علمانيون في تونس ضد كراهية الإسلاميين

1
علمانيون في تونس ضد كراهية الإسلاميين
علمانيون في تونس ضد كراهية الإسلاميين

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. تتالت في تونس تصريحاتٌ لمثقفين ونشطاء أعلنوا، بكل شجاعة وجرأة، تعديل مواقفهم السابقة تجاه حركة النهضة تحديداً. وهي حالة سياسية وثقافية جديدة أصبحت ظاهرة لافتة للنظر. ورغم أن الانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين قديم في تونس، إلا أنه استفحل بعد الثورة، وبالأخص مع توليهم السلطة وارتكابهم أخطاءً عديدة، وهو ما دفع مختلف خصومهم إلى التكتّل ضدهم، ودفعهم نحو الاستقالة عبر تصعيد الضغط الميداني.

بعد 25 جويلية (25 يوليو/ تموز 2021)، ازداد الانقسام عمقاً واتّساعاً. في البداية، رحب كثيرون بخطوة الرئيس قيس سعيّد، وعبّروا عن ارتياحهم العميق لتسلّمه السلطة، وسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين، ورأوا في ذلك “تحوّلاً تاريخيّاً”. ومع تطور الأحداث، وتوسّع حكم الرئيس بتوليه جميع السلطات، وإصداره دستوراً جديداً ومغايراً دستور 2014، بدأت المواقف من النظام تتغيّر بنسق سريع. ثم عندما انتقلت السلطة إلى مرحلة جديدة في خطّة تصفية المعارضة، وشرعت في إقامة محاكم سياسية استهدفت طيفاً واسعاً من رموز الأحزاب والمجتمع المدني، وتجاوزت ملاحقاتها الأمنية دائرة الإسلاميين بمسافاتٍ واسعة، خاف كثيرون، وتجرّأ عديدون منهم، فابتعدوا عن الخط السياسي للرئيس، وتعدّدت المشاورات بين مختلف الأطراف المناهضة للحكم، وأصبح بالإمكان مشاركة وجوه راديكالية معروفة بعدائها حركة النهضة في تحرّكاتٍ تطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين، بمن فيهم الإسلاميون.

تغير المزاج العام في تونس. وفي هذا السياق، تعدّدت الأصوات والتدوينات التي يقدم أصحابها الحريات على الخلافات الأيديولوجية. كتب الصحافي منجي الخضراوي تدوينة لافتة عنوانها “هل تريدون الصدق أم النفاق؟”. جاء فيها قوله: “أمارس الصحافة منذ سنوات، وعارضت حركة النهضة منذ 2011، وكنت من المقاتلين بحركة 25 جويلية، أعترف بأن ما يسمى بالعشرية السوداء كانت فترة ذهبية لحرية الصحافة. وكنت أمارس مهنتي بكل حرية واحتراف في ظل حكم الإخونجية، وأنني فقدتُ هذه الحرية منذ قدوم الجراد واصطفاف بعض الرفاق من أجل لعق الأحذية”، يقصد أحذية رجال السلطة.

يتعلق المثل الثاني بالجامعية رجاء بن سلامة، ذات المواقف النسوية والتحرّرية التي كتبت: “في سنة 2025 تكون تونس قد أخذت حظها من الشعبوية ومن اليمين العنصري المتطرّف وكذلك الإسلاموفوبيا”. وأضافت: “بما أن جزءاً من المهتمّين بالشأن العام، لديهم حقد كبير على الإسلاميين، وهو ما ولّد كرهاً لكل ما يمتّ للإسلام بصلة… أكتب هذا وأنا أدافع عن العلمانية منذ أن كنت يافعة، وأدافع عن الفصل بين الدين والقانون وبين الدين والسياسة.. ونلت نصيبي من التكفير، وكان الإسلاميون أبرز خصومي، لكنهم خصوم وليسوا أعداءً، ولا أحقد عليهم، خاصة اليوم في هذه المحنة العامة”. وفي خاتمة تعليقها قدّمت شهادة للتاريخ، قائلة: “الآن يمكن أن نقول إننا دفعنا غالياً ثمن كره الإسلاميين بدل مواصلة مجادلتهم ومصارعتهم”، مؤكدة أن “الحقد والإقصاء والانتقام أدوات تدمير لا بناء”.

المثل الثالث والأخير في هذا العرض المقتضب للناشط الحقوقي، مسعود رمضاني، الذي جاءت تدوينته تحت عنوان “أوهام إعادة بناء الجبهة التقدّمية”. وردّ على هذه الدعوة بالقول: “لم أعد أؤمن بهذه الجبهة، وبالتقسيم تقدمي – رجعي”. واستعرض ثلاثة أسباب لتبرير موقفه. أولها أن تقدّميين كثيرين كانوا مع وأد التجربة الديمقراطية، وانخرطوا في تشويهها والانقلاب عليها، مؤكّداً بالخصوص أنه “لا يوجد طرف له وثيقة ملكية البلاد، ولو كانت السلطة لدى هؤلاء التقدّميين لفعلوا أكثر، والدليل أنهم يواصلون الاستحواذ على الفضاءات المدنية”. وأكد أخيراً أنه “حتى الذين أختلف معهم أحبّ أن ألتقي معهم حول مسألة مهمة الآن هي استعادة الحرية”.

ما الذي أخرج هؤلاء عن صمتهم ودفعهم إلى إعلان مواقفهم بهذا الوضوح؟ سؤال يجب أن يبحث له النظام عن جواب، ويتوقّف عنده أنصاره. تعب التونسيون من خطاب التخوين ونشر الحقد في صفوفهم. حائرون، ويخشون التورّط في صراع يقوّض أسس السلم الأهلي ويفتح أبواب المجهول.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here