آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار عضو جبهة الخلاص الوطني سمير ديلو في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن “رسائل دوائر السلطة التي ألمحت مؤخرا عن تهدئة سياسية بين كل القوى السياسية، كانت إيجابية”، مؤكد على أن “الإقصاء لن يكون في مصلحة السلطة، وأن الأولوية هي البناء المشترك وتجميع التونسيين والابتعاد عن مناخ التوتير وتعميق الأزمات”.
واعتبر أن “جبهة الخلاص الوطني المعارضة تحتاج إلى وقفة لتحديد موقفها وتموقعها، وذلك بعد أن أسدل الستار على نتائج الانتخابات الرئاسية والدخول في مشهد سياسي جديد”، مقرا ” بفشل الجبهة في اتخاذ موقف موحد من الانتخابات”.
وسمير ديلو هو محامي وعضو جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وهو قيادي سابق بحركة النهضة وسبق أن شغل منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة سنة 2011 كما سبق أن شغل منصب وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سنة 2013.
ما هو تقييمكم للمشهد السياسي التونسي بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية؟
من الصعب الحديث على مشهد سياسي أو على انتخابات رئاسية، في اعتقادي ما حدث هو اقتراع رئاسي ومشهد سياسي بدون سياسة بسبب غياب الأحزاب السياسية، لم تعد هناك سياسة في البلد، التعامل الوحيد للسلطة هو من خلال القرارات الفردية بعيدا عن أي تشاركية أو حوار، بل إن حوارها الوحيد مع الساحة السياسية والحقوقية هو عبر القضايا وعبر الملاحقات والتتبعات والمحاكامات، لذلك لا يمكننا الحديث عن مشهد سياسي بل ما نلاحظه فقط هو بعض البيانات وبعض البلاغات، كما نلاحظ عودة للتداخل بين الحقوقي والسياسي، أما النشاط السياسي بالمعنى التقليدي المعروف بالتشاط الحزبي من الصعب الحديث عنه، وهو ربما ما جعل السلطة رغم كل أخطائها وكل تجاوزاتها تستطيع أن تحقق بعض النتائج في مثل هذه الظروف الخاصة.
هل ساهمت المعارضة التي دعت إلى المقاطعة في تعزيز رصيد سعيد الانتخابي؟ ولماذا لم تلتف جبهة الخلاص الوطني وراء مرشح بعينه؟
الإشكالية ليست في الاصطفاف وراء مرشح بعينه أو آخر، إنما العملية الانتخابية ككل لم تتوفر فيها الشروط الدنيا للتنافس بدءا من كل النصوص المؤسسة للعمل السياسي والانتخابي مرورا بالمؤسسات والهيئات المستقلة التي وقع حلها وصولا إلى سن قانون انتخابي جديد أيام فقط قبل الاقتراع وهذه سابقة لم يعرفها العالم قبل ذلك. لذلك لم يكن هناك ضرورة لأي تزوير فج يوم الاقتراع وإنما تمت العملية الانتخابية في ظروف قانونية وظروف فيها الحد الأدنى من التنافس لذلك قرار دعم مرشح لم يكن سيغير شيئا خاصة في ظل إقصاء المرشحين الجديين.
إذن في تقديري لا المشاركة كانت حاسمة ولا المقاطعة كانت حاسمة، رغم أن المقاطعة هو قرار سياسي ينزع عن الانتخابات كل مشروعية، لكن كان من الصعب على المعارضة التونسية التي عرف عنها تشتتها، أن تلتقي حول قرار، لكن في تقديري العامل الحاسم في كل هذا هو إصرار السلطة على عدم توفير الشروط الدنيا للتنافس النزيه والشفاف الذي يفتح الباب على التداول السلمي والديمقراطي.
فيما يخص الملف الحقوقي، هل تعتقد أن السلطة ستتجه إلى التهدئة وسيشهد ملف الإيقافات والاعتقالات السياسية إنفراجة الفترة القادمة لإسكات انتقادات المعارضة والشارع وتجنبا لتحركات احتجاجية في هذا المجال؟
الملف الحقوقي كان ولايزال تحت إيقاع المحاكمات والملاحقات التي تشمل المعارضين السياسيين ضمن ما يعرف بقضايا التآمر، كما تشمل المدونين والصحفيين وحتى بعض السياسيين والمحامين على معنى المرسوم 54، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها القضاء حيث أن القضاة تحت سيف مذكرات العمل التي بيد وزيرة العدل، لذلك من الصعب الحديث على محاكمات عادلة في هذه الظروف، كل عملية لقراءة أعمال السلطة صعبة حيث أن السلطة تستعصي قراءتها لأنها لا تراكم ما يمكن تحليله والبناء عليه، لكن ما هو واضح هو أنه ليس لديها خطوط حمراء لإسكات المعارضة، وفي تقديري هذا ليس من مصلحة البلاد، وفي مصلحة السلطة التوجه نحو البناء الحقيقي لكن للأسف الشديد لا يوجد حاليا إلا الانفراد بالرأي والقرار وإقصاء معنوي ورمزي ومادي للمخالفين من خلال السجن والاعتقال والمحاكمات.
إما أن تكون هناك تهدئة أو لا، لا توجد مؤشرات على ذلك غير تصريحات من محيط الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب فيما زاد على ذلك يصعب الجزم تنفيذا أو نفيا.
ما هي بوصلة جبهة الخلاص الوطني في ظل مشهد سياسي جديد تعيشه تونس، كيف تقرأ تموقعها كجبهة معارضة؟
جبهة الخلاص تحتاج إلى وقفة ليس فقط لتحديد موقفها مما يجري بل لتحديد موقعها باعتبار أنها التقاء لمجموعة من المكونات السياسية والمدنية التي تناضل لأجل منع التدحرج نحو مزيد من الحكم الفردي والاستبداد ومساندة المضطهدين الذين تعرضوا إلى انتهاك دون أن تتحول إلى مجموعة حقوقية.
ولقد فشلت جبهة الخلاص في إخراج موقف موحد من الانتخابات، كان هناك من يؤيد المشاركة وهناك من يرفضها ومع مقاطعة السباق، وحاليا تحتاج إلى إعادة قراءة الوضع وتحديد موقعها في إطار النضال المدني السلمي من أجل أن يكون في بلدنا ديمقراطية تحترم فيها حق الاختلاف ومساحة العيش المشترك.
هل تتوقع أن ينجح الرئيس سعيد في ولايته الثانية في تحسين أوضاع التونسيين، وهل يمكن أن يفتح صفحة جديدة مع القوى السياسية والأجسام الوسيطة ويتجه نحو الحوار لإنهاء الأزمة السياسية؟
شروط نجاح أي سلطة معروفة، لن نعيد اختراع العجلة، السلطة التي تريد النجاح في إدارة الوضع الاقتصادي والاجتماعي عليها أن تحترم قبل كل شيء حقوق الإنسان، وبدل الإقصاء يجب أن تسعى إلى تهدئة سياسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإيقاف توظيف القضاة في الخلافات السياسية.
كما يجب عليها الانفتاح على العالم وإبعاد صورة تونس كمجرد ملف يتم تناوله في حضورها و أحيانا في غيابها وأن تنفتح على كل دول العربية دون أن تخضع لسياسة المحاور، يجب كذلك تحسين علاقاتنا مع المغرب وأن نكون حاضرين أكثر في الملف الليبي، لكن للأسف هذا غير متوفر الآن، ومع ذلك بإمكان الرئيس المنتخب بعد أن اطمئن على عهدته الجديدة أن يجعل شعار البناء والتشييد لكل طاقات البلاد وأن لا ينتهج سياسة الإقصاء.
بماذا تفسر ظاهرة العياشي زمال في حصوله على المرتبة الثانية وهل كانت وراء النتيجة بعض القوى المعارضة؟
في اعتقادي هو ليس سياسي تقليدي كما أنه حزبه حديث النشأة وهو نائب كذلك في البرلمان السابق وعضوا في لجنة الصحة ولديه علاقات واسعة، وأرى أن الظروف سمحت بأن يراهن عليه البعض باعتبار أنه لم تكن هناك مساحة أخرى للاختيار خاصة بعد إقصاء أغلب المرشحين وبقاء ثلاثة فقط من ضمنهم الرئيس المنتخب. لذلك لم يبقى أمام المعارضين خيارات كبيرة وجزء كبير منهم راهن على العياشي الزمال، ويبدو أن المعارضة كانت منقسمة وهناك أصوات من داخلها اختارت التصويت للزمال وأخرى اختارت المقاطعة، ونحن نتأسف أنه يتعرض حاليا لمظالم كبيرة، وقد انطوت صفحة الانتخابات وهو مازال ماكثا بالسجن إلى الآن.
ما هي الرسالة التي أراد شقيق الرئيس، نوفل سعيّد أن يوصلها للشارع السياسي عندما تحدث عن القوى الوطنية؛ الالتقاء على قاعدة 25 جويلية؟
الرسالة التي أراد نوفل سعيد أن يوصلها ايجابية ولم نتعود عليها من قبل السلطة أو من دوائرها وهي رسالة مفادها أن تونس للجميع وتتسع لكل القوى، وفي اعتقادي تونس بحاجة في الفترة القادمة إلى إبعاد الأصوات التي تصب الزيت على النار وفتح المجال أكثر لتوسيع مساحة المشترك وتجميع التونسيين على ما يمكن أن يجتمعوا عليه وإبعادهم عن كل النقاط الخلافية وما يدفع إلى توتير الأجواء وتعميق الأزمات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس