خالد كرونة: السياسيون لا يملكون برنامجًا يرفع البؤس عن الريف

30
خالد كرونة: السياسيون لا يملكون برنامجًا يرفع البؤس عن الريف
خالد كرونة: السياسيون لا يملكون برنامجًا يرفع البؤس عن الريف

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. يعيش الشارع التونسي حالة من الاستياء أعقاب سقوط جدار بمدرسة بولاية سيدي بوزيد، في حادثة كشفت عجز الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 في تحسين واقع المدن الداخلية بسبب التهائها بالصراع على السلطة والنفوذ.

وأشار الكاتب والمحلل السياسي خالد كرونة في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن “النخب السياسية من الموالين ومن المعارضين على حدّ السواء، لا تملك برنامجا فعليا يحرر الفلاحين من بؤسهم ويرفع عن الريف المظالم التاريخية، والنتيجة أن مؤشرات التنمية في الريف عامة في تراجع مطّرد الأمر الذي يرفع نسب البطالة ويعزز التحولات المجالية.”

وأعتبر أن “معالجة الأوضاع تحتاج قطيعة مع السياسات القديمة، والتخلي نهائيا عن وضع ميزانيات تقنية لأنّ الأزمة هيكلية متصلة بتوزيع الثروة وبمنظومة مصالح لها أذرع في الإدارة وفي البنوك وفي الجباية وفي مؤسسات الدولة نفسها مثل البرلمان،” وفق تقديره.

وفي معرض تعليقه عن المشهد الحقوقي بالبلاد، رأى أن “السلطة في تونس مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى تجسيم المبادئ الدستورية العامة فيما يتصل بالحريات، وأن إلغاء المرسوم 54 مطلب مشروع لعموم التونسيين، لكن تأخر تحقيقه.”

​خالد كرونة هو كاتب وإعلامي تونسي بارز، يعمل في الإذاعة التونسية، حيث يُعرف بتقديمه لبرامج ثقافية وحوارية، منها برنامج “ندوة الثقافية” الذي استضاف فيه مفكرين وكتابًا عربًا بارزين. يُعرف كرونة بأسلوبه التحليلي العميق ومتابعته الدقيقة للمشهدين السياسي والاجتماعي في تونس، حيث يسلط الضوء على قضايا مثل التهميش، العدالة الاجتماعية، والحريات العامة. تُبرز مقالاته ومداخلاته الإعلامية التزامه بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يجعله صوتًا مهمًا في الساحة الإعلامية والثقافية التونسية.​

ماهي قراءتك لإدارة الرئيس التونسي للأوضاع منذ توليه الولاية الثانية، هل تعتقد أنه قادر على تحقيق شعار الدولة الاجتماعية التي ينادي بها في ظل الصعوبات الاقتصادية؟

تحقيق شعار “الدولة الاجتماعية” أوسع من أن يتحقق في ولاية رئاسية، وما نراه على أرض الواقع أن بعض الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الاتجاه منقوصة ومتعثرة بسبب ثقل البيروقراطية الإدارية والعوائق في المنظومة التشريعية، مثل ما يرتبه قانون إلغاء المناولة أو تنقيح قانون الشيكات، والحصيلة متواضعة لأنّ السياسات العامة لا يحكمها برنامج متكامل يؤسس لمنوال تنمية جديد يحدث قطيعة فعلية مع المنظومة السائدة التي تتحكم بها طغمة متربحة من جهة وعصابة مافيوزية (في القطاع الموازي) من جهة أخرى.

أثارت حادثة سقوط جدار بأحد المدارس بالمدن الداخلية استياء التونسيين، برأيك لماذا فشلت الحكومات المتعاقبة في تحسين أوضاع المدن الداخلية، وبقيت هذه المناطق مهمشة ومحرومة من أبسط حقوقها في التنمية العادلة؟

ما أثارته واقعة سقوط سور بمؤسسة تعليم بالمزونة من حنق واستياء من طبيعة الأمور، بعد استمرار إيهام ساكنة الأرياف والمناطق الداخلية من قبل الحكومات المتعاقبة بأنها ستحظى بأولوية في التنمية وبوَهْم “التمييز الإيجابي”، فظلت محدودة المرافق، محرومة من عناصر الرفاه.. والحقيقة التي نبصُرُ بها عيانا أنّ كل النخب السياسية من الموالين ومن المعارضين على حدّ السواء، لا تملك برنامجا فعليا يحرر الفلاحين من بؤسهم ويرفع عن الريف المظالم التاريخية، إذ لا نرى سياسات جديدة تهدف إلى إنعاش الزراعات المعاشية أساس الاكتفاء الذاتي، ولم نحرر الفلاحة من سياسات توريد البذور والمكمّلات التي ترهق صغار الفلاحين وتجعل نشاطهم غير مربح، ولم نر تصورات جديدة لحوكمة استغلال صابة التمور ولا صابة الزيتون ولا لحوكمة التصرف في الموارد المائية.. الخ. والنتيجة أن مؤشرات التنمية في الريف عامة في تراجع مطّرد يرفع نسب البطالة ويعزز التحولات المجالية.

كيف تقيم تأثير الأزمة الاقتصادية على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وما هي أهم الإصلاحات التي تعتقد يجب تنفيذها لإنقاذ الاقتصاد؟

بات واضحا أن الطبقات الفقيرة والمتوسطة حُمّلت تبعات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ سنوات، ومن المؤشرات الدالة انهيار القدرة الشرائية أمام ارتفاع نسب التضخم، وارتفاع معدلات البطالة التي تتجاوز في بعض المناطق المعدل العام وهو 16 بالمائة.

إن أيّ إصلاح لا يستند إلى تحفيز المبادرة الاقتصادية عبر رفع القيود الإدارية فعلا، وعبر سياسة جبائية مرنة، وعبر تيسير النفاذ إلى خطوط التمويل أي إصلاح شامل للنظام المصرفي، الذي يمثل حارس الطغمة المتنفذة لعائلات قليلة تضع أيديها على مقدرات البلد وتستأثر بكلّ القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وفضلا عن ذلك ليس من بدّ من وضع سياسات زراعية جديدة ومعالجة ملفّ الأراضي الدولية والأملاك الاشتراكية بما يسمح للفلاحين بالنفاذ إلى الأرض وهو ما سيتيح رفع الإنتاج والتقدم على طريق السيادة الغذائية. إن إصلاح أوضاع الريف، ومناخ الاستثمار بالنسبة إلى مؤسساتنا الصغرى والمتوسطة، ووضع قيود حمائية على الواردات المنافسة لما ننتجه محليا، وإصلاح النظام البنكي ووضع استراتيجيات طاقية جديدة وطنية فعلا، هي الخطوط العريضة لأيّ مشروع وطني جدّي لإصلاح الاقتصاد.

ماهي توقعاتكم للوضع الاجتماعي في تونس، وكيف يمكن التعامل مع الاضطرابات المحتملة، خاصة مع حديث المرصد التونسي عن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في المدن الداخلية مؤخرا، وكيف ترون الحل لتهدئة واسترضاء الشارع؟

ارتفاع نسق الاحتجاج الاجتماعي مرتبط بتفاقم الأوضاع، ولكن أحدا لا يمكنه “التنبؤ” باضطرابات، كما أن الحل ليس البحث عن”استرضاء” الشارع، بل الاستجابة لمطالب الناس، وهي المطالب المؤجلة منذ 15 عاما لم يتغير فيها الكثير، وظلت تقريبا هي نفسها. بيد أنّ معالجة الأوضاع تحتاج (كما ذكرنا أعلاه) قطيعة مع السياسات القديمة، والتخلي نهائيا عن وضع ميزانيات “تقنية” لأنّ الأزمة هيكلية متصلة بتوزيع الثروة و بمنظومة مصالح لها أذرع في الإدارة وفي البنوك وفي الجباية وفي مؤسسات الدولة نفسها مثل البرلمان. وطالما لم توضع “إستراتيجية القطيعة” التي تمثل رافعة التغيير الحقيقية، فلن يتوقف الاحتجاج الاجتماعي الذي لا يمكن تجريمه.

ماهو المطلوب لجعل الحوار الوطني ممكنا رغم تجاهل السلطة لدعوات الحوار وتعمدها إقصاء الأجسام الوسيطة؟

كل سلطة على هذه الأرض لا تحاور غير من صار وزنه يؤهله لذلك. وتجربة تونس مع الحوار أنتجت “توافقات” مغشوشة، قائمة على الترضيات و الزبونية و المحاصصات. وفي واقع الحال، لا أعتقد أن السلطة هي التي أقصت الأجسام الوسيطة، بل إن عقم هذه المكونات وضآلة “خيالها السياسي” وارتهان بعضها إلى أجندات الآخر الغربي، جعلها تهترئ وتفقد القدرة على المبادرة، وعلى المناورة. بل إن صعود سعيّد في 2019 إلى سدة الحكم كان علامة ترهّل “النخب القديمة” و”أجسامها” المنهكة، إلى حدّ يمكننا من القول إنها هي التي جاءت به حين قضت على مقومات تجددها ونمائها، وهكذا أقصت نفسها بنفسها وظلت تحمل السلطة وزر خيبتها، لذلك لا تبدو حظوظ قيام أي حوار قائمة الآن رغم “نبل” الفكرة ولكن السياسة تعتمد المبدأ، ولكنها تستند إلى موازين القوى أيضا.

هل برأيك ستتجه السلطة إلى مراجعة سياستها في الملف الحقوقي أمام توسع دائرة الانتقادات الداخلية والخارجية في ظل ما تنتهجه من سياسة تضييق ضد المعارضة استنادا للمرسوم 54؟

السلطة في تونس مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى تجسيم المبادئ الدستورية العامة وخاصة ما يتصل بالحريات. إن المرسوم 54 لا يمثل تضييقا على المعارضين فحسب، بل أضحى عنوان تقييد الفضاء العام بحكم ضبابية بعض ما ورد فيه، وتحوله سيفا مسلطا على الصحفيين وعلى المدونين. إنّ إلغاء هذا المرسوم مطلب مشروع لعموم التونسيين تأخر تحقيقه، وتعدّد ضحاياه. وإذا كانت هناك حاجة إلى تنظيم يضعه المشرّع للفضاء السيبيراني (وهو أمر ضروري لمكافحة الجريمة الالكترونية) فإن ذلك ينبغي أن يتم بصفة تشاركية وضمن سيرورة نقاش عمومي، ووفق ما يضمنه الدستور والاتفاقيات الدولية من حقوق.

ماهو تقييمكم لسياسة الحكومة التونسية في التعامل مع ملف المهاجرين وتوجهها إلى ترحيلهم مؤخرا؟ وهل بوسعها الموازنة بين الاستجابة لمطالب السكان بالتخفيف عنهم وطأة وجود المهاجرين، وعدم إغضاب المنظمات الحقوقية؟

ملف الهجرة غير النظامية وسبل مكافحتها لا يعالج في حيّز ضيق. ولكن يمكن القول اختصارا إنّ التصدي للموجات الهجرية ينبغي أن توضع له استراتيجيات ضمن أبعاد ثلاثة:

أولها اتفاق مع الجارتين الجزائر وليبيا على خطط تنفذ بشكل مشترك ومتزامن،لأنّه من المستحيل أن يواجه بلد منفردا شبكات الاتجار بالبشر ورعاتها الإقليميين والدوليين أيضا.

وثانيها تعزيز الاتفاقيات بين بلدان شمال إفريقيا ودول جنوب الساحل والصحراء عبر الآليات الدبلوماسية، وعبر تعزيز التكامل الاقتصادي أيضا، وهي استراتيجيات متوسطة المدى، يمكن أن تثمر إذا اتجهنا إلى تكريسها.

وثالثها إقامة حوار ندّي مع دول شمالي المتوسط يحملها المسؤولية التاريخية عن بؤس قارتنا ويفرض المشاركة في تحمل تبعاتها بما يبعد عن بلداننا النهوض إلى دور حراس حدود الغرب المراد لنا، وبما يمنع كليا أن تتحول المنطقة المغاربية إلى مخيمات “قارة” للحالمين بالهجرة.

ومن نافل القول، إن هذه السياسات التي نتطلع إلى وضعها ما تزال بعيدة المنال، ولذلك نرى الارتباك أمام الضغوطات التي تُمارس من الغرب، والتخبط في التعامل مع الملفّ، خاصة أنّ “الترحيل” ينبغي أن يكون وفق القوانين الدولية و وفق الاتفاقيات الثنائية، وهو ما يفسّر اغتباط سكان بعض المناطق بالإجراءات الأخيرة ولكنها مجرد “تدوير زوايا” في ظل غياب إستراتيجية إقليمية ناجعة تراعي حقوق الإنسان، وترى في هؤلاء ضحايا المظالم التاريخية التي تسببت فيها بلدان الشمال.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here