
آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد القيادي في حركة الشعب عبد السلام بوعائشة في حواره مع”أفريقيا برس” أن” ملف الهجرة غير الشرعية يشكل تحديا حقيقيا أمام السلطات التونسية وباتت هذه الأزمة المتصاعدة بمثابة الخطر الداهم، غير أن تونس تسعى للموازنة والتوفيق قدر الإمكان بين الحقوق الإنسانية للمهاجرين وبين حق الدولة في الدفاع عن سيادتها وعن سلامة نسيجها الديمغرافي والحضاري”، حسب تقديره.
واعتبر بوعائشة أن “الانتخابات الرئاسية المرتقبة فرصة لتوفير الاستقرار السياسي وتحقيق النهوض الاقتصادي”، وبينما أقر بأن مسار 25 جويلية همّش دور الأحزاب، إلا أنه رأى في المقابل أن الأحزاب ذاتها تتحمل المسؤولية الأولى، وعليها إعادة هيكلة ذاتها وتحيين أساليبها حتى تسترد للعمل الحزبي وعليها أن تثبت أنها ضرورية للبناء الديمقراطي.
وعبد السلام بوعائشة هو عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، وهو دبلوماسي وسفير سابق.
لماذا اختارت حركة الشعب ترشيح أحد مناضليها لخوض السباق الرئاسي رغم أن أغلب التوقعات رجحت دعمها للرئيس قيس سعيد؟
حركة الشعب طرف أصيل في مسار 25 جويلية الإصلاحي وهي جزء من المشروع الوطني التحرري الذي تلتقي فيه مع رئيس الجمهورية قيس سعيد و تسانده في التقدم به قطعا مع عشرية التفكيك والفتن واستباحة سيادة الدولة. وفي هذا السياق ساهمت حركة الشعب في جميع المحطات الانتخابية على قاعدة الدستور الجديد وسجلت عديد التحفظات على إدارة المرحلة، ولعل أهم تحفظ يتعلق بتحديد دور الوسائط في بلورة مستقبل البناء الوطني. وبما أن الانتخابات الرئاسية القادمة تمثل حلقة مهمة في مسار 25 جويلية فإن المجلس الوطني لحركة الشعب أعلن أن الحركة معنية مبدئيا بهذه الانتخابات ترشحا وتصويتا في انتظار تحديد موعد لهذه الانتخابات ودعوة الناخبين وصدور القانون المنظم للترشحات وتنقية المناخ الانتخابي. ورغم وجود توجه يدعو لترشيح قيادي من داخل الحركة إلا أن المجلس الوطني قرر الإبقاء على وضع الانعقاد الدائم والتفاعل مع المستجدات خاصة وأن الانتخابات لم يصرح بعد بموعدها والرئيس قيس سعيد لم يصرح بتجديد ترشحه.
حمّلت حركة الشعب مؤخرا هيئة الانتخابات مسؤولية شفافية الانتخابات، هل هناك قلق بخصوصية مصداقية الاقتراع وحياد الهيئة؟
أمر طبيعي أن تتوجه الحركة لهيئة الانتخابات بطلب الحرص على توفير كل شروط تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة لأن هذا من صميم دور الهيئة وليس في هذا المطلب تشكيك أو استنقاص من الهيئة وفي ذات الوقت نحن في حركة الشعب ندرك أن الشفافية والحياد ليست مجرد إرادة وقانون ينظم عمل الهيئة بل تتجاوز ذلك إلى المناخات السياسية والإعلامية العامة التي تتنزل فيها الانتخابات ومدى توفر الإمكانيات والآليات التي تمكّن الهيئة من مراقبة حركة المال السياسي والتوجيه الإعلامي وتدخل الإدارة في مسار العملية الانتخابية قبل انعقادها وأثناء الحملة الانتخابية.
هل يشهد الوضع الاقتصادي والاجتماعي تحسنا حسب تقديرك، وما الذي تحتاجه البلد للخروج من الأزمات التي ترزح تحت وطأتها؟
نحن في حركة الشعب حين نقيّم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، لا يمكن أن نغمض أعيننا عن المحيط الدولي والعربي والإقليمي الذي نتحرك فيه وهو محيط صعب وغير مستقر ويؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل البلدان وليس تونس فحسب ولكن رغم هذا المحيط السلبي إلا أن الأكيد لدينا أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا أفضل بكثير مما كان عليه قبل 25 جويلية 2021، وهو يتحسن باطراد سواء ذلك في ما يتعلق بالتوازنات الكبرى للدولة أو في ضمانه للاستقرار الاجتماعي وللتقدم نحو إضفاء مزيد من النجاعة على أداء مؤسسات القطاع العام.
وبالنظر لما تواجهه الدولة من تحديات خارجية وداخلية وبالرغم من سوء أداء الحكومة وتعطيلات منظومة 24 جويلية إلا أن مسار الإصلاح يتقدم وليس أدل على ذلك من تحسن مؤشرات المديونية باعتماد سياسة التعويل على الذات والتحرر من إملاءات الخارج و تنويع الشراكات الخارجية.
نحن واعون تماما في حركة الشعب بالصعوبات المعيشية التي يمر بها المواطن في هذه المرحلة وكذلك واعون بضرورة مراجعة جذرية لمنوال التنمية غير أننا نعتبر أن العملية السياسية التي انطلقت يوم 25 جويلية ورثت تركة ثقيلة من الخراب الاقتصادي والاجتماعي وفرضت تحديات كبرى على رأسها تحدي إنقاذ الدولة من الانهيار واستعادة الأمن والاستقرار لمؤسساتها وهي تحديات ذات أولوية ضمن مسار الإصلاح.
نحن نعتقد أن الانتخابات الرئاسية ستكون محطة مهمة في اتجاه مزيد توفير الاستقرار السياسي الضامن للنهوض الاقتصادي وتوفير مناخات إيجابية لكل قطاعات الاقتصاد وهو ما يعود بالنفع على معيشة المواطن. تونس تحتاج للاستقرار السياسي ضمن خيارات 25 جويلية وهذا كفيل بالتقدم أكثر نحو معالجة سائر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
ماهو تقييمكم لسياسة مكافحة الفساد، هل حققت أهدافها أم مازالت مجرد شعارات وتحتاج التطبيق على الأرض؟
في اعتقادي إن مكافحة الفساد شعار رفعته كل الحكومات منذ 14 جانفي 2011، غير أنه لم يرى طريقه للتنفيذ إلا بعد 25 جويلية 2021 حين توفرت الإرادة السياسية الصادقة لأن الفساد لا يمكن مقاومته بمنظومة حكم فاسدة سياسيا ومطبعة مع سائر أنواع الفساد الاقتصادي والمالي. أنا أعتقد أن الرئيس قيس سعيد بصلاحياته الدستورية الواسعة وبصدق أهدافه حقق منجزات مهمة على طريق مكافحة الفساد وجعله من أولويات إدارته غير أن هذا المسار يحتاج إلى تطوير الآليات التشريعية والتنفيذية والرقابية لتحرير البلاد من نفوذه نظرا لتغلغله في جميع هياكل الدولة والمجتمع أيضا.
هل نجح مشروع المصالحة مع الفاسدين في مقابل تنمية الجهات المهمشة؟
أعتقد أن مشروع المصالحة أو ما سمي بالصلح الجزائي بقي إلى حد الآن دعوة رئاسية وشعارا يحتاج على ما يبدو لتوفر إرادة جادة وحقيقية مشتركة من جميع الأطراف المعنية بالمصالحة، وما نخشاه هو أن يتحول هذا المشروع إلى ورقة سياسية في التعامل بين المعنيين بالمصلحة و السلطة..لهذا لا نرى أي أثر واقعي للمصالحة على التنمية في الجهات المهمشة تاريخيا، وهي الجهات التي يفترض من قانون الصلح الجزائي إنصافها.
هناك تراجع واضح لدور الأحزاب الكبرى في تونس ومنها الداعمة لمسار 25 جويلية، كيف يمكن الحفاظ على دور الأجسام الوسيطة رغم ما تعانيه من تهميش؟
لا شك أن عشرية حكومات ترويكا النهضة وحكومات التوافق قد أفسدت صورة الأحزاب السياسية ومنظومة الوسائط التي تعدّل علاقة الشعب بالسلطة وهو ما كان عاملا مهما في صعود قيس سعيد إلى سدة الرئاسة بمقاربة حكم جديدة تتقاطع مع نظام الوسائط ونظام الأحزاب وتؤسس لنظام سياسي جديد يهمش دور الأحزاب..غير أن هذه المقاربة وإن كانت تستبعد الأحزاب إلا أنها في اعتقادي لا تمثل السبب الرئيسي في تراجع دور الوسائط عامة والأحزاب بصفة خاصة لأن النظام القاعدي ذاته لا يلغي دور الأحزاب ولا يمنعها من العمل والمشاركة في الحياة السياسية ومعارضة البناء السياسي ذاته الذي يهمشها ويخلص من دورها وهذا ما سارت عليه حركة الشعب..صحيح أن مسار 25 جويلية همش دور الأحزاب غير أن الأحزاب ذاتها تتحمل المسؤولية الأولى وعليها إعادة هيكلة ذاتها وتحيين أساليبها حتى تسترد للعمل الحزبي اعتباره و مكانته..الأحزاب ضرورية للبناء الديمقراطي وعلى الأحزاب ذاتها أن تثبت ذلك.
ما هو تقييمكم لأداء الحكومة التونسية في مواجهة أزمة المهاجرين الأفارقة خاصة أن النواب طالبوا الحكومة مؤخرا بتوضيح سياستها في التعامل مع هذه الأزمة؟
في تقديري إن موضوع الهجرة الوافدة من دول جنوب الصحراء والتي تأخذ أبعادا تصاعدية سنة بعد سنة تمثل تحديا حقيقيا لبلادنا ومستقبل نسيجها الحضاري والديمغرافي وترتقي إلى مستوى الخطر الداهم خصوصا وأن بلادنا تمر بأوضاع هشة ولا تمتلك كل مقومات التعامل مع هكذا تحدي..وأعتقد أن مقاربة رئيس الجمهورية والحكومة تمثل الحد الأدنى في التعاطي مع المشكل حيث تم التأكيد على أن تونس ليست أرض توطين وليست حارسا لحدود أوروبا مع التشديد على تطبيق قانون الإقامة والهجرة وإنقاذه على كل الوافدين مع مراعاة القانون الإنساني.. وتعتبر دعوة رئيس الجمهورية لعقد مؤتمر دولي يجمع كل الدول المعنية بالموضوع أمرا ضروريا لإيجاد حلول جذرية دون أن يعفي هذا الدولة من تشديد الرقابة على الحدود وإنقاذ القانون على كل المقيمين بصفة غير شرعية.
ماهي قراءتك لعلاقة تونس بالاتحاد الأوروبي فيما يخص أزمة الهجرة أمام مخاوف من تحول تونس إلى شرطي حدود؟
من الواضح أن السياسة الأوروبية تتجه نحو مزيد أحكام الرقابة على حدود أوروبا وتشديد قوانين اللجوء وهي سياسة مدفوعة بصعود لافت لقوى اليمين المحافظ في أكثر من دولة. كما تسعى السياسة الأوروبية لإيقاف نزيف الهجرة عبر البحث عن إمكانية توطين المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس أو في أي دولة تقبل بهكذا حل وذلك عبر تقديم المساعدات المالية واللوجستية لمراقبة الحدود البحرية وتمويل إقامة المهاجرين…في النهاية أوروبا تبحث عن تصدير أزمتها نحو تونس وجنوب المتوسط بصفة عامة ولا ترغب في تحمل مسؤوليتها التاريخية عن هذه الظاهرة.. ولا شك أن هذا الملف يلقي بثقله على العلاقات التونسية -الأوروبية، وأعتقد أن تونس تسعى للتوفيق قدر الإمكان بين الحقوق الإنسانية للمهاجرين وحق الدولة في الدفاع عن سيادتها وعن سلامة نسيجها الديمغرافي والحضاري.
هل تجاوزت تونس حسب تقديرك خلافاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث سبق أن أكدت تونس أن هناك خلاف كبير مع واشنطن بخصوص فلسطين؟
الاختلاف في المواقف بين الدول أمر طبيعي والعلاقات التونسية الأمريكية لا تخلو من الخلافات سواء فيما يتعلق بقضية فلسطين أو بغيرها من القضايا، وأنا اعتقد أن المواقف السيادية والمبدئية التي عبر عنها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة وتأكيده على سيادة القرار الوطني ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية أزعج الكثيرين وليس الإدارة الأمريكية فحسب، وقد يكون موقف تونس من القضية الفلسطينية من أكثر القضايا التي تزعج الإدارة الأمريكية نظرا لموقع المشروع الصهيوني في الإستراتيجية الأمريكية وحرصها على إنجاح مسارات التطبيع مع الدول العربية. واعتقادي أن ملف فلسطين سيبقى مصدر خلاف دائم بين تونس والإدارة الأمريكية طالما لم يتم تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في أرضه.
كنتم أكثر الأحزاب الداعمة لمشروع قانون تجريم التطبيع، برأيك ما هو السبب الذي حال دون تمريره؟
مشروع قانون تجريم التطبيع هو بالأساس مطلب شعبي رفعته ثورة 17 ديسمبر ورفعته الأحزاب الوطنية لبرلمان دستور 2014 وجدد رفعه برلمان دستور 2022..هذا المشروع لا يزال في مكتب المجلس رغم التعطيلات وحركة الشعب ضمن تجمع عدد من الكتل البرلمانية متمسكة به باعتباره حدا أدنى من تضامن تونس مع شعبنا الفلسطيني.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس