جاء دور “النساء الديمقراطيات” والمنتدى الاقتصادي

جاء دور
جاء دور "النساء الديمقراطيات" والمنتدى الاقتصادي

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. أُغلق مقر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات شهراً بحجة ارتكابها خطأً إدارياً. وهذه أول عقوبة من نوعها تعرّضت لها هذه الجمعية منذ تأسيسها في أغسطس/ آب 1989، رغم تعرّضها لضغوط أخرى في فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي. ولكن لم يسبق أن تعطل نشاطها. وقد اكتسبت بعداً رمزياً في تونس وخارجها، وفرضت حضورها بشكل بارز في أكثر من محطة، واشتبكت مع السلطة والمجتمع حول عديد القضايا الحسّاسة المتعلقة بالجندرة، وانخرطت في النضال الديمقراطي، وأثارت مسألة المساواة في الإرث، وكان دورها فعّالاً في مواجهة العنف المسلط على النساء.

كانت معظم الحكومات السابقة تتجنّب التفكير في منع نشاط الجمعية، ولو مؤقتاً، لاعتبارات عديدة. لكن الرئيس قيس سعيّد يختلف عن سابقيه، فهو في علاقته بخصومه لا يعتمد قاعدة الاستثناء، ولا يلجأ إلى الفرز بينهم، ولا يتردّد في مواجهتهم جميعاً إن لزم الأمر، وفي الوقت نفسه وبالأسلوب نفسه، ولا يعير اهتماماً لأي احتجاج يصدر في الداخل أو في الخارج. لهذا، لم يتراجع عن أي إجراء اتُّخِذ ضد أي شخص أو طرف، مهما كان جنسه ووزنه وانتماؤه. كذلك لم يتردّد أيضاً في إيقاف نشاط المنتدى الاقتصادي والاجتماعي مؤقتاً، وهو من الجمعيات النشيطة والمؤثرة والمدعومة دولياً. ورغم أن جمعية النساء الديمقراطيات كانت معادية بشدة لحركة النهضة، ولمختلف تعبيرات الإسلام السياسي، وحرصت على تجنّب التنسيق والتحالف مع الأحزاب، بما فيها اليسارية، ولم يحصل التقاطع معها إلا في الحالات التي شهدت تهديداً للحرّيات، لكن ذلك لم يجنبها الاصطدام بالسلطة والاشتباك معها. وقد أقحمت الرئيسة السابقة للجمعية بشرى بلحاج أحميدة في قضية ما عرف بالتآمر على أمن الدولة، وحكم عليها غيابياً بالسجن 18 عاماً بحكم وجودها خارج البلاد.

معركة السلطة في تونس ضد المجتمع المدني مستمرّة، وتزداد جرأة واتساعاً، فالتسريبات التي ردّدها أحد المعلقين السياسيين القريبين من مؤسّسة الرئاسة تنبئ بقرب صدور إجراءاتٍ ضد بعض القياديين النقابيين، بمن فيهم أعضاء في المكتب التنفيذي، وفي مقدّمتهم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، وقد تصل الأمور إلى حد اعتقال عديدين منهم. وإن حصل ذلك، فمن شأنه أن يزيد من الاحتقان الاجتماعي، وينذر بتصعيد وارد بين الاتحاد والسلطة. فملف مدينة قابس لا يزال مفتوحاً على جميع الاحتمالات، بعد المسيرة الشعبية الثانية التي نظمها الأهالي للمطالبة بغلق وحدات المجمع الكيمياوي.

هناك من يعتقد أن الغاية من تواتر الملفات السياسية، التغطية على الأوضاع الاجتماعية التي تزداد حدّة في غياب حلول جذرية، لكن المتأمل في الحالة التونسية يلاحظ وجود تداخل بين القضايا والمجالات، فالاجتماعي يغذّي السياسي، ويضفي عليه بعض المشروعية. وإذا نجح النظام، في البداية، بضرب الأحزاب وتهميشها باستعمال القبضة الأمنية أحياناً، وعمّق الهوّة بينها وبين الرأي العام الذي صدق بأنها فاسدة، إلا أن عدم حدوث تغييرات ملموسة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي دفع قطاعات واسعة من التونسيين إلى القلق والتساؤل عن الأسباب الحقيقية لانسداد الآفاق وتراكم الأزمات. صحيح أنهم لم يغيروا جوهرياً من مواقفهم تجاه الأحزاب والجمعيات، لكنهم عادوا إلى المطالبة بحقوقهم، وأكّدوا حرصهم على التمتع بالحرّيات التي اكتسبوها بفضل الثورة.

عندما لا تتمكّن السلطة من تلبية الحاجات الأساسية للسكان، تتوفر ظروف مناسبة للدفع نحو تغيير سياسي ما. يحصل ذلك في كل البلدان. وعندها يصبح الحكم مضطرّاً إلى تغيير أسلوبه في إدارة الشأن العام، ويعمل على تخفيف الضغط على خصومه السياسيين والفاعلين الاجتماعيين، أو يشطر إلى ترك المجال للشعب كي يختار قيادة بديلة، أو التمسّك بالبقاء مهما كانت التكاليف والنتائج. وهذا من شأنه أن يفتح المجال للمجهول في بلدٍ يتوق شعبه إلى استرجاع أنفاسه بعد انتظار طويل ومرهق ومكلف.

تتوالى الأحداث في تونس بشكل متسارع، وليس أمام المراقب سوى الرصد والتحليل وتوقّع مختلف السيناريوهات المحتملة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here