حول الانقلابات الدستورية: من واشنطن إلى تونس وصولا إلى ليما

28
حول الانقلابات الدستورية: من واشنطن إلى تونس وصولا إلى ليما
حول الانقلابات الدستورية: من واشنطن إلى تونس وصولا إلى ليما

عبد الحميد صيام

أفريقيا برس – تونس. نقصد بالانقلاب الدستوري، محاولة رأس السلطة القائمة بتغيير جذري في الدستور أو الانتخابات، أو طريقة الحكم، بحيث تفرض إرادة السلطة الفردية على مقاليد الأمور، دون مراعاة أو احترام لنصوص الدستور أو القواعد المتبعة في نظام الحكم في البلاد. وهذا أسلوب متبع في الدول النامية، أو ما كان يطلق عليها «دول العالم الثالث»، وقد ينجح مرة ويفشل مرات. لقد فشلت المحاولة هذه في السنغال عندما حاول الرئيس السابق عبد الله واد، عام 2011 إلغاء تحديد فترة الرئاسة بدورتين وتراجع بسرعة، بعد الاحتجاجات الشعبية، لكن عبد العزيز بوتفليقة نجح في تغيير الدستور ليبقى دورتين إضافيتين عام 2008، بسبب دعم الجيش له. وفشل انقلاب النيجر على محمدو تانجا عام 1999 الذي حاول تمديد رئاسته ثلاث سنوات إضافية بعد انتهاء دورته الثانية، لكن الجيش أطاح به فهلل له الناس. كما فشل لورا غواغبو في ساحل العاج عندما رفض نتائج الانتخابات عام 2010 التي فاز فيها الحسن وتارا.

وسأحاول هنا أن أمر على ثلاث تجارب حديثة، حاول رأس السلطة في كل منها أن يجري تغييرات جذرية للبقاء في الحكم، أو رفض نتائج الصندوق، ما أدخل البلاد حالة من الفوضى لتصحيح المسار. وهذه المحاولات جرت في واشنطن يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2020 وفي تونس العاصمة ابتداء بيوم 25 تموز/يوليو 2020 وفي ليما بالبيرو يوم 7 كانون الأول/ديسمبر. ولكل محاولة حكاية، لكن القاسم المشترك هو محاولة الرئيس أن يغير الأمور ويتجاوز الدستور للبقاء في السلطة.

ترامب والانقلاب الذي قاده الرعاع

تتفاخر الولايات المتحدة بأنها الدولة التي اعتمدت الديمقراطية منذ نشأتها. ولولا الديمقراطية لتفسخت هذه البلاد إلى دول شتى. وقد قامت محاولة جادة للانفصال عن دولة الاتحاد وإنشاء الفيدرالية في جنوب البلاد، ما أدى إلى حرب أهلية استمرت أربع سنوات (1861-1865) قتل فيها ما يزيد عن أربعة ملايين أمريكي وانتهت بهزيمة الانفصاليين. ويمكن اعتبار محاولة الرئيس السابق دونالد ترامب، التحدي الأكبر للديمقراطية الأمريكية منذ الحرب الأهلية. فترامب ظل مُصّرا على أن الانتخابات مزورة، وأن هناك مؤامرة عليه لتشليحه منصب الرئيس الذي فاز به دون شك، كما يعتقد. وعندما عجز عن تغيير التيار الجارف حتى داخل الحزب الجمهوري بتغيير مسار الانتخابات ونتائجها بالطرق القانونية، اختار الفوضى والتمرد واستخدم أنصاره للإطاحة بالانتخابات ونتائجها. نشرت لجنة التحقيق في أحدات 6 يناير 2021 تقريرها المفصل يوم الاثنين الماضي حول اقتحام الآلاف من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مقر الكونغرس الأمريكي، في محاولة جادة لرفض نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر، التي فاز فيها المرشح جو بايدن على الرئيس ترامب. ترامب لم يعترف بنتائج تلك الانتخابات وخطط للقيام بانقلاب ناعم يحتل فيه أنصاره من الرعاع والعنصريين والبلطجية والمتطرفين الدينيين مقر الكونغرس، ويعلنون رفضهم لنتائج الانتخابات. وقد أقرت اللجنة بكامل أعضائها التسعة، 7 ديمقراطيين وجمهوريين، بضرورة ملاحقة ترامب جنائيا لما ارتكبه من خرق للدستور، حيث أثبتت اللجنة أن رفض دونالد ترامب لنتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020 لم يكن مجرّد ردّ فعل على هزيمته، بل كان عنصراً أساسياً في استراتيجية مدروسة للبقاء في السلطة. وقال رئيس اللجنة بيني تومسون أن ترامب «كان في قلب محاولة انقلاب». وكشف ملخص التقرير عن وجود دور مباشر للرئيس السابق في الهجوم، موجهاً اتهامات جنائية إليه بحجة أنه دعا إلى رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن تعمده التصريح ببيانات كاذبة، ومحاولة الإضرار بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال تحريض المواطنين على رفض نتيجة الانتخابات، وعرقلة المؤسسات الأمريكية. وترى اللجنة أنه ارتكب جرما بحق الدستور وتترك أمر محاكمته للجهاز القضائي. إذن هذه محاولة للانقلاب الدستوري من رأس السلطة انتهت إلى فشل وإخضاع من قام بها للتحقيق وملاحقته جنائيا.

