إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. تحوّل ملف المهاجرين الأفارقة الذين دخلوا تونس بطرق غير شرعية إلى قضية رأي عام، وسط تحذير المختصّين من أنها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، فيما قالت النائبة فاطمة المسدّي إن مخّيمات المهاجرين صارت “مخيمات استيطان” وذلك بعد زيارتها لمخيّم في منطقة العامرة كانت الفتيل الذي أشعل هذا الجدل وسط تساؤلات عن حلّ هذه المعضلة وكيف ستتعامل معها الدولة التونسية التي تربطها اتفاقيات مع أوروبا من جهة وتواجه تفاقم الغضب الشعبي وتصاعد العنصرية في المجتمع التونسي من جهة أخرى؟
نشرت فاطمة المسدّي، النائبة بمجلس نواب الشعب عن مدينة صفاقس، على صفحتها على موقع التوصل الاجتماعي فايسبوك، فيديوهات وصورا لزيارة قامت بها لمخيم للمهاجرين الأفارقة، في منطقة العامرة بمحافظة صفاقس (جنوب البلاد)، وهو أحد أكبر مخيمات المهاجرين والذي يضم حوالي 200 خيمة.
وفجّرت النائبة التونسية إثر هذه الزيارة جدلا بسبب ما كشفته الصورة مما يجري داخل هذا المخيّم، فالوضع أشبه بـ”دولة داخل الدولة “، على حد تعبير فاطمة المسدّي، التي تحدّثت أيضا عن مخاطر أمنية “كبرى” تتمثل في إمكانية تسلل عناصر إرهابية (من بوكوحرام على حد قولها) إلى هذه الخيمات ومنها إلى داخل البلاد”.
وقالت المسدّي لـ”أفريقيا برس”: “الجميع تابع تلك الزيارة وقد رأينا الكثير من الأشياء التي تبعث عن القلق مثل وجود مخيم بتلك الطريقة وكأنه مخيم استيطاني، هو أشبه بدولة داخل دولة”.
لم يكن أحد يتخيّل أن داخل هذه المخيّمات هناك “محلاّت”ومرفقات ترفيهية ومقهى وقاعة سينما، ومساجد، وأماكن للعلاج وبيع الأدوية، وآخر لتربية الدجاج وبيعه، وكهرباء متوفرة، وغير ذلك من “المشاريع الاقتصادية الصغرى”.
ووصف النائبة المخيّم بـ””القرية”، التي تجد فيها كل شيء سينما، مقاه، وكل ما يشير إلى أن هؤلاء المهاجرين قد يبقون لسنوات طويلة طالما أبواب أوروبا مقفلة والعودة إلى بلدانهم ليست واردة، وبالتالي بات هذا المخّيم مخيم استيطاني وليس مخيم وقتي”.
وحذّرت فاطمة المسدّي، ويؤّيدها الكثير من التونسيين، من أن ما شاهدته ووثّقته في مخيّم العامرة يجعل المهاجرين غير الشرعيين “يتمتّعون بمختلف الخدمات الأساسية التي تتيح لهم العيش بأمان وبشكل مستقل”، ودعت رئيس الدولة إلى زيارة المخيّمات واتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأمن القومي التونسي.
وتوضّح المسدّي لـ”أفريقيا برس”: “كما أن الأرض التي نصب عليها المهاجرون خيامهم هي أرض على ملك خاص (هنشير بن فرحات) وقد اقتحموها- يعني سرقة أرض- وهي مسألة خطيرة.. وكل هذا يهدد أمننا، على أرضنا”، مضيفة: “ما أزعجني أيضا وجود مستشفى خاص بهم خارج عن سلطات الدولة نتوقع أن يقع فيه كل شيء حتى تجارة الأعضاء…”.
اعتبر مراقبون أن ما كشفته الصور أكبر دليل على المخطط الذي تدفع به أوروبا للتخلص من المهاجرين الأفارقة ويثبت ما قاله من قبل الرئيس قيس سعيد بخصوص “مشروع الاستيطان ومساع لتغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد التونسية”.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي صابر النفزاوي: “هناك إصرار لافت على إخراج ملفّ التوافد المُنفلت وغير المنضبط لأفارقة جنوب الصحراء من مربّع ”الأمن القومي” إلى دائرة ”حقوق الإنسان” ليصبح الرمي بالعنصريّـة سلاح من لا سلاح له للردّ على الدعوات المعقـولة إلى اليقظـة وأخذ الحيطة والحذر ممّـا يحدث”.
تونس جدار صدّ للمهاجرين
بعد أيام قليلة من تلك الزيارة، أعلنت السلطات الأمنية في تونس عن تفكيك خيام لمهاجرين في معتمدية جبنيانة بمحافظة صفاقس، دون توضيح إلى أين سيتم ترحيل أو تحويل المهاجرين الذين كانوا في المخيّم الأمر الذي زاد من تأجيج نيران الأزمة عوض تهدئتها، بعد تصاعد حالة من الاحتقان، في مدينتي جبناينة والعامرة، وشكوى أهالي المنطقتين من تزايد حالات الجريمة والاعتداءات التي ينسبها إلى المهاجرين.
وتشير تقارير أمنية إلى أن المناطق التي يتركز فيها المهاجرون غير الشرعيين تشهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات الجريمة، بما في ذلك السرقة، الاتجار بالمخدرات، والأنشطة الإجرامية المنظمة. هذا الوضع يُزيد من الضغوط على الأجهزة الأمنية التي تعاني من استنزاف مواردها بسبب الحاجة المتزايدة لمراقبة ومتابعة هذه الفئات.
ويتراوح عدد المهاجرين في العامرة وجبنيانة بين 30,000 و35,000، بينما لا يتجاوز عدد السكان المحليين 75,000. وتقول فاطمة المسدي إن “هذا التكدس يزيد من الضغوط على الموارد المحلية ويؤثر سلبا على الأنشطة الفلاحية. كما أن العبء الاقتصادي الناجم عن هذا الوضع المتفاقم يثقل كاهل الدولة حيث تتكبد كلفة سنوية هائلة للمهاجرين غير النظاميين بحافظة صفاقس”، وفق تصريحات المسدّي.
ودخل على الخط العديد من التونسيين، وتواترت الأخبار بين حقيقي ومزيّف بشأن ما يقوم به هؤلاء الأفارقة ضمن مواقف اعتبرها البعض “عنصرية”، فيما يؤكّد آخرون من أن الوضع قاب قوسين من الانفجار خاصة بعد أن نشر العديد من رواد موقع فايسبوك فيديوهات وصور لأفارقة يرتكبون أعمال عنف كما نشر عدد من التونسيين، خاصة من سكان العامرة، شهادتهم حول ما تعرضوا له من سرقات وانتهاك لأراضيهم… ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى مواجهات دامية بين المهاجرين والأهالي.
ويطالب السكان في مدن مثل صفاقس والمهدية (نقطتان رئيسيتان للاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية)، إلى جانب تونس العاصمة وغيرها بترحيل المهاجرين غير النظاميين، الذين أصبحوا متواجدين في كلّ مكان، وسط اتهامات للسلطات بالتقصير وحتى بـ”التآمر” لتنفيذ مخطط أوروبي لتحويل تونس إلى جدار صدّ ضدّ وصول هؤلاء المهاجرين إلى أوروبا.
أرقام ودلالات
تصاعدت الدعوات لحل الأزمة واعتبر تونسيون أن ترحيل الأفارقة جنوب الصحراء من تونس أصبح مطلبا شعبيا عاجلا، خاصة بعدما كشفته فاطمة المسدي من أرقام.
وكشفت النائبة أنها أجرت دراسة حول المهاجرين الشرعيين والمخاطر الأمنية، (غير رسمية ودون توضيح تفاصيل هذه الدراسة وآلياتها). وقدّمت أرقاما “مفزعة” حسب تعبير بعض التونسيين، حيث قالت إنه تم تسجيل “470 ولادة لمهاجرين غير شرعيين في مستشفى عمومي واحد بصفاقس من أصل 50 ألف مهاجر غير نظامي في المدينة خلال عام 2024، بينما يبلغ عدد ولادات التونسيات في ولاية تونسية 6670 ولادة فقط في المعدل سنويا”.
وأضافت أن الإحصائيات بيّنت أن “معدل خصوبة المهاجرات غير الشرعيات يتجاوز بثلاثة أضعاف نسبة الخصوبة لدى التونسيات ويفوق المعدل العالمي بثلاث مرات… كما أن التوقعات المستقبلية تؤكد تحول المهاجرين غير الشرعيين خلال 10 سنوات فقط من مجرد 5% من السكان حاليا إلى أقلية مؤثرة تشكل 10% من سكان المدينة وبحلول عام 2040، ستتضخم هذه النسبة لتصل إلى 18% من التعداد السكاني، وفقا للمنحى الخطير لتطور أعدادهم”.
انتقد خبراء هذه الأرقام والطريقة التي قدّمتها بها النائبة التونسية معتبرين أنها “خانت ثقة المهاجرين الذين فتحوا لها أبواب خيماتهم، وأن في ما عرضته من صور إثارة للفتنة والعنصرية عبر تخويف التونسيين الـ”قلقين” أساسا من المهاجرين ومما يتردّد عن مشاريع توطين لهم في تونس، وما يعنيه ذلك من عبء اقتصادي واجتماعي وأمني.
واعتبر مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، أن الدعوات “لمطاردة الأفارقة جرم وعنصرية وانفلات، وهي دعوات تربك السلم الأهلي وتنشر الفوضى”، لافتا إلى أن “الدولة كفيلة بوضع حلول وأن على السلطات التونسية تحمل مسؤولياتها والقيام بدورها في حماية الأفراد على أراضيها”.
وقال عبدالكبير لـ”أفريقيا برس”: “هذا الملف معقد وقد ازداد تعقيدا، وقد تحدثنا في المرصد على ضرورة أن يكون هناك قانون وطني للهجرة واللجوء، وهو ملف إنساني لكنه تحول إلى ملف سياسي، وفي السنوات الأخيرة تعقد هذا الملف باعتبار أنه لا يوجد انسجام بين السلطات التونسية والمنظمات الدولية في هذه المسألة، وباتت تونس تستقبل أعدادا كبيرة من المهاجرين فاقت طاقت استيعابها”.
وشدّد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان على “تونس لم تكن بلدا عنصريا طيلة تاريخها الطويل.. اليوم المسؤولية الأولى للدولة وهي مطالبة بتطبيق كل الاتفاقيات الوطنية والدولية من أجل حماية أي إنسان على أراضيها وضمانة كرامته.. هذا الملف لا يحتاج إلى المزيد من التعقيد في تونس لما تعيشه البلاد من صعوبة في الاستقبال والإيواء”.
لا شكّ أن الأمر يحتاج إلى تدخّل عاجل من الدولة، خاصة وأن الكفّة تميل إلى الخطاب المؤجّج لغضب الشارع كما أن الوقائع وما يتركبه بعض الأفارقة، وإن كان تصرفات معزولة، يدعم هذا الخطاب أكثر من خطاب “حماية حقوق المهاجرين وحقوق الإنسان”.
وكان وزير الداخلية التونسي كشف سنة 2024، في جلسة أمام ملس نواب الشعب، أن عدد الأفارقة المتواجدون بتونس بشكل غير نظامي قدّر بحوالي 23 ألف مهاجر من جنسيات مختلفة. وارتفع هذا الرقم، وفق المراقبين، بعد أن نجحت خطة رئيسية الوزارة الإيطالية جورجيا ميلوني، ومن وراءها الاتحاد الأوربي، في تحويل تونس إلى “حارس للحدود” ومنع مرور المهاجرين مقابل مساعدات مادية ولوجستية.
ووفق أرقام الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، تراجع تدفق المهاجرين عبر غرب المتوسط بنحو 60 في المئة في 2024 بعد عدة تدابير اتخذتها الدول الأوروبية مع شركائهم جنوب المتوسط وعلى رأسهم تونس.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس