عن فاعليّة المجتمع المدني في تونس

1
عن فاعليّة المجتمع المدني في تونس
عن فاعليّة المجتمع المدني في تونس


سمير حمدي

أفريقيا برس – تونس. شهدت تونس، بعد ثورة 2011، تكاثراً غير مسبوق للجمعيات والمنظّمات والنقابات، وشملت القطاعات كلّها وشتى التوجّهات، رغم أن العمل النقابي والنشاط الجمعياتي ليس طارئاً في المشهد التونسي، وإنما له جذوره التاريخية التي يعود بعضها إلى فترة ما قبل الاستقلال، فيما بدأ القسم الآخر بالنشاط منذ سبعينيّات القرن الماضي.

لا يمكن أن ننفي تأثير المنظّمات والنقابات زمن حكم الحبيب بورقيبة، ثمّ زين العابدين بن علي، ولكنّها عرفت أوجها ما بعد الثورة، زمن العشرية الديمقراطية، حين أصبحت شريكاً في القرار. وفي 2013، شُكّل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، إلى جانب الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الرباعية التي قادت الحوار الوطني التونسي، الذي ساعد في إيجاد توافقات أفضت إلى حلّ الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك. وقد أدّى هذا الدور الذي لعبته الرباعية إلى حصولها على جائزة نوبل للسلام في 2015.

في أوج نشاط المنظّمات النقابية، كان بإمكان الاتحاد العام التونسي للشغل إجبار الحكومات المتتالية على التنازل، وتنفيذ مطالبه، وبعضها كان ذا منحىً سياسي، فيما كانت الجمعيات المدنية الأخرى قد نجحت في نسج شبكة علاقات دولية مع منظّمات أوروبية وأميركية، ولعبت دوراً رقابياً مثل ما كانت تفعل جمعية أنا يقظ، أو جمعية بوصلة التي كانت تراقب نشاط البرلمان. بعد إجراءات قيس سعيّد بعد 25 يوليو/ تمّوز (2021)، وشملت إغلاق البرلمان وإيقاف العمل بدستور 2014 وما تبعه من كتابة دستور جديد وإرساء أسس نظام سياسي مغاير، تميّزت مواقف منظّمات المجتمع المدني التونسية بالصمت، فأصيب معظمها بالذهول من مفاجأة وحجم الإجراءات التي أُعلنت. المشكلة أن مجرّد الصمت لم يكن كافياً لدى بعض المنظّمات النشطة، وخاصّة لدى الرباعي الأكثر فاعلية (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة للتجارة وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان)، فقد أعرب الاتحاد العام التونسي للشغل دعمه غير المشروط للرئيس، مؤكّداً التزام المنظمة بالدستور. ورغم أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان محاوراً منتظماً وحليفاً في بعض الأحيان للحكومات السابقة والأغلبية البرلمانية المختلفة، فقد فوجئ الجميع بالسرعة التي أيّد بها الاتحاد هذا التحوّل السياسي. وهو موقف سنرى له نظيراً لدى اتحاد الأعراف (اتحاد الصناعة والتجارة) ولدى هيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان.

كان لهذا الموقف المؤيّد للمسار السياسي الجديد أثره لاحقاً عندما حاولت بعض هذه المنظّمات تعديل مواقفها. إن المراوحة بين التأييد العلني والصمت المستمرّ ثمّ الأصوات الخجولة المحتجّة أخيراً خلقت فجوةً بين هؤلاء الفاعلين ضمن منظّمات المجتمع المدني والرأي العام الذي من المتوقّع أن يحشدوه. إن هذه الهوّة لم تؤثّر في قدرتهم على رفع الوعي واتخاذ الإجراءات فحسب، بل أثّرت أيضاً في مصداقيتهم قوّةً مضادّةً قادرةً على ضمان عدم نسيان الأسس التي وُضعت في عام 2011.

واقعياً، يمكن القول إن منظّمات المجتمع المدني في تونس كانت أضعف من أن تدافع عن وجودها واستقلاليتها، والأسوأ من هذا أنها لم تكن مدركةً طبيعةَ دورها ونشاطها، فمصطلح المجتمع المدني المُستخدَم في السياق التونسي (وكذلك في نظيره العربي) فاقد شروطَ وجوده وفاعليته، فهل يمكن تصوّر المجتمع المدني في غياب الظروف التي تضمن في المجتمعات الغربية تنظيمَ العلاقات بين المصالح الفردية والصالح العام، أعني قواعدَ اللعبة السياسية المؤسّسية والمُستوعَبة من الفاعلين، وثقافةً سياسيةً ديمقراطيةً متكاملةً، وإحساساً مشتركاً بالمصلحة العامّة، وانفصالاً اقتصادياً عن السياسي، واحترامَ الحقوق الفردية. ولهذا، اعتبر عزمي بشارة في كتابه “المجتمع المدني” (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012) أن “تشييد المجتمع المدني في وطننا العربي اليوم يعني تحقيق الديمقراطية، وليس مجرّد إقامة المؤسّسات المدنية الحديثة اللازمة لموازنة البرلمان، والناجمة عن قصور الديمقراطية والليبرالية، وهي غير قائمة أصلاً في الوطن العربي”. وهذه هي مشكلة المجتمع المدني التونسي الذي لم يدفع نحو تثبيت دعائم النظام الديمقراطي وترسيخ أركانه بقدر ما مارس السياسة بمنطق المعارضة الحزبية، التي ترغب في إطاحة خصومها السياسيين والأيديولوجيين، وهو ما أفضى إلى حالة الصمت والذهول، مع توقّف الفاصل الديمقراطي، ثمّ محاولة العودة باحتشام إلى ساحة التأثير، وهو ما سيتطلّب مراجعات عميقة هذا أوانها، لتصبح فاعلية المجتمع المدني مقترنةً بحراسة المشروع الديمقراطي، وليس خدمة مصالحَ فئويةٍ تناقض هذا المشروع وتُفشله.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here