إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. أثار ردّ وزارة الخارجية التونسية على بيان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بشأن أوضاع الحريات في تونس جدلا في الشارع التونسي غطّى على فحوى الانتقادات الأممية، ووصفه المتابعون بالردّ “المتسرّع الذي يسيء لصورة البلاد”.
واعتبر مراقبون أن بيان الخارجية التونسية “يسيء لتونس”، بل ووصفه كثيرون بـ”الفضيحة”. وانهالت الانتقادات لدرجة أن وزارة الخارجية أغلقت خاصية التعليق على صفحتها. وقال منسق ائتلاف صمود حسام الحامي لـ”أفريقيا برس”: “بيان وزارة الخارجية، صياغة ومضمونا ألقى بـ 300 سنة من التقاليد والأعراف الدبلوماسية التونسية”.
ووصف الحامي، في موقف شاركه فيه الكثير من التونسيين، بيان وزارة الخارجية بـ”المتشنج شكلا ومضمونا، وفيه ألفاظ خارج السياق الدبلوماسي.. هناك عرف دبلوماسي نتّبعه في كتابة البيانات وعوّدتنا عليه الدبلوماسية التونسية العريقة لكن في البيان الأخير وكأننا بالسلطة تريد أن تطرح روايتها”.
وذهب الإعلامي بسام حمدي إلى أن “البيان لم يحترم القواعد المتعارف عليها في صياغة البيانات الرسمية”، لافتا إلى أنه “خطاب سياسي أكثر منه موقف دبلوماسي رسميّ”.
وانتقد فولكر تورك “أوضاع الحريات في تونس” و”اضطهاد” معارضين في البلاد، الأمر الذي انتقدته الخارجية التونسية واعتبرته “مغالطات”، نافية ملاحقة أي شخص قضائيا من أجل أفكاره.
وقالت الوزارة، الثلاثاء، في بيان نشرته على حسابها الرسمي عبر فيسبوك، “تلقّت تونس ببالغ الاستغراب ما جاء في البيان الصادر عن المفوّض السامي لحقوق الإنسان من مغالطات وانتقادات بخصوص وضعيات بعض الأشخاص من المواطنين التونسيين الذين يخضعون لتتّبعات عدلية من القضاء الوطني”.
يقبع في السجون التونسية منذ 25 جويلية 2021، عدد كبير من ممثلي المعارضة في تونس ومن رؤساء الأحزاب ووجوه من منظومة الحكم في فترة 2011-2021، لكن أيضا وفي السنتين الأخيرتين ارتفع عدد مساجين الرأي والموقوفون بناء على المرسوم 54، الأمر الذي جعل تونس تتراجع على قائمة حقوق الإنسان وترتفع الانتقادات المحلية والدولية مندّدة بما صار يوصف بـ”المجازر القضائية”.
وينتقد المتابعون سياسة النظام التي تعتمد على خلط الأوراق، معتبرين أن إطلاق صراح الإعلامي محمد بوغلاب، قبيل اجتماع مجلس حقوق الإنسان، وفي ذات الفترة مع رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ساهم بن سدرين، يضع القضيتين في بوتقة واحدة رغم الاختلافات الكبيرة بينهما.
بالمثل، يشير المتابعون إلى الإعلان عن تأييد محكمة النقض في تونس، الثلاثاء، حكما بالسجن لمدة 15 شهرا بحق رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، مع إخضاعه للمراقبة الإدارية لثلاثة أعوام، وذلك بتهمة “تمجيد الإرهاب والإشادة به”.
بالتزامن مع هذا الإعلان، أدين ثمانية متهمين باغتيال المعارض محمد البراهمي عام 2013، وحكم عليهم بالإعدام من قبل القضاء التونسي. كما أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس، حكما غيابيا بسجن كل من ليلى الطرابلسي، أرملة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وصهره محمد صخر الماطري، وابنته نسرين بن علي، لمدة 6 أعوام “مع النفاذ العاجل”.
ورغم أهمية هذه الأحكام، إلا أن كثيرون توقفوا عند توقيتها معتبرين أنها تأتي لامتصاص الغضب الذي أثاره ردّ وزارة الخارجية على بيان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من جهة، وأيضا للتغطية على ما جاء في البيان في حدّ ذاته من تنديد وانتقادات بـ”اضطهاد” المعارضة.
ويقول حسام الحامي لـ”أفريقيا برس” قائلا: “هذه السلطة تنحدر بنا يوما بعد يوم إلى غياهب الرداءة. سيذكر التاريخ أن هذه الفترة هي الأسوأ في تاريخ الدولة التونسية”، مضيفا: “لم يعد بوسع أحد اليوم تصديق السلطة في ظل تواصل الاعتقالات مثل سنية الدهماني وشذى حاج مبارك في قضايا حق عام، وغيرهم من المظلومين القابعين في السجون بالتالي محاولة تغطية الواقع لم يعد يصدقه أحد لا في الداخل ولا في الخارج”.
لا يختلف بيان وزارة الخارجية التونسية في روحه عن بيانات سابقة سواء صادرة عن الوزارة أو عن الرئيس التونسي، حيث تطغى عبارات السيادة الوطنية ورفض التدخل الخارجي واللجوء إلى نظرية المؤامرة، وهو خطاب لاقى في السابق صدى قويا وأذانا صاغية في الشارع التونسي، إلا أن قوّته بدأت تتراجع اليوم ولم يعد مقنعا كما كان سابقا.
ووفق الحامي مثل هذا البيان “يورط السلطة ويكشف إلى أي مدى هي بعيدة عن الواقع.. وكان يمكن أن يكون الردّ أكثر اعتدالا، لكن حالة التشنّج التي عكستها سطور البيان تكشف أن النظام محرج أمام الأمم المتحدة التي تنتقد المنحى الأحادي السلطوي للنظام في تونس وتضييق على حريات الناس”.
في المقابل، لا ينفي الدبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي، في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، أنه تم، في الآونة الأخيرة، رصد “العديد من إشارات التهجم على تونس ومؤاخذتها لزج ثلثي الطبقة السياسية في السجون، كنا نتوقع أن يصلنا مثل هذه الانتقادات من مجلس حقوق الإنسان، لكن كان من المفروض أن مختلف الأطياف السياسية تدافع عن تونس وترفض التدخل في الشأن الداخلي، ولسنا في حاجة للدفاع عن هذا الملف من الخارج، خاصة أن الإشارات داخل تونس ومن الدوائر القريبة من الرئيس تعترف بالتقصير في الأداء في عديد الملفات”.
لطالما تميّزت الدبلوماسية التونسية بهدوئها وخطابها المتّزن، حتى في فترة نظام بن علي الذي كان على من بين أبرز الأنظمة “التي تقمع حرية العبير” وفق الأمم المتحدة وفي كل مجلس من مجالس حقوق الإنسان كانت ترتفع الأصوات منتقدة.
لكن، اليوم يعيب المتابعون على الدبلوماسية التونسية فقدانها للخبرة في التعامل مع الانتقادات الدولية. ويوضح العبيدي قائلا: “هناك ضغط خارجي على تونس من خلال هذه البيانات التي توضح نقاط الاختلاف مع السياسة التونسية الحالية. وهو ما يكشف كذلك عن ضعف الدبلوماسية التونسية وغياب الكفاءة والمردود”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس