سعيد بحيرة: التكنولوجيا النووية الإيرانية ترعب إسرائيل والغرب

21
سعيد بحيرة: التكنولوجيا النووية الإيرانية ترعب إسرائيل والغرب
سعيد بحيرة: التكنولوجيا النووية الإيرانية ترعب إسرائيل والغرب

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبر سعيد بحيرة، الدبلوماسي التونسي السابق، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “مواقف تونس متوازنة ومنسجمة مع مرجعياتها الدبلوماسية فيما يخص تعاطيها مع أزمات المنطقة.”

ورأى أن “مستقبل السياسة الخارجية التونسية مرتبط بمصالح تونس التي لها صفة الشريك المتميز مع منظمة الحلف الأطلسي، ولها قرب جغرافي بأوروبا، لكنها في نفس الوقت لن تتخلى عن انتمائها المصيري مع العالم العربي، وعن التزاماتها الأخلاقية والسياسية تجاه العالم الإسلامي.” وفق تقديره.

ولفت إلى أن “التكنولوجيا النووية الإيرانية هي مبعث خوف إسرائيل والولايات المتحدة وحتى الغرب، وهو ما يفسر اغتيالهم للعلماء والباحثين والجامعيين وفي إيران وقبله في مصر والعراق”، وبرأيه فقد “برهنت إيران في مواجهتها العسكرية الأخيرة مع إسرائيل على قدرتها على تحمل الضربات الموجعة والنهوض من جديد، بل وإلحاق الأذى بإسرائيل وتفنيد تحصنها وراء قبة حديدية التي اخترقتها الصواريخ والمسيرات الإيرانية”.

سعيد بحيرة دبلوماسي تونسي سابق وأستاذ محاضر في التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية. خلال مسيرته المهنية، تولّى مناصب دبلوماسية عدة في بعثات تونسية بالخارج، ما أكسبه خبرة عميقة في العلاقات الدولية. في الأكاديمية، يُعرف بتخصصه في القضايا الشرق أوسطية المعاصرة. له مؤلفات وأبحاث تتناول السياسة الخارجية وملف الأمن الإقليمي، وهو يُشارك بانتظام في الندوات الإعلامية حول الأزمات والديناميات التاريخية في المنطقة.

ماهي قراءتك للصراع الأخير بين إيران وإسرائيل، أي تأثيرات وتداعيات سياسية لهذا الصراع على المنطقة العربية وخاصة على دول المغرب العربي؟

المجابهة العسكرية التي وقعت بين إيران وإسرائيل بداية من 13 جوان الفارط ودامت اثنا عشر يوما كانت متوقعة، وتوجد في أجواء المنطقة منذ مدة باعتبار العداء الصريح الذي يكنه كلا النظامين لبعضيهما، وباعتبار التبعية الوثيقة لإسرائيل تجاه الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض حصارا مؤذيا لإيران منذ عقود.

ولم ينفك الرئيس ترامب يتوعد هذا البلد بعد أن مزق الاتفاق حول النووي سنة 2015 خلال عهدته الأولى، وفي خلفية الصراع يكمن تناقض واضح بين التوجهات السيادية التحررية لإيران، وبين خيارات الهيمنة ومنطق القوة لإسرائيل وأمريكا، وكذلك فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يشمل البلدان الواقعة بين موريتانيا والمغرب غربا إلى إيران وباكستان شرقا، وقد أصبح يشكل خارطة طريق حقيقية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتكرس خاصة في غزو العراق وأفغانستان، أصبح العالم العربي مسرحا لتدخلات مباشرة وأخرى مقنعة لتغيير القيادات والأنظمة والحدود والتوازنات وهو ما أدخل المنطقة في حالة فوضى وانعدام استقرار شاملة وهي ما سمي الفوضى الخلاقة التي لا تزال جارية، وشملت أقطار المغرب الكبير الذي لم يعرف انقسامات أخطر من التي يعيشها حاليا وقد تسربت إسرائيل بدعم أمريكي وغطاء وهم السلام الإبراهيمي إلى كل الواجهة الأطلسية العربية.

هل تعتقد أن إيران خرجت من الحرب منتصرة، وأي آفاق لبرنامجها النووي؟

الغريب أن كل الأطراف في المواجهة تعتبر نفسها منتصرة، وهو أمر مثير لأنه ربما يخفي اتفاقا لا يسمى نفسه بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص الاكتفاء بما حصل والامتناع عن تجاوز خط أحمر، لاشك أن أمريكا هي التي رسمته ولكنه يوافق مصلحة إيران أيضا لأنها رغم الهجوم الإسرائيلي المباغت استطاعت أن تسترد زمام المبادرة، وتبرهن على قدرة ملموسة على تحمل تلك الضربات الموجعة والنهوض من جديد، بل وإلحاق الأذى بإسرائيل وتفنيد تحصنها وراء قبة حديدية اخترقتها الصواريخ والمسيرات الإيرانية واستهدفت مواقع إستراتيجية على غرار معهد وايزمان للبحوث والبورصة وميناء حيفا و أطراف مفاعل ديمونة.

ويبقى الفرق جليا بين دولة متهورة عمرها بضعة عقود وبين أمة بالمعنى السياسي الحديث للكلمة تجمع بين العراقة التاريخية والحضارية وبين التنوع الثقافي والاثني والوزن البشري والاقتصادي الثقيل. وقد كان أستاذ الجغرافيا في الجامعة يقول لنا في بداية سبعينات القرن الماضي أن إيران مثل الأرجنتين وجنوب أفريقيا تعتبر طفلا صناعيا، وها قد كبر ذلك الطفل ليقترب أكثر من البلدان المصنعة ويمسك بناصية التكنولوجيا بما فيها النووية، وهذا مبعث خوف إسرائيل والولايات المتحدة وحتى الغرب، وكلهم لا يرون بقية العالم إلا تابعا مطيعا مسلوب مقومات السيادة والندية. وهم لا يرون حرجا من اغتيال العلماء والباحثين و الجامعيين وقد مارسوه في العراق ومصر قبل إيران، لكن يفوتهم أن البحث العلمي أصبح مكسبا لا رجعة فيه وهو يتمثل في تكوين الأرضية النفسية و العلمية والبحثية التي تضمن الاستمرارية بعد الاغتيالات، وهذه الأخيرة منافية للحد الأدنى من الأخلاق والالتزامات القانونية الدولية.

حسب تقديرك، لماذا اختارت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لتوجيه رسالتها لواشنطن؟

أظن أن استهداف قاعدة العديد في قطر كان اختيارا تكتيكيا محسوبا ذلك أنها القاعدة الأهم للأمريكيين في المنطقة، وتوجد في بلد يلعب دور الوسيط في أهم الصراعات الشرق أوسطية و له رمزية استثنائية وله علاقات مع إسرائيل، أظن أن استهداف هذه القاعدة يحمل رسالة جدية قوامها عدم التردد في ضرب القواعد الأمريكية مهما كانت أهميتها. وقد بينت الأحداث أن هذه الرسالة وصلت إذ جاء بعدها وقف إطلاق النار وتولي قطر الوساطة من جديد رغم تحركات الواجهة ممثلة في اجتماع وزراء الخارجية لبلدان مجلس التعاون الخليجي وتهديد قطر بالرد.

كيف سيكون شكل العلاقة بين إيران والدول العربية بعد هذه الحرب، هل سيكون هناك تقارب حذر لإدانة الاعتداءات الإسرائيلية على المنطقة، وأيضا بسبب الحاجة إلى استقرار إقليمي؟

في الحقيقة العلاقات العربية الإيرانية كانت تسير نحو التحسن منذ لقاء بكين بين وزيري خارجية السعودية وإيران، كما أن قطر تحتفظ بعلاقات جيدة مع طهران، وهذه واجهة تخفي خلافات أعمق بخصوص دور إيران وسياساتها وهي قطب المرجعية الشيعية والمقاربة الكفاحية تجاه الغرب، وهذا يتناقض مع موالاة العالم العربي لأمريكا بالخصوص.

وبناء عليه فإن الحرب على إيران توافق ما قاله المستشار الألماني من أن إسرائيل تنجز العمل القذر الضروري، فأقطار الشام والحجاز مستفيدة من إضعاف إيران وأذرعها في المنطقة، ومن هنا يأتي الشعور المريب لدى جزء كبير من الرأي العام العربي مع إيران وحماس وضد النظام الرسمي العربي، في حين يمرر الإعلام مقولات وتحاليل ملتبسة للدفاع عن الرؤية الرسمية.

كيف تقيم موقف تونس ودول المغرب العربي من العدوان على إيران، وهل كانت المواقف موحدة في التضامن مع إيران مقارنة بدول المشرق والخليج؟

كان موقف تونس يجمع بين المبدئية والالتزام بالتضامن العربي. فقد أدانت العدوان على إيران وأدانت في نفس الوقت قصف القاعدة الموجودة في الأراضي القطرية. ومعلوم أن التقاليد الدبلوماسية التونسية تتمسك بالشرعية الدولية وتدين الاعتداءات الصهيونية التي طالت تونس في وقت ما.

أما بقية بلدان المغرب الكبير فهي ضد الاعتداءات الإسرائيلية مع إشارة تخص المملكة المغربية التي انخرطت في ما يسمى بالسلام الإبراهيمي.، ولا أعتقد في تداعيات اقتصادية مباشرة نظرا إلى طرفية إيران بالنسبة للمغرب العربي.

ماهو مستقبل السياسة الخارجية التونسية في ظل التغيرات بالشرق الأوسط، وهل ستغير تونس من مواقفها التقليدية؟

مستقبل السياسة الخارجية التونسية مرتبط بمصالح تونس التي لها صفة الشريك المتميز مع منظمة الحلف الأطلسي، ولها قرب جغرافي بأوروبا وترتبط معها اقتصاديا بقوة. لكنها لن تتخلى عن انتمائها المصيري مع العالم العربي وعن التزاماتها الأخلاقية و السياسية تجاه العالم الإسلامي، وهذه الشبكة المتداخلة من المصالح والعلاقات تتطلب الحذر والحنكة لتظل مواقف تونس متوازنة ومنسجمة مع مرجعياتها الدبلوماسية التي إنبنت عبر أجيال على أسس عريقة وتجربة ثرية ورؤية واقعية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here