رمضان بن عمر لـ”أفريقيا برس”: الصراع في تونس سيصبح بعنوان اجتماعي

43
رمضان بن عمر لـ
رمضان بن عمر لـ"أفريقيا برس": الصراع في تونس سيصبح بعنوان اجتماعي

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. توقع رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في حواره مع “أفريقيا برس” أن “يتحول الصراع في تونس من صراع سياسي بين السلطة والمعارضة إلى صراع بعنوان اجتماعي حيث ستطالب الفئات الاجتماعية المختلفة والتي صوتت للرئيس قيس سعيد بكثافة بتطبيق وعوده الانتخابية، وقد تشهد البلد عودة إلى الاحتجاجات في حال فشل السلطة في تحسين الأوضاع المعيشية”.

وفسر بن عمر عزوف الشباب عن المشاركة في السباق الرئاسي مؤخرا “بتوجه هذه الفئة العمرية نحو الحلول الفردية والخلاص الفردي حيث لم تعد تؤمن بفكرة الخلاص الجماعي”، مشيرا في سياق آخر إلى أن “سياسة الرئيس قيس سعيد في التعاطي مع ظاهرة الهجرة غير النظامية لن تتغير بل سيواصل المضي فيها وبالالتزام بوعوده مع الأوروبيين الأمر الذي سيزيد من تأزم أوضاع المهاجرين أكثر”.

ورمضان بن عمر هو الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، الذي يعد أبرز منظمة محلية معنية بأوضاع المهاجرين عير النظاميين وبقضايا المرأة والبطالة، إضافة إلى متابعتها للحركات الاحتجاجية بالبلاد.

ما هو تعليقكم على نتائج الانتخابات الرئاسية في تونس، وهل تعتقد أن المشهد السياسي سيذهب إلى مزيد من التأزم بين السلطة والمعارضة أم ستكون هناك تهدئة بين كل القوى السياسية وعودة للحوار؟

في اعتقادي لا يوجد مشهد سياسي متكامل في تونس، فالأزمة شملت عديد الوسائط وخاصة الأحزاب السياسية التي بات الكثير من قياداتها داخل السجون أو يتعرضون إلى ملاحقات، هناك أزمات داخلية وبالتالي لا نستطيع الحديث عن مشهد متكامل.

بالنسبة إلينا كانت نتائج الانتخابات متوقعة، حيث انطلق المسار الانتخابي منذ فترة وعمل جاهدا حتى يصل إلى تلك النتيجة التي وصلنا إليها، وبرأيي المرحلة القادمة لن تكون سياسية أي لن يكون الصراع سياسيا بين السلطة والمعارضة بل ربما سيتحول إلى صراع بين السلطة الحالية والفئات الاجتماعية المختلفة لأن الأزمة التي تمر بها التنظيمات السياسية التقليدية مازلت متواصلة وهذا ما سيجعل المشهد السياسي الحالي بدون معارضة واضحة ومكتملة المعالم، وستكون السلطة الحالية بذلك في مواجهة أكثر مع الفئات الاجتماعية التي ستطالبها بتطبيق الوعود الاجتماعية التي أطلقتها قبل الانتخابات وبسبب التعثرات الموجودة في إدارة الملف الاجتماعي والاقتصادي، لذلك ستطالب الأصوات التي ذهبت إلى الاقتراع والتصويت للرئيس الحالي بكثافة بتحقيق وعوده الاجتماعية وبالتالي سيكون الصراع القادم تحت عنوان اجتماعي.

بماذا تفسر كعضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عزوف الشباب بشكل خاص عن المشاركة في الاقتراع؟

هي مسألة قديمة وليست مرتبطة بالانتخابات الأخيرة، الانتخابات السابقة سنة 2019 سجلت كذلك نسبة مشاركة ضعيفة في حدود 6 بالمئة، وهو ما يعكس الهوة الكبيرة الموجودة بين الوضع السياسي والتحديات المطروحة واهتمام الشباب بالشأن العام، فالقطيعة مازالت مستمرة وهناك عزوفا مستمرا للشباب عن الشأن العام.

ربما بات للشباب اليوم اهتمامات أخرى، كما لم يعد يثق أن الاهتمام بالشأن العام بوسعه التغيير من أوضاعه لذلك توجه أكثر نحو الحلول الفردية ولم تعد تؤمن هذه الفئة العمرية بالخلاص الاجتماعي بل باتت تؤمن أكثر بالخلاص الفردي، وهذه الأزمة والقطيعة تعود بالأساس إلى التنظيمات السياسية والمدنية التي فشلت في استقطاب هذه الفئات العمرية ولم تتح لها المساحة الكافية للمشاركة والتعبير داخل هذه الأطر ثم المشاركة السياسية المتكاملة في مرحلة ثانية، وأتوقع أن يتواصل هذا العزوف والتعبيرات السلبية التي نراها في المجتمع تؤكد ذلك خاصة حين نشاهد استشراء العنف داخل الملاعب وفي الفضاء المدرسي وفي الفضاء العام وفي ارتفاع ظواهر مثل الهجرة والعنف السيبيراني، كل هذه الظواهر من تداعيات القطيعة المستمرة بين الشباب والحياة السياسية.

لماذا فقد الشارع التونسي الأمل في قدرة الاحتجاجات على التغيير، وفق ما صرحت به سابقا؟

تراجع وتيرة التحركات الاحتجاجية خاصة بعد 25 جويلية 2021 لديه أسباب عديدة: أولا لأن 25 جويلية كان تتويجا لمسار من الاحتجاجات وطرح نفسه كنقطة ختامية لهذه الاحتجاجات ولتحقيق مطلب المحتجين في القطع مع المشاهد السياسية التي تداولت على السلطة بعد ثورة يناير 2011، وعلى أساس أن البلد سيتجه نحو مسار جديد، لكن حين بات رئيس الجمهورية يحمل نفس الشعارات التي يحملها هؤلاء المحتجون، خلق ذلك نوعا من الارتباك إذ ما الذي سيدعو هؤلاء إلى الاحتجاج ما دام الرئيس يتحدث عنهم ويحمل نفس شعاراتهم ويطالب بالتشغيل والحق في الماء والصحة وغيرها، هذا خلق ارتباكا لدى المحتجين أنفسهم.

أيضا المشهد السياسي الحالي، حاول احتواء الحراك الاجتماعي من خلال الاحتواء الناعم من خلال المفاوضات مع هؤلاء الفاعلين الاجتماعيين أو من خلال الوعود التي أطلقتها السلطة، كذلك المقاربة الزجرية كانت موجودة وحاضرة في بعض الاحتجاجات مثل احتجاجات “جرجيس” و”عقارب”، ويجب الإشارة أيضا إلى الخوف الذي خلقه المرسوم 54 الذي وقع توظيفه لملاحقة النشطاء، لذلك لم يعد لدى هؤلاء الفاعلين الأمل في قدرة السلطة اليوم على التغيير خاصة مع تناقص مساحات الحرية والتعبير، مع ذلك أتوقع عودة وتيرة الاحتجاجات لمطالبة رئيس الجمهورية باحترام وعوده وتعهداته.

كيف سيتعامل الرئيس قيس سعيد في ولايته الثانية مع ملف الهجرة خاصة أنكم انتقدتم مؤخرا انخراط تونس في المقاربة الأمنية التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط؟

نحن نعتقد أن رئيس الجمهورية لن يغير مقاربته في التعامل مع ملف الهجرة لأن رؤيته هي رؤية تنطلق من كون الهجرة هي تهديد أمني وصحي وتحمل خطرا خاصة في بعدها النظامي على التونسيين وأيضا تنطلق من التحالف الذي أقامه مع الجانب الأوروبي وأساسا مع رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني، هذا ما ينبئ بأن السياسات الحكومية التونسية لن تتغير كثيرا وهي سياسة في أغلبها ارتجالية وأمنية بحتة في مواجهة ظاهرة متعددة الأبعاد، فظاهرة الهجرة هي ظاهرة حقوقية إنسانية اقتصادية اجتماعية لكن للأسف مازلنا نركز فقط على الأبعاد الأمنية لمعالجتها.

وأرى أن رئيس الجمهورية سيواصل الالتزام بما وعد به الأوروبيون وهو تكثيف الحراسة على السواحل وإعادة المهاجرين إلى الأراضي التونسية وفي نفس الوقت دفع المهاجرين إلى العيش في فضاءات من المدن لإجبارهم على العودة الطوعية، وفي تقديري أوضاع المهاجرين ستتأزم أكثر، وعلى الرئيس أن يعي أنه على الدولة التونسية أن تقطع مع السياسات السابقة في تعاملها مع المهاجرين وإلا ستجد نفسها أمام أزمة يصعب حلها.

في مسألة الهجرة نعتقد أيضا أنه يجب إعادة النظر في مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، للأسف تحولت تونس اليوم إلى أشبه بمصيدة للمهاجرين حيث أن الأزمة التي كانت تعيشها مدن الاستقبال في أوروبا ونقاط الاستقبال تم نقلها إلى دول العبور وأساسا إلى تونس، والحل لا يكون إلا بمراجعة جذرية مع مسارات التعاون مع هذه الدول والقطع معها وإيقافها من أجل إيجاد حل يستجيب للالتزامات الدولية لتونس وفي نفس الوقت يستجيب للمصلحة الوطنية في أن لا نخلق مشاكل إضافية لنا، وهنا المقاربة لا يمكن أن تكون إلا تشاركية بعيدا عن النظر بعين التجريم لمنظمات المجتمع المدني التي تشتغل على قضايا الهجرة والانفتاح على هذه المنظمات يساعد الدولة على إيجاد مسار لحلول فعلية لهذه الظاهرة.

ما هي آخر الأرقام المسجلة بخصوص ملف البطالة، ولماذا عجزت الحكومات المتعاقبة على حلحلة هذا الملف؟

نسبة البطالة بقيت على وتيرتها في حدود 16 بالمئة لكن مع وجود فوارق بين الجهات، حيث ترتفع نسبة البطالة إلى قرابة 40 بالمئة بالمناطق الداخلية، وأيضا حسب الجنس حيث ترتفع أكثر عند الإناث رغم أن نسبتهن أعلى من حيث الشهائد العليا.

وفي تقديري فإن التمشي الذي تنتهجه الدولة غير قادر على امتصاص هذه النسبة المرتفعة للبطالة، باعتبار أن عجلة الاستثمار معطلة خاصة على المستوى الداخلي نتيجة لسياسات الدولة التي اختارت مواصلة نفس التمشي في تجميد الوظيفة العمومية والالتجاء إلى آليات التشغيل الهش، أيضا اختارت الدولة اللجوء إلى التداين الداخلي لذلك أصبحت البنوك مجبرة على إقراض الدولة على حساب أصحاب المبادرات الخاصة وبالتالي تراجع دور القطاع الخاص في خلق فرص شغل، وفي ظل الاستمرار في هذا التوجه فإنه لا يمكن الحد من هذه الظاهرة.

هل تتوقع أن تشهد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحسنا خلال الولاية الثانية للرئيس سعيد وأن تحقق الحرب على الفساد نتائج ايجابية على أرض الواقع؟

منذ إطلاق السلطة شعار الحرب على الفساد وعدت المواطنين بتحقيق نتائج سريعة في فترة زمنية قصيرة، وأنه سيتم إنعاش ميزانية الدولة بعائدات هذه الحرب لكن التونسيون اكتشفوا أن كل ذلك بقي مجرد تصريحات وبالتالي لا يمكن المراهنة دائما عليها.

وفي تقديري فإن العهدة الثانية ستكون صعبة وأصعب من الأولى بالنسبة للرئيس قيس سعيد، لأنه كان يرمي التعثر والفشل على الآخرين وعلى الإرث السابق، اليوم هذه المبررات ستنتفي لأننا أمام مشهد سياسي يمسك فيه الرئيس بالسلطة وبكل أداوتها التنفيذية والتشريعية وبالتالي لديه القدرة على صياغة السياسات في غياب معارضة قوية ومدعوما بالتأييد الشعبي، لذلك كل المبررات ستنتفي أمام خطاب سياسي يحاول دائما إلقاء اللوم والتعثر على المعارضين، وبالتالي ستكون فترة صعبة على رئيس الجمهورية خاصة إذا لم يطرح رؤيته الاقتصادية والاجتماعية البديلة لتحسين الأوضاع، وحينها خطاب التخوين واتهام المعارضة بالتآمر لن يجديه نفعا ولن يحظى بذات الدعم الذي حظي به في ولايته الأولى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here