شكري البحري لـ”أفريقيا برس”: أزمة الهجرة في تونس تستوجب حلا جذريا

87
شكري البحري لـ
شكري البحري لـ"أفريقيا برس": أزمة الهجرة في تونس تستوجب حلا جذريا

أفريقيا برس – تونس. أشار شكري البحري النائب بالبرلمان التونسي عن جهة صفاقس في حواره مع “أفريقيا برس” أنه على تونس حل أزمة الهجرة جذريا لكن مع ضرورة مراعاة الجانب الإنساني للمهاجرين غير النظاميين، لافتا أن الحفاظ على كرامة المهاجرين يخدم صورة تونس سياسيا وأخلاقيا على الصعيد الدولي.

وفي مواجهة الضغوط الأوروبية في هذا الملف الذي أثمر مؤخرا عن اتفاق شراكة مع تونس مقابل مدها بمساعدات مالية، اعتبر البحري أن البلاد بحاجة أن تعالج أزمتها الاقتصادية بالأساس حتى تتحول إلى طرف قوي في التفاوض، مشيرا في سياق آخر إلى أن مسار 25 جويلية بحاجة إلى تحويل الصعوبات الحالية إلى فرص حقيقية حتى يتحقق التغيير المنشود بالبلد.

وشكري البحري هو مسرحي تونسي نجح في الصعود إلى البرلمان ممثلا لجهة صفاقس في الانتخابات التشريعية الأخيرة، كما يعد وهو أبرز وجوه حراك “ماناش مصب” المدافع عن قضايا البيئة في تونس.

حوار آمنة جبران
ما ردكم عن الانتقادات التي تطال البرلمان كونه محدود الصلاحيات كما أنه استمرار للصورة السلبية للبرلمان السابق بسبب التنافس بين كتله النيابية؟

القانون المنظم لصلاحيات البرلمان سابق لتشكيل البرلمان..إذا المعيار هو أداء النواب والنتائج التي تصل إليها الأعمال التحضيرية في اللجان والتشريعات المصادق عليها في الجلسات ..لا يوجد برلمان في العالم صلاحياته مطلقة.. العبرة دائما باختيار الناخبين نواب نوعيين لهم قدرة على فهم المتطلبات العاجلة للناس والتعبير عنها ولهم بعد استراتيجي في تفكيرهم.. المطلوب الآن ليس وجود نواب بارعين في الصراع السياسي والأيديولوجي بل البلاد تحتاج لنواب بارعين في التخطيط الإستراتيجي بواسطة الأدوات التشريعية التي يتيحها البرلمان.

كنائب عن جهة صفاقس، ما تعليقكم على دعوات الترحيل القسري لمهاجرين آفارقة بعد الأحداث التي شهدتها مدينة صفاقس مؤخرا؟

هذه مشكلة صعبة وحساسة وينبغي التعامل معها بهدوء وحسم في نفس الوقت..أولا هذه الهجرة غير نظامية ليست وفق القوانين التي تحترم السيادة الترابية الوطنية..لكن تحتاج المشكلة إلى حل يراعي كرامة المهاجرين وفق القيم الإنسانية ووفق الانتماء الأفريقي المشترك بيننا وبينهم.. ينبغي حل المشكل بسرعة حتى لا تتفاقم وتخرج عن السيطرة من جهة وينبغي مراعاة مأساة المهاجرين غير النظاميين إنسانيا من جهة أخرى وهذه معادلة صعبة لكنها ممكنة.. سرعة الحل لحماية تونس مطلوبة والحفاظ على كرامة المهاجرين مطلوبة وهذا يخدم صورة تونس سياسيا وأخلاقيا في العالم.. ينبغي حل المشكل جذريا لكن دون جروح تظل آلامها عبر الأجيال، لا ننسى أننا جزء من أفريقيا ونحن من أعطينا القارة اسمها.

ما رأيكم في تعاطي الحكومة التونسية مع الشروط والضغوط الأوروبية في ملف الهجرة؟

أي بلد يعيش أزمة اقتصادية عميقة يتعرض بالضرورة للضغوطات وقد تصبح الضغوطات شروطا مجحفة وحتى ابتزاز.. لنغير السؤال :كيف ننأى ببلادنا مستقبلا عن الضغوطات؟

ينبغي أن نبني اقتصادا قويا قبل كل شيء وهو شيء يحصل بالعقول الإستراتيجية وليس بالعقول التكتيكية والتسييرية.. وبلادنا تعج بالموارد البشرية وتوجد فرصة كبيرة في هذا الموضوع.. لقد كانت السياسات الاقتصادية هي نقطة الضعف الكبرى في تاريخ الدولة الوطنية في تونس.. فبعد الاستقلال سيطرت الدولة على الاقتصاد بطريقة خاطئة في الستينات ثم أعطته إلى الخواص منذ السبعينات بطريقة خاطئة أيضا واستسلمت للإصلاحات الهيكلية الممولة من مصادر التمويل الدولية منذ الثمانينات دون أهداف إستراتيجية، حينما فتحت الدولة باب الخوصصة لرأس المال الخارجي وفق قوانين 1972 و1974 و1976 وماتلاها سمحت لرأس المال الأجنبي بمراكمة الثروة دون أن تستفيد الدولة التونسية فعلا وفتحت الباب أمام الاستثمار الفج على حساب البيئة وعلى حساب قابلية الموارد على التجدد وعلى حساب الاستقرار الاجتماعي وظلت البلاد فرصة للمستثمر الأجنبي وأحيانا المحلي باعتبارها توفر يدا عاملة بخسة ومواد أولية بكلفة رخيصة..

هذا فهم خاطئ للاستثمار يجب أن تكون الدولة غنية لينعم المواطن بالرخاء. إن السياسات الخاطئة أوصلتنا إلى أن الشمال الغربي لم يعد ينتج الحبوب وهذه كارثة والسياسات الخاطئة فرطت في هويتنا الزراعية والبيولوجية فأضعنا كثيرا من البذور الأصلية مثلا.. وأضف إلى ذلك المفهوم الخاطئ للمرفق العمومي منذ الاستقلال فينبغي أن يكون المرفق العمومي يتصرف باعتباره مستثمرا حتى يستمر من جهة وحتى يتوسع داخليا وخارجيا من جهة أخرى.. المفروض أن تونس الجوية وشركة توزيع الكهرباء والمياه وشركة السكك الحديدية وشركات النقل البري وغيرها قد وصلت بعد عشرات السنين من إنشائها إلى الاستثمار خارج تونس ومراكمة الثروة ولكن العكس هو ما حصل.. أين الدار التونسية للنشر أين الشركة التونسية للتوزيع أين شركة الإنتاج السينمائي وغيرها كلها اندثرت..

إذن المشكل الاقتصادي هو ملف فشلت فيه تونس منذ الاستقلال ويحتاج إلى وقفة حقيقية لبناء المستقبل.. في مجالات أخرى غير الاقتصاد حققت تونس نجاحات مثلا في التعليم عرفت تونس سياسات رائدة سنة 1958 على يد محمود المسعدي والطيب التريكي رغم أن التعليم سيعرف انهيارات متتالية منذ التسعينات. في الثقافة كانت تونس نموذجا في السياسات التي جاءت منذ 1962 مع الشاذلي القليبي والناصر الشريعة وغيرهما رغم أن الثقافة عرفت فوضى منذ الثمانينات مثلا نبني منظومة المسرح الجهوي ثم نهدمها ونبني منظومة مركز الفنون الدرامية جهويا ثم هاهي الآن عرضة للهدم.. في المجال الرياضي كانت تونس مثالا في التخطيط في الستينات لكنها دخلت الفوضى منذ الثمانينات.. هناك مشكل في التطوير يبدو أننا ننجح في التأسيس ثم نفشل في التطوير.. كثير من المجالات عرفت صعودا ونزولا في تاريخها إلا الاقتصاد ظل دائما في مشكل.. وعلى هذا الجيل من الدولة التونسية أن يجد الحل، لا تطلب من الجهات الدولية أن تتوقف عن الضغوطات عليك فهي لن تستجيب ولذلك عليك أن تصبح قويا.. وأول معنى للقوة في العلاقات الدولية هو أن تصبح قوياً اقتصاديا.

لماذا اكتفت الرئاسة بتعديل الحكومة ولم تقم بتغييرها خاصة وأنها حكومة تصريف أعمال بالأساس كما يحملها طيف واسع مسؤولية الفشل في إدارة شؤون البلاد؟

هذا السؤال المتعلق بالتعديل الوزاري هو سؤال يحيل إلى مبدأ التضامن الحكومي وهو ليس مبدأ دائم في تغيير الحكومات. لدينا في تونس تقاعس قطاعي ولكل قطاع أزمته الخاصة به بسبب غياب المشاريع الهيكلية والرؤى الواضحة. لقد غرقنا في الشكليات الإدارية دون إعطاء معايير المردودية الأهمية اللازمة في العصر الرقمي. مثلا مازلنا نرى أن من يأتي إلى العمل في الوقت ويخرج في الوقت مهما كان عمله ضعيفا أثناء هذا الانضباط الشكلي هو المعيار. لقد تغير العالم جراء التحولات الرقمية وأصبحت المردودية تقاس بالنتائج.. إن أي تعديل وزاري يقوم على تقييم معين، والتقييم هو الذي يبرر حجم التغيير أي تغيير يشمل كامل الحكومة.

في الذكرى الثانية لمسار 25 جويلية ماهو تقييمكم لهذا المسار على صعيد السياسي والاقتصادي خاصة؟

هناك تقييم مباشر وتقييم استراتيجي.. في التقييم المباشر لا أحد ينكر وجود الصعوبات ويمكن إدراج التعديل الوزاري الذي سألتيني عنه ضمن التعامل مع الصعوبات الظرفية المباشرة خاصة الاقتصادية التي تؤثر في كل المجالات، وأكبر الصعوبات تتجلى في الوضع المالي للميزانية جراء حجم المديونية الذي بلغ حدا كبيرا قياسا بالدخل الوطني الخام وجراء الثغرة المترتبة عن الميزان التجاري وشح التمويلات الآن.. هذه مشاكل صعبة وتحتاج إلى حلول فورية ولكنها مشاكل عميقة وقديمة لأنها موجودة من فترة بعيدة وتفاقمت بعد 2011.. أما في القطاعات والمجالات الأخرى فيوجد كسل استراتيجي وتخطيطي ويغلب طابع تسيير الشؤون على روح المبادرات والمشاريع الهيكلية وتغلب الحلول التقنية على حساب الحلول التي لها رؤية جديدة و يغلب الطابع الإداري على حساب الرؤية العامة الهيكلية.. التقييم الاستراتيجي لـ 25 جويلية يرتبط بالسؤال التالي: هل كانت البلاد تحتاج إلى تغيير وطي صفحة السنوات الماضية؟ إجابتي: نعم.. البلاد كانت تحتاج إلى منعطف تاريخي جديد وحصل فعلا هذا المنعطف ويحتاج الأمر إلى تحويل الصعوبات الحالية إلى فرصة بما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here