قلايد: الطاقات البديلة ضرورية لمواجهة شح المياه

20
قلايد: الطاقات البديلة ضرورية لمواجهة شح المياه
قلايد: الطاقات البديلة ضرورية لمواجهة شح المياه

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. عُرفت تونس منذ القدم بضعف مواردها المائية التقليدية، سطحية كانت أو جوفية، حيث جلبت مياه الشرب إلى العاصمة من صفاقس وقرطاج في عهد الملكة إليسة، واقتسم العلامة ابن شباط مياه الري بدقة وعدل في واحات الجنوب.

ومع تغير الزمن، لا تزال البلاد تعاني من شحّ المياه حتى بعد بناء العديد من المنشآت المائية كالسدود ومحطات التحويل والآبار العميقة عالية التدفق. وقد تفاقمت الأزمة مقلقةً في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وتداعيات التغيّرات المناخية.

وأوضح المهندس المتخصص في الموارد المائية محمد صالح قلايد، في حواره مع «أفريقيا برس»، أن “الجفاف يفرض على تونس اللجوء إلى حلول مبتكرة عبر تنمية الطاقات المتجددة، لا سيما لتقليص كلفة تحلية مياه البحر، وترشيد استهلاك المياه الزراعية حفاظًا على الأمن الغذائي”.

وأشار قلايد إلى أن “نسبة التساقطات المطرية ستنخفض بنسبة عشرين إلى خمس وعشرين بالمئة خلال السنوات القادمة، وبالتالي ستقلّ إيرادات السدود ومخزوناتها، مما يهدد البلاد بسنوات جفاف إضافية ويتطلب سياسات حكومية عاجلة”.

وتوقع قلايد أن “تظل تونس تعاني شحًّا مائيًا مستقبلاً، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد 500 متر مكعب سنويًا، وقد ينخفض إلى نحو 320 مترًا مكعبًا جراء تزايد الطلب واستمرار الجفاف”.

ولد محمد صالح قلايد في مدينة القلعة الكبرى في أحد عشر سبتمبر 1957، وأتم تعليمه الابتدائي والثانوي هناك بين 1964 و1977، قبل أن ينال شهادة البكالوريا في العلوم عام 1977. وحصل على دبلوم مهندس اختصاص هندسة مدنية ومائية عام 1984، ثم عمل بوزارة الفلاحة (الإدارة العامة للأشغال المائية الكبرى)، حيث شارك بين 1984 و1994 في دراسة وتنفيذ مشاريع مائية بحوض وادي مجردة. وبعدها أشرف في عدة ولايات على مياه الشرب والري، وشارك في إعداد المخطط المديري لمياه الشمال وتنفيذ مشاريع شربٍ وريٍّ في المناطق الحضرية والريفية. وهو ناشط في جمعيات ومنظمات بيئية تهتم بالطاقة والمياه وأهداف التنمية المستدامة.

هل بوسع تونس النجاح في تجاوز أزمة المياه في ظل نقص مياه السدود والجفاف، ما يعني أن وضعية المياه في تونس مازالت صعبة وحرجة؟

تقدر الموارد المائية المعبأة والممكن استغلالها في بلادنا بحوالي 4.8 مليار م3 في السنة منها 2.7 مليار م3 مياه سطحية و2.1 مليار م3 مياه باطنية أو جوفية. وتقدر الاستعمالات الحالية (إحصائيات 2023)، كالآتي:

– القطاع الفلاحي المروي 76 بالمئة ما يعادل 2836.3 مليون م3 سحوبات.

– مياه الشرب (حضري وريفي) 21 بالمئة ما يعادل 783.1مليون م3 سحوبات.

– القطاع الصناعي 2.5 بالمئة ما يعادل 80 مليون م3 سحوبات.

– القطاع السياحي والفندقة حوالي 0.1 بالمئة ما يعادل 15.5 مليون م3.

وحسب ما عشناه خلال السنوات الأخيرة من تقلص في منسوب السدود جراء تتالي سنوات الجفاف وارتفاع الطلب على المياه خاصة في القطاع المروي، وكذلك انقطاع مياه الشرب بالوسط الحضري أي المدن الكبرى، بدأنا نتعايش مع الأزمات السنوية والانقطاعات المستمرة، حيث كان لابد من أخذ تدابير ضرورية أتت بشيء من التأخير، كما جاءت برامج التحلية متأخرة وبرامج التحسيس بحسن الاستعمال كذلك، وبدأ التفكير في نظام الحصص، وتقليص الكميات للمناطق السقوية العمومية خاصة تلك التي تروى من السدود لتجاوز الأزمات.

كيف تقيم السياسة الحكومية في التعاطي مع أزمة المياه، وهل برأيك مازالت التغيرات المناخية وتداعياتها خارج حسابات الحكومات المتعاقبة في البلاد؟

بدأت السياسات المتوخاة لمجابهة أزمة المياه تبحث عن الحلول العاجلة كما الٱجلة، خاصة بعد إنجاز دراسة “المياه في تونس إلى أفق سنة 2050″، حيث وضعت عديد المخططات لمجابهة الأزمات المتوقعة في ظلّ تغير المناخ وانعكاساته، إذ اتضح وحسب ٱخر الإحصائيات والدراسات أن نسبة التساقطات المطرية ستنخفض بنسبة 20 إلى 25 بالمئة في السنوات القادمة، وبالتالي ستتقلص جراء ذلك إيرادات السدود ومخزوناتها.

كما شملت هذه الدراسة عديد المخططات الخماسية لتنوع مصادر مثل تحلية مياه البحر والمياه المالحة بصفة عامة وتثمين المياه المعالجة التي تنتجها محطات التطهير،والتي يتوقع أن تتجاوز 500 مليون م3 في السنة بحلول سنة 2050، وللإشارة هنا توازيا مع هذه البرامج والمخططات، لابد من العمل على تنمية الطاقات البديلة والمتجدّدة حيث قطاع المياه من أول المستعملين للطاقة، خاصة لتقليص كلفة تحلية مياه البحر.

المنظمات العالمية صنّفت تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا، بناءً على تدني توفير معدل استهلاك الفرد من المياه الصالحة للشرب، برأيك لماذا نصيب المواطن التونسي من المياه ضئيل؟

صُنفت تونس منذ سنوات ضمن 33 دولة تعاني وستعاني من الشح المائي حيث أن نسبة الفرد الواحد لا تتجاوز 500 م3 في السنة وستكون في حدود 320 م3 السنوات القادمة جراء كثرة الطلب والعجز المائي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، حيث تتالت سنوات الجفاف وازدادت حاجيات عديد القطاعات المستعملة للمياه بصفة كبيرة.

ولمجابهة هذا الوضع لابد من التأقلم والتكيف مع كل هذه المتغيرات أولها تغير المناخ، إذ لابد من إنجاز برامج جديدة للتوعية وكذلك حسن الاستعمال خاصة في القطاع الفلاحي المروي، التي يستهلك كميات كبيرة وهائلة، ونعني بذلك اختيار الزراعات ذات الجدوى والمردودية، والتي نستعمل فيها أقل ما يمكن من المياه.

ماهو سبب غياب العدالة المائية في تونس حيث تشهد المدارس والجهات نقصا وانقطاعا مستمرا للمياه، هل أن ضعف مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وراء ذلك؟

من المغالطة بل من الصعب أن تتمتع كل الجهات بمياه الشرب خاصة بسهولة تامة، حيث تتميز بلادنا بمناخ جاف وشبه جاف وبتضاريس مختلفة وصعبة في عديد الأماكن والجهات، وكانت السياسات الأولى في بداية الاستقلال هي تعبئة الموارد المائية السطحية بإنجاز السدود وكذلك الجوفية بإنجاز عديد الحفريات والٱبار العميقة، أولا لتزويد المدن بمياه الشرب، وثانيا لتنمية القطاع الفلاحي المروي وتوفير الغذاء، حيث وصلنا إلى نسب محترمة في تزويد المناطق الحضرية أي المدن وعديد القرى بمياه الشرب، إلا أن المناطق الريفية لم تحظى بما يكفي من هذه البرامج لتسهيل تزودها بمياه شرب تلبي حاجياتها. وكان لابد من إبلائها أهمية أكبر وبرامج استثنائية لتزويدها بصفة دائمة بمياه ذات جودة تلبي كل الحاجات.

هل تعتقد أن ارتفاع عدد الشركات المائية ساهم في الإضرار بالمخزون الطبيعي للمياه في تونس؟

تستعمل جل شركات المياه المعلبة الموائد الجوفية الباطنية أو العيون المائية الطبيعية حيث بلغ عددها أكثر من ثلاثين (30) شركة أو وحدة تعليب وبلغ رقم معاملاتها أكثر من 850 مليون دينار سنويا (إحصائيات 2019)، ونفيد هنا أنه ليست لها علاقة وطيدة بالمخزونات المائية إذ لا تستغل جزء كبير من المياه حيث يضاهي 2 إلى 3 مليون م3 سنويا حسب تصريحاتهم. لكن الإشكال المطروح ما يرجع لخزينة الدولة من أموال إذ يتمثل في بعض الملاليم لا غير إضافة للإشكال البيئي والتلوث من البلاستيك.

للعلم فقط أن جل الملزمات في الاتفاقيات المبرمة لكامل الماركات أن تقتني هذه المؤسسات المياه من الدولة ب55 مليم للمتر لمكعب الواحد، نعم للمتر المكعب الواحد.

هل برأيك حان الوقت لوضع مجلة جديدة للمياه وإلغاء منظومة الجمعيات المائية التي أثبتت عدم نجاعتها في مستويات التصرف في المياه؟

أعتبر أن مجلة المياه التي ستصدر قريبا ستكون آلية من آليات المراقبة وحسن الاستعمال، خاصة في الولوج إلى الموائد المائية السطحية أو العميقة وحتى تلك الموائد الأحفورية الغير متجددة، حيث أن فصولها الجديدة وإن حرص الجميع على تطبيقها بصرامة وحنكة، ستلبي ما من شأنه الحفاظ على مواردنا المائية واستعمالها بحكمة، وكذلك تأمين مياه الشرب رغم تواصل الأزمات وتأخر مواسم الأمطار.

-أي حلول تقترحها لمواجهة الشح المائي والحد من شبح العطش الذي يهدد تونس؟

من الحلول والتي أعتبرها تحديات كبرى للقطاع ما يلي:

• تحدي 1: حماية المياه من التلوث وخاصة المياه الجوفية الباطنية.

• تحدي 2: التصحر والانجراف مع ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ مما قد يهدد السدود بمزيد الترسبات، 305 مليون هكتار مهددة، ترسبات في حدود 600 ملين م3.

• تحدي 3: تأمين التزود بمياه الشرب في ظل ارتفاع الطلب بشكل مفزع، وبدأت ظاهرة للعيان منذ أكثر من خمسة سنوات تقريبا.

• تحدي 4: الاستعمال الرشيد للمياه حفاظا على الأمن الغذائي، وهنا القصد هو الفلاحة المروية ومعاناتها الحالية حيث لابد من الابتكار والتجديد في هذا المجال.

• تحدي 5: التصرف عند الحالات المتطرفة للمناخ، كيفية التصرف في الموارد المائية زمن الوفرة، وكذلك وقت الجفاف حيث يفرض علينا تغير المناخ التصرف بحكمة فيما بين أيدينا من موارد.

• تحدي 6: الجدوى الطاقية والطاقات المتجددة، الطاقة تعتبر عنصرا مهما في قطاع المياه ولابد من استنباط الحلول وتسهيل استعمال الطاقات البديلة والمتجددة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here