كفى ظلما، كفى طغيانا…

كفى ظلما، كفى طغيانا...
كفى ظلما، كفى طغيانا...

منصف الشريقي، الأمين العام