أفريقيا برس – تونس. أبدى زبير الشهودي القيادي بحزب عمل وانجاز في تونس في حواره مع “أفريقيا برس”، تفاؤله بنجاح المؤتمر الأول للحزب والمرتقب في أواخر العام الجاري، وذلك لرهان الحزب على الخيار الاجتماعي والاقتصادي لإعادة ثقة الناخبين في الأحزاب والعمل السياسي خاصة بعد أن استفاد أبرز قيادييه من تجربة الحكم السابقة.
وأشار الشهدوي أن الأحزاب اليوم رغم ما تعانيه من ضغوط وتضييق من قبل السلطة، إلا أنها أمام فرصة حقيقية لفرز مناضليها وقياداتها الحقيقية، لافتا أن اعتقال قيادات بارزة في المعارضة يذكي نضالاتها أكثر ويقويها، كما يمنح فرصة لجيل جديد من الشباب للقيادة.
وزبير الشهودي هو سياسي تونسي، وهو عضو العضو المكتب السياسي لحزب عمل وانجاز وهو حزب حديث النشأة يترأسه الوزير السابق عبداللطيف المكي، وكان الشهودي قياديا سابقا في حزب حركة النهضة حيث شغل منصب رئيس مكتب راشد الغنوشي وعضو مجلس الشورى، ثم استقال عن الحركة سنة 2021.
حوار آمنة جبران
يعمل حزب عمل وانجاز على تنظيم مؤتمره الأول، هل سيكسب برأيك هذا الرهان خاصة لحداثة تأسيسه وهل سيتمكن من استقطاب قواعد شعبية؟
طبعا مؤتمرنا الأول المرتقب يشكل تحديا تنظيميا وسياسيا ولدينا أمل أن يكون له تأثيرا كبيرا على المستوى المضموني والسياسي، وهناك اشتغال عميق في هذا الشأن وفي الفترة القادمة سنفرز اللجان والهيئات التي ستشرف على المؤتمر، وحسب النظام السياسي للحزب فإن آجال انعقاد المؤتمر إلى حدود نهاية هذه السنة الجارية ولا يجب أن يتخطى هذا الموعد، وبالتالي نحن نراهن على نجاحه مضمونيا وتنظيميا رغم إقرارنا بانكماش الاهتمام بالشأن العام وجزء منه بسبب عوامل الفتور من العمل السياسي، لكن الأخطر من ذلك هو هواجس الخوف من الممارسة السياسية التي تكلفتها قد تطال الآن حرية الشخص نفسه، وبالتالي هذا القلق الأمني من شأنه أن يخلق حالة من الحذر والانكماش، وبرأيي فإن المنخرطين اليوم في الشأن السياسي هم مناضلون حقيقيون.
ماهي الخطوط العريضة لحزب عمل وانجاز وتوجهاته السياسية وأهدافه؟
حزب عمل وانجاز تشكل في ظروف تأسيس في مرحلة ما بعد انقلاب 25 جويلية، وبالتالي همه الأول كان قائما على تقييم ما قبل هذا التاريخ أي ما قبل 24 جويلية ويعني مسار الثورة والانتقال والديمقراطي ومجمل تقييماته أوردت أفكارا كبرى لعل أبرزها وأهمها هو الإقرار بالفشل في إدارة الملف الاقتصادي والبعد الاجتماعي، وربما مرد ذلك هو السمة البارزة لصراع الأيديولوجيات الذي كان بارزا طيلة تلك المرحلة، والعنوان الثاني وهو عنوان رئيسي هو أخلقة العمل السياسي حيث أن السياسيين صورتهم سيئة لدى عامة التونسيين، حيث لم يبرزوا كشخصيات عامة تحمل رسالة قيمية وأخلاقية، وبالتالي العامل الثاني هو غياب حقيقي للقيم الأخلاقية السياسية التي يحتاجها الساسة لإدارة الخلاف فيما بينهم وإدارة مصالح الناس.
أيضا بعد آخر مهم هو وضوح وحسم معركة الهوية في تونس من خلال دستور 2014 الذي يحمل إجماعا واضحا للنخب السياسية المتناقضة على الهوية في تونس وبالتالي خرجنا من تلك المعركة ولم تبقى إلا في أذهان البعض، وربما يمثل هذا مكسبا لكنه بحاجة لمزيد التعزيز من خلال فكرة البحث عن المشترك التونسي، والمشترك التونسي في حزب عمل وانجاز قائم على الدستور نفسه على التاريخ الوطني للبلاد وعلى الإنتاج الثقافي الإبداعي ومن خلال هذه المجالات الثلاث أسس الحزب رؤيته ، ونحن نعتبره حزبا يشتغل على القاعدة المحافظة الواسعة ذو بعد اجتماعي كما أنه حزبا ديمقراطيا ووطنيا.
هذه الأبعاد البارزة في توجهاتنا فهو حزب بمرجعية واضحة يشتغل على المحافظة على القيم المشتركة وعلى التاريخ وعلى دستور 2014 وعلى النضال الوطني المشترك ويشتغل على البعد الاجتماعي باعتباره الآن هو الهدف الأنبل والأسمى لإحداث النجاعة الاقتصادية من أجل توزيع عادل للثورة وبالتالي دور الدولة أساسي في هذا البعد الاجتماعي رغم ذلك لا يتعارض مع تفعيل وتأمين رأس المال الوطني والتشجيع عليه، إضافة إلى محاكمة الفساد وآليات الحوكمة التي تحتاج بدورها إلى أكثر تثبيت وعزم، ومن أجل ذلك أصدرنا ثلاث مواثيق لكل القوى السياسية من أجل عودة المسار الديمقراطي، ثانيا وثيقة أخلاقية تؤسس لمنظومة قيم أخلاقية مشتركة بين الفاعلين السياسيين، وثالثا ميثاق العدالة الاجتماعية وقد قدمنا رؤية في ذلك وبصدد التواصل مع الأحزاب بشأنها، وربما يكون أحد أهم الوثائق التي ستصدر عن مؤتمرنا القادم.
هل تعتقد أن الحزب الذي انضم إليه قيادات مستقيلة من النهضة يتقاطع خطه السياسي معها أم أن الحزب يريد التحرر من عباءة النهضة؟
لدى الخط السياسي للحزب بصمته الخاصة باعتبار أنه ينطلق من مقارباته النقدية لما قبل 25 جويلية، حيث قام بنقد بنيوي وبالتالي هو يتضارب كليا مع تجربتنا القديمة رغم أننا اتفقنا فيما بيننا حيث أن الجسم الغالب داخل الحزب هو من حديثي العهد بالعمل السياسي واتفقنا على أن نقيم تجربة العشر سنوات في خطها السياسي تقييما نقديا وهذا طبعا سيتعارض مع تجربتنا القديمة التي هي نفسها في دوامة التقييم السلبي، بالتالي نحن في قطيعة مع التجربة القديمة من هذه الزاوية، ولا توجد قطيعة في الخلفية الفكرية الكبرى حيث نحن لسنا بعيدين عنها وهي فكرة محافظة وأغلب التونسيين من المحافظين وهي الفكرة السائدة، لكن الفكرة النقدية التي واجهناها هي أن تتحول الأحزاب وتقدم تصورا اجتماعيا تنخرط في مسار ليبرالي هذا التعارض، كما زاد كذلك النقد الموجه لمسألة التشارك والتحالفات القائمة بدل أن تقوم على البرامج تقوم على التحالفات الآنية والظرفية والنفعية، نحن لدينا ما يميزنا على تجربتنا القديمة وعلى بقية الأحزاب وهي تثبيت مسألة الخيار الاقتصادي والاجتماعي وتجهيز لكل ماهو مشترك وطني، هذا يجعلنا في مسافة كبيرة وبعيدة مع التجربة السابقة، رغم أنه إذا تحدثنا عن مسألة التقاطع في مسألة التصدي للانقلاب والاجتهاد في إعادة الديمقراطية هذا نتقاطع فيه مع قوى متعددة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وأصبح مشتركا نضاليا بين كل القوى الحية بالبلاد التي تراهن على أنه ليس هناك سبيل لإدارة الشأن السياسي سوى التداول السلمي على السلطة وإرساء الديمقراطية وعلوية المؤسسات والدستور والقانون، لكن بالنسبة للخيار الاجتماعي والاقتصادي نحن بعيدين كل البعد عن التجربة القديمة.
هل تعتقد أن حزب عمل وانجاز سيخصم من رصيد حركة النهضة الشعبي التي يتآكل حضورها بسبب فشلها في الحكم؟
فرص تحقيق الشعبية هي الأكثر مقارنة بالتجربة السابقة لكن الحزب ليس الأكثر شعبية من حركة النهضة لأنه لم يختبر ذلك بعد في السباق الانتخابي، الشعبية تختبر في الميزان الانتخابي، لكن من المتوقع أنه سيستوعب أكثر دائرة من المحافظين الذي قدموا الكثير للتجربة القديمة، ونحن نأمل أن جزءا من الذين منحوا الثقة للخيار القديم وخيبت آمالهم أن نجتهد لإرجاعهم للشأن السياسي والعام عبر باقة من التصورات في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي، وبالتالي سنخوض التجربة طبعا وسنراهن على الشباب المتنوع والكفاءات والشخصيات الناجحة، لذلك نوعية القيادة في حزب عمل وانجاز مختلفة تماما عن التجربة القديمة، وفيها أفراد متحمسة للعمل السياسي بشكل محترم وفيها أفراد لديهم تجربة مهنية وثقافية ومدنية مما يعني أن توليد الأفكار وتجديدها سيكون له أثر مما سيساهم في أن يجلب لنا الناخبين، لكن طبعا هذا محفوف بالمخاطر ومحفوف بما يمكن أن يسبب انزلاقات بالشأن السياسي، لكن الحماس موجود ونأمل أن ننجح في استقطاب قاعدة انتخابية جديدة مختلفة عما كانت في العشر سنوات الماضية.
وطبعا سيستفيد الحزب من تراجع النهضة السياسي وفي النهاية هي قوة اجتماعية محترمة، ولا أحد يتمتع برصيد ثابت وأكيد سيستفيد منها ومن غيرها حسب الأطروحات والبرامج التي ستقدمها الأحزاب.
حزب عمل وانجاز هو طرف في جبهة الخلاص المعارضة، هل تعتقد أن اعتقال راشد الغنوشي وقيادات بارزة أخرى يضعف المعارضة التونسية؟
اعتقال قيادات ورموز المعارضة يربك المعارضة نعم، لكن لا أعتقد أنه سيضعفها بل على العكس سيذكي أكثر العملية النضالية، في النهاية عند اعتقال قيادات في مقابل ذلك ستظهر مكانها قيادات جديدة، ونحن متأسفين على زج هؤلاء بالسجن بتهم ليست حقيقية بل سياسية وتأتي في إطار التنكيل بالمعارضة، لكن أعتقد في ظل غياب هؤلاء على أهميتهم هو فرصة لبروز طاقات جديدة، وبدأ الآن يتضح من حين إلى آخر بروز طاقات شبابية، صحيح فرصتهم للحضور الإعلامي مازلت ضعيفة لكن هناك وجوه شابة بدأت تبرز وتقوم بأنشطة نضالية ما يعني أن غياب تلك القيادات فرصة للتجديد أكثر من أي شيء آخر.
هل تعتقد أن أخطاء حركة النهضة في الحكم وراء تحولات المشهد السياسي في تونس، وماهي مآخذك على الحركة التي دفعتك للاستقالة منها؟
لدي تحفظ في الواقع للحديث عن حركة النهضة أو تقييمها والأفراد القائمين عليها هم من يقيمون تجربتهم ، نحن أبناء اليوم وننظر إلى وضعنا الآن بقطع النظر على تجربة كل فرد منا، أما بشكل عام فالأخطاء تشترك فيها جميع الأحزاب الحاكمة في تلك الفترة والمعارضة والنخب أنفسهم باختلافهم، الآن يجب أن نحاسب أنفسنا بأننا أدرنا طريقة الانتقال الديمقراطي بطريقة خاطئة كل من موقعه، هذا التقييم العادل بدليل أن كل هؤلاء اليوم في وضع ليس سليم. الجميع ساهم في عدم الدفاع عن الحرية والديمقراطية وإرسائها عبر الممارسة التي أسميناها نحن أخلقة العمل السياسي، لكن حاليا الأوضاع تتغير نحو تقييم أكثر عقلانية وهذا أمر طبيعي لأن الزمن لديه وقعه وفعله في إدارة الحكم.
أي مستقبل برأيك للمعارضة التونسية بعد أن نجحت الرئاسة في فرض مشروعها وفي ظل عدم قدرة المعارضة على توحيد صفوفها؟
في الواقع الرئاسة لم تفرض مشروعها لم أرى ذلك، بل فرضت سطوتها هذا ما نجحت فيه من خلال فكرة الفردية وبالتالي تأسيس سلطة أمر الواقع، أما المعارضة فهي تتقدم في جهة التشخيص والموقف المبدئي تجاه الانحراف الذي وقع في البلاد وهذا أراه ايجابيا..هل ستتوحد في تحالف مشترك؟ الزمن هو من سيجيب عن ذلك، وبلغة العقل والتاريخ هذا سيحدث حتما لا يوجد مخرج آخر غير ذلك، لكن ستأخذ هذه الخطوة وقتا حتى تنضج الخلفيات فيما بينها، وكلي أمل في أن الجيل الجديد يستطيع أن يذيب تلك المعارك الأيديولوجية، حان الوقت حتى ندرك أن مثل هذه القضايا انتهت وقد عشنا عصر الثورة وبالتالي مطلوب من هذا الجيل أن يناضل من أجل تلك القيم ويثبتها على أرض الواقع وهو ما سيؤدي بذلك إلى التقارب والوحدة المؤقتة النضالية باعتبار أن هناك منافسة على السلطة فهذا هو عمل الأحزاب، لكن كلي أمل وثقة رغم القلق والضغط من قبل السلطة في فض كل تعسف وظلم وأن تتوحد المعارضة في النهاية وتصبح أكثر فاعلية تحت نضال وطني مشترك من أجل عودة الديمقراطية وعودة الصندوق والاحتكام إليه، تلك الوسيلة الوحيدة التي تفرض من يحكم لا توجد وسيلة أخرى.
هل مازال للأحزاب القدرة على التغيير في ظل تهميشها وإقصائها وما تعانيه من ضغوط؟
على العكس من ذلك، أرى أن الأحزاب أمام فرصة رغم تقلب مزاج الشارع ضدها، هناك عمل جدي تبذله الأحزاب وشجاعة محترمة تبرز في بياناتها ومواقفها ونقدها للتجربة ونقد الأخطاء التي ارتكبها الجميع بحكم قلة النضج السياسي فعشرة سنوات فترة قصيرة بالنسبة للديمقراطية، وبالعكس العمل الحزبي اليوم أمام فرصة لفرز صفوفه، ولن يبقى في المشهد إلا المناضل والشجاع والنظيف وكل من ستشوبه شائبة سيبتعد، بالتالي هناك فرز يتم الآن داخل الأحزاب السياسية وداخل النخب حتى نعلم من يحمل القيم ومن هو نفعي وانتهازي، هذه أكبر فرصة للفرز برأيي داخل النخب السياسية والأحزاب وهو شيء ايجابي، فالسياسة تعد عملا نضاليا مبنيا على القيم والأيام إما تصدقك وإما تكذبك، وبالتالي سيتم الفرز وسنعلم الغث من السمين في هذه الانعطافة السياسية حتى تفزر الشخصيات التي ستمنحنا نوعا من القيادة المختلفة على القيادات السابقة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس