غازي معلى: تونس أهدرت فرصة لتكون فاعلاً في ليبيا

4
غازي معلى: تونس أهدرت فرصة لتكون فاعلاً في ليبيا
غازي معلى: تونس أهدرت فرصة لتكون فاعلاً في ليبيا

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أشار غازي معلى، المحلل السياسي والخبير في الشأن الليبي، في حواره مع “أفريقيا” إلى أن تونس “أضاعت الفرصة لتكون فاعلًا سياسيًا واقتصاديًا في الملف الليبي، حيث اقتصر دورها في هذا الملف على مستوى ضيق”. وأوضح أنه “بإمكان تونس تدارك أخطاء الدبلوماسية في هذا الملف من خلال توطيد العلاقات مع مجموعة من الشخصيات الليبية والأحزاب، وخلق نوع من الشراكة غير الرسمية عبر المجتمع المدني، للغوص أكثر في الملف الليبي ومعرفة أدق تفاصيله، ثم تقديم الحلول والاستراتيجيات المستقبلية حول كيفية مساعدة ليبيا للخروج من الأزمة ومن هذا المستنقع الأمني والعسكري المرير”.

وفي معرض تعليقه على المستجدات الأمنية الأخيرة في طرابلس، رأى معلى أن “مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي يمثل مشهدًا من مشاهد الصراع على النفوذ والسلطة في ليبيا، كما أن الحراك السياسي الدائر حاليًا بين الأمم المتحدة وبعض الفاعلين السياسيين في البلاد أزعج حكومة طرابلس، التي تسعى لإطالة أمد الأزمة بهدف الحفاظ على نفوذها”.

وبين أن “تداعيات التدهور الأمني في العاصمة الليبية على تونس تكمن في الخشية من إمكانية الهجوم على بعض المعسكرات والسجون التي تضم بعض الإرهابيين الخطرين من جنسيات مختلفة، وقد يفرون إلى الأراضي التونسية، مما يشكل خطرًا على الأمن التونسي”، وفق تقديره.

يذكر أن غازي معلى هو محلل سياسي تونسي وخبير مختص في الشأن الليبي.

كيف تقرأ المستجدات الأخيرة في ليبيا بعد اغتيال الككلي؟ هل ما حدث هو صراع نفوذ على مؤسسات الدولة؟

مقتل أو اغتيال عبد الغني الككلي يمثل أحد مشاهد الصراع على النفوذ والثروة والسلطة في ليبيا. لا يجب أن ننسى أن الككلي كان رئيس جهاز دعم الاستقرار في ليبيا، وداعمًا أساسيًا لحكومة الدبيبة، وكان في تناغم كبير مع الحكومة، حيث كان يعمل بالتنسيق مع الأطراف الأمنية والعسكرية في ليبيا. ورغم ما حدث من انقلاب على هذا المكون للسلطة، مهما كانت تسميته – سواء كتائب مسلحة أو ميليشيات – تبقى هذه المكونات في النهاية تابعة للسلطة المركزية في طرابلس. الأفراد المنتسبون إليها يتقاضون رواتبهم من السلطة المركزية، سواء عبر المجلس الرئاسي أو عبر وزارة الدفاع.

ذكرت مؤخرًا أن التحولات الأمنية ليست بمعزل عن التحركات الدبلوماسية الجارية في الكواليس، هل يعني ذلك أن هناك إعادة لتشكيل المشهد السياسي في ليبيا؟

التحولات الأمنية التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس بسبب الصراعات وإعادة تمركز القوى المسيطرة التابعة للميليشيات والكتائب الأمنية تأتي في ظرف سياسي حساس، إذ إن البعثة الأممية، بالاشتراك مع اللجنة الاستشارية، تجهز لحوار عبر البرلمان هدفه إعادة بناء الدولة وتغيير الحكومة، خاصة مع استمرار التعثر في إجراء الانتخابات. لذلك، ترى معظم آراء الخبراء في المجال القانوني والدستوري ضرورة تشكيل حكومة موحدة وتوحيد بقية المؤسسات حتى يتسنى إجراء انتخابات خلال فترة معقولة.

لكن هذا الحراك السياسي الذي تقوم به الأمم المتحدة مع بعض الفاعلين السياسيين الليبيين أزعج كثيرًا الحكومة في طرابلس، التي ربما حاولت تصفية الككلي في خطوة استباقية لمنع الأطراف الليبية الساعية لإزاحة الحكومة من المضي قدمًا في أشغالها. وبالتالي، لا يمكن الفصل بين التحركات الأمنية والعسكرية على الأرض وبين ما يجري في الكواليس وفي العلن بشأن الحوار السياسي وتشكيل حكومة وطنية جديدة. الأمران متوازيان ولا يختلف عليهما اثنان في ليبيا.

ما هي تداعيات عودة التوتر الأمني في طرابلس على تونس؟

في الواقع، هناك مخاوف من نزوح مواطنين وعائلات ليبية إلى تونس في حال تفاقمت الأوضاع الأمنية أكثر، لكن ما يبعث على الاطمئنان هو عودة الهدوء إلى طرابلس حاليًا، ونأمل أن تستعيد الأوضاع الأمنية استقرارها وهدوءها. لا نريد الوصول إلى خيار النزوح، لأنه سيضر أساسًا بالمواطن الليبي، كما سيشكل تحديًا كبيرًا للدولة التونسية.

حتى هذه اللحظة، الأوضاع ما زالت تحت السيطرة، ولا توجد اضطرابات أمنية كبيرة قد تدفع الليبيين إلى النزوح. وفيما يتعلق بالمخاوف الأمنية، هناك خطر آخر يتمثل في إمكانية الهجوم على بعض المعسكرات والسجون التي تحتجز إرهابيين خطرين من جنسيات مختلفة، ما قد يؤدي إلى هروبهم نحو الأراضي التونسية، مما يشكل تهديدًا للأمن التونسي. لكن حتى الآن، هذه السجون لا تزال تحت السيطرة، ولم ترد أي تقارير عن فرار إرهابيين سواء من السجون داخل الأراضي الليبية أو على الحدود التونسية.

كيف تقيم دور الدبلوماسية التونسية في الملف الليبي، وقد سبق أن صرحت بأن تونس غائبة سياسيًا عن هذا الملف؟

في تقديري، الدبلوماسية التونسية تشتغل على مستوى ضيق، أي على مستوى العلاقات الثنائية فقط، وتركز بشكل أساسي على الملفات البسيطة مثل شؤون الجالية التونسية، والتبادل التجاري، والتنسيق الأمني. لكن عندما نتحدث عن الفعل السياسي داخل الأراضي الليبية، كما تقوم به بعض الدول الأخرى مثل مصر، الجزائر، المغرب، وتركيا، أرى أن تونس بعيدة تمامًا عن هذا المستوى من التأثير، وهذه سياسة تنتهجها تونس منذ سنوات طويلة، خاصة بعد 2011.

وبرأيي، فقد ضيعت تونس الفرصة لتكون فاعلًا سياسيًا واقتصاديًا مهمًا في الملف الليبي، وذلك لعدة أسباب، من أبرزها أن كلا الدولتين كانتا تعانيان من عدم استقرار سياسي بعد 2011، ما أدى إلى تضييع العديد من الفرص أمام تونس لتعزيز حضورها في هذا الملف. أما اليوم، فنحن نعيش في تونس على أمل أن تستقر ليبيا، لكن لا يوجد الكثير بأيدينا لنفعله لتقديم المساعدة والدعم السياسي للدولة الليبية للوصول إلى استقرار دائم.

حسب تقديرك، كيف يمكن تدارك أخطاء الدبلوماسية التونسية فيما يخص الملف الليبي؟

من الممكن تدارك أخطاء الدبلوماسية التونسية أو ضعف حضورها في الملف الليبي من خلال مجموعة من الخطوات السريعة، مثل توطيد العلاقات مع مجموعة من الشخصيات الليبية والأحزاب السياسية، وخلق نوع من الشراكة غير الرسمية عبر المجتمع المدني أو الشخصيات السياسية السابقة أو الدبلوماسيين السابقين، بهدف التعمق أكثر في الملف الليبي وفهم أدق تفاصيله.

كما يمكن للدولة التونسية تعزيز دورها في هذا الملف عبر تكوين إدارات خاصة تابعة لرئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية، وتكليف موظفيها بمتابعة الملف الليبي بشكل مستمر، وتقديم التقارير والرؤى والاستراتيجيات المستقبلية حول كيفية مساعدة ليبيا على الخروج من الأزمة، وتوطيد العلاقات بين البلدين، بما يجعل من تونس دولة فاعلة ومؤثرة في تحقيق الاستقرار داخل ليبيا، والمساهمة في إنهاء المستنقع الأمني والعسكري الذي تعيشه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here