في عالم متعدد الأقطاب..العلاقات التونسية الصينية ترتقي إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية”

74
في عالم متعدد الأقطاب..العلاقات التونسية الصينية ترتقي إلى مستوى
في عالم متعدد الأقطاب..العلاقات التونسية الصينية ترتقي إلى مستوى "الشراكة الإستراتيجية"

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. عاد الرئيس التونسي قيس سعيد من الصين محمّلا بعدد هام من الاتفاقيات الاقتصادية ومشاريع التعاون وبدعوة لتجديد الزيارة قريبا، خاصة بعد أن لمست الصين استعداد تونسيا للتقارب السياسي يمكن أن نستشفّ بوادره من خلال البيان الصحفي الذي نشرت صفحة رئاسة الجمهورية التونسية وفيه أكّدت أن “تايوان جزء لا يتجزأ من الصين”، وهذه القضية بالنسبة للصينيين مصيرية وحساسة وواحدة من أكثر أوراق الضغط الأميركية ضدّ بكين..

بدعوة من الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، قام قيس سعيد بزيارة دولة إلى الصين في الفترة الممتدة بين 28 مايو و 1 يونيو 2024. وفي نهاية سلسلة من المقابلات والمشاورات، قال الزعيمان في بيان مشترك إنهما يعملان على تعزيز علاقات بلديهما إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية” في وقت يشهد فيه العالم تغيّرات في ميزان القوى ويتجه نحو تعدد الأقطاب.

وفي حوصلة لمخرجات هذه الزيارة، قدّم سفير الصين بتونس “وان لي” خلال ندوة صحفية، الخميس الماضي، أبرز مخرجات هذه الزيارة التي جاءت في إطار الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني. وقال وان لي إن هذه المخرجات يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط رئيسية: تعزيز الثقة السياسية بين البلدين وتعزيز التعاون العملي بين البلدين وبناء علاقات صينية عربية في اتجاه الحوكمة العالمية والدعوة إلى تعددية الأقطاب العالمية والعولمة الاقتصادية المتصفة بالشمول والمنفعة للجميع.

وهذه النقطة الثالثة هي أبرز مخرجات المنتدى، الذي شهد بالتوازي مع المشاركة التونسية، مشاركة مماثلة لكل الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، إلى جانب وزراء خارجية وممثلين دبلوماسيين من مختلف الدول العربية. وهذه النقطة هي أساس توجهات السياسة الخارجية الصينية منذ قررت الانفتاح لا من الناحية الاقتصادية والتجارية فحسب، بل من خلال تحرّكات سياسية واسعة النطاق.

إلى جانب حجم الاستثمارات الصينية الضخم، لمصر حساباتها السياسية في علاقتها بالصين، من حيث البحث عن تحقيق التوازن في علاقتها بالولايات المتحدة ومحاولة الاستفادة من التنافس الأمريكي-الصيني، وأيضا للإمارات حساباتها خاصة في علاقتها بإيران وبملف الجزر الثلاث، وتسعى الإمارات إلى استمالة الموقف العالمي لصالحها في هذه القضية، فيما تضع الصين في اعتبارها حجم التواجد الإماراتي في أفريقيا، خاصة في الدول التي تمسّ مبادرة الحزام والطريق وطريق الحرير البحري، على غرار إثيوبيا وكينيا وتنزانيا ومدغشقر.

أما بالنسبة لتونس، فالوضع مختلف وكل مساعيها اقتصادية، فهي من تبحث عن الاستثمارات، وتتطلع إلى معالجة الوهن في ميزانها التجاري مع الصين، بعد أن سجّل عجزا بقيمة 2.538,1 مليون دينار تونسي (إلى حدود ابريل 2024) والبحث عن مصادر تمويل واستثمارات جديدة تخرج أزمتها الاقتصادية من عنق الزجاجة.

وأكد السفير الصيني، خلال الندوة، أن بلاده مستعدة للعمل مع تونس في إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي والصيني العربي. وأعلن أن الصين تنظم، في سبتمبر 2024، دورة جديدة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، مضيفا أن القادة الصينيين وجهوا دعوة لتونس لحضور هذا الحدث. علاوة على ذلك، رأى السفير الصيني أن إقامة الشراكة الإستراتيجية، التي أعلن عنها رئيسا البلدين، تظل أهم نتيجة لزيارة الدولة التي قام بها سعيد إلى بكين.

وأشار إلى أنه تم التوقيع خلال هذه الزيارة على اتفاقيات تعاون اقتصادي وتقني وإعلامي، مضيفا أن اتفاقيات ثنائية أخرى ستشهد النور قريبا، من بينها اتفاقية إنشاء مركز أبحاث في مجال السرطان بقابس. وشدد على أن بلاده لا تسعى إلى استبدال الشركاء التقليديين لتونس أو أفريقيا. وأكد أن الهدف هو إقامة علاقات ودية “مثمرة” بين الطرفين، في ردّ على من صنف هذه الزيارة ضمن مساع تونسية للتوجه شرقا. وبخصوص العجز التجاري لتونس مع الصين، شجع السفير الصيني المصدرين التونسيين على التوجه إلى السوق الصينية وإدخال المنتجات التونسية هناك.

وفي تعليقه على الزيارة وما رافقها، كتب الخبير في السياسات الاقتصادية وتقييم المشاريع معز السوسي، في صحيفة “لابراس” الناطقة بالفرنسية، “لا يستطيع أحد أن يتجاهل أن الصين أصبحت اليوم لاعبا رئيسياً على الساحة الدولية. إنها دولة تؤثر على الجغرافيا السياسية العالمية، وسرعان ما تستعد لتصبح القوة الاقتصادية الرائدة في العالم… وفي عام 2036، من المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني نظيره في الولايات المتحدة بنسبة 50%”.

ورغم أن الصين ليست من بين الجهات المانحة الثنائية الرئيسية لتونس، مثل ألمانيا وفرنسا والجزائر، إلا أن ذلك لا ينفي أهمية “تطوير التعاون مع الأخذ في الاعتبار إستراتيجية الصين للانفتاح على الدول الأفريقية وسياساتها في إطار طرق الحرير الجديدة”، وفق معز السوسي.

ومن بين الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة اتفاقية تهم التعاون الاقتصادي والفني تتضمن منح هبة صينية لتونس تقدر بحوالي 100 مليون دينار (200 مليون يوان صيني) لتنفيذ مشاريع كبرى وتمويلها في تونس. وتم توقيع مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون الإنمائي والنهوض بتفعيل مبادرة التنمية العالمية، ومذكرة تفاهم أخرى في مجال التنمية الخضراء ومنخفضة الانبعاثات الكربونية إضافة إلى توقيع اتفاقيات في المجال الإعلامي مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيتين.

وختم معز السوسي تحليله قائلا “من المؤكد أن الشراكة الجديدة مع الصين واعدة، لكنها تظل تحت رحمة قدرتنا على اقتراح وجذب المشاريع المربحة للجانبين والتي تتوافق مع الرؤية الإستراتيجية لدولة كبيرة مثل الصين، التي كانت ولا تزال لاعباً رئيسياً على المستوى العالمي الجيوسياسية وفي منطقتنا”.

وهذه النقطة تؤكد عليها أيضا بدرة قعلول، مديرة المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية، التي شدّدت في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، على “ضرورة تحويل الاتفاقات مع الصين إلى فعل واقع والمضي قدّنا في تعزيز التعاون على قاعدة “رابح-رابح”.

كانت تونس من بين أوائل الدول العربية التي أقامت علاقات اقتصادية مع جمهورية الصين الشعبية، بدأت علاقاتها التجارية الرسمية باتفاقية عام 1958. واستمرت العلاقات التجارية في التطور، خاصة بعد تأسيس اللجنة الصينية التونسية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي في عام 1983. وشهدت العلاقات التونسية الصينية زخما في السنوات الأخيرة.

واعتبرت قعلول أن “زيارة سعيد للصين تمثل منعرجا إيجابيا لانفتاح تونس على شركاء جددا يحترمون السيادة الوطنية”، لافتة أنه على الدولة التونسية أن تكون “منفتحة على كل الأقطاب العالمية، بل وأن تكون جريئة وتقرأ مصلحتها قبل كل شيء. الجرأة مطلوبة في هذه الفترة حيث العالم يشهد تحوّلات كبرى… نحتاج إلى شريك وليس وصيا” وهذا ما يمكن للصين أن تقدمه، فمنذ بدأت سياسة الانفتاح سلكت بكين طريق الاقتصاد والتنمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة حقوق الإنسان والديمقراطية، وقد وجدت تلك السياسة صداها.

وبالنسبة للصين يمكن الاستفادة من تونس، من خلال دعمها لها في الاجتماعات الأممية وفي القضايا المصيرية على غرار ملف تايوان، وترسيخ فكرة إعادة ضبط ميزان القوى في العالم “بهدف إقامة حوكمة عالمية أكثر عدلا وإنصافا”، ومن أجل عالم متعدد الأقطاب”.

وتشير دراسة حول التقارب الصيني التونسي، نشرها معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى، وهو من أهم مراكز التفكير المؤثرة في الولايات المتحدة، إلى أن موقع تونس في وسط ساحل شمال إفريقيا مع إمكانية الوصول إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية وعلى مقربة من طرق الشحن الحيوية، يجعلها شريكا قيما للصين. وقد دفعت هذه الحقيقة بكين إلى إدراج تونس في مبادرة الحزام والطريق، التي وقعت الحكومتان مذكرة تفاهم بشأنها في عام 2018. وكما هو الحال مع دول مبادرة الحزام والطريق الأخرى، تدعي الصين أنها تتعامل مع الشراكة مع وضع مبدأين رئيسيين في الاعتبار: عدم التدخل في شؤون تونس الداخلية، والانتهازية المطلقة. والمقصود من هذين المبدأين هو التناقض مع النهج الغربي من خلال تقديم عملية صنع قرار أكثر وضوحًا وسرعة بالإضافة إلى العمالة والتمويل منخفض التكلفة. كما أبدت بكين حرصها على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق في تونس.

في تعليقه على الزيارة كتب الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي “توجّه تونس شرقا نحو الصين يعبّر عن موقف من النظام العالمي غير المتوازن”، وهذا يعكس جانبا من الصواب لكن دون أن يعني ذلك المبالغة بالقول إن بكين ستعوض الشركاء التقليديين الأوروبيين. بل على تونس أن تحقق شراكة جيدة مع الصين من منطلق “رابح-رابح”، كما قالت بدرة قعلول، لا أن تغرق السوق التونسية بالبضائع الصينية، وفي نفس الوقت تستغل هذا الانفتاح الذي يفرضه التوجه العالمي الجديد للإمساك بالعصا من الوسط بما يساعدها على سداد ديونها وتجاوز أزمتها.

في نصيحة للأوروبيين وللولايات المتحدة، تقول الدراسة “لقد كانت الولايات المتحدة شريكا لتونس منذ فترة طويلة، وبالتالي يمكنها المساهمة في تنميتها من خلال الاستمرار في التركيز على استعادة مسارها الديمقراطي واستقرارها الاقتصادي على المدى الطويل. وإحدى أفضل الطرق التي يمكن للولايات المتحدة وأوروبا من خلالها التنافس مع الصين هي تقديم بدائل في القطاعات التي تكون فيها نجاحات بكين أكثر إشكالية. وفي حالات أخرى، ينبغي لأصحاب المصلحة الغربيين أن يحاولوا تكميل الاستثمارات الصينية والتركيز على القطاعات التي هم أكثر قدرة على المنافسة فيها، مثل قطاع الخدمات”.

ولعل هذه النصيحة تتجاوز التطور الحاصل في علاقات تونس مع الصين، لتشمل أيضا التطور الحاصل في علاقتها مع كوريا مع يعني ترسيخ فكرة التوجه شرقا، حث توجّت تونس مشاركتها في القمة الكورية الإفريقية الأولى بتوقيع عدة اتفاقيات تمهد الطريق لتعاون أقوى في مجالات التجارة والطاقة والاقتصاد. وذات الأمر تحقق مع الـ 48 دولة أفريقية التي شاركت في القمة وأعلنت عن تعزيز التعاون مع سيول من أجل تحقيق النمو المشترك.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here