تونس والعدوان على إيران: رفض مطلق للتطبيع وتأييد لمقاومة العدوان

4
تونس والعدوان على إيران: رفض مطلق للتطبيع وتأييد لمقاومة العدوان
تونس والعدوان على إيران: رفض مطلق للتطبيع وتأييد لمقاومة العدوان

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. تتواصل المواجهة العسكرية بين إيران والكيان الإسرائيلي وسط تصعيد ينذر بأن العالم مقبل على حرب عالمية، وإن لم يكن بالمفهوم التقليدي، ستساهم بشكل أو بآخر في رسم خارطة موازين القوى الدولية، وسيكون لها تأثيراتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي يخشاه التونسيون وهم يتابعون الأحداث وسط حذر من أن يتطور الصراع إلى نزاع متعدد الجبهات تضطرّ فيه تونس إلى اختيار هذا المحور أو ذاك، خاصة بعد تدخل الصين وروسيا وباكستان محذرة الولايات المتحدة من أي تدخّل عسكري لدعم إسرائيل ضدّ إيران.

وتقول الدكتور بدرة قعلول، رئيسية المركز الدولي للدراسات الأمنية والإستراتيجية، في تصريحات لـ”أفريقيا برس”: “بحسب التقارير والأخبار الواردة علينا فإن الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيشهد تطورات عسكرية وميدانية خطيرة”.

ويرى المحلل السياسي صهيب المزريقي، في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، أن “الحرب الإيرانية الإسرائيلية تندرج ضمن صراع المشاريع المتنوعة للقوميات المتعددة بهدف سيادة المنطقة خاصة بعد الإعلان الرسمي والواضح لنتنياهو بأن الهدف هو قيام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تحجيم أدوار بقية القوى الإقليمية الأخرى خاصة إيران”.

تتبنّى الدولة التونسية حيادا محسوبا، يرتكز على دعم القضية الفلسطينية دون الانخراط في أي محور وتجنّب التورّط في حروب إقليمية. مع ذلك يؤثّر غياب موقف عربي موحد على مواقف الشارع، في تونس كما في عدة دول عربية، حيث صار ينظر لإيران كـ”شريك مقاوم” لإسرائيل، بغض النظر عن الخلافات الأيديولوجية والسياسية.

الموقف التونسي

يحظى التصعيد بين إيران وإسرائيل بمتابعة دقيقة من الشارع التونسي الذي وجد نفسه منخرطا في عمق الحرب نظرا لتقاطعه مع القضية الفلسطينية. وسواء اتفق التونسيون مع النظام الإيراني أم لا، أيّد أغلبهم الردّ الإيراني على الضربات الإسرائيلية. ولم تختلف المواقف الشعبية على الموقف الرسمي في اعتبار أن “العدوان الإسرائيلي على إيران يعد فصلا جديدا من سلسلة الجرائم الاسرائيلية المتكررة والمتواصلة”.

وفي وقت يزداد فيه الحياد صعوبة، يتمسك الخطاب الرسمي التونسي بـ”الحياد الإيجابي” و”الشرعية الدولية”. من جهته، يبدو الشارع التونسي واضحا في موقفه المتشدّد تجاه القضية الفلسطينية، والتي ينظر إليها اليوم، باعتبارها محور الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، خاصة وأن التصعيد الإسرائيلي الأخير يأتي بعد النجاح الذي حققته قافلة الصمود لدعم غزة والتحركات المدعومة دوليا ضد الكيان المحتلّ.

ويلخّص موقف الكاتب والباحث التونسي بلقاسم بن جابر، رأي الكثير من التونسيين، حين قال لـ”أفريقيا برس”: “سيسجل التاريخ أن إيران وحدها حوّلت تل أبيب إلى غزة وانتقمت لآلاف الشهداء”.

وقالت الصحفية منية العرفاوي في تدوينة لها على صفحتها الرسمية على فايسبوك: “أتابع باهتمام التقارير والقراءات الفنية والتقنية العسكرية الموثوقة حول الصواريخ التي تستعملها إيران لردع وإحداث “توازن الرعب” أمام عدوّ يراهن بشكل دائم ومألوف على المنظومة المتطوّرة لسلاح الجوّ الذي يعتبر نقطة التفوّق الضاربة للكيان المجرم….”.

وتضيف العرفاوي: “في المقابل اشتغلت إيران بجدّ منذ سنوات طويلة على تطوير منظومة صاروخية مرعبة، وخاصة في علاقة بنوعية الصواريخ البالستية بعيدة المدى (باعتبار أن العدوّ معروف من زمان وأن لا حلّ لتأديبه إلا بالباليستي وهي المحاصرة بدول الذيل الأمريكي…”.

بغض النظر على مواقف الخبراء وقراءاتهم التحليلة لما يجري، تقود الشارع التونسي حماسة في متابعة ما يجري لكنه في نفس الوقت يخشى من أن يتطور التصعيد إلى حرب عالمية تطال شظاياها الكل، حيث يقول نزار شبشوب، 54 سنة،: “نحن ضد إسرائيل، لكننا لا نريد أن تستخدم القضية الفلسطينية لتبرير حروب جديدة. يكفينا ما يحدث في غزة، والآن يريدون أن تمتد الحرب إلى لبنان وسوريا، وربما كل المنطقة.”

نذر حرب عالمية

تتوقع بدرة قعلول أن “يدفع الغرور والعنجهية بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ ضربة نوعية في اليمن مثلا أو أي دولة أخرى”. وتضيف أن “الكيان الصهيوني كان يعتبر نفسه أنه الأذكى ويتعامل مع أحزاب وليس مع دولة. دخل على أساس أنه في حرب خاطفة للقضاء على أكبر القيادات في الجيش الإيراني وضرب المفاعل النووي ومنظومة الدفاع الإيرانية وسينتهي الأمر في أسبوع، كما قال نتنياهو، لكنه تفاجئ بالقوة الإيرانية وبالتالي أصبح اليوم يتخبط والتطورات ربما تذهب إلى بعد مما يمكن أن نراه اليوم”.

وتشرح قعلول ذلك لافتة إلى أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي يستغيث بأوروبا والولايات المتحدة التي تعودت على دعمه في كل مناسبة، وهي مؤكد ستعمل على دعمه، لكن اليوم الوضع يبدو مختلفا، فأوروبا محرجة في ظل موقف شعبي متصاعد داعم لغزة، ورافض لإقدام إسرائيل على قصف إيران، أما واشنطن فتراقب بحذر الوضع الذي قد لا ينفع معه تهور الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.

وتطرح بدرة قعلول في هذا السياق مثال الصين قائلة: “حسب تقديراتنا، قد تفكّر الصين في استرجاع تايوان وهذا وقت سانح جدا لها ولهذا يفكر ترامب كثيرا قبل الإقدام على أية خطوة، خاصة بعد أن أصبح واضحا له أن أي تدخل يضع القواعد الأميركية في كل أنحاء العالم على المحك”.

وتضيف في ردّها على سؤال حول تأثيرات ذلك على تونس بـ”أنها ليست استثناء. بالعكس نحن قريبين وداخل المعمعمة. وزارة الخارجية التونسية أصدرت بيانا واضحا ضد الاعتداء على إيران. وطبعا تونس منذ 2021 تدفع ثمن موقفها الواضح والصريح، وذلك واضح من خلال تعطيل محادثات دولية (مع صندوق النقد الدولي وشركاء غربيين ) تدعم تونس، ودعم خارجي للمعارضة”.

في وقت تنهار فيه الثوابت في الشرق الأوسط، لا يزال الشارع التونسي يراهن على الحق الفلسطيني في وجه تحالفات المصالح. وكانت الأحداث الأخيرة فرصة ليتجدّد المطلب الشعبي العام الذي ينادي بالمصادقة البرلمانية على قانون واضح وصريح يجرّم التطبيع.

ونجد صدى لحديث الدكتورة بدرة قعلول عن دفع تونس ثمن موقفها في تصريحات سابينا هينبرج، زميلة “سوريف” في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهو أحد مراكز التأثير النافذة في الولايات المتحدة، والتي قالت في ردها على أسئلة لـ”أفريقيا برس”: “يتمثل الموقف الرسمي التونسي من الصراع في إدانة العدوان الإسرائيلي بشدة، ووصف هجوم إسرائيل بأنه انتهاك للقانون الدولي. ويتماشى هذا الموقف مع مواقف تونس تجاه إسرائيل في عهد الرئيس قيس سعيد، وخاصة منذ بداية الصراع على غزة”.

ومنذ انطلاق اتفاقات أبراهام، التي جمعت إسرائيل بدول عربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أقفلت تونس الباب أمام كل المساعي لإلحاقها بهذا الركب. ورغم أنه رأى أن المصادقة على قانون تجريم التطبيع قد يضر بمصالح البلاد، إلا أن الرئيس قيس سعيّد صرّح في مناسبات عديدة أن “التطبيع خيانة”، وأن موقف تونس من فلسطين لا يُقايض”.

وتزعم سابينا هينبرج، مؤلفة كتاب “إدارة التحول: المرحلة الأولى بعد الانتفاضة في تونس وليبيا”، أن “تونس حافظت في الماضي على موقف أكثر توازنا تجاه إسرائيل، إلا أن العداء الأخير يتماشى مع خطاب سعيد الشعبوي، نظرا للتعاطف القوي للشعب التونسي مع القضية الفلسطينية. كما يتماشى مع الموقف الجزائري، وقد ازدادت تونس تشددا في موقفها منه في السنوات الأخيرة”.

وبخصوص تداعيات الصراع الإسرائيلي الإيراني الحالي على شمال أفريقيا ترى أنه “من المرجح أن يُعيق أي احتمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو أمر كان محل شك بالفعل. كانت هناك تساؤلات حول إمكانية أن تصبح تونس الدولة التالية في اتفاقيات إبراهيم، لكن هذا لا يزال مستبعدا للغاية، ولن يُغير هجوم إسرائيل على إيران أي شيء من هذا. وينطبق الأمر نفسه على الأرجح على موريتانيا”.

وفي حديثها على اتجاهات الرأي العام المتعلقة بإيران وإسرائيل، تقول الباحثة لـ”أفريقيا برس”: “… الجمهور التونسي يدعم بقوة القضية الفلسطينية. وقد تجلى ذلك، على سبيل المثال، في الاحتجاجات التي اندلعت بعد 7 أكتوبر، وكذلك مؤخرا في قافلة مساعدات انطلقت من تونس في محاولة للوصول إلى غزة.”

في خضم التغيرات العاصفة التي تهزّ الشرق الأوسط، ورغم أنها ليست طرفا رئيسيا في الصراع الإيراني الإسرائيلي، تجد تونس نفسها، نظاما وشعبا، أمام ثلاثية مركّبة: رفض شعبي عارم لإسرائيل، تعاطف انتقائي مع إيران، تحفّظ رسمي عن أي انخراط في صراعات المحاور.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here