بيرو والسجن للرئيس لحل البرلمان بطريقة غير شرعية

بيدرو كاستيلو رئيس منتخب منذ حزيران/يونيو 2021 بنسبة 50.12 % رغم احتجاج أنصار المرشح الخاسر فيجوموري لمدة ستة أسابيع. يساري التوجه لكن الليبراليين واليمين ظلا مسيطرين على البرلمان. كان البرلمان سيناقش مساء 7 ديسمبر مسألة إدانة الرئيس بتهمة الفساد والفوضى، فقام هو بخطوة استباقية متسرعة بحل البرلمان وتشكيل حكومة طوارئ. لكن سرعان ما تطورت الأحداث، وخلال ساعات فقط، اتهمه البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة بإساءة استخدام الصلاحيات، وصوّت 101 عضو من أعضاء البرلمان من أصل 130 على عزله بتهمة «العجز الأخلاقي»، في جلسة بثّت على تلفزيون البلاد بشكل مباشر. النيابة العامة في البيرو أعلنت توقيف كاستيلو بعدما عزله الكونغرس من منصب رئيس الجمهورية وعين نائبته دينا بولارتي، رئيسة مؤقتة للبلاد، وهي أول امرأة تصل هذا المنصب في تاريخ البيرو الحديث. وكانت الشرطة البيروفية قد نشرت على حسابها الرسمي في «تويتر» فيديو قصيراً لكاستيلو معتقلاً قبل أن ينقل بمروحية إلى سجن بارباديلو في منطقة آتي بالعاصمة ليما. انتشرت المظاهرات في البلاد خاصة في المناطق الجنوبية الفقيرة، وسقط على إثر هذه الاحتجاجات نحو 18 ضحية. أنصاره يريدون عودته للسلطة، أو إجراء انتخابات مبكرة، لكن الرئيسة الجديدة تود أن تجري الانتخابات في موعدها عام 2026 بما أن الدستور يعطي صلاحيات لنائب الرئيس أن يحتل الموقع في حالة غياب الرئيس. ومع تصاعد الاحتجاجات أعلن وزير الدفاع يوم الأربعاء الماضي حالة الطوارئ والعمل بالأحكام العرفية. الشرطة أعلنت أن كاستيلو كان ينوي اللجوء إلى السفارة المكسيكية وطلب اللجوء قبل القبض عليه. وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد، قال إن مكسيكو مستعدة لمنح اللجوء لكاستيلو المعزول إلا أنها لم تتلقَ أي طلب بهذا الصدد. البيرو أكثر دولة في أمريكا اللاتينية تعاني من انعدام الأمن الغذائي، كما يؤكد البنك الدولي. ربع السكان تحت خط الفقر ونسبة التضخم وصلت 10% وهي من أعلى النسب في العالم. القانون في النهاية هو الذي فصل الأمور. صحيح أنه انتخب شرعيا لكن السنة والنصف التي حكم فيها تميزت بالفساد وتغيير الوزارات الذي شمل 90 وزيرا وانفضاض حتى أتباعه عنه، بمن فيهم نائبة الرئيس بولارتي الشيوعية السابقة، التي استقالت من منصبها الوزاري، لكنها ظلت نائبة للرئيس لأنها انتخبت شعبيا هي وكاستيلو. تذكرنا قصة كاستيلو بحكاية محمد مرسي في مصر، الفرق أن القانون هنا تم تفعيله دون جيش وأمن ومجازر.

تونس والانقلاب المتدرج

أعتقد أن الانتخابات التشريعية يوم الأحد الماضي كانت الرد البليغ والحاسم على من اعتقد أن خطوات قيس سعيد التي بدأها يوم 25 يوليو 2021 في تونس كانت ضرورية لإنقاذ البلاد وليست انقلابا دستوريا. كانت خطواته المتلاحقة لإصلاح الوضع الاقتصادي والقضائي والتشريعي كالذي أراد أن «يكحلها فعماها»، كما يقول المثل العربي. لقد بلغت نسبة المشاركة 11.22% وهذا يفقدها اي شرعية، على حد تعبير الاتحاد التونسي للشغل: «هذه الانتخابات تسجل موقفا شعبيا رافضا للخيارات المكرَّسة إلى حد الآن، وعزوفا واعيا عن مسار متخبط لم يجلب للبلاد إلا مزيدا من المآسي والمآزق». لقد طلب الرئيس سعيّد من الشعب التونسي بعد حركة 25 يوليو أن يعطيه شهرا واحدا فقط لإجراء التعديلات التي يطالب بها الشارع، لكن الشهر تحول إلى شهور طويلة والسيطرة الفردية تعمقت وكتم الأفواه والاعتقالات تواصلت وتم حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وأصبح يحكم سعيّد بإصدار الفرمانات (الأوامر الرئاسية). ثم دعا لاستفتاء على دستور جديد يوم 25 يوليو 2022 فصله على مقاسه. لقد أصبح الحكم في تونس أقرب إلى نظام الاستبداد منه إلى النموذج الديمقراطي الذي ميّز ثورة الياسمين عن غيرها من بقية الثورات، التي تمكن محور الشر من إلغائها جميعا. توجه سعيد للانتخابات ظنا منه أن الشعب التونسي سيتدفق إلى الصناديق بالملايين ليعطيه بطاقة خضراء يفركها في عيون المعترضين عليه وعلى أسلوبه العليائي ولغته العربية الخشبية، التي تظهر قبحها لا جمالياتها. لكن النتيجة جاءت عكسية تماما، وكان رده باعتقال رئيس الوزراء السابق علي العريّض، ما عزز نظرية الانقلاب ودفع المعارضة بأشكاله كافةا بقيادة جبهة الخلاص إلى الاصطفاف ضد إجراءات الرئيس الفردية بعد فشل الانتخابات.

نستنتج في النهاية أن محاولات تجاوز الدستور وسيادة القانون قد تحدث في بلدان متقدمة ومستقرة ديمقراطيا وأخرى غير مستقرة. الفيصل في ذلك كي نحكم على محاولات الانقلابات الدستورية تلك هو من سينتصر في الأخير سيادة القانون أو نظام الاستبداد؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here