خلافات داخل رابطة حقوق الإنسان تُعقّد وضعها وتخدم النظام

23
خلافات داخل رابطة حقوق الإنسان تُعقّد وضعها وتخدم النظام
خلافات داخل رابطة حقوق الإنسان تُعقّد وضعها وتخدم النظام

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. كان لقاء احياء الذكرى 48 لتأسيس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان محل متابعة واهتمام خلال اليومين الماضيين لا بسبب الأرقام التي كشفت عنها الرابطة في تقرير رصد السجون التونسية 2022/2025 أو واقع الحقوق والحريات، بل بسبب خلافات داخلية تشق صف الرابطة وتكشف عن تصدّع يطال واحد من أعرق المنظمات الحقوقية في تونس ضمن تحدّ يشبه إلى حد كبير ما يعيشه الاتحاد العام التونسي للشغل وفي سياق سياسي يسوده التوتر.

خلال انعقاد أشغال المجلس الوطني للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، اقتحم القاعة مجموعة من “عضوات الرابطة” وحاولن التشويش على اللقاء، في خطوة ندد بها رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بسام الطريفي ووصفها في تصريحات صحفية بأنها “هرسلة متكررة”.

ووصفت الناشطة الحقوقية السيدة الزموري هذا التصرف بأنه “مرفوض ومستنكر”، مشيرة إلى أنه “يعيد إلى الأذهان ممارسات استبدادية من عهد مضى، ويُعد محاولة لضرب استقلالية الرابطة والإساءة إلى مسارها النضالي الرائد”.

اتجهت أصابع الاتهام إلى الموالين للنظام، واعتبر “الرابطيون” أن ما حدث هدفه تكميم الأفواه خاصة في ظل الحقائق التي تم الإعلان عنها في تقرير رصد السجون التونسية أو فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.

وقال أحمد اقلعي، ناشط حقوقي وعضو سابق بالرابطة التونسية لحقوق الإنسان، لـ”أفريقيا برس”: “أعتقد أن بعض من قام باختراق المجلس الوطني هن رابطات مناضلات “نواياهن حسنة” ولكن هذا لا يخفي اليد السياسية التي تحرك هذه النوايا وتسعى بكل الوسائل لتعطيل انعقاد المؤتمر الوطني للحقوق والحريات”.

لكن ذلك لا ينفي أن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان تشهد صراعات داخلية منذ فترة تعكس تباينا في المواقف بين قيادتها المركزية وبعض فروعها الجهوية وأعضائها السابقين والحاليين. يتمحور هذا الجدل حول قضايا سياسية وحقوقية حساسة، أبرزها المشاركة في الحوار الوطني، الموقف من مشروع الدستور الجديد، والتعاطي مع قضايا حقوق الإنسان في تونس وخارجها ومحاكمات المعارضين السياسيين.

وفي بيان نشرته على صفحتها عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، كتبت، تركية الشائبي عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إحدى العضوات اللاواتي اقتحمن اللقاء، أن “الرابطة أصبحت تخدم مصالح الأقوى”، مضيفة أن سبب الخلاف يكمن في أن الهيئة المديرة أقدمت على الدعوة إلى تنظيم “المؤتمر الوطني للحقوق والحريات ومن أجل جمهورية ديمقراطية” المزمع عقده يوم 31 ماي 2025، لفسح المجال لكل من هب ودب من هيئات وجماعات وأفراد وأحزاب “دون اقصاء لهذا الطرف أو ذاك من ضحايا الاستبداد” وتطالب “بإطلاق سراح كل المساجين والمسجونات والموقوفين والموقوفات، وإلغاء جميع القوانين والتشريعات السالبة والقاتلة للحريات”…. وذلك دون العودة لهياكلها أو استشارة منخرطيها”.

وكالعادة، انتقل الجدل إلى موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وتحول إلى معركة حامية الوطيس بين مؤيّدين ومعارضين لكلا الطرفين ضمن تصعيد يعكس تحديات تواجه الرابطة في الحفاظ على وحدتها ومصداقيتها كمنظمة حقوقية مستقلة وهي تحديات تطال أيضا أعتى المنظمات الحقوقية في تونس وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يواجه بدوره أزمة داخلية حادة، يؤكّد خبراء أنها لا تفيد إلا النظام الذي يعمل على تعميق هذه التصدّعات.

ويقول مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان، لـ”أفريقيا برس”: “ما يعيشه الاتحاد هو نتيجة طبيعية للوضع العام بالبلاد وللتجاذبات الكبيرة التي مست قطاع القضاء وقطاع المحاماة وغيرهما. فما بالك المنظمات التي تعد خليطا من المنتسبين من اليسار والإسلاميين وغيرهم، هذه المحاولة اليوم لإثبات كل طرف أنه هو على النهج الحقوقي الصحيح والبقية لديها أجندات أجنبية والعكس، لذلك لا اعتبر. أن هنالك مشكل، بل اعتبر أنها فترة فرز وفترة صراع حقيقي تمر بها كل المنظمات في كل الأزمنة ومع كل الأنظمة”.

ويقول المحلل السياسي منذر ثابت لـ”أفريقيا برس”: “من طبيعة الأشياء أن تكون منظمات المجتمع المدني خاصة الكبرى ذات الخصوصية الحساسة مثل الرابطة والاتحاد العام التونسي للشغل، مرآة أو وعاء لاحتدام الصراع على مستوى طبقي وسياسي، وطبيعي جدا أن تتأزم الأوضاع بين قراءات متناقضة ومتقاربة ومتصارعة بالنسبة للنقابات وأيضا بالنسبة للرابطة، العمل الحقوقي بصفة عامة يتأثر بتأزم الأوضاع السياسية…. الأطراف السياسية تسعى طبيعيا لاستخدام وتوظيف المجال الحقوقي من أجل كسب نقاط على حساب الخصم أو الطرف المنافس. لذلك طبيعي جدا أن تتأزم الاوضاع داخل الرابطة وداخل اتحاد الشغل اعتبارا لعمق التناقض وعنف التأزم الذي يشق الساحة الاجتماعية كما يشق الساحة السياسية”.

صراعات أيديولوجية

في تعليقه على ما شهدته الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في الذكرى الـ48 لتأسيسها، قال المؤرخ والباحث التونسي عبدالجليل بوقرة: “معضلة الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عميقة ومزمنة ومرتبطة بسنوات التأسيس الأولى واستفحلت مع الزّمن. معضلتها نتيجة فشل المجتمع المدني التونسي في إنشاء نخبة حقوقية خالصة ومتشبعة بفلسفة حقوق الانسان ومتطوّعة مدى الحياة لترويج تلك الثقافة والدّفاع عن مبادئها، واقتصر الأمر على نزوح السّياسيين العاجزين عن التّموقع داخل الخارطة السّياسية، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، إلى الجمعيات الحقوقية وفي مقدّمتها الرّابطة فألحقوا أضرارا فادحة بالرّابطة ولم ينجحوا في ترويج أفكارهم السّياسية عن طريق الجمعيات الحقوقية”.

ويضيف الباحث التونسي: “ما تحتاجه تونس اليوم هو ترويج الفلسفة الحقوقية والتّربية على حقوق الانسان عن طريق التعليم والإعلام حتى نبلغ درجة وعي حقوقي متقدّمة تسمح لنا بحسن إدارة الجمعيات الحقوقية. أمّا ما يحصل حاليا فهو مجرّد صراع حزبي وإيديولوجي لا علاقة له من قريب أو من بعيد بفلسفة حقوق الانسان الرّاقية”.

تأسست الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في 14 ماي 1976، وحصلت على التأشيرة القانونية في 7 ماي 1977، لتكون أول جمعية من نوعها في إفريقيا والعالم العربي. وعلى امتداد السنوات خاضت الرابطة معارك حقوقية مع نظامي بورقيبة وبن علي، وكان لها دور رئيسي في خلق التوازن بعد ثورة 14 يناير وما شهدته البلاد من شدّ وجذب سياسي إلى أن انتهى بها المطاف إلى تحولات 25 جويلية وما أعقبها من تغييرات سياسية وحقوقية وتشريعية.

ورغم كل الانتقادات، تبقى الرابطة شأنها في ذلك شأن الاتحاد العام التونسي للشغل، من أبرز قلاع الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس ويؤكّد منتسبوها وأعضاءها وداعموها وحتى المعارضين فيها أنها ستواصل نضالها رغم التحديات التي تواجهها.

ويعتبر تقرير رصد واقع السجون التونسية، من أبرز التقارير التي تشتغل عليها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد كشفت في تقرير 2022-2025 أن نسبة الاكتظاظ في بعض السجون التونسية تجاوزت 200 بالمئة، وارتفع عدد المساجين بأكثر من 10 آلاف في السنتين الماضيتين.

أزمة حوكمة

أشار متابعون إلى أن الرابطة تمر بأزمة حوكمة داخلية. ووفق أحمد القلعلي، “من الطبيعي أن تخترق الصراعات الفكرية والآراء المختلفة جسما اجتماعيا مدنيا هو في قلب رحى مجتمع تشقه هو أيضا توجهات شتى، الأهم من ذلك هو طريقة إدارة هذه الصراعات والاختلافات ولا يمكن إلا أن تكون طريقة تعتمد الحوار الرصين على أساس قاعدة صلبة من القيم الثابتة”.

ويضيف القلعي في تصريحاته لـ”أفريقيا برس”: “على امتداد وجودها الذي قارب نصف قرن واجهت الرابطة أمواجا ضارية من الوضعيات العسيرة أودت بها أحيانا إلى غلق مقراتها وتعليق أنشطتها في كل الفترات السياسية التي عرفتها البلاد من بورقيبة إلى قيس سعيد. والذي يميز الفترة الحالية هو تمشي السلطة التي لم تعد ترى في” الأجسام الوسيطة” أي فائدة بل وتناصبها التجاهل إن لم نقل العداء أحيانا بتغييبها على محطات هامة هي في صلب اهتماماتها كما وقع مؤخرا مع اتحاد الشغل وتتقيح بعض الفصول من مجلة الشغل؟”.

تأتي هذه الخلافات في ظل مناخ سياسي متوتر في تونس، حيث أعربت منظمات حقوقية عن قلقها من تراجع الحريات العامة واستقلالية القضاء.

يتطلب هذا الوضع، وفق القلعي “رصانة أوسع بعيدا عن كل تشنج وكيل التهم من هذا أو ذلك وخلط الدفاتر، ما يعيبه المعارضون لمنهج الرابطة الحالي هو دفاعها عن “أعداء الحرية” كالفاسدين والمنتمين للتيار الإسلامي بينما كان ديدن الرابطة في كل الاوقات الدفاع عن كل الحقوق لكل الناس وعندما تطالب بمحاكمة عادلة للجميع لا يعني هذا تنصّلها عن مبدأ عدم الإفلات من العقاب”.

في ذات السياق يذهب مصطفى عبد الكبير لافتا في تصريحاته لـ”أفريقيا برس” إلى أن “كل متابع للشأن العام التونسي يعرف أنه ليس جديدا هذه الصراعات، فهذا صراع تاريخي بين المنظمات وأبواق السلطة من جهة ومن جهة أخرى بين المنظمات وعامة الناس التي تعتبر أي خروج عن السلطة هو خروج من الواقع والمنطق وهذا شهدناه في صراع بورقيبة مع الاتحاد العام التونسي للشغل سابقا، أيضا في فترة حكم بن علي مع محاولة تدجين الاتحاد، ودخول الأمين العام السابق اسماعيل السحباني للسجن في التسعينات، وبات الاتحاد حينها في أزمة حقيقية”.

ويضيف عبد الكبير أن “الوضع لم يختلف مع الرابطة التونسية لحقوق الانسان، التي عاشت مرحلة صعبة في عهد بن علي وقد وقع اتهامها في أكثر من مرة بأنها موالية للسفارات وقد قام بن علي بغلق منظمات حقوقية وسجن حقوقيين والتضييق على العمل الحقوقي”.

لا شكّ في أن ما شهدته البلاد منذ 2011 إلى اليوم، وضع عديد التحديات أمام الرابطة التونسية لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على استقلاليتها وتمسكها بالمبادئ الحقوقية الأساسية لمواصلة دورها الريادي في الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس.

وحتى تتجنب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان محاولات الاختراق القاتلة، تنصحها رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجربي، بالتعقل متوجهة في تدوينة على صفحتها على فايسبوك إلى أعضاء الرابطة ومنتسبيها قائلة: “إننا اكتوينا قبلكم بالانقسامات وإخراج قضايانا لتكون حديث الشأن العام وفتح المجال للاختراقات ممن لا يحملون قضايا ومشاغل النساء التونسيات، وبوصفي كنت واحدة منكم، وكنتم سندا لنا في فترات الجمر وفي زمن قل فيه مساندينا ألتمس منكم التعقل والحكمة لمعالجة كل الاختلافات وتطويقها وجعلها شأنا داخليا…”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here