلا بكم في دولة أنصار الشريعة”.
وتساءلت الخبيرة الدستورية سناء بن عاشور: “أي جمهورية جديدة في مشروع الدستور الجديد: جمهورية سيادة “الشعب يريد” مختزلة كليا في شخص رئيس لا يُسأل؟ أم جمهورية تفتيت سيادة الشعب قاعديا وتقزيمها؟ أم جمهورية دينية إسلامية؟”.
وكتبت الحقوقية والبرلمانية السابقة بشرى بالحاج حميدة: “دستور ينسف مكتسبات المجتمع التونسي ويهدد حقوق النساء، دستور يؤسس لحكم الفرد والانفراد بالسلط لا يمثلني. صوتي مسؤولية لذلك أقاطع. لن أصوّت”.
ونشرت لاحقا صورة للصفحة الأولى لإحدى الجرائد الناطقة باسم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي خلال استفتاء 2002، والذي منح بن علي إمكانية الحكم مدى الحياة، في إشارة إلى وجود تشابه كبير مع دستور قيس سعيد.
وكتب السفير السابق إلياس القصري: “تونس على مشارف إقرار دستور جديد يدّعي أنه يبشر بعهد جديد في تاريخ تونس وحتى الإنسانية. بيد أن الدستور يثير مخاوف قوية في البلاد وبين شركائها الرئيسيين ومقدمي الأموال. رغم تعاقب الوعود والإخفاقات الكاذبة منذ 2011، إلا أنه من المحير أن نرى مثابرة صراحة ما يبدو عليه، حسب معاهد الاقتراع، أغلبية الشعب التونسي و إيمانه شبه الديني بالمؤسسات وعود سيانيك وحلول معجزة”.
وأضاف الباحث والناشط السياسي سامي براهم: “بعد كلّ سردية ثورة الحريّة والكرامة التي انحنت لها شعوب العالم، وأطلقت شرارة الحراك الثوري في المنطقة، يجد التونسيون والتونسيات أنفسهم أمام استفتاء حكم سلطاني يسند للفرد سلطات مطلقة وحصانة مطلقة وأحكاما مطلقة لا معقّب لها دون آليات مراقبة أو محاسبة أو اعتراض أو طعن أو نقض”.
وتابع بقوله: “غباء من يساندون هذا الخيار الانقلابي بصيغته الدستورية المعروضة للاستفتاء رغم معارضتهم للدستور بزعم أنها الفرصة الوحيدة لإعادة ترتيب المشهد السياسي والتوازنات القائمة ثم لكل حادث حديث، متوهمين أنهم بعد التفويض المطلق والبيعة العامة يمكنهم تعديل المشهد الاستبدادي الذي ساهموا في تشكيله”.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد اعتبر خلال مشاركته في الاقتراع، صباح اليوم، أن الدستور الجديد يؤسس لدولة القانون ولجمهورية جديدة تقطع مع الماضي، مشيرا إلى أنه يكرس لسيادة الشعب ويضمن التعددية السياسية والحزبية في البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس