طريق تونس نحو التعويل على الذات… صعب لكن ممكن

3
طريق تونس نحو التعويل على الذات... صعب لكن ممكن
طريق تونس نحو التعويل على الذات... صعب لكن ممكن

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة اتفاقية القرض المبرمة بين تونس والصندوق العربي للإنماء دعا نواب بالبرلمان التونسي إلى تقليص “الاعتماد المفرط على الاقتراض وتعزيز سياسة “التعويل على الذات” وهو الشعار الذي تبنّاه الرئيس قيس سعيّد خلال الأزمة مع صندوق النقد الدولي و”قروضه المجحفة”، لكن رغم أهمية هذا الخيار الاستراتيجي في تكريس السيادة الوطنية وتقليص الارتهان إلى الخارج تبقى الأسئلة مطروحة حول سبل تحقيقه وإلى أي مدى يمكن المضي قدما في ذلك في ظل واقع اقتصادي هشّ ومقوّمات إنتاج محدودة تجعل الحاجة أكيدة إلى البحث عن بدائل إقراض أخرى؟

طرح “أفريقيا برس” هذا السؤال على عدد من النواب وخبراء الاقتصاد الذين اتفق أغلبهم على “أهمية هذا التوجه” وأن تونس قادرة لكن على المدى الطويل “أن تعتمد فقط على نفسها”، وتحقيق ذلك يحتاج خطة اقتصادية واضحة وتوجه سياسي يطمئن المستثمرين في الداخل والخارج، وإن كان الواقع المالي في تونس اليوم لا يمكّنها من التخلص تماما من سياسة الاقتراض والمديونية على المدى القصير.

وقال النائب بوكبر يحيى لـ”أفريقيا برس”: “للأسف اليوم يعتبر التوجه نحو القروض هو الحل في غياب موارد مالية قادرة على دعم الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الكبرى وتعبئة الموارد المالية للخزينة العامة للحفاظ على التوازنات ودعم المداخيل الجبائية للدولة وبالتالي يبقى شعار التعويل على الذات مجرد شعار للاستهلاك الداخلي”.

ويضيف يحيى: “أعتقد أن التعويل على الذات يتطلّب برامج سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة من ذلك السيطرة على موارد الدولة الطبيعية وحسن التصرف فيها بما يخدم الدولة والمواطن وكذلك إعادة هيكلة القطاع العام وإعطائه الدور الحقيقي في التنمية والمتابعة والمراقبة كقطاع التعليم والصحة والنقل باعتباره قطاعا استراتيجيا مهما للتنمية إضافة إلى إصلاحات إدارية كبرى”.

ويتفق النائب فخرالدين فضلون مع نظيره أبوبكر يحيى في التأكيد على أهمية “تنقيح مجلتي الاستثمار والصرف، وتطوير القوانين بما يشجع على الاستثمار ويسهله”، لافتا إلى أن “قانون الصكوك الجديد له تأثيرا سلبية على المدى المتوسط، لافتا إلى أهمية العمل على الصيغة الجديدة لـ”الكمبيالة” لتحريك الدورة الاقتصادية.. فلا مجال لتطوير سياسة الاعتماد على الذات دون تطوي وقوانين الاستثمار والصرف”.

في ذات السياق، يؤكدّ أبوبكر يحيى أن “دعم الاستثمار الداخلي والخارجي يكون من خلال تنقيح مجلة الاستثمار ومجلة الصرف بما يخدم مصلحة تونس فالتعويل على الذات يتطلب السيطرة على موارد الدولة وحسن التصرف فيها مع بناء علاقات خارجية متنوعة منفتحة على كل دول تساهم في بناء شراكات اقتصادية متبادلة بما يخدم مصلحة البلاد وبذلك تكون هناك مردودية عالية وفعّالة ونبتعد أكثر ما يمكن عن رهن الأجيال القادمة”.

في أواخر عام 2022 وصلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى طريق مسدود حيث أصرّت مؤسسة الإقراض الدولية على فرض إصلاحات لا تتماشى مع طبيعة الشارع التونسي خاصة فيما يتعلق بالدعم وقد تؤدّي إلى اضطرابات اجتماعية، هنا توجّهت تونس، بالتوازي مع رفض شعار “التعويل على الذات”، إلى البحث عن بدائل مع مؤسسات مالية أخرى ودول وشركاء عرب وأفارقة وأوروبيين على غرار القرض مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

وقال النائب طاهر بن منصور لـ”أفريقيا برس”: “عرض على مجلس نواب الشعب يوم الاثنين 6 ماي اتفاقية قرض رقم 30 خلال سنتين ونصف ورقم 20 خلال هذه السنة (2025)… وهو ما يتناقض تماما مع شعار التعويل على الذات الذي نراه يتمثل في خلق الثروة من خلال رؤية تنموية وطنية تقطع مع اقتصاد الريع والاستهلاك والارتهان إلى الخارج ويسعى إلى تثمين الثروات والمقدرات الذاتية للدولة ضمن برنامج وطني ومخطط استراتيجي الأمر الذي من شأنه أن يجعل اقتصادنا منتجا قادرا على المنافسة وعلى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية حللحلة المشكلات الاجتماعية المتراكمة”.

ورغم أن نسب الفائدة في مثل هذه القروض تعتبر عالية مقارنة بصندوق النقد الدولي إلاّ أنها تحقّق نوعا من السيادة الوطنية بعيدا عن املاءات صندوق النقد. وقدّمت الجزائر تونس قرضا بقيمة 300 مليون دولار، وبلغت قيمة القرض المقدم من السعودية حوالي 500 مليون دولار، فيما قدمت ليبيا قرضا ميسرا بقيمة 400 مليون يورو للبنك المركزي التونسي، بهدف دعم استقرار العملة. وسبق أن تحصلت تونس على قروض من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي.

ومن الجانب الأفريقي، في نهاية عام 2022، حصلت تونس على قرض مشترك من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير بقيمة 600 مليون دولار. كما تم توقيع اتفاقية قرض لسنة 2025 مع الأفريقي للاستيراد والتصدير.

وفي سياق اتفاق الهجرة حصلت تونس على دعما ماديا من الشركاء الأوروبيين وتسهيلات قروض من مؤسسات مثل الوكالة الفرنسية للتنمية والمؤسسة الأسبانية للقرض. وفي مارس 2024، وافق البنك الدولي على تقديم قرضين لتونس بقيمة إجمالية تبلغ 520 مليون دولار.

وتُقدر خدمة الدين الداخلي لعام 2025 بحوالي9.7 مليار دينار (3.23 مليار دولار)، فيما بلغت خدمة الدين الخارجي المستحقة على تونس لعام 2025 حوالي8.4 مليار دينار تونسي (حوالي 2.72 مليار دولار) وحتى منتصف مارس 2025، سددت حوالي 46% من الديون الخارجية، تشمل أصل الدين والفوائد.

ويرى الخبير الاقتصادي باسم عزيزي أن “الاقتراض شر لا بد منه في انتظار تحسن المؤشرات الاقتصادية خاصة نسبة النمو للناتج الداخلي الخام مع السياسة النقدية الحذرة التي تتبعها الدولة التونسية”. ويضيف عزيزي في تصريحات لـ”أفريقيا برس”: “سنة 2025 مؤشراتها الأولية إيجابية وفي انتظار موسم سياحي واعد وارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج وارتفاع الاستثمارات الفلاحية والصناعات المعملية يتوقع أن تقلص تونس من سياسة اللجوء إلى الاقتراض وصولا إلى “الاعتماد التام على الذات”..

أظهرت تونس قدرة ملحوظة على سداد جزء كبير من ديونها العمومية في عام 2025، مستفيدة من سياسة “التعويل على الذات” وتنويع مصادر التمويل. وانخفضت نسبة الديون الخارجية من إجمالي الدين العمومي من 70% في 2019 إلى %50 في 2025. لكن رغم هذه المؤشرات الإيجابية، مازلت هناك استحقاقات مالية كبيرة لبقية عام 2025، تتطلب إدارة مالية حذرة وتنفيذ إصلاحات هيكلية وتحسين مناخ الاستثمار لضمان استدامة التقدم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here