آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. قدم زهير بن يوسف، الكاتب والأكاديمي التونسي، في حواره مع “أفريقيا برس” قراءة للمشهد السياسي والحقوقي في البلاد وسط تصاعد الجدل مؤخرا، بسبب تصعيد السلطة ضد خصومها من المعارضة في ظل تواصل الإيقافات، وأعقاب صدور أحكام قضية ما يعرف بملف التآمر، والتي وصفت ب”الزجرية والقاسية.”
ورأى أن “الخلاص الوطني في تونس يكون بإيقاف الملاحقات، وإلغاء المحاكمات التي باتت لا تتوفر اليوم على الشروط الدنيا للمحاكمة العادلة، وإطلاق دعوة إلى حوار وطني شامل، لا شروط فيه سوى الولاء لتونس، والإخلاص للأهداف المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي من أجلها ثار التونسيون سنة 2011، والتخلي نهائيا عن الانفراد بالرأي والقرار.”
واعتبر أن “الجدل القائم في تونس اليوم ولاسيما مع تتالي الإيقافات ذات العلاقة بحرية التعبير وتواصل المحاكمات ذات الطابع السياسي، يكشف عن عمق الانقسام الذي بات يشق المشهد، بين السلطة الحاكمة من ناحية والسلطة المضادة بكل روافدها النقابية والحقوقية والسياسية من ناحية ثانية”.
وفي تقديره فإن “المرسوم 54 لم ينجح في مقاومة الجرائم السيبرانية بقدر ما ضاعف من هشاشة وضع حرية التعبير في البلاد، بسبب ما تشهده وسائل الإعلام من صعوبات مالية وما يشهده الصحفيون من ملاحقات قضائية للأفراد.”
وزهير بن يوسف هو جامعي تونسي ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقا، وكاتب صحفي بصحيفة الشارع المغاربي، حيث كتب العديد من افتتاحياتها، كما كان حاضرا بقوة في ملحقها الثقافي قبل أن تتوقف عن الصدور في أكتوبر الماضي.
كيف تقيم المشهد الحقوقي في تونس مع تصاعد الجدل بخصوص الأحكام الصادرة فيما يعرف بملف التآمر وتواصل الإيقافات؟
الجدل القائم في بلادنا اليوم ولاسيما مع تتالي الإيقافات ذات العلاقة بحرية التعبير وتواصل المحاكمات ذات الطابع السياسي، جدل يشي بأزمة تمثلات في أوساط النخب التونسية: سلطة وسلطة مضادة: أحزابا ومنظمات وجمعيات، لدولة القانون والمؤسسات والعدل، بل ولمفهوم الدولة في حدّ ذاته، ومفهوم السلطات، جدل يشي بعمق التحولات التي يشهدها المشهد السياسي العام بالبلاد، ولكن يشهد أيضا بعمق الانقسام الذي بات يشق هذا المشهد ذاته بين السلطة الحاكمة من ناحية والسلطة المضادة بكل روافدها النقابية والحقوقية والسياسية من ناحية ثانية.
مؤدي هذه الوضعية الانقسامية أننا نعيش أزمة لم تعد متصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن التونسي، وإنما بحقوقه المدنية والسياسية، هذه الحقوق التي نجح التونسيون والتونسيات بعيد ثورة الحرية والكرامة في تطوير منظومتها القانونية بشكل هام في اتجاه ضمان الحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية التفكير وحرية التعبير وبالاستتباع حرية الصحافة والإعلام إلا أنّ الممارسة، وعلى خلاف الإطار التشريعي، شهدت تصاعدا لوتيرة الانتهاكات لهذه الحريات المختلفة، لتستهدف ليس فقط سياسيين، وإنما أيضا محامين وإعلاميين ومدونين وقنوات تلفزية ومحطات إذاعية ومواقع الكترونية. وقد كان من الواجب إلغاء العقوبات السالبة للحرية بالنسبة إلى الإعلاميين وحصر تهم الثلب، إن وجدت فعلا، في حدود الجنحة، وإلغاء الفصول المتعلقة بالثلب الواردة في المجلة الجزائية.
كيف يمكن أن نحمي ترسانة الحقوق والحريات في البلاد في خضم الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، وهل سيكون لتطورات الملف الحقوقي تداعيات اجتماعية؟
التحدي اليوم كيف ننزل القواعد الدولية والتشريعات الوطنية الخاصة بالحريات في خضم اختلال موازين القوى في المشهد السياسي الانقسامي القائم حاليا بين من يعتبرون الإعلام مثلا سلطة مستقلة تقوم بدور الحكم بين الشعب وبين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وبين من يصرون بالعودة بهذه السلطات جميعا إلى مربع الوظيفة، وبالتالي إدخالها إلى بيت الطاعة.
إلى جانب أزمتها الاقتصادية، وهي أزمة هيكلية متفاقمة من غير المستبعد أن تكون لها تبعات اجتماعية، لا نريد لها أن تكون في كل الأحوال عنيفة، أزمة البلاد اليوم أزمة سياسية، أزمة حقوق وحريات، وإذا كانت الآراء قبل 25 جويلية منقسمة بين من يرون مكسب حرية التعبير غير مهدد، ومن يرون أنه مهدد نسبيا، ومن يرون أنه مهدد بقوة، فإن التخوف على هذا المكسب الذي كانت مؤشراته تسير باتجاه الاقتراب التدريجي من مؤشرات الدول المتقدمة، بات في تطور محسوس ومتفاقم، بما سجل من مضايقات، وتتبعات عدلية لدى القضاء العسكري طالت ليس سياسيين حسب وإنما أيضا عشرات الإعلاميين والمثقفين والنشطاء الحقوقيين والنقابيين وغيرهم، بتهم تتصل بتصريحات أو مواقف عبروا عنها في وسائل الإعلام التقليدية أو الإلكترونية وخاصة بموجب قانون النشر على وسائل التواصل الاجتماعي والمعروف بالمرسوم عدد54، وهو مرسوم بات موصوفا اليوم بالزجري، هذا التخوف تطور إلى خشية حقيقية من خسران هذا المكسب خاصة مع التراجع المتفاقم لترتيب البلاد في التصنيف العالمي لحرية الصحافة. هذا المرسوم، لم ينجح في مقاومة الجرائم السيبرانية بقدر ما ضاعف من هشاشة وضع حرية التعبير في البلاد بسبب ما تشهده وسائل الإعلام من صعوبات مالية وما يشهده الصحفيون من ملاحقات قضائية للأفراد.
أي حلول تقترحها وتستشرفها لإعادة الاستقرار السياسي في ظل رفض السلطة الحوار والتشاركية؟
الخلاص الوطني، بما هو وطني، خلاص جامع أولا يكون، ولا سبيل إلى ذلك إلا في إطار تشاركي، تضمن فيه الدولة علوية القانون واحترام الحقوق والحريات واستقلالية القضاء والفصل بين السلطات. الخلاص الوطني يكون بإيقاف الملاحقات، وإلغاء المحاكمات التي باتت لا تتوفر اليوم على الشروط الدنيا للمحاكمة العادلة، وإطلاق دعوة إلى حوار وطني شامل، لا شروط فيه سوى الولاء لتونس، والإخلاص للأهداف المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي من أجلها ثار التونسيون سنة 2011، والتخلي نهائيا عن الانفراد بالرأي والقرار وإلغاء المختلف والمغاير والتخلي عن أي مسعى إلحاقي.
ماهو المطلوب لجعل الحوار الوطني ممكنا أمام تمسك السلطة بمقاربتها في معالجة الملفات وإدارة الأوضاع؟
نعم لمقاومة الفساد، نعم للمساءلة، نعم للمحاسبة، ولكن في كنف علوية القانون واستقلالية القضاء وحماية الحقوق والحريات والالتزام بالحياد والنزاهة. الوطن بحاجة متأكدة إلى عقل سياسي بارد، والمزايدة المحاكاتية لن تفضي إلا إلى إعادة إنتاج شروط السقوط والاستبداد. إنها طاولة الحوار وإلا فهو الذهاب بالبلاد إلى قلب الإعصار.
مشكلة عقلنا السياسي أنه عقل مرتهن لعقل ما قبل العولمة، عقل يأبى إلا أن يعيد إنتاج نفسه في أكثر الأنساق انغلاقا وارتهانا للأنموذج. وحين يراهن خيالنا السياسي على الإلهام يجب ألا يقوم على تناقض الصورة مع الواقع، وإلا توزّع بين الإيهام والإبهام والأوهام.
يحتاج مشهدنا السياسي ” شيوخ عقل” لتحليل هذه الظواهر بميزان العقل وإيجاد حلول جذرية لها، ولا سبيل إلى ذلك قبل أن تستعيد الثقافة حضورها في هذا المشهد بما في ذلك الثقافة السياسية، حتى لا نزيد إلى “الجهل المقدس”، جهل زمن دين بلا ثقافة، جهلا مدنّسا، جهل زمن سياسة بلا مثقفين ولا ثقافة.
ما الذي يحتاجه النظام السياسي القائم في تونس للحفاظ على شعبيته واستمراريته، حسب تقديرك؟
النظام السياسي في تونس، لندرة صورته، يسير على وقع “دقّ الناقوس”، تماما كبحر الخبب، في بحور الشعر العربي، يحتاج إلى تلافي ما أهملته منه العلوم السياسية؟ ولقد آن الأوان لتدارك الديمقراطية في بلادنا بشكل تشاركي حتى لا نجد أنفسنا قابعين في ديمقراطية “محدثة” لا أصل لها في العلوم السياسية ولا فصل، ديمقراطية “متداركة” أفضل من “ديمقراطية” على وقع “بحر الخبب” أو انقطاع الديمقراطي أصلا، وتمادٍ في الانتقال الصامت من سلطة الاستكفاء إلى سلطة الاستيلاء ومن حكومة التفويض إلى حكومة التنفيذ؟ لا بد للبلد من العودة إلى مصطبة مهامه، كفاه خيبات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس