عادل اللطيفي: لا حل دون تجديد سياسي وحوار وطني شامل

3
عادل اللطيفي: لا حل دون تجديد سياسي وحوار وطني شامل
عادل اللطيفي: لا حل دون تجديد سياسي وحوار وطني شامل

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبر الباحث والمؤرخ التونسي عادل اللطيفي، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن “تونس في حاجة إلى تجديد سياسي، من خلال الاصطفاف حول مشروع ديمقراطي، تقدمي، عقلاني، يخلق توازنًا بين القوى السياسية المعارضة، ويعطي إشارات إيجابية للمجتمع، ويحاول على أساسها أن يحرّك الطاقات الاجتماعية ضد السلطة القائمة في إطار سلمي، ثم في مرحلة ثانية القبول بتغيير القوانين السياسية حتى تصبح هناك ديمقراطية حقيقية تخدم العدالة الاجتماعية، وليس ديمقراطية مقتصرة فقط على جانبها السياسي الإجرائي”، وفق تقديره.

ورأى أن “الأزمة السياسية تطرح مسؤولية على الحاكم الذي تولى مقاليد السلطة، وليس على المعارضة، رغم أنها مختلفة ومتعارضة في جوانب معينة”، وللتخفيف من وطأة هذه الأزمة، يعتقد أنه “من الضروري اقتناع هذه السلطة بأن سياسة الهروب إلى الأمام لا تؤدي إلى أي شيء، بل ستزيد في تعميق أزمة الدولة وأزمة المجتمع، وربما ستضرب الدولة وتهدد السلم الاجتماعي، وأن عليها فتح باب الحوار مع الأحزاب والقوى الوسيطة، تجنبًا لمواجهة مباشرة مع الشارع.”

وفي تقييمه للمشهد السياسي منذ انطلاق مسار 25 جويلية، اعتبر أن “المشهد في تونس من سيئ إلى أسوأ، حيث انتقلت البلاد من حالة العبث السياسي إلى حالة اللامعقول السياسي، على غرار ضرب هذا المسار للحريات ومكاسب التونسيين”، لافتًا إلى أن “منظومة قيس سعيّد لم تختلف عن سابقاتها في سعيها للهيمنة على الحكم على حساب مشاغل الناس، حيث تحول الشأن العام، منذ سنة 2012، إلى وسيلة من وسائل الحكم لا أكثر ولا أقل.”

ويُذكر أن عادل اللطيفي كاتب وباحث أكاديمي تونسي، وهو أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر بالجامعة الفرنسية، وقد صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان “وين ماشين: رؤية لمستقبل تونس”، قدّم فيه تشخيصًا عميقًا للمشهد السياسي التونسي منذ انطلاق ثورة يناير 2011.

كيف تقيم المشهد السياسي التونسي منذ انطلاق مسار 25 جويلية، هل تعتقد أن تونس في المسار الصحيح؟

أعتقد أن المشهد السياسي في تونس من سيء إلى أسوأ، من سيء ونعني فترة ما قبل 25 جويلية، أما الأسوأ هي الفترة التي تلت 25 جويلية، برأيي مهما كان العبث الموجود قبل 24 جويلية والذي بلغ في أقصى حالاته الإرهاب وغير ذلك، لكن كان هناك حد معين يمنع السلطة من أن تتمادى أو أن تذهب في منحى من التسلط يتعارض مع روح الثورة، كانت موازين القوى لصالح فكرة الثورة والحريات، لكن للأسف بعد 25 جويلية شهدنا انحدار العملية السياسية وضياع المسار الديمقراطي وضياع إمكانية تلبية مطالب التونسيات والتونسيين خاصة من حيث المسألة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية، ويضاف إلى ذلك فقدان أهم مكسب ملموس وهو مكسب الحرية.

أكثر من ذلك، أعتقد أننا خرجنا من مرحلة العبث السياسي قبل 24 جويلية إلى مرحلة اللا معقول في المجال السياسي، ربما فترة حكم النهضة أي فترة الإسلام السياسي أو فترة حكم الشاهد، يمكن أن نصنفها في إطار التسيب أو الفساد السياسي، لكن اليوم مع قيس سعيد خرجنا من المعقول السياسي إلى اللامعقول النفسي الانفعالي، بالإضافة إلى ذلك هنالك ضرب للحريات وللمكاسب الأساسية للتونسيين، مع التدهور الكلي للاقتصاد والوضع المعيشي. هذا يحيلنا إلى أننا لسنا في المسار الصحيح، أو يمكن أن نقول أن قيس سعيد بقي في نفس المسار الذي سبقه، وقد طرحت ذلك في كتابي “وين ماشين”، وتوصلت إلى أن الرغبة في الهيمنة على الحكم في تونس، كانت على حساب انتظارات المحكوم، أي المواطنين، منذ فترة حكم النهضة وذلك باسم الدين ومرورا بمرحلة التوافق مع نداء تونس، ووصولا إلى مسار 25 جويلية، وللأسف قيس سعيد بقي في نفس العقلية الحاكمية بل ذهب بها إلى مداها الأقصى أي “أنا الحاكم الوحيد”، لذلك لا أعتقد أننا في مسار جديد، بل نحن في مرحلة تعفن للمسار ككل منذ سنة 2012.

هل برأيك مازال لهذا المسار الفرصة لتدارك أخطائه والمضي نحو تحقيق تطلعات الشارع أم أن الشعبوية غلبت على أدائه؟

لا أعتقد أن لهذه المنظومة مستقبل، وذلك حسب طبيعة تركيبة ما أسميته في كتاب “وين ماشين” “حاكمية المحرض الانفعالي” وأقصد قيس سعيد، هذه المنظومة لا تنظر أصلا للمستقبل، هي تنظر فقط للماضي وتتذكرون جيدا، كل ما طلبنا من قيس سعيد وأنصاره أن يقدموا برنامجهم يقولون أن الرئيس لم يقدمه بعد، يعني ليس له برنامج بالأساس حتى نقول أنه سيكون له مستقبل وهذا واضح اليوم من خلال فشل أو إفلاس كل الخيارات التي بني عليها مسار 25 جويلية، البناء القاعدي على مستوى سياسي، وأنتم تلاحظون كأنه لم يعد موجودا وليست له أي فاعلية ولا أي دور في الحياة السياسية، بل الحاكم الوحيد الأساسي المقرر للشأن العام هو رئيس الجمهورية، ثم على المستوى الاجتماعي فقد أصبحت الشركات الأهلية عالة جديدة على الدولة، ولا تنتج أي شيء أو أي حل، وهي مشكلة أخرى أضيفت باسم الشعبوية، كذلك استرجاع الأموال المنهوبة لا يوجد أي تقدم في هذا الملف، أو التعويل على الذات بات بمثابة استئثار لميزانية الدولة لكل أموال البنوك في الداخل، لذلك نلاحظ أن هذه المنظومة لا مستقبل لها وأوراقها بانت بالكاشف وأفلست، حتى الشباب بات في تعارض تام مع هذه المنظومة. هذه المنظومة ليس لها مشروع حتى يمكنها من التواجد في المستقبل. ليس لها قاعدة حزبية أو شعبية، هي منظومة فاشلة وليست لها موارد، ولا أعتقد أنها ستعمر طويلا.

فيما يخص شعبوية قيس سعيد، فقد وضحت في كتابي “وين ماشين” أن كلمة الشعبوية ربما لا تلخص هذه المنظومة، لأن الشعبوية مهما كانت فهي تسعى لإحاطة نفسها بأغلفة إيديولوجية، ولكن ما نلاحظه لدى قيس سعيد هو حضور الجانب الانفعالي أكثر من الخطاب السياسي، وبالتالي هي ليست منظومة شعبوية بالشكل الكلاسيكي للكلمة، بل هي منظومة شعبوية انفعالية لها محتوى بسيكولوجي، نلاحظ من خلالها ومن خلال أنصارها تفشي الرغبة لديهم من الانتقام والتعويض على ما فاتهم ربما في المجال الاجتماعي.

ما رأيك في تعاطي السلطة مع ملف الحريات في ظل انتقادات المعارضة لاستمرار التضييق بحقها وبحق رموزها خاصة تحت طائلة المرسوم 54؟

يجب أن نعرف أن شخصية المحرض الانفعالي أقصد منظومة الحكم التي تدور حول شخص، دائما ما تحرض جزء من شعب ضد آخر، وخطاباتها كلها انفعالية، لهذا السبب لا نجد فيها مكانا للحرية، حتى أن الرئيس نفسه قال أن حرية التفكير سابقة لحرية التعبير، وهي مقولة عدمية في الحقيقة وعبثية، وهذا دليل أن هذه المنظومة ضد الحرية، وأن المرسوم 54 لا يهدف إلى تنظيم الجانب الإعلامي ولكن في الحقيقة هدفه لجم الأصوات التي تنتقد السلطة، لذلك يمكن القول أن منظومة قيس سعيد أو ما يسمى بمسار 25 جويلية هو مسار لضرب الثورة، وهذا مهم جدا، وضرب الدولة، وهذا هو العبث الذي نعيشه اليوم، وهو يضرب الحرية بمسميات أخرى يحاول أن يجعل منها البديل عن الحرية مثل الحديث عن”الوطنية”، الحديث عن “الوطنية” مثلا هو بالأساس لاتهام الآخرين بالخيانة وأيضا لضرب الحرية، لذلك لم تعد هناك حياة إعلامية اليوم أو إعلام أصلا خاصة بعد تدجين الإعلام العمومي وتهديد الإعلام الخاص.

هل برأيك مازالت هناك فرصة لتنظيم حوار وطني شامل بهدف تحقيق التهدئة وتخفيف الاحتقان السياسي للالتهاء بمشاغل الناس الاقتصادية والاجتماعية؟

برأيي الحل يكمن في حوار وطني، ولكن ليس حوار وطني مع هذه السلطة التي ترفض أصلا الحوار، فقد قالت سلطة قيس سعيد منذ البداية حين كانت هناك أزمة وقبل أن نمر إلى 25 جويلية، أنها ترفض فكرة الحوار، لذلك لا أعتقد أن هذه المنظومة تسعى إلى الحوار، مع التذكير أن الحوار هو تقليد تونسي بدأ منذ أواسط السبعينات مع حكومة هادي نويرة مع انفتاحها على القوى الاجتماعية خاصة اتحاد الشغل في إطار ما نسميه بالمفاوضات الاجتماعية، وهذا التقليد هو الذي منحنا تقليد التفاوض السياسي سواء مع بن علي سنة 87 مع الأحزاب المعارضة، أو حتى بعد الثورة من خلال المفاوضات والمؤتمرات التي تمت وأدت إلى حوار وطني سنة 2013، لكن منظومة قيس سعيد ضد كل هذا وهي تسلطية تسعى إلى الاستئثار بالحكم، وتستخدم السلطة للانتقام من الآخرين، والتعويض إما للفشل الشخصي أو الفشل الجماعي تجاه النخب السياسية وغير السياسية. يعني هذه المنظومة لا تسعى لأي شكل من أشكال الحوار، ثم هناك جرائم ارتكبت في حق المعارضين وحق الشباب. وهذا دليل آخر على أن منظومة قيس سعيد غير قابلة للحوار.

وفيما يخص مشاغل الناس، لا أعتقد أن منظومة الحكم الحالية مهتمة بذلك، هي فقط تستغل مشاغل المواطنين حتى توجه سهامها إلى المعارضة بصفة عامة.يعني نفس العقلية الحاكمية التي كانت موجودة منذ 2012، وهي أن السياسة تدور على الحكم بالأساس وليست لتسيير الشأن العام ومازلت متواصلة إلى اليوم بنفس هذا المسار. لذلك الشأن العام هو وسيلة من وسائل الحكم لا أكثر ولا أقل، وليس غاية في حد ذاته من العملية السياسية وهو ما يشترك فيه قيس سعيد مع من سبقوه.

هل حققت الشركات الأهلية وفق تقديرك ما ينتظره التونسيون؟

الشركات الأهلية غير قادرة على البقاء بمنطق العلم والاستثمار ومنطق الشغل والعرض والطلب، وقد صيغت بمنطق أيديولوجي لا علاقة له بالواقع. كما أنها أصبحت وسيلة للتعبئة الاجتماعية حول مشروع قيس سعيد، أكثر منها مشروع اجتماعي حقيقي. والى الآن لا أحد يعرف حصيلة هذه الشركات وكم موطن شغل تم افتتاحها ومرابيحها وتخصصاتها، لا نعرف شيء عن هذا، بالتالي هي فاشلة منذ ولادتها ولا خير يرجى منها، بل أصبحت عالة على الدولة وأصبحت تنافس الاقتصاد الحقيقي في مجال الاستثمار.

كيف يمكن الخروج من أزمة تونس السياسية والاقتصادية وفق تقديرك؟

الأزمة السياسية تطرح مسؤولية على الحاكم الذي تولى مقاليد السلطة، وليس على المعارضة رغم أنها مختلفة ومتعارضة في جوانب معينة، الخطوة الأولى برأيي هو ضرورة اقتناع هذه السلطة بأن سياسة الهروب إلى الأمام لا تؤدي إلى أي شيء بل ستزيد في تعميق أزمة الدولة، وأزمة المجتمع، وربما ستضرب الدولة وتهدد السلم الاجتماعي وهذا خطير جدا، لأن ما تقوم به منظومة قيس سعيد من ضرب القوى الوسيطة من أحزاب ومنظمات تهيأنا في الحقيقة إلى نفس الوضع الليبي أو الصومالي أو اليمني، الذي لا توجد فيه تقليد بناء الدولة بما فيها المؤسسات والقوى الوسيطة والنخب وغير ذلك، وإذا ما تحدثنا بشكل نظري، نقول أنه على هذه المنظومة أن تقتنع أن كل هذه المؤشرات الحمراء، الاقتصادية والاجتماعية تنذر بالخطر، وعليها أن تقتنع أنه لا حل لها إلا بفتح حوار،وإن لم تفتح باب الحوار فلن يكون حينها أي حل آخر سوى الشارع الذي لا يستطيع أن يتحرك إلا في شكلين، حيث يمكن أن يتحرك في إطار منظم مع القوى الفاعلة باعتبار أن دورها هو تأطير هذه التحركات الاجتماعية في الشارع، حتى لا تصبح خطرا على الدولة من خلال توجيهها عبر مطالب سلمية، أو للأسف إذا تواصل ضرب المعارضة والقوى الوسيطة فسوف تجد السلطة نفسها في مواجهة الشارع بشكل مباشر.

لذلك الحل مثل ما قلت نظريا هو اقتناع السلطة بضرورة الحوار الوطني، لكن لا أعتقد أن ذلك ممكنا باعتبار أن قيس سعيد له علاقة خاصة بالسلطة. يعني هناك تمسك مرضي بالسلطة وهو يدفع بالقوى الأخرى إلى المواجهة، إنا لا أرى حلا سوى تعبئة الشارع حول مشروع ديمقراطي تقدمي يذهب بعيدا عن الطروحات الماضوية الموجودة، لا بد من مشروع للتجديد السياسي في تونس، وقبل التفكير في السلطة والحوار، فإن تونس في حاجة قبل كل شيء إلى تجديد سياسي على قاعدة مشروع ديمقراطي عقلاني يخلق توازن بين القوى السياسية المعارضة ويعطي إشارات ايجابية للمجتمع ويحاول على أساسها أن يحرك الطاقات الاجتماعية ضد السلطة القائمة في إطار سلمي بطبيعة الحال، ثم في مرحلة ثانية القبول بتغيير القوانين السياسية حتى تصبح هناك ديمقراطية حقيقية، وننشى عميلة انتخابية نزيهة وننشئ ديمقراطية تخدم العدالة الاجتماعية وليس ديمقراطية فقط في جانبها السياسي الإجرائي، هذا ما نقترحه، كذلك التصدي للعنف ومظاهر استهداف الثورة، والتجديد السياسي عبر رؤية ومشروع متكامل وهو ما طرحته في كتاب “وين ماشين”، كذلك ضرورة العودة إلى دستور 2014 وتعديل بعض الجوانب الغامضة فيه، ثم نمر إلى انتخابات في إطار حوار وطني شامل يجمع كل الأحزاب بمختلف توجهاتهم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here