آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد رياض الشعيبي، القيادي في حركة النهضة والمستشار السياسي لراشد الغنوشي، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن “أي حوار وطني تتجه إليه السلطة دون إشراك حركة النهضة، سيكون مصيره الفشل، ولن ينجح في إخراج البلاد من أزمتها”، على حدّ تعبيره.
ورأى أن “المؤشرات السلبية ازدادت في مختلف المجالات منذ انطلاق مسار 25 جويلية”، مشددًا على أن “إصلاح الأوضاع يتطلب رؤية إصلاحية شاملة”.
وقال الشعيبي إن “حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني تواصلان الدفاع عن الموقوفين السياسيين في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة”، موضحًا أن “ملفات المعتقلين تخلو من أي فعل مادي يجرّمه القانون، مما يكشف الطابع السياسي لتلك القضايا”.
وأضاف أن “بعض الأطراف الإقليمية والدولية ساهمت في تأجيج الأزمة الداخلية بدعمها للسلطة القائمة، والدفاع عنها في المحافل الدولية، رغم افتقارها لأي شرعية منذ اليوم الأول لانقلابها على المسار الديمقراطي”، مؤكدًا أن “هذه الدول لا ترى في تونس سوى مصالحها، والمطلوب منها هو احترام السيادة الوطنية التونسية”.
رياض الشعيبي هو سياسي وأكاديمي تونسي، يُعد من الوجوه البارزة في حركة النهضة، حيث يشغل منصب المستشار السياسي لراشد الغنوشي، زعيم الحركة. كما يُعد من أبرز قيادات جبهة الخلاص الوطني، التي تضم مجموعة من الأحزاب والشخصيات المعارضة للمسار السياسي الذي انطلق في 25 يوليو 2021.
يحمل الشعيبي خلفية أكاديمية في الفلسفة والفكر الإسلامي، وقد عرف بمشاركته في الحوارات السياسية والفكرية، سواء من داخل مؤسسات الحركة أو ضمن الأطر الوطنية الأوسع. قبل انضمامه مجددًا إلى النهضة، أسّس حزب “البناء الوطني”، الذي لعب دورًا في الساحة السياسية التونسية لعدة سنوات، قبل أن يُعلن حله والعودة إلى صفوف النهضة في مرحلة لاحقة.
يتميّز الشعيبي بخطابه السياسي النقدي للسلطة الحالية، ومواقفه الداعية للحوار الوطني والتوافق من أجل تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
ما هو تقييمكم للوضع السياسي الحالي في تونس في ظل استمرار محاكمة قيادات حركة النهضة وإغلاق مقراتها؟
منذ 25 جويلية 2021 والبلاد في قلب إعصار شامل يكاد يهز أركان الدولة والمجتمع. فالتونسيون الذين ناضلوا جيلا بعد جيل لم يخطر ببالهم أن يواجهوا نظاما تسلطيا بمثل هذا التهافت والاعتباطية. وعندما اتخذنا موقفا مبدئيا بمعارضة هذه السلطة عبر المقاومة المدنية والسلمية، واجهتنا السلطة باعتقال قياداتنا ومناضلينا والتنكيل بهم، وإغلاق مقراتنا والتضييق على تحركاتنا الاحتجاجية، في محاولة يائسة لإسكاتنا ومنعنا من التعبير عن مواقفنا. واليوم يقبع بالمعتقل رئيس حركة النهضة ونوابه الأربعة ورئيس مجلس الشورى ونواب عن الحركة في البرلمان ووزراء ومسؤولون ومناضلون في مختلف هياكل الحركة. لكن هذه الاعتقالات التي امتدت لتشمل كل العائلات السياسية والناشطين المستقلين لم تزد إلا في تعفين الوضع السياسي بالبلاد.
اليوم تتدحرج الأزمة السياسية بسرعة، وقد زادتها تجذرا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة، إضافة للطريقة الاعتباطية التي تدير بها السلطة مؤسسات الدولة.
في ظل الدعوات المتكررة لإطلاق سراح المساجين السياسيين، ما هي الخطوات التي تتخذها حركة النهضة لتحقيق هذا الهدف ؟
رغم خلو ملفات المعتقلين من أي فعل مادي يجرمه القانون، وبروز الطابع السياسي لهذه القضايا إلا أن بعض القضاة، وبتعليمات سياسية مباشرة، بدؤوا بالفعل بإصدار أحكام قاسية في هذه القضايا. وقد نظمنا العديد من التحركات الميدانية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، كما صدرت عديد البيانات والتقارير الوطنية والدولية التي طلبت من السلطات التونسية إطلاق سراحهم. لكن وقوع السلطة أسيرة رغبتها في إقصاء كل صوت معارض حال دون ذلك.
كيف تقيمون دور فرنسا والولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة السياسية في تونس؟
ليس مطلوبا من أية جهة خارجية التدخل المباشر في الأزمة السياسية الداخلية لصالح أي طرف. لكن ما لاحظناه للأسف أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية ساهمت في تذكية الأزمة الداخلية بدعمها لهذه السلطة والدفاع عنها في المحافل الدولية، رغم افتقادها الكامل للشرعية منذ اليوم الأول لانقلابها على المسار الديمقراطي.
لذلك المطلوب فقط أن تحترم هذه الدول سيادة الدولة التونسية، وأن تحترم الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف التي عقدتها مع الدولة التونسية، وأن تحترم في سياساتها الخارجية القيم الإنسانية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
هذه الدول لا تنظر إلا إلى مصالحها في تونس، على غرار تنامي ظاهرة الهجرة غير القانونية أو حتى تحولات السياسة الخارجية التونسية، وهذا أمر طبيعي في العلاقات الدولية.
أما مسألة الديمقراطية ودورها في احترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة والحكم الرشيد، فلا تدخل ضمن اهتمامات هذه الدول إلا من زاوية ما يمكن أن تفضي إليه من تحقيق لمصالحها. وذلك على العكس من التونسيين الذين يطوقون للحرية وللعيش الكريم ولترسيخ الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
ففرنسا الرسمية مثلا كان موقفها ملتبسا من انقلاب 25 جويلية. ولم تعلق على هذا الانقلاب إلا بتكرار ما عبر عنه ذات يوم جاك شيراك في زيارته لبن علي من أن أولويات الشعب التونسي اقتصادية واجتماعية، وأن الديمقراطية ليست مطلبا شعبيا في تونس. طبعا في إطار تبرير سياسات سلطة 25 جويلية.
فرغم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا شريكين في بناء الانتقال الديمقراطي في تونس بما قدماه من دعم للمؤسسات الديمقراطية الناشئة، إلا أن مواقفهما الباهتة وركضهما وراء مصالحهما الضيقة، والتغاضي على التراجع عن الديمقراطية في البلاد، كل ذلك يلخص موقف هذه الأطراف مما حصل.
هل صحيح أن هناك عقوبات أمريكية تحضر ضد تونس بسبب سياسات الرئيس قيس سعيد ؟
للتدقيق هذه العقوبات هي بسبب السياسات الخارجية للسلطة التي تصطف مع ما تعتبره الولايات المتحدة “محور الشر”، لكن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست أكثر من حجج للتسويق لهذه العقوبات.
وبالفعل، رغم العلاقات القديمة بين تونس والولايات المتحدة إلا أن هذه السلطة قد أساءت لكل رصيد الشراكة والاحترام مع هذه الدولة المهمة في دعم جهود التنمية في البلاد. لذلك من غير المستغرب أن تتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات عقابية، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، وإلغاء التمويلات المرصودة لدعم الاقتصاد الوطني والعمل التنموي.
ما هو ردكم على التقارير التي تشير إلى وجود اتصالات غير معلنة لحوار سياسي يستثني حركة النهضة؟
السلطة لا تؤمن بالحوار لذلك رفضت منذ البداية كل الدعوات للحوار الوطني، لذلك لا مصداقية لأي حديث عن حوار، إلا من بعض الأطراف المؤيدة بطبيعتها للسلطة، والتي تبحث عن إطار تستطيع من خلاله الاستفادة من هذا الدعم. ومع ذلك فإن أي حوار يستثني حركة النهضة سيفشل حتما، ولن ينجح في إخراج البلاد من أزمتها.
كيف ترون مستقبل الحوار الوطني في ظل الأزمة الحالية؟
ليس هناك حوار وطني في اللحظة الراهنة، ولا يوجد توجه من السلطة في اتجاه الحوار الوطني. لكن ذلك لا ينفي إمكانية الدعوة لهذا الحوار عندما يشتد الضغط على السلطة، ولا تجد طريقا آخر للالتفاف على مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية غير هذا الطريق.
ما هي رؤيتكم لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس حاليًا؟ وكيف يمكن لحركة النهضة المساهمة في ذلك؟
عندما حصل انقلاب 25 جويلية، رفعت السلطة شعار مقاومة الفساد والإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. لكن بعد أربع سنوات ازدادت المؤشرات السلبية في كل هذه المجالات. وإذا كان الحل سهلا حينها، فلا شك أنه اليوم أكثر تعقيدا.
أعتقد أن أي رؤية إصلاحية ستكون محكومة بأربعة عناصر:
1- الإصلاحات الهيكلية: بما يحرر الآلة الإنتاجية ويخلق بيئة تنافسية.
2- التوازنات المالية: بتقليص حجم الدين وتعزيز مؤشرات الاقتصاد الكلي.
3- دعم الاستثمار الداخلي والخارجي بخلق البيئة المشجعة وتحرير الاقتصاد من البيروقراطية وسياسات دعم التشغيل.
4- الارتقاء بجودة الحياة، وتحسين خدمات المرفق العام التعليمية والصحية والبيئية والبنية التحتية.
كيف تردون على الانتقادات الموجهة لحركة النهضة بشأن تراجع شعبيتها وعدم إجراء مراجعات داخلية؟
زيادة شعبية حركة النهضة أو تراجعها هي من الأمور الطبيعية التي تطرأ على كل الأحزاب، لكن مقياس ذلك لا يمكن أن يكون انطباعيا أو بحسب الرغبة، وإنما يعبر عنه الصندوق الانتخابي. وكنا نتمنى بالفعل أن ينتصر علينا خصومنا في عملية ديمقراطية وشفافة. حينها كنا سنقبل بهذه الهزيمة وسنعود لصفوفنا الداخلية للقيام بالنقد الذاتي اللازم لاستعادة شعبيتنا. لكن ما حصل هو انقلاب على الإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها على امتداد عشر سنوات، نالت النهضة الثقة في بعضها وخسرت الانتخابات في مناسبات أخرى. لذلك يريد البعض استكمال هذا الانقلاب بجر الحركة إلى الاعتراف بذنوب وأخطاء هي في حقيقة الأمر ليست أكثر من وجهات نظر سياسية على أساسها اتخذت تلك الأطراف موقفها العدائي تجاه الحركة.
ما هي خططكم المستقبلية لاستعادة ثقة الشارع التونسي؟
كما قلت سابقا يجب أن نفسح المجال للشعب التونسي ليعبر عن موقفه بشكل حر وشفاف، وهذا لم يحصل منذ 2021. لذلك ليس هناك أية آلية أخرى لمعرفة موقف هذا الشارع من حركة النهضة. لكن هذا لا يعني أننا لا نسعى باستمرار لتطوير عملنا وبرامجنا حتى نبقى في مستوى ثقة الشارع التونسي الذي مازال يضعنا في صدارة القوى السياسية في البلاد.
ما هي إستراتيجيتكم لمواجهة ما تصفونه بـ”الحملة الممنهجة” ضد حركة النهضة وقياداتها؟ وهل هناك نية لإعادة هيكلة الحركة أو تغيير في قيادتها؟
حركة النهضة كانت ولا تزال عرضة لحملات تشويه متتالية. لكن كل الوقائع التاريخية أثبتت تهافت التهم الموجهة إليها. ناهيك أن من أخطر ما اتهمت به الحركة هو الفساد المالي والإداري، لكن بعد أربع سنوات من الانقلاب على الديمقراطية، لم تنجح السلطة في إثبات تهمة واحدة مما سوقت له لتبرير انقلابها. ورغم وجود العشرات من مناضلي الحركة رهن الاعتقال، إلا انه لا أحد منهم متهم بقضية فساد، بل كلهم معتقلون لأسباب سياسية تتعلق بنقدهم للسلطة ومعارضتهم لها.
أما عن التغيير القيادي والهيكلي داخل الحركة، فيجب أن نفهم في البداية أن التغيير قانون تاريخي يشمل كل المجموعات، وحركة النهضة ليست استثناءا في ذلك. وعندما تتوفر الشروط السياسية والتنظيمية لهذا التغيير فإنه سيتحقق بشكل سلس وهادئ وايجابي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس