سليمان الأمين: على الحكومة إعلان حالة طوارئ بيئية

10
سليمان الأمين: على الحكومة إعلان حالة طوارئ بيئية
سليمان الأمين: على الحكومة إعلان حالة طوارئ بيئية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أشار سليمان الأمين، الخبير في الاتصال البيئي، في حواره مع”أفريقيا برس” إلى “ضرورة إعلان الحكومة التونسية عن حالة طوارئ بيئية، حيث بات المشكل البيئي في البلاد شامل ومتعدد ويضم كل مظاهر تدهور الطبيعية، وفي مقدمتها التصحر والتأثر بتغير المناخ إلى جانب أشكال التلوث من تبعات السياسات السابقة”، وفق تقديره.

ورأى أن “تونس فشلت في التوفيق بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، وهو ما يستوجب نحت مقاربة تنمية جديدة تضمن المصالحة مع الموارد الطبيعية وتدفع نحو إحداث تنمية ومؤسسات جديدة بعيدا عن استنزاف الموارد كالاتجاه نحو القطاعات المتجددة والبديلة”، كاشفا أن”بعض المشاريع البيئية السابقة شابها انحرافات ومظاهر فساد.”

وأكد في ذات السياق، أن “القوى الاقتصادية الصناعية والتجارية تستفيد من الأزمة البيئية العالمية ثلاثية الأوجه من تلوث وخسارة تنوع بيولوجي وتغير المناخ، وهي مستعدة لبذل كل شيء من أجل تأكيد الأزمة والاكتفاء بعلاجات سطحية ومساعدات عرضية بما لا يمس جوهر مصالحها ويؤجل المساس بمصادر رخائها.”

وسليمان بن يوسف الأمين هو دكتور في سوسيولوجيا التنمية، ومختص في الحوكمة وخبير اتصال بيئي.

في ظل تراجع المؤشرات البيئية في تونس، كيف تقيّمون الوضع البيئي الحالي، وما هي أبرز التحديات التي تواجهها البلاد في هذا المجال؟

الوضع البيئي في بلادنا نتاج لتراكم طويل وتداعيات إهمال مشترك من جل الأطراف المعنية، في ظل غياب عنصرين هامين وهما: سياسة بيئية جامعة لا تقتصر على وزارة بعينها، وعدم الاستمرارية في الإدارة، وكذلك استقالة المواطن والمجتمع باعتبار البيئة والعمل المناخي مسؤولية الدولة وحدها.

للأسف المشكل البيئي شامل ومتعدد يضم كل مظاهر تدهور الطبيعية وفي مقدمتها التصحر والتأثر بتغير المناخ إلى جانب أشكال التلوث من تبعات السياسات السابقة التي لم تقم على الاستشراف والاستدامة.

وفي تقديري الدولة بما هي تحالف لكل المؤسسات مع المجتمع مطالبة بإعلان حالة الطوارئ البيئية والمناخية لفترة طويلة، كما يجب الانطلاق في حملات للتوعية بقيمة الإرث الطبيعي، والارتباط أكثر بالأرض.

ويجب التذكير أنه خلال العقود المنصرمة تأسست في بلادنا سياسات وتشريعات وهياكل وأنجز آلاف المبادرات، ولكن الكثير منها بلا مضمون اجتماعي وبلا روح مشتركة من الحماس الجمعي والتبني والالتزام..لذلك مع أول نسائم 2011 سقطت ورقة التوت، وبات جليا حالة الانفلات البيئي التي عصفت بالبلاد.

وبرأيي التحديات التي تواجهها البلاد فضلا عن أوجه الأزمة البيئية الكوكبية الثلاثية، تتصل بوعي الفرد وضمير المجموعة ومدى انخراط التونسي في مسار ما يجري ويبنى وما يقترح وما ينجز.

ومن منظور سوسيولوجي، وبناء على دراساتي الأكاديمية أؤكد جازما أنه حتى يتم الالتفات للعامل الإنساني والسكاني وتحمل المسؤولية في الإشراك والتواصل وتنشيط مؤسسات الناشئة، يقتضي ذلك تكوين الفرد التونسي على عقلية المواطنة الفاضلة والمشاركة، حتى بكتب لأي سياسة بيئية أو عمل مناخي أي أمل في النجاح المأمول المرتقب.

ما هي الأسباب الرئيسية وراء تراجع المؤشرات البيئية في تونس، وكيف يمكن معالجتها؟

اعتقد أن الأسباب تتركز في عدم الاستمرارية في الإدارة، إلى جانب وجود تواصل ومؤثرات سلبية حالت دون إنضاج رؤى وخيارات سياسية وفنية تتركز حولها الجهود لفترة مناسبة حتى نجني أكلها.

فقد شهدنا تقلبات وتقطعات قي بعض المستويات منعت من المضي في طريق معالجة بعض الملفات، كالنفايات قي بعض الجهات، والتردد في تنفيذ مشاريع مشتركة بين بعض الإدارات، مثل تثمين المخزون البيئي للارتقاء بالسياحة الايكولوجية وغيرها.

ومطلوب اليوم المحافظة على حد من الاستقرار في الإدارة والمؤسسات، وهو ما تشهده حاليا إلى جانب إشراك المختصين من المنظومة العمومية والخبراء والكفاءات التي تحتاجها أجهزتنا ومؤسساتنا الهندسية والييئية والمجتمع المدني، من خلال لجان استشارية وهيئات حوكمة، تعمل على المقاربات وتعزز الخطط الوطنية البيئية والمناخية بعيدا عن الخطية والأحادية.

كل ذلك يتطلب وقفات تقييمية موضوعية بمشاركة كل الفاعلين قبل إعادة رسم المسار المستقبلي والأهلي عن مصادر الخلل والتجارب والخيارات الخاطئة وتبني الناجح منها من أنجزت في ظل وزارات سابقة.

ما هي السياسات أو الاستراتيجيات التي تقترحونها لتعزيز الاستدامة البيئية في تونس؟

ليس في الأمر انجاز أو تعجيز أو إعادة اختراع للعجلة.. يمكن بإيجاز شديد السعي نحو ترجمة السياسات والمشاريع التي تقدمها وزارة البيئة والفلاحة والالتفاف حولها ودعمها..

يتوجب أولا الاستفادة من الخرائط والموارد الطبيعية والبحوث الخاصة بالتربة، التي أنجزت بإشراف الخبير عمر مطيمط، وتثمين أعمال الخبراء والباحثين بينهم طلبة الاتصال البيئي، الذين لو تنفذ مشاريع تخرجهم وهي بالعشرات، لحقت نقلة نحو بناء منظومة للاتصال والتنشئة البيئية وهي أهم استراتيجياتنا البيئية المفقودة.

يمكن التعمق في رسم سياسة طاقية ترسخ الانتقال نحو اعتماد الطاقات البديلة غير الملوثة. وفي السياحة يتوجب رسم خطط عملية مع مشاريع نموذجية تعزز الأرصدة التي نفذتها وزارة البيئة وتوزيعها مع المهنة، وكما يمكن الدفع نحو العناية الخضراء وتحفيز الاستثمار البيئي والمستدام.

كما يتوجب العكوف على استكمال رسم سياسة مناخية وطنية تجمع كل المتدخلين وتقوي التفاوض في المنتديات الدولية وتقديم ملفات طلب التمويل من الصناديق الدولية كصندوق التكيف والصندوق الأخضر للمناطق وصندوق التعويضات والخسارة.

كما ينبغي تكييف مسار نمو المدن ورسم خارطة عمرانية تحقق التطور الحضري المستدام ببناء مدن ذكية، ووقف أي استباحة للأنظمة الطبيعية في المستقبل.

وإلى جانب المقاربة الأفقية والشمولية التي تعتمدها وزارة البيئة حاليا، والتي ينبغي من هياكل الدولة والمجتمع الانضمام لها والانخراط فيها وإنجاحها، يتوجب كذلك التواصل والإعلام المكثف حول تلك الخيارات بما فيها منجزات تونس في إطار تنفيذ أجندة 2030 لأهداف التنمية المستدامة وإعادة إصدار التقرير الوطني حول الوضع البيئي بحيادية وموضوعية وشفافية، بما يعنيه من الكشف عن مشاكل تغير المناخ ومظاهر التلوث والاعتداء على البيئة وحتى الفساد البيئي.

ما هو دور التكنولوجيا والابتكار في مواجهة التحديات البيئية التي تواجهها تونس؟

تعتبر التقنيات الحديثة بما فيها الذكاء الاصطناعي أحد أهم العوامل التي تشكل وجه الحياة والعلاقات وحتى التنمية في المستقبل. ونزخر مدارس المهندسين ومخابر البحث بمئات المشاريع الجديدة والمبتكرة في كل الحقول وهي تقترح حلولا لمشكلات تعتني منها مختلف القطاعات. ولا شك أن هذه ثروة أخرى تضاف للموارد الطبيعية تستوجب اعتماد حطة متناسقة وحكمة لتثمينها، والتشجيع على نموها واستغلالها.

ويمكن لمركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة مع وزارة التعليم العالي، التكامل والتعاون لتشخيص هذه المشاريع والتقنيات المبتكرة، لضمان الاستفادة منها، والدفع لثورة التكنولوجيا الخضراء خدمة لتنمية مستدامة حقيقية لتونس في الفترة المقبلة.

ولا بد من تجاوز مشكل الجدران الوهمية بين الوزارات ومد حضور التكامل بينها جميعا للانخراط في يمين تلك للثورة الخضراء بسواعد وعقول طلبتنا وخرجي جامعاتنا، وخاصة مدارس المهندسين مع ضمان تفاعل حقيقي وانسيابي مع مختلف القطاعات، لتحديد أولوياتها واحتياجاتها وتصويب المشاريع والابتكارات التقنية وفقا لمتطلباتها.

كيف يمكن لتونس التوفيق بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة؟

هذه معادلة فشلت فيها بلادنا خلال ثلاث عقود بعد الاستقلال، واليوم مع توافر المؤسسات والالتزام لوطني بالتعهدات البيئية الدولية، يستوجب ذلك نحت مقاربة تنمية جديدة تضمن المصالحة مع الموارد الطبيعية وتدفع نحو إحداث تنمية ومؤسسات جديدة بعيدا عن استنزاف الموارد.

ويبدو الاتجاه الأسلم في القطاعات المتجددة والبديلة كالمؤسسات الخضراء الناشئة والسياحة الخضراء والصناعات غير الملوثة والاقتصاد الدائري والاقتصاد الأزرق والانتقال الطاقي.

وعلى هذا الأساس وجب إعادة تصور المنوال التنموي بمساعدة خبراء الاقتصاد والتنمية والمالية والبيئة والتشريع ومخططي المدن وغيرهم، لتركيز نموذج تنموي جديد يوقف نزيف الموارد من غابات ومياه وتربية وسواحل، وغيرها.

هناك تقارير تتحدث عن وجود فساد مالي وإداري في تنفيذ المشاريع البيئية في تونس، هل لديكم معطيات حول هذا الموضوع؟ وما أبرز أشكال الفساد التي رصدتموها؟

لا شك أن بعض التجارب السابقة عرفت انحرافات نحو مظاهر من الفساد وسوء التصرف، وقد تم رصد العديد منها وحولت للقضاء.

وأعتقد أن جانبا هاما من مظاهر الفساد نتج عن تسمية مسؤولين من القطاع الخاص في مواقع رفيعة عملوا بعملية مقاولين مستثمرين، نشطوا بذهنية غنائمية بمشاركة عناصر حليفة من شركات خاصة تعاونوا معها في مجالات منها الاتصال وغيره. وهو من المجالات التي انكشفت بعض خطاياها، وتعذر التتبع في حالات أخرى رغم اجتهاد أصحاب الضمائر في الإبلاغ عنها لهيئات مكافحة الفساد.

هل تعتقدون أن الأموال المخصصة لمشاريع حماية البيئة والاستدامة المناخية تُستخدم بفعالية؟ أم أن هناك تلاعبًا في توزيعها؟

اعتقد أنها في تونس تصرف إلى حد كبير في وجهتها المطلوبة لتعزيز تكيف القطاعات والبنى الأساسية والمشاريع وتحقيق المرونة المناخية خاصة في إطار وزارتي الفلاحة والبيئة وكذلك الصناعة والطاقة والسياحة.

غير أنه وفي باقي البلاد النامية يتطلب الأمر جهدا مشتركا من الجهات الممثلة، كوكالات التعاون والتنفيذ والعينات الحكومية والمجتمع المدني، للتضييق على منافذ الفساد والاختلاس.

ويظل الخلل الكبير على مستوى العالم في ضعف الاعتمادات المخصصة للدول النامية لمواجهة مسببات التلوث وفقدان الموارد الطبيعية واستحقاقات الانتقال الطاقي والاقتصاد الدائري رغم دعوات الدول النامية في المنتديات الكبرى لمراجعة نظام المالية والتمويل البيئي والمناخي وتخفيف أعبائه وسد الفجوة التمويلية لمشاريع البيئية في قمم المناخ المنعقدة قبل أشهر في باكو و الرياض والبرازيل.

إلى أي مدى يمكن أن تكون بعض الأزمات البيئية، مثل تلوث المياه وانتشار النفايات، حرق الغابات مفتعلة أو مستغلة لأغراض سياسية؟

كل مظاهر الإفساد البيئي نتاج لفعل الناس وسلوك الدول والمجتمعات وشهدت حوادث كثيرة على انخراط أصحاب النفوس الجشعة من الأغنياء والمستثمرين في حرق وتخريب غابات من أجل تسهيل الاستيلاء عليها وتحويلها لمشاريع عمرانية وصناعية كما أثبتت تحقيقات ودراسات تواطؤ أطراف في دوائر متنوعة لافتتاح بعض الأزمات من أجل تأليب الرأي العام وافتعال احتجاجات لا مبرر واقعي لها لزعزعة الاستقرار ومن ثم المساهمة في إسقاط الحكومات، وهو ما كان جليا في عشرات الاحتجاجات بدعوى البؤر الملوثة أو الصيد العشوائي وتهديدات بمخاطر النفايات، وذلك في فترات سابقة معينة بعد2011 ثم سرعان ما اختفت بتغير الحكومات.

هل هناك تدخلات خارجية تؤثر على سياسات تونس البيئية والمناخية؟ ومن هي الجهات الأكثر تأثيرًا في هذا المجال؟

لا شك أن للمؤسسات الصناعية والهيئات الممثلة للدول الكبرى ضغوطات ودورا في الدفع نحو خدمة مصالحها، ولو تحت غطاء التعاون وإسناد التنمية المستدامة بشتى تمظهراتها وفروعها.

وهناك دول تسعى لتوجيه مصالحها وأجنداتها سواء الممثلة في دعم اقتصاداتها القائمة على الطاقة الأحفورية أو الترويج لمنتجاتها بما يعطل التوجه نحو صناعات محلية صديقة للبيئة بداعي الكلفة وبسبب التبعية الاقتصادية والمالية.

وعموما هي تجتهد من أجل تشتيت مواقف الدول النامية والمشابهة لتفادي احتشادها وتجنب توحدها، ومن ثم تقوية مواقفها في المنتديات البيئية والمناخية.

هل هناك شركات أو لوبيات اقتصادية تستغل أزمة المناخ لتنفيذ مشاريع ذات أبعاد مالية ضخمة دون تحقيق تأثير بيئي إيجابي حقيقي؟

كل الدول الصناعية وشركاتها الكبرى المساهمة بالقسط الأكبر في تلويث المحيطات وتخريب المناخ عبر استمرار إفرازاتها الغازية المساهمة في احترار المناخ، كلها تصر على المضي قدما نحو تعطيل أي التزام فعلي بمقررات قمم المناخ وترجمتها لواقع وخطط عملية، ورصد الاعتمادات للدول النامية لتنفيذ تعهداتها للتخليص والتكيف المناخي.

ولا أدل من رئاسة مؤتمري المناخ في دبي وباكو مؤخرا من مسؤولين متصالحين مع الصناعات النفطية الأحفورية المناقضة لخطط مواجهة تغير المناخ، ومن تعذر التقدم في رسم وتنفيذ أجندة زمنية دقيقة للتخليص والتخلص من الطاقة التقليدية وتفعيل آليات التمويل مثل صندوق التعويضات والخسائر، الذي أقر قبل عامين في مؤتمر القاهرة للمناطق.

كما يشهد على تنفذ اللوبيات وتأثير أصحاب المصالح الاقتصادية، الفشل الذريع الذي عرفته الاجتماعات الحكومية للتفاوض من أجل إصدار صك ملزم لوقف التلوث الناتج عن البلاستيك بعد خمس اجتماعات في أربع دول من القارات الخمس آخرها في كوريا، حيث اضطر المشاركون للجوء لحصة إضافية، وهي دورة خامسة في جزء ثان تقام شهر أوت/ أغسطس في جنيف.

كل الدلائل تؤكد أن القوى الاقتصادية الصناعية والتجارية تستفيد من الأزمة البيئية العالمية ثلاثية الأوجه من تلوث وخسارة تنوع بيولوجي وتغير المناخ، وهي مستعدة لبذل كل شيء من أجل تأكيد الأزمة والاكتفاء بعلاجات سطحية، والتزامات لفظية ومساعدات عرضية بما لا يمس جوهر مصالحها ويؤجل المساس بمصادر رخائها، وهو ما أعلنه لأول مرة بكل وضوح وترجمه عمليا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من خلال قرار انسحاب بلاده من اتفاق باريس واتفاقية تغير المناخ وتعطيل مشاريع الطاقات المتجددة واستئناف مشاريع استخراج الوقود الأحفوري.

ما هي أبرز الأمثلة على مشاريع بيئية تم الترويج لها باعتبارها حلولًا للمناخ، لكنها في الحقيقة كانت مجرد غطاء لمصالح اقتصادية معينة؟

في العالم يجري تطوير أسواق للسيارات الهجينة والكهربائية وإنتاج أصناف من الطاقات باعتماد تقنيات متفاوتة الجودة كما يجري تطوير صناعات فائقة الدقة من علامات متنافسة، كما تستمر دول وشركات عملاقة في إنتاج وتصدير منتجات تعلن علامات مطابقة للمواصفات البيئية، ويتعذر التحقق من جودتها البيئية والتعرف على مختلف ظروف ومراحل إنتاجها التي تتم في مواقع ومناطق مختلفة من العالم.

يعتبر الكثير من الشعارات والالتزامات والبروتوكولات بفعل قلة أثرها الفعلي، نوعا من الخداع حيث وباستثناءات منها بروتوكل مونتريال حول الأوزون حيث أثمرت جهود الدول نتائج ايجابية، فإن جل محاور الاتفاقيات والبروتوكولات المعدة لم تؤد لنتائج تضاهي الآمال المعلقة عليها، بسبب وجود إرادة مضادة وخطاب مزدوج.

كيف يمكن ضمان الشفافية في تمويل وتنفيذ المشاريع البيئية، ومن هي الجهات التي يجب أن تراقب ذلك؟

لا شك أن الترسانة التشريعية والمؤسساتية تزخر بهيئات الرقابة للمصاريف العمومية، ولمنهجية استهلاك المال العام المطلوب بتعيين المختصين بشكل موضوعي، مع ضمان تعدد مراحل وأشكال الرقابة وأعضاء لجانها، فلا تكون الجهة المنتفعة مثلا هي المراقبة.

كما ينبغي تجاوز أي صيغة لقيادة التمويل أو الأمر بالصرف في المشاريع الهامة لفرد واحد أو لجنة مصغرة متجانسة. كما يتوجب للهيئات المنتخبة والممثلة مع المجتمع المدني، أن تشارك بمسؤولية في تتبع مراحل تمويل والتنفيذ والتقييم ومتابعة رصد الاخلالات والتثبت من الشبهات وإيجاد الضمانات لتلافيها أو تتبعها.

ما هي الحلول التي تقترحونها لضمان بيئة نظيفة ومستدامة في تونس بعيدًا عن تدخلات المصالح السياسية والاقتصادية الضيقة؟

مطلوب أن يكون للمجتمع المدني دور أكثر فعالية وحضورا قي مختلف المبادرات ومراحل صياغتها وتنفيذها وتقييمها. كما يتوجب إشراك الخبراء من مختلف الدوائر بمن فيهم المتقاعدين، وتفادي القرارات الأحادية والمسقطة والمرتجلة.

ولا بد كذلك من التقييم الموضوع لما أنجز ومراجعته تدريجيا للإبقاء على ما يفيد والتخلي عن الذي ثبت إفلاسه، وفي هذا الإطار لابد من الاستفادة من ثمرة جهد تم سنة 2014 بإشراف كاتب الدولة الخبير الدولي في التنمية المستدامة عمر امطيط بمشاركة عدد هام من الإطارات والخبراء والأكاديميين والجمعيات، وأنتجت رؤية متكاملة صدرت في كتيب تم للأسف إهمالها وتجاهلها.

كما ينبغي الكف عن التقطع وعدم الاستمرارية في إدارة الملف البيئي ومنح الثقة لفترة مطولة نسبيا لأصحاب الكفاءة، وفي تقديري، فإن الوزارة المعنية بالبيئة يسهر عليها لأول مرة بعد الثورة واحد من الكفاءات المؤهلة لتقديم الإضافة والارتقاء بالسياسة البيئية، وتحسين الأوضاع بمشاركة الهياكل والفاعلين الجادين.

وأعتقد أنه حان الوقت لتنظيم ملتقى وطني تشاوري جامع لإعادة رسم الرؤية والسياسة الوطنية مع التركيز على البعد الأفقي والتشاركي واعتماد الحوكمة وإرساء خطة شاملة للتنمية على المواطنة البيئية، فلا نجاح لأي سياسة في ظل الفردانية وطغيان المصالح والتقسيمات وعدم اللاشعور بالانتماء والتملك للشأن العام، وهو ما يتطلب جهدا لإشراك كل مؤسسات الدولة وإعادة البناء على أسس المواطنة الايجابية لا الانتهازية والتواكلية.

وبالنسبة للحلول والبدائل، ففي الإدارات والمجتمع المدني ما يكفي لإنجاح السياسات البيئية، وتحقيق الأهداف من خطة وطنية مناخية ومنظومة ناجعة لإدارة وتثمين النفايات وإنتاج واستهلاك مستدام، واقتصاد دائري أزرق، ومدن ذكية وانتقال طاقي واندراج في الاقتصاد الأخضر، وخاصة منظومة متكاملة ومتينة للاتصال البيئي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here