فايسبوك يعمق التشويش السياسي في تونس

30
فايسبوك يعمق التشويش السياسي في تونس
فايسبوك يعمق التشويش السياسي في تونس

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. كعادته مع كل خطاب أو حديث، أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد الجدل خلال لقائه برئيسة الحكومة ثم خلال مراسم أداء والي (محافظ) منطقة بن عروس اليمين. دعا سعيّد خلال لقائه الأول المسؤولين إلى “أن يرتقوا إلى مستوى المرحلة التي تعيشها تونس”، فيما قال، خلال إشرافه على موكب أداء اليمين، إن “الدولة التونسية تدار بقوانينها ومؤسساتها لا بالتدوينات على وسائل التواصل الاجتماع”، في رد على اللغط الذي حدث إثر إعلان خبر إقالة والي بن عروس وتعيين وال جديد في مرسوم صدر فجر الأربعاء.

وفي قراءته لهذه التصريحات، يقول المحلل السياسي التونسي الدالي البراهمي لـ”أفريقيا برس”: “تصريح الرئيس حمل في طيّاته رسائل واضحة وأخرى مشفّرة، فقد جدّد دعوته المسؤولين في الدولة إلى ضرورة الارتقاء بأدائهم، مؤكدا أنه لا مكان في السلطة للمسؤولين “المتقايسين”. وذكّر بأن المرحلة التي تمرّ بها البلاد لم تعد تتحمّل التراخي ولا المجاملات، وأن المسؤولية اليوم تفرض عملاً متواصلاً، صادقاً ومخلصاً في خدمة الشعب”.

“جاء هذا التصريح خلال لقائه برئيسة الحكومة، في ظرف وطني بالغ الحساسية، يتسم بتعقيدات اقتصادية واجتماعية متزايدة، وبأمل شعبي يتجدّد في بناء تونس جديدة؛ تونس تُداوي جراحها وتنهض من رماد الإخفاقات التي تراكمت منذ سنة 2011″.

وعن توقيت صدور المرسوم، يقول المحلل السياسي التونسي صهيب المزريقي لـ”أفريقيا برس”: أعتقد أن توقيت القرار كان رمزيا يدل على، وفق ما أشار له رئيس الجمهورية قيس سعيد تلميحا وليس تصريحا، أنه يختار الفجر كلحظة انبلاج وبعث جديد ليوم جديد وتاريخ جديد وهذا ما يذكرنا برواية “حدّث أبو هريرة قال”، للأديب التونسي ووزير التربية السابق إبان الاستقلال ومهندس مشروع تحديث المجتمع الراحل محمود المسعدي”.

منذ صدور الأحكام في قضية التآمر على أمن الدولة يعيش الشارع السياسي في تونس حالة من الغليان، ومدّا وجزرا بين السلطة والمعارضة ساحتها الرئيسية موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، وبدا ذلك واضحا إثر الإعلان عن إعفاء والي بن عروس وسام المرايدي من مهامه وتعيين عبد الحميد بوقديدة خلفا له.

كل مقومات الخبر كانت مثار جدل، بدءا من توقيت القرار الذي صدر فجرا وصولا إلى غياب الأسباب التي دفعت إلى الإقالة رغم أن الوالي المقال وسام المرايدي كان محل تقدير وإشادة، في حين أن خلفه بوقديدة، ووفق ما ادعته التدوينات الصادرة فور الإعلان، فإنه “مورط في قضايا فساد”. انتشرت تلك التدوينات كالنار في الهشيم ليعقبها تدوينة أخرى تقول إنه “تم إلغاء تعيين بوقديدة وتكليف الكاتب العام لولاية بن عروس بتسيير شؤونها”.

ولم ينته هذا الجدل، إلا بنشر صفحة رئاسة الجمهورية صورا بقصر قرطاج من مراسم أداء عبدالحميد بوقديدة لليمين بصفته الوالي الجديد لمحافظة بن عروس، ثلاث أكبر المحافظات في إقليم تونس الكبرى. وعقب ذلك قال الرئيس قيس سعيّد: “…ليعلموا جيدا أن الدولة التونسية لا تدار بمثل هذه التدوينات التي يتم الترتيب لها من الخارج وتنفذ من أعوان بالداخل”.

ودعا سعيّد الوالي الجديد إلى “خدمة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة وعدم الإكثار من الأبواب والحُجاب”. وتابع قائلا، في إشارة إلى المعارضة: “من يقف ضدّ إدارة الشعب، فليعلم أن مصيره رفته ووضعه في مزبلة التاريخ تبعا لخيانتهم وعمالتهم وما قاموا به في السابق من محاولات لتفتيت الدولة”.

ووفق الدالي البراهمي: “اعتبر الرئيس التونسي أنّ ما شهدته البلاد من تراجع واضطراب خلال العقد الماضي لم يكن سوى نتيجة مباشرة لمنظومة سياسية هجينة قُدِّمت على أنّها ديمقراطية، بينما كانت في جوهرها تجارب فاشلة استنسخت مفاهيم غريبة عن السياق التونسي، واستوردت آليات لا تتماشى مع الخصوصية الوطنية، فاختلطت فيها الحسابات الخارجية بالمصالح الحزبية الضيّقة، ليُسلَّم القرار الوطني لأطراف لا همّ لها سوى خدمة أجندات خارجية عبر أدوات داخلية فقدت كلّ صلة فعلية بالشعب”.

ويخلص إلى أن “تصريح قيس سعيّد لم يكن مجرّد دعوة إلى تحسين الأداء، بل كان نداءً لإنقاذ وطن، ودعوة صريحة إلى القطع مع عهد الشعارات الجوفاء، والبكاء على الأطلال، والشروع في العمل الوطني الصادق الذي يصنع الفارق ويحقّق التغيير. فالمطلوب اليوم ليس الحديث عن تونس الحلم، بل العمل من أجل تونس الممكنة؛ تونس التي تستحقّها أجيال الغد”.

وخلال لقاءه رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري استحضر قيس سعيّد مصطلح “معركة التحرير الوطني”، وشدّد على “ضرورة ارتقاء عدد من المسؤولين إلى مستوى هذه المرحلة التي يعيشها وطننا العزيز، وأن يتحلّوا بروح المناضل من أجل العبور النهائي، وأن يتخلّصوا من رواسب الماضي ومن التردّد، إلى جانب تحلّيهم بالجرأة والسّرعة في اتخاذ القرارات والسّهر المتواصل على تنفيذها”.

كما أكّد، وفق ما جاء في بيان للرئاسة، على أن “يكون المسؤول متشبّعا بروح المُقاتل على جبهة معركة التحرير الوطني، وهي معركة لا تقتضي ثورة تشريعية فحسب، بل ثورة في من يتولّي السّهر على تجسيدها”. وأوضح أنّ “المسؤول الذي يعتقد أنّ الأريكة التي يجلس عليها هي الغاية والمُنتهى، بل أكثر من ذلك يجلس عليها وكأنّه في قاعة انتظار، فلينتظر خارج مؤسسات الدّولة وسيحلّ مكانه من لا يعني له الكرسيّ شيئا…”.

معركة تحرير

في تعليقهم على هذه التصريحات، قال المراقبون إنها تسجل نقطة لصالح الرئيس التونسي مقابل المعارضة، التي فشلت في تحقيق اختراق شعبيّ يقوي حججها رغم أن النظام نفسه وفي مناسبات عديدة منحها الفرصة سواء من خلال بعض المراسيم المثيرة للجدل، أو بغياب نتائج ملموسة لـ “معركة التحرير الوطني” التي يشاطر التونسيون الرئيس في ضروريتها لكنهم يعلمون أن في طريقها العديد من العراقيل تبدأ باللوبيات النافذة ولا تنتهي عند سياسات النظام التي تعيق في بعض الأحيان هذه المعركة عوض تسريعها.

ويقول البراهمي: “لقد أكّد رئيس الدولة عدّة مرّات أنّ تونس اليوم في أمسّ الحاجة إلى نهضة اقتصادية حقيقية، تضع حدّا للتهميش والفقر، وتفتح آفاقاً جديدة للشباب المعطّل. وهي أيضاً بحاجة إلى عدالة اجتماعية متوازنة تضمن الحق في التنمية في كلّ الجهات، دون تمييز أو حسابات سياسية ضيّقة، فضلاً عن تطوير ملموس في البنية التحتية والخدمات العمومية، التي لم تَعُد تلبّي الحد الأدنى من تطلّعات المواطن التونسي”.

في ذات السياق، يقول صهيب المزريقي لـ”أفريقيا برس”: “مما لا شك فيه أنه لا يمكن بناء قوارب جديدة بأخشاب قديمة أو بنفس التركيبة السالفة، ومن هذا المنطلق المرحلة تتطلب فعلا تاريخيا جديدا بهدف البناء الجديد عبر معركة تحرير وتطهير وطني مبنية على روح المسؤولية واستشعار الأمانة”.

في خضم هذا، تظهر أصوات أخرى تنادي بالتعامل بواقعية مع متطلبات المرحلة، خاصة في ظل الظرف الاقتصادي الصعب، مع نسبة بطالة بلغت 15.7% في النصف الأول من 2025، واستمرار غلاء المعيشة وتواصل تآكل الطبقة المتوسطة مصحوبا ببقاء نسق هجرة الكفاءات والموظفّين في ارتفاع.

ولتحقيق نتائج ملموسة، يعتبر صهيب المزريقي أن “معركة التحرير الوطني لابد أن تلامس كل المجالات بهدف تطويرها وجعلها في خدمة الوطن والشعب. والإشكال الأكبر اليوم يتمثل في ثلاث محاور أساسية، اثنان منهما يتحمل البرلمان مسؤوليته التاريخية في التعاطي معهما وهما تطوير التشريعات المتعلقة بالاستثمار والتشغيل. ونحن اليوم في مرحلة تاريخية جديدة تهدف للقضاء على المناولة والاستعباد”.

ويضيف أن “المهمة الثانية تتمثل في تجاوز التعقيدات والتشريعات البيروقراطية التي أكل عليها الزمن والمكبلة حتى للمسؤولين في حد ذاتهم وتمثل عقبة لهم أمام كل محاولة اجتهاد. علاوة على ضرورة تعصير الإدارة التونسية ورقمنتها والتخلي على الإشكاليات القانونية المعرقلة للمواطن والتي تجعل من التمشي الإداري العادي أكثر تعقيدا”.

وبينما يرى النظام نفسه ضامنا للاستقرار وممثلا لخيارات الشعب تنصب المعارضة نفسها “قائدة لثورة تحريرية ثانية”. وبين هذا وذاك، يقف الشارع التونسي تارة يميل إلى خطاب الرئيس الشعاراتي وحديثه عن المعركة ضد الفساد وتحمل المسؤولية، واستقواء المعارضة بالخارج لضرب استقرار الداخل وإعادة تونس إلى مربع الفوضى والانهيار”، وتارة أخرى يقف في صف المعارضة وما تنشره من أخبار عبر صفحات فايسبوك عن ممارسات غير إنسانية في حق مساجين الرأي والمعارضة، وسلطة المرسوم 54 الذي يكمم الأفواه، وغير ذلك من الانتقادات التي تحذّر من عواقب ثورة جديدة في تونس.

فايسبوك.. ساحة وغى

في فيديو نشره عبر صفحته عبر فايسبوك، دعا الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، محمد عبّو، إلى “تغيير الوضع”، وقال “لا تنصتوا إلى المحبطين والمترددين والخائفين على أنفسهم المستهينين بالوطن، وإلى قلة لها مصالح في بقاء نظام مدمر للبلاد”.

وأضاف عبو: “نحتاج أولا إلى خلق رأي عام حول ضرورة رحيل السيد قيس سعيد لعدم أهليته للحكم وخروجه الممنهج عن الدستور والقوانين وتدميره لسلطة القضاء واستحواذه على كل السلطات…”. ولتكوين هذا الرأي العام يلعب موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك دورا بارزا في هذا السياق، بل إنه يعدّ “حلبة” الصراع الرئيسية بين المعارضة وأنصار الرئيس. وتقول دراسة نشرتها مبادرة الإصلاح العربي: “من الصعب إغفال أهمية فيسبوك في تونس. فهو لا يزال الشبكة الأكثر استخداما ويظل منصة رئيسية للحياة السياسية”.

وتضيف الدارسة: وبينما كان (فايسبوك) لفترة طويلة مسرحا لحملات التضليل في تونس، اتخذت القضية في السنوات الأخيرة بُعدا جديدا تماما: فقد تحول القطاع من صناعة محلية تقليدية إلى صناعة حقيقية تديرها شركات متخصصة تعمل على نطاق دولي. ويتزامن هذا التضليل الصناعي مع ظاهرة التلاعب بالرأي، والتي تتخذ شكل حسابات شخصية تُملي الأجندة السياسية، أو حسابات وهمية تُضفي شعورا زائفا بشعبية بعض الأفكار. ويثير كل من التضليل والتلاعب تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية، في تونس والعالم، في سياق لا تزال فيه هذه الشبكات، بالنسبة للكثيرين، تُمثل انعكاسا صادقا للواقع”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here