صهيب المزريقي، كاتب ومحلل سياسي
أفريقيا برس – تونس. إنعقدت القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد وسط ظروف استثنائية بكل المقاييس، لاسيما بالنظر إلى ما يجري في فلسطين من أحداث أمام العالم أجمع وما تعيشه سوريا من إنقسامات حالها حال السودان المكلوم واليمن المشروخ وليبيا التي تسير على وتيرة الخطة الإمبريالية بهدف إستباحة ثرواتها و مدراتها وانتهاك سيادتها.
وهنا يصبح السؤال: ما الذي يمكن للقمة أن تقدمه من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة؟
وهل يمكن الحديث عن إستراتيجية عربية -عربية لحل ولملمة الجراح العربي وحقن دم المواطن المهدور على طول الطريق الرابط بين المحيط والخليج؟
ولكن الإشكال الخارجي يبدو أن إسرائيل غير مكترثة لا بالعرب ولا بقممهم ولا بالعالم أصلا، بل ولا يبدو أن العالم مستعد للضغط عليها بغية إيقاف الحرب التي فعلت بحق المدنيين في قطاع غزة، وتفعل بحقهم الكثير مما يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء عالمياً.
قد لا يختلف مختلفان على أن «غزة» هي الحاضرة بقوة في هذه القمة، على الرغم من وجود ملفات عديدة أخرى ما تزال مُعلّقة منذ سنوات عدة، وعلى رأسها أزمات اليمن والسودان وليبيا والصومال وسوريا ولبنان والعراق.
لكن فلسطين عادت إلى موقع المركز بالنسبة للعرب، ومعهم المسلمون إضافة إلى المنصفين من الغرب. الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة جعلت من القضية الفلسطينية مجدداً أحد البنود الرئيسة على جدول أعمال القمم العربية، وهو ما أكده الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عبر تصريحات قال فيها إن القضية الفلسطينية مطروحة على كل اجتماعات الجامعة العربية، وإنه تتم مناقشتها من قِبل العديد من الدول العربية. وقد عبّر عن تلك الأهمية خاصة عندما أشار إلى أن اجتماع مجلس الجامعة تطرق إلى تداعيات استمرار الحرب في غزة واستمع إلى إحاطة معمقة حول حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وهكذا فإن ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتهديد الإسرائيلي بالاجتياح البري لمدينة رفح الفلسطينية، يتطلب من القمة العربية في بغداد قدراً مناسباً من تنسيق المواقف بغية التوصل إلى موقف عربي موحد يضغط لوقف إطلاق النار، وذلك بالتنسيق أيضاً مع القوى الدولية الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي ما تزال ترفض، وفق تصريحات مسؤوليها، أي اجتياح بري لمدينة رفح من دون الأخذ في الاعتبار حالة المدنيين الموجودين داخلها. وبالإضافة إلى ذلك فإن قضية المساعدات الإنسانية وتنظيم دخولها إلى قطاع غزة الذي يعاني وضعاً كارثياً، تمثل هي كذلك أحد الملفات المطروحة.
لكن وكما كان منتظرا وللأسف لم تكن القمة العربية في مستوى تطلعات الشعب العربي من راهنية الحاضر و ما نعيشه من إجتثاث و إبادة و تنكيل ولا من رهانات المستقبل وما تحمله من آفاق جديدة ممكن أن توقف نزيف الجرح الفلسطيني ولا أن تكون لها رؤية للقضايا العربية المتعددة و منها ما طرحته تونس من إقتصاد عربي موحد و اتحاد جمركي عربي فضلا على توحيد الأمن القومي العربي ليكون على شاكلة الإتحاد الأوروبي أمام تكوين أقطاب و تحالفات كبرى سواء إقتصادية أو سياسية.
ويبقى السؤال الذي طرحته تونس في قمة الرياض سالفا يربط بين الوجود العربي و الوجود الحضاري و الإستمرار الفعلي داخل الزمن والتاريخ حيث تساءلت تونس “إلى متى سيبقى العرب و مقدراتهم وثرواتهم ومستقبلهم رهين تشكيل نظم عالمية جديدة” قد يبدو السؤال عاديا للقارئ ولكنه يحمل في طياته الٱستنكار فقد طرح على معنى الإنكار واللوم والعتاب بهدف بعث العقل العربي، وإعادة تشكيله داخل حركة التاريخ ليكون فاعلا لا مفعول به، و لكن لا حياة لمن تنادي.
فقد انتهت قمة بغداد بإستنساخ المواقف السالفة وطرحها من جديد ما جعل الجامعة العربية تستدبر القضايا الحارقة خلفها وهو ما دفع بتونس والعراق البلد المستضيف على عدم التصويت على البيان الختامي، وقد سجل البلدان تحفظات بشأن حدود يونيو/حزيران 1967 والقدس الشرقية وغيرها من القضايا.
وهو ما جعل المجتمع العربي يسأل ويتساءل عن جدوى وجود جامعة بعيدة عن مشاكل العرب ولا تراعيها ولا تأبه لهم؟ بل ذهبوا إلى إتهامها بأنها تحولت إلى صوت غربي إمبريالي يملي شروطه على العرب من خلالها !! ولكن ما نسأله اليوم إلى متى سيظل العرب مستضعفون؟؟ وهل السبب فينا أم في الغرب؟؟ وإذا ما سلمنا أننا السبب فأين يكمن الخلل؟؟ و بعد تقييم النخب و تشخيصهم للواقع العربي و تأزم بنية العقل العربي هل قدموا حلولا؟؟ و إلى أي مدى يصح أن نقول أن العرب ضحايا أنفسهم لعدم تطورهم ومواكبتهم العصر وتطوراته الحاصلة! وهل نواكبه بليبراليتهم أم بتثوير خصوصيتنا؟؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس