حذامي خريّف
أفريقيا برس – تونس. كلما قطعت قافلة الصمود خطوة في طريقها نحو كسر الحصار على قطاع غزة تعالت أصوات مضادة تحاول عرقلة هذه المسيرة عبر إعطاءها أبعادا سياسية حتى أن هناك من سعى واللعب بورقة يبدو أنها فقدت قوّتها وهي ورقة الإخوان والإسلاميين، مسايرا الإعلام اليميني العبري في خطابه الذي يركّز على الخطر الأمني وسعى إلى تحويل المبادرة إلى قضية أمنية وسياسية أكثر منها إنسانية.
لكن صدى القافلة، التي وصفها القيادي في التيار الشعبي محسن النابتي، بأنها ” قافلة صمود تونس في موقفها من القضية الفلسطينية”، وصوت المؤيّدين لها أقوى من أن يسمح لتلك الأصوات بأن تكسر صفّها، وأن تقطع عليها طريق التأييد الشعبي، وهو ما يؤكّده ناشطون وسياسيون وأعضاء أحزاب تونسيون أجمعوا في تصريحات لـ”أفريقيا برس” على أن “غزة هي الغاية والهدف، وقد جمعت ما فرّقته السياسة”.
يقول الناشط محمد رشيد تاتاي لـ”أفريقيا برس”: “هناك أجهزة معادية تسعى لتشويه نبل وقدسية الرسالة التي تؤديها قافلة الصمود”، لافتا إلى أن “الهبّة التي أحدثتها المبادرة هي هبة شعبية بامتياز، وحتى لو انضم إليها ودعمها سياسيون وأحزاب من تيارات أيديولوجيات مختلفة (يسارية، قومية، إسلامية، ليبرالية، وغيرها)، تبقى مبادرة شعبية موّلها الناس من عامة الشعب ماديا ومعنويا”.
وعي نضالي يتبلور
يذهب محسن السوداني القيادي في حركة النهضة في تصريحه لـ”أفريقيا برس” إلى التأكيد على أن “قافلة الصمود جاءت كمبادرة من خارج التنظيمات الحزبية والأطراف السياسية، ولكنها ليست بعيدة أو منفصلة عنها. فلئن كانت أقرب إلى الاستجابة الشعبية العفوية ورد فعل تلقائي على المأساة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، فإنها جمعت من جلّ الأطياف والتنظيمات السياسية والمدنية، حيث انخرطت في التحرك كل الفئات متخطية الحدود الأيديولوجية والانتماءات السياسية. وهناك عدد كبير جدا من أبناء حركة النهضة شاركوا في القافلة.”..
ويشدّد أسامة عويدات القيادي في حركة الشعب لـ”أفريقيا برس”، على أن “الحركة داعمة لقافلة الصمود ولديها الكثير من المشاركين فيها”. فيما يصف شكري عنان، الناطق الرسمي باسم حركة حق، إلى القول في تصريحاته لـ”أفريقيا برس”: ” قافلة الصمود بأنها ‘نموذج استثنائي للوعي النضالي الذي يتبلور في صفوف الأجيال الشابة، حيث تتجاوز مجرد كونها مبادرة إنسانية لتصبح تعبيراً عميقاً عن استمرارية الوعي التحرري العربي”.
ويؤكّد متحدّثون من المشاركين في القافلة لـ”أفريقيا برس” على أن إقحام الإخوان والإسلاميين ليس سوى محاولة لذر الرماد على العيون ومحاولة استباقية من البعض للدفاع عن الموقف المصري، الذي يجد نفسه بين رحى السماح للقافلة للعبور نحو رفح وبين التهديدات الإسرائيلية والوضع الأمني الحساس في الأراضي الحدودية المصرية.
ومّما تداوله البعض على صفحات فايسبوك أن قافلة الصمود “الهدف منها ضرب استقرار مصر”، وأن “قافلة الصمود التي انطلقت من تونس نحو غزة لا تحمل معها ولو غراما واحدا من المساعدات الطبية أو الإنسانية. فقط بعض الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، وعدد من البرلمانيين السابقين. اللاّفت أن هذه القافلة تنفذ فعليا مقترحا قدّمه “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” وتم الترويج له من تركيا على لسان القيادي الإخواني محمد الصغير، الذي لم يتردد في الدعوة علنا إلى اقتحام الحدود المصرية..ما يُفهم من هذا كله أن الهدف الحقيقي ليس غزة، بل مصر. وكأنهم يريدون إعادة سيناريو “الجولان”، ولكن هذه المرة في سيناء! فكما سُلّم الجولان ذات يوم، يسعى البعض اليوم لزرع “جولاني” أو “مرسي” جديد لتسليم سيناء على طبق من ولاء”!..
قد يجد البعض في مثل هذه التصريحات جانبا من “الصواب” خاصة فيما يتعلّق بموقف الإسلاميين من هذه المبادرة، لكن الردّ يأتي من التونسيين وغيرهم من أبناء المغرب العربي ومن المصريين والسوريين وكل العرب وغير العرب ممن دعموا هذه المبادرة ورأوا فيها أملا، بأن لا مجال لأي مناورة سياسية من أي طرف.
ويرى متابعون أن محاولة البعض “الدفاع” عن النظام المصري بتشويه هدف القافلة وإقحامها في المعركة السياسية مع الإخوان، هي محاولة تضر بنظام السيسي ولا تنفعه، بل بالعكس فالسماح للقافلة بالمرور يرفع من رصيد النظام، محليا وعربيا ودوليا، خاصة وأنه حتى لو سمحت القاهرة للقافلة بالعبور فإن الإسرائيليين لن يغفروا ذلك، وقد يؤدّي بهم الغرور إلى ارتكاب حماقات.
ويؤكّد محمد رشيد تاتاي أن “تصريح القياديين الإسلاميين يأتي لركوب الموجة وتسجيل الحضور فيما عدا ذلك فإن “العامة” من الناس الذين انضموا إلى القافلة سيكونون بالمرصاد لأي محاولة لتشويه الهدف الرئيسي وهو كسر حصار غزة وإعلان عهد جديد للقضية الفلسطينية “.
ويعتبر محسن النابتي، الناطق الرسمي للتيار الشعبي، لـ”أفريقيا برس”: التيار الشعبي مشارك فعليا بعناصره في قافلة الصمود وليس فقط مجرد داعم لها ويعتبر أن القافلة فعل شعبي صحيح ومطلوب للمساهمة في الضغط الشعبي العالمي من أجل إيقاف الإبادة وفك الحصار على الشعب الفلسطيني وهي أضعف الإيمان. هناك هبة إنسانية لأجل غزة فالأولى بالعرب أن يكونوا في المقدمة”.
ويضيف النابتي: “يعتبر التيار الشعبي قافلة الصمود إعلان مرحلة جديدة من الصراع مع العدو الصهيوني، هذه الحقبة هي حقبة مقاومة الشعوب بدل الأنظمة. مثل هذه الفعاليات الشعبية تحفر عميقا في وعي الأجيال الشابة وترسّخ في وجدانها أن فلسطين أرضنا.. قافلة الصمود هي سير على خطى أجدادنا في كل المغرب العربي في مواجهة الغزو الصليبي وعلى نهج أبائنا من الذين ساروا في عرض الصحراء على الأقدام سنة 1948 وبعد ذلك في المشاركة في الثورة الفلسطينية”.
خطاب التخويف الاسرائيلي
كان لافتا أن أغلب المتحدّثين معنا غلب على حديثهم الفخر والحماسة، في مواقف غابت عنا لمدّة طويلة؛ فيما سيطر خطاب التخويف والتشكيك على الإعلام الإسرائيلي الذي بدا متخبطا بين التهوين من شأن التحرك الشعبي والتحذير من “أجندات خفية” تقف خلف القافلة.
وجاء في سائل إعلام رسمية مثل “القناة 12″ و”القناة 13″ و”كان” أن القافلة تشكّل تهديدا لـ”السلامة القومية” أو ناقلة “مواد ممنوعـة” أو تحمل أجندات سرّية لتنظيمات مثل حماس. اتُّهمت القافلة بأنها “تحرك استفزازي يهدف لاختراق الحصار بدافع سياسي لا إنساني”.
لم يلاق هذا الخطاب صداه لدى العالم، بل فضح ما تخشاه إسرائيل التي راهنت لسنوات على الصمت العربي. ورأت في مثل هذا التحرك “الجامع” استعادة بطريقة ما لمحور المقاومة الذي كان بدوره جامعا للصوت الداعم لفلسطين حتى لو اختلفت الأيديولوجيات.
ويؤكد على ذلك النابتي مشددا على أن “هذه القافلة في نظرنا ليست دعما لصمود غزة فقط ولكنها في العمق دعم لصمود أمة بأسرها في وجه الإبادة والتفتيت”، لافتا في تعليقه على الموقف المصري إلى أنه “من المفروض أن مصر مع إيقاف الحرب ورفع الحصار وإدخال المساعدات وضد التهجير.. وجود الآلاف من الشباب العربي في رفح مطالبين برفع الحصار وإيقاف الحرب ومنع التهجير فيه صمود لمصر”.
ويضيف النابتي: “القافلة ليست ضد مصر. القافلة والقائمين عليها يريدون مصر قوية وموحدة ومقاومة وقائدة للنضال العربي، وبالحد الأدنى القافلة والقائمين عليها يريدون أن تبقى مصر ضد التهجير ومع إيقاف الإبادة وفتح المعابر فهي إذن بشكل أو بآخر مع صمود مصر… مصر من مصلحتها أن تحاصر شعوب العالم الكيان الصهيوني”.
في المقابل، يتوقع شكري عنان أن “ينضم المصريون بالآلاف لهذه القافلة السلمية الحضارية، وسيكون هناك التحام تاريخي لشعوبنا العربية تحميه السلطات المصرية. هذا التفاعل المنتظر والمأمول يعكس عمق الروابط الثقافية والحضارية المشتركة بين الشعوب العربية، ومن المؤمل أن تجد هذه المبادرة الحضارية الدعم والحماية اللازمين”.
القافلة، وفق النابتي، “دعم لموقف بلادنا تونس، فلا أحد ينكر أن موقفها الرسمي شهد تطورا نوعيا مع الرئيس قيس سعيد بعدم الاعتراف بالعدو وهذا أمر مفروغ منه، فتونس أصبحت تتحفظ في كل بيان عربي أو إقليمي أو قاري على ما يسمى بحل الدولتين وهي ممكن الوحيدة التي بقيت في العالم وتعلن أن الهدف تحرير فلسطين كامل. والجميع يدرك أن لهذا الموقف كلفة. لكن وفي كل مناسبة ومهما كانت الظروف تظل القضية الفلسطينية الكلمة الجامعة لكل التونسيين، فهذا أكثر موقف ديمقراطي وشرعي ومشروع للنظام التونسي فهو أكثر موقف يجمع عليه التونسيون بمختلف قناعاتهم.. قافلة صمود تونس في موقفها من القضية الفلسطينية.. لو تحسن الأنظمة العربية خاصة تونس ومصر والجزائر التعامل مع الأمر ستكون قافلة صمودنا جميعا وليس صمود غزة فقط، فنحن كلنا مستهدفون من العدو الصهيوني”.
من جهته، يقول محسن السوداني، القيادي في حركة النهضة: “هذا التحرك يعبر عن رد فعل شعبي عربي ضدّ ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة من حرب إبادة وتجويع وحصار قاتل. فأمام الموقف العربي الرسمي الذي تراوح بين الصمت والعجز والتواطؤ، تهب الشعوب العربية، تسندها وتعضدها شعوب غير عربية، بما تستطيع لتنصر قضية الأمة.
قيمة القافلة، وفق السوداني، “تكمن في الرسائل التي بعثت بها إلى أكثر من طرف: الرسالة الأولى هي أنها أكدت مجددا للفلسطينيين أنهم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية الإسلامية. وقد لمسنا التأثير النفسي والوجداني الايجابي لهذا التحرك على إخوتنا الفلسطينيين في غزة. والرسالة الثانية: هي أنها أحرجت الأنظمة العاجزة وعرّت قصورها، كما كشفت تواطؤ بعض الأنظمة العربية الأخرى في هذا العدوان. والرسالة الثالثة هي أنها أثبتت مرة أخرى أن ضمير الأمة ما زال ينبض بالحياة. وأن الاستبداد الجاثم عليها لم يكتم أنفاسها. وأن معاناتها الوطنية المحلية لم تشغلها عن قضيتها المركزية”.
رغم جبروتها وقوتها العسكرية التقليدية والإستراتيجية المدمرة، ورغم إدراكها لتفوقها على الشعوب العربية مجتمعة، إلا أن عقدة إسرائيل لم ولن تحلّ، قوة الأمم لا تصنعها مجموعة تكتّلات إعلامية واقتصادية تسيطر على العالم، ولا العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة.. قوة الأمم تصنعها الشعوب.. في وقت من الأوقات خبا صوت مارسيل خليفة وهو يغني “منتصب القامة أمشي”، اليوم اجتمع الآلاف ليمشوا بكل ما تتيحه السبل نحو غزة على أكتافهم حقائبهم ويلتحفون بالعلم الفلسطيني، وأعلام بلدانهم.. هذا ما يصنع قوة الشعوب وتاريخها ومستقبلها، مهما كانت النقطة التي ستبلغها فقد حققت قافلة الصمود هدفها من أول ميل قطعته.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس