رابطة حقوق الإنسان… آخر القلاع المهدّدة في تونس

3
رابطة حقوق الإنسان... آخر القلاع المهدّدة في تونس
رابطة حقوق الإنسان... آخر القلاع المهدّدة في تونس

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. يمكن القول إن تطويق الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومحاولة إرباكها من الداخل، أمر وارد في السياق الراهن. فمعظم منظمات المجتمع المدني تشعر بالاختناق بسبب عوامل موروثة عن المرحلة السابقة، وأخرى ناتجة عن التحولات السياسية الجارية التي قلبت الموازين، وعمّقت الخلافات، وبثت الخوف في منظماتٍ عديدة دمّر بعضها بالكامل.

رغم أن الرابطة نجحت نسبياً في البقاء، وتمكّنت في مؤتمرها أخيراً من تجاوز أزمتها الداخلية بأقل الأضرار، بعد رفض أغلبية أعضائها التذيل للسلطة، وحافظت على استقلاليّتها، خرجت المنظمة ضعيفةً إلى حدٍّ ما من ذلك الاختبار الصعب. لكن محاولة التطويع تعود اليوم، رغم اختلاف الأقنعة، فالهدف واحد، جرّ الرابطة نحو خيانة مبادئها، والتخلي عن بعض ثوابتها، بحسب رئيسها الذي أشار إلى أعضاء من النساء اتهمن القيادة بالدفاع عن الإسلاميين باعتبارهم “أعداء الوطن”؟.

هذه المعضلة السياسية والأيديولوجية واجهها نشطاء حقوق الإنسان في تونس عدّة مرات. وقد بدأت قصة التمييز بين ضحايا الانتهاكات منذ وقت مبكر من تأسيس الرابطة، وتحديداً مع انطلاق الصراع بين الإسلاميين واليساريين. في تلك الأجواء المشحونة، كان كل طرفٍ من هؤلاء يعمل على الانفراد بقيادة المنظمة والتحكّم في عضويتها. وكلما اكتسبت هذه الجمعية أهمية رمزية على الصعيدين، المحلي والدولي، ازداد حرص التيارات الحزبية على الهيمنة وإقصاء المخالفين، لكن هذا السجال حسم نظرياً فيما بعد مع صياغة ميثاق للرابطة، الذي يلتزم به كل راغبٍ في الانتماء إليها. وبذلك، جرى تأكيد عدم التمييز بين الضحايا، ووجوب الدفاع عن الجميع من دون النظر إلى قناعاتهم الأيديولوجية وانتماءاتهم الحزبية.

يحاول بعضهم في هذه الأيام تشديد الضغط على الرابطة، حتى لا تنخرط بجدّية في الدفاع عن المساجين السياسيين المعارضين حالياً للسلطة، وبالخصوص على القيادة عدم الوقوف إلى جانب الإسلاميين بحجّة أنهم “مدانون” حتى في غياب الأدلة القطعية. وفهم في هذا السياق أن المحرّضين على ذلك شق من حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، المعادي لحركة النهضة، والمؤيد بشكل كامل ومن دون تحفّظ لسياسة الرئيس قيس سعيد. ورغم أن بقية التيارات اليسارية والقومية موجودة داخل هياكل الرابطة، ولها مواقف مخاصمة للإسلاميين، لكنها تميز في الغالب بين الخصومة السياسية المستمرة معهم وبين وجوب الدفاع عنهم على الصعيدين الحقوقي والإنساني. ويلعب في هذا السياق رئيس الرابطة دوراً هاماً للحيلولة دون انزلاق المنظمة والتورط في السكوت عن الانتهاكات خلال هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد.

عندما تكون مسؤولاً في منظمة حقوقية أنت مطالبٌ بأن تتخلّص من انتمائك الأيديولوجي والسياسي، أو على الأقل لا تجعل منه ميزاناً تزن به القضايا المتعلقة بحقوق الأفراد والجماعات. عليك أن تكون صارماً في مواقفك المعلنة، وأن لا تنحاز ضد الضحايا مهما تعدّدت الضغوط عليك، ومهما ناوشتك الألسن وحاصرتك التهديدات بمختلف أشكالها. حكّم ضميرك، وتأكّد من أن ما تمر به هو مرحلة مؤقتة لن تدوم كثيراً، وأن ما سيسجله التاريخ ضدّك أو لصالحك مرتبط بمدى صمودك ودفاعك عن الحق والمظلومين، ومرهون بما فعلته من أجل الحفاظ على استقلالية المنظمة التي تحملت مسؤولية قيادتها. وتذكر الماضي، ففي التاريخ عبرة لمن يعتبر، حين تعرّضت رابطة حقوق الإنسان لمحاولة اغتيالها، واختنقت حتى شارفت على الموت، لكن بفضل مناضليها ومن بقي منهم صامداً منهم حتى الرمق الأخير، نجت المنظمة، وحافظت على استقلالية قرارها وعلى نفسها النضالي.

صحيحٌ، هناك انتقادات توجه إلى الرابطة قبل الثورة، وبالأخص بعدها، من أطراف عديدة، منها الإسلاميون، لكن المرحلة الحالية تتسم بظرفية خاصة تفرض على المؤمنين بالديمقراطية والمجتمع المدني التضامن مع الرابطة والتصدي للهجمة التي تتعرض لها في هذا المنعرج الخطير. فمن سكت عن الحق هو شيطان أخرس، ومن استمر في التراجع إلى الخلف، والاحتماء بكثبان الرمال المتحركة، قد يجد نفسه في العراء، ولن يعثر عندها على منظّمة تحميه، ولا قلعة تؤويه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here