آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. دفع عدم انسجام الحكومة التونسية مع توجهات ورؤية الرئاسة في إدارة أزمات البلاد، إضافة إلى عدم تناغمها وتفاعلها مع ما يصدره البرلمان من تشريعات ذات أهمية بالنسبة للشارع، الرئيس قيس سعيد إلى قراره بإقالة رئيس الحكومة كمال المدوري، وفق استنتاجات المتابعين والمحللين.
وأقال الرئيس سعيد رئيس الوزراء كمال المدوري، الجمعة، بعد أقل من عام على تعيينه، وعين سارة الزعفراني خلفا له، وهي مهندسة شغلت منصب وزيرة التجهيز والإسكان منذ عام 2021، وتعد ثالث رئيس للوزراء في أقل من عامين.
ودعا الرئيس الزعفراني في اجتماع نقلته صفحة الرئاسة على موقع فيسبوك إلى “المزيد من تنسيق العمل الحكومي وتذليل الصعوبات لتحقيق انتظارات الشعب التونسي.”
وكان سعيد قد انتقد في الأشهر الماضية أداء الوزراء بشكل متكرر، وقال إن الأداء لم يرق للمستوى المطلوب وإن “انتظارات” الشعب التونسي عالية. وسبق أن أقال الشهر الماضي وزيرة المالية سهام البوغديري.
وقال سعيد في خطاب ألقاه خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي ونشرته الرئاسة التونسية الجمعة “سنواصل معركة التحرير حتى ينعم جميع المواطنين بالعدالة، سنواصل إحباط كل المؤامرات.”
وأجمع سياسيون ومحللون على أن قرار إقالة المدوري تعكس إقرار الرئاسة بفشله في معالجة الملفات الحارقة خاصة مع تفاقم أزمة المهاجرين الأفارقة وتردي الاقتصاد، فيما تلوح قطاعات اجتماعية بالعودة إلى الاحتجاج واستخدام ورقة الشارع في حال عجزت السلطة عن الإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها بحقهم.
التستر على اللوبيات
تعتقد أوساط سياسية أن أسباب إقالة المدوري تتجاوز فشل أداءه وضعف تنسيق وزاره مع الرئاسة والبرلمان، حيث أن ارتباكه في تسيير الملفات ساهم في استشراء نفوذ اللوبيات داخل الإدارة، بل انتقل نفوذها إلى القصبة (مقر الحكومة والإدارات التابعة لها) وفق تلميحات الرئيس نفسه، ما يعني أن الدولة العميقة نجحت في تعطيل المشاريع التي تسعى السلطة إلى تنفيذها.
ويشير صهيب مزريقي القيادي في حركة البعث، في حديثه مع” أفريقيا برس” بأن “تعيين سارة الزعفراني جاء عقب اجتماع مجلس الأمن القومي، وما صرح به رئيس سعيد أن عمل اللوبيات وتحركهم وخلافهم تحول من رئاسة الجمهورية إلى القصبة، وهو إقرار علني بالتستر أو مسايرة اللوبيات من قبل رئاسة الحكومة.”
ولفت إلى أن “نجاح سارة الزعفراني مؤخرا في حلحلة بعض المشاريع المعطلة والتعجيل في بعثها من جديد والانتصار النوعي على البيروقراطية والفساد، هو ما جعلها محل ثقة قيس سعيد في رئاسة الحكومة.”
وفي تقديره فإن”المشكل اليوم داخل العمل الحكومي يتمحور حول شيئين اثنين: هو فقدان تصور ومشروع واضح حتى تسير عليه الحكومة ويكون العمل على ضوءه، والمسألة الثانية أنه لا بد من تركيز حكومة سياسية قادرة على بلورة المشروع الحكومي وخلق التناغم، وليس الإشكال في تغيير أسماء وتعيين أشخاص في الحكومة أو على رأس الحكومة.”
ورغم أن اللوبيات تعد بمثابة حجر عثرة أمام مشروع الرئيس سعيد في بناء دولة اجتماعية عادلة ومحاربة الفساد والبيروقراطية، إلا أن العجز عن إنقاذ الاقتصاد المتعثر الدافع الأبرز لقرار إقالة المدوري.
ويقول النائب بوبكر يحي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “الإعفاء أو الإقالة هي من اختصاص رئيس الجمهورية حصرا، وظاهريا جاءت الإقالة على خلفية تسرب بعض اللوبيات إلى القصبة حسب تصريح الرئيس، أما باطنيا فإن صعوبة التعاطي مع الوضع الاقتصادي الذي يمر بأزمة خانقة، وأمام مالية عمومية تعاني أيضا من عديد الصعوبات، وبوجود إجراءات إدارية معطلة وتشريعات مكبلة ومتهالكة تجعل من الانتقال إلى الدولة الاجتماعية مهمة عسيرة عجلت بإقالة المدوري بعد توليه المسؤولية بفترة وجيزة.”
ويعتقد بن يحي أن “فترة تقييم أداء المدوري غير كافية”، معلقا “نحن نؤمن بالاستمرارية والعمل بالأهداف، وهذا يجعلنا نؤكد على ضرورة الاختيار الدقيق للمسؤولين من الكفاءات السياسية الوطنية كل حسب اختصاصه لبناء تونس أخرى ممكنة.”
والمدوري عيّنه الرئيس التونسي في مايو 2024 وزيرا للتنمية الاجتماعية، ثم رئيسا للحكومة في أغسطس بعد إقالة أحمد الحشاني.
وبينما عول الرئيس سعيد على شخصية تكنوقراط مثل المدوري لتطبيق برامجه وتعليماته، إلا انه لم يتفاعل مع توجهاته بالسرعة المطلوبة في الوقت الذي يزيد فيه تذمر الشارع بسبب تواصل غلاء الأسعار والبطالة وارتفاع التضخم، كما لم يتجاوز النمو الاقتصادي 1.4 بالمئة في العام الماضي.
كما تأتي الإقالة في الوقت الذي تواجه البلاد انتقادات واسعة النطاق بسبب أزمة المهاجرين غير المسبوقة بسبب انتهاج السلطة مقاربة أمنية صارمة، إضافة إلى ما أحدثه هذا الملف من انقسامات داخل المجتمع التونسي بين خطاب عنصري وآخر ينادي بضرورة مراعاة حقوق الإنسان والمعايير الإنسانية للتصدي لهذه الظاهرة.
وبالنسبة لمحللين فإن المدوري دفع ثمن عدم قدرته الدفاع على مشروع 25 جويلية في ظل ما يواجهه من ضغوط والتي تشوش على أداء الرئيس وتهدد بتآكل شعبيته، فيما تستفيد المعارضة التي تسعى لكسب ثقة الشارع من جديد، وتجد في العجز الحكومي المستمر الفرصة في تقديم بدائلها والعودة إلى المشهد.
ويلفت باسل ترجمان المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “الرئيس سعيد في اجتماع مجلس الأمن القومي كان منزعجا وغاضبا بسبب عدم نجاح رئاسة الحكومة في العمل ضمن مشروعه، وإنجاح برنامجه الذي يسعى إلى انجازه في هذه المرحلة.”
ويتابع ” كان واضحا حالة عدم رضا الرئاسة بشأن كثير من التعيينات وعدم قبولها استبعاد من هم أصحاب تجربة وكفاءة وحرمانهم من تقديم الإضافة، وبالتالي الرئيس أراد أن يوصل رسالة بأنه لن يقبل بكل ذلك، كما اتضح أنه هناك خلل في أداء رئاسة الحكومة من خلال الإجراءات الأساسية والضرورية التي كان من المفروض اتخاذها لتسهيل مهامها.”
واعتبر أن “الرئيس سعيد أراد بقراره أن يوصل رسالة إلى كثير من الأطراف خاصة أنه هناك حالة من الاشتباك مع الدولة العميقة التي تريد تعطيل كل مشاريع الرئيس بكل ما تملك وخلق أزمات، مفادها بأنه قادر على وضع حد لكل هذه الممارسات”.
إقالة متوقعة
يعتقد محللون أن قرار إقالة المدوري هي إقالة متوقعة وتأتي استجابة لدعوات حتى من داخل المؤيدين لمسار 25 جويلية بضرورة الإقدام على هذه الخطوة بسبب غياب النجاعة في أداء الحكومة، إضافة إلى ما أبداه نواب مؤخرا من استياء من عدم تفاعل الحكومة مع التشريعات المقترحة، وهو ما لا يخدم مصلحة البلاد.
ويبين فريد العليبي، المحلل السياسي في حديثه ل”أفريقيا برس” إلى أن”إقالة رئيس المدوري منتظرة وقد راجت قبل مدة أخبار حول قربها، خاصة غداة إقالة وزيرة المالية السابقة، وفضلا عن ذلك كانت هناك مطالب بتلك الإقالة ضمن جبهة 25 جويلية، بما في ذلك من قبل نواب في البرلمان، والدافع إلى ذلك كان عجز رئيس الحكومة عن تنفيذ البرنامج الرئاسي القاضي بتطهير الإدارة ومحاربة الفساد وتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب وإغلاق ملف الهجرة وحل المعضلات الاجتماعية مثل المناولة وبطالة أصحاب الشهادات العليا والاستجابة للمطالب الشعبية اليومية.”
ويضيف”يبدو أن الجهاز الإداري الذي استند إليه رئيس الحكومة السابق كان له دور في تعطيل تنفيذ البرنامج الرئاسي وتقاعس عن القيام بأبسط واجباته وهذا ما تذمر منه رئيس الجمهورية مرارا الذي قال أنه يجبر أحيانا على التدخل لحل مشكلة بسيطة جراء التشكيات الواردة عليه مما عمق التناقض بين الرئاسة والبرلمان من جهة والحكومة من جهة ثانية، بل أن الحكومة نفسها كانت عبارة عن جزر متناثرة لا رابط بينها فغاب الانسجام صلبها وهو المشكل الذي عانت منه حكومة نجلاء بودن قبل ذلك وجاءت حكومة المدوري لحله ولكنها أخفقت فيه أيضا.”
وحسب العليبي”عندما يفشل رئيس حكومة في الربط بين مختلف الوزارات وتوجيها ناحية نفس الأهداف الكبرى وفق إستراتيجية موحدة، فإن وجوده يفقد القيمة والمعنى وهذا ما أدركه رئيس الجمهورية وقرر وضع حد له فكانت تلك الإقالة.”
ويؤكد متابعون أن إقالة المدوري مردها حجم الصعوبات والتحديات التي تواجهه حكومته والتركة الثقيلة من الملفات التي عجزت الحكومات المتعاقبة على إيجاد حلول لها.
وأعتبر مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، في حديثه ل”أفريقيا برس” أن”قرار الإقالة ليس مفاجئا للوسط السياسي وحتى للمواطن، فالجميع يدرك أن المدوري عين لأجل أهداف محددة، ومن أجل ضخ دماء جديدة في الحكومة،وتقديم خارطة طريق ولو ظرفية والعمل على تطبيق الإصلاحات التي نادى بيها رئيس الجمهورية.”
واستدرك”رئيس الحكومة فشل في تنفيذ كل ذلك، كان ينتظر منه معالجة النقاط السوداء في المسار الحكومي، ولكنه اصطدم بجملة من المشاكل والصعوبات أبرزها الموازنة العامة للدولة، وهي موازنة افتراضية في ظل الموارد الضعيفة، هناك صعوبات حقيقية في تعبئة الموارد، ثم مسألة الإصلاح التي تتم بأوامر سياسية، إضافة إلى صعوبات في التنسيق مع البرلمان، كل هذه العوامل قادت إلى الفشل.”
وبرأيه فإن” الرئيس سعيد ينظر إلى رئيس الحكومة كونه جاء من أجل تحقيق أهداف بعينها، ولكن اتضح أنها لم تتحقق، لذلك اعتبره مقصرا في تطبيق الأوامر، وأنه انفرد برأيه في بعض المسائل.”
وأبرز بالقول “مشاكل عديدة جعلت رئيس الحكومة يغادر دفة الحكم، منها ملفات عميقة مثل ملف الهجرة وعلاقتنا بالاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية، فرؤيته لهذه الملفات مغايرة لرؤية قصر قرطاج.”
واستنتج” بالتالي لم يحصل انسجام بينه وبين قصر الرئاسة لذلك كانت نتائج عمله ضعيفة حسب تقييم القصر، كما اعتبر البعض أن كل الأحداث الأخيرة في الشارع التونسي سببه العجز الحكومي، وهو ما يعني أن رئيس الحكومة دفع ثمن عدم نجاحه في التصدي لمن هو ضد المسار، لتخلفه وزيرة التجهيز أمام تساؤلات عن مدى قدرتها على تحقيق ما يطلبه القصر والمواطن من أهداف، وهو ما نراه صعب للغاية.”
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس