آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. كشف حسام الحامي، منسق ائتلاف صمود، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن “مبادرة العقد السياسي التي وقع الإعلان عنها مؤخرًا، تسعى لتقديم بديل معتدل للتونسيين، يوازن بين منظومة حكم ناجزة، وفي ذات الوقت يحافظ على المعايير الديمقراطية في البلاد”.
وشرح أن “الهدف من المبادرة هو السعي نحو التغيير عبر وسائل ديمقراطية، من خلال العمل على مراجعة وتعديل بعض القوانين المثيرة للجدل مثل القانون الانتخابي والمرسوم 54، ومناقشة هذه التعديلات في إطار رؤية جديدة لقواعد العيش المشترك مع كل الطيف السياسي والمدني، ثم في مرحلة ثانية سيُطرح مضمون هذه المبادرة على الشارع التونسي للتداول والنقاش، بهدف إقناع المواطن بإمكانية تأسيس منظومة حكم معتدلة قادرة على تنفيذ البرامج بنوع من الانسيابية والسلاسة، ودون الالتجاء إلى الديكتاتورية”.
وبيّن أن “الإعلان عن المبادرة سيكون مع بداية السنة السياسية الجديدة في شهر سبتمبر القادم، وأن الاتصالات جارية حاليًا بهدف ضمان مشاركة أوسع من الطيف السياسي والمدني”.
وحسام الحامي هو ناشط حقوقي ومدني، والمنسق العام لائتلاف صمود.
ماهي أهداف مبادرة العقد السياسي التونسي التي أعلنتم عنها مؤخرا؟
مبادرة العقد السياسي هي محاولة تجمع كل الطيف المدني والسياسي بهدف صياغة تصور لقواعد العيش المشترك في إطار الدستور، وذلك من خلال مراجعة مجموعة من القوانين مثل القانون الانتخابي ومراجعة بعض المراسيم مثل المرسوم 54، ومراجعة بعض القوانين في مجلة الإجراءات الجزائية ومجلة الاتصالات، وقوانين الإرهاب وتبييض الأموال، لقد رأينا بالممارسة أنه عبر العديد من الفصول وقع الاعتداء على حرية المواطنين، كما لاحظنا وجود ممارسات لا يجرمها القانون مثل ما وقع من محاكمات باتهامات خطيرة، وبالتالي يجب أن يتضح كل هذا من خلال العمل على تعديله ومراجعته لصالح التونسيين، كما نسعى في نفس الوقت من خلال هذه المبادرة أن تكون منظومة الحكم منظومة ديمقراطية فيها توازن بين السلط، وفصل بين السلط وتداول سلمي على السلطة وفيها فكرة التعددية، وتكون في نفس الوقت المنظومة ناجزة بمعني قدرتها على تنفيذ البرامج بنوع من الانسيابية والسلاسة دون أن تكون لها قدرة على التغول وافتكاك حقوق الآخرين وضرب المعارضة وحرية الإعلام واستقلاليته وغير ذلك، من ناحية أخرى يسمح للمعارضة بالتواجد والعمل دون أن يكون هناك تعطيل لتنفيذ السياسات العامة في الدولة.
وبالعودة إلى الوراء وإلى العشرية الأخيرة، فقد كانت منظومة الحكم سنة 2014 معطلة بما أنه لم تكن هناك أطراف تحكم بوضوح أو تعارض بوضوح، لم تمكن حينها المنظومة الأطراف السياسية من الوصول إلى الحكم، وبالتالي كان هناك اقتسام للحكم في ظروف لا تسمح بتنفيذ برامج أو إصلاحات حقيقية، وبالتالي رفض حينها الشعب التونسي هذه المنظومة، وأصبح هناك عزوف كبير على الانتخابات وفقدت في الأخير جزء كبير من الأحزاب مصداقيتها وشعبيتها، وقد سقطت منظومة 25 جويلية في نفس الأخطاء، باعتبار أنه ليس للرئيس حزب أو عائلة سياسية واسعة تمثله، وقد اختار النظام الرئاسوي حتى تتمركز كل السلطات بيده، وهذا أيضا غير مقبول، وبالتالي انتقلنا من مرحلة تفكيك الحكم إلى مرحلة مركزة الحكم، وما نبحث عنه اليوم من خلال مبادرتنا هو التوازن بين هذا وذلك، نحن نبحث عن منظومة معتدلة تجمع بين النجاعة والديمقراطية.
وفي حال نجحت القوى السياسية والمدنية في صياغة هذه المبادرة والاتفاق على نصوصها، التي تسعى لمراجعة بعض القوانين كما ذكرت، هذا سيسمح للمبادرة بأن تكون بديلا للواقع الحالي وهو ما سيمكننا كذلك من عدم السماح لكل من يصل إلى الحكم بأن يغير المنظومة لصالحه وتشكيل منظومة على قياسه. نحن نريد كسر هذه الممارسة والذهاب نحو منظومة بوسعها الاستمرارية، كما يمكن لها أن تضمن المرور والتخلص مما كنا عليه من تطاحن سياسي الغير بناء، والمرور إلى منافسة سياسية حقيقية، التي تسمح بأن تكون اللعبة السياسية سلسلة والصراع يدور حول البرامج والرؤى وماذا سيقدمونه للتونسيين بالأساس، هذه هي جوهر فلسفتنا ورؤيتنا.
من هي الأطراف المشاركة في مبادرة العقد السياسي؟
كما وقع الإعلان عن ذلك في السابق، هناك عديد الأطراف والأحزاب والشخصيات السياسية التي ستشارك في هذه المبادرة مثل حركة حق والحزب الجمهوري، لكن بموازاة ذلك هناك اتصالات غير معلنة لأننا نريد أن ننضج بعض المناقشات مع بعض الأطراف الأخرى في إطار تجميع أكثر ما يمكن من الطيف السياسي والمدني في فكرة العقد السياسي التونسي، ثم في الأسابيع القادمة سيقع الإعلان عن تركيبة الأولية لمن سيشارك فيها. على أن النصوص التي ستصدر فيما بعد قد تقدم لبقية الطيف السياسي للتفاعل معها، إذن المرحلة الأولى هي مرحلة الاتفاق والصياغة، ثم مرحلة ثانية هي تقديم المخرجات لأكثر طيف ممكن، كما يمكن للمواطن التونسي أن يتفاعل معها ومناقشتها معه وإقناعه بنصوصها في مرحلة أخيرة.
هل بوسع مبادرة العقد السياسي التونسي إقناع الشارع بمضامينها في ظل نفور التونسيين من الشأن العام؟
نحن نسعى لإقناع المواطن التونسي بأنه يمكن أن تكون هناك منظومة حكم غير معطلة وناجعة دون أن تكون ديكتاتورية أو مستبدة هذا ما نصبو إليه وإقناع التونسيين بهذا الأمر قد يمكننا من تركيز منظومة حكم عبر وسائل ديمقراطية، وهي منظومة ناجزة بوسعها أن تمكن تونس من المرور والارتقاء إلى مرحلة الدول المتقدمة والمزدهرة، وهو ما سيكون له تأثير على مناخ الأعمال والاقتصاد، وعلى قدرتنا على خلق الثروة والابتكار. بالتالي ما نصبو إليه هي تونس جديدة، التي تعيد الأمل للتونسيين في إطار احترام القانون والممارسات الديمقراطية. لا نريد أن يساء فهمنا بأن ما نقوم به هو محاولة انقلاب، نحن لسنا منقلبون، على العكس نحن ديمقراطيون ونؤمن بالصندوق وبالممارسات الديمقراطية والتظاهر السلمي المدني.
هل بوسع هذه المبادرة تحقيق إصلاح سياسي شامل في ظل نظام حكم فردي؟
بطبيعة الحال بوسعها تحقيق إصلاح سياسي شامل خاصة إذا نجحنا في بلورتها والاتفاق حول نصوصها، بمعنى الوصول إلى إجماع حول قواعد العيش المشترك والتأكيد أن مثل هذه الإصلاحات والمبادرات ليست حكرا على السلطة، الجميع لديه الحق في المبادرة والاقتراح لكن بقواعد موضوعية تضمن العيش المشترك ونحترم فيه بعضنا البعض. وفي احترام حقنا في الاختلاف وفي تكريس التداول السلمي على السلطة ومنح حق الشارع الاختيار من يرى أنه قادر على تحسين واقعه وهو ما لم يحدث في السنوات الأخيرة، ما نقدمه هو. طرح جديد، وإذا اقتنع المواطن بهذه الفكرة سيصبح التغيير حينها ممكنا وسهلا.
تعددت المبادرات في الآونة الأخيرة، لكن مع ذلك مازلت المعارضة غير موحدة، كيف يمكن توحيد المعارضة وتجاوز انقساماتها؟
تعدد المبادرات مؤشر على وجود ديناميكية في المجتمع المدني، وأنه خرجنا من حالة الركود التي شابت مرحلة ما بعد الانتخابات، وأنه هناك حالة من عدم الرضا مما يحدث، وقد رأينا ارتفاع وتيرة التحركات الاجتماعية في الآونة الأخيرة مثل تحرك الأطباء الشبان والدكاترة المعطلين عن العمل وتحركات أخرى في الجهات، وهذا يدل أنه لا الواقع السياسي ولا الواقع الاقتصادي والاجتماعي يطمئن التونسيين اليوم، وأنه هذه المبادرات مطالبة بإيجاد نوع من التناغم بينها للوصول إلى مخرجات ترضي جميع الأطراف وتستجيب لدولة القانون والديمقراطية.
متى يتم الإعلان رسميا عن هذه المبادرة وطرح بدائلها على الرأي العام؟
نأمل أن يكون الإعلان الرسمي لهذه المبادرة خلال العودة السياسية المرتقبة في شهر سبتمبر القادم، حيث سيقع الإعلان عن المكونات النهائية، وقد نشرع في صياغة نصوص المبادرة حتى قبل ذلك، وفي حال أتممنا صياغة النصوص القانونية سيكون لنا الفرصة بذلك لتقديم كل الأطراف المشاركة إلى الرأي العام في أواخر السنة، ثم سنذهب نحو مناقشة هذا الطرح مع المواطن التونسي والتداول فيه وهذا هو هدفنا الأخير من المبادرة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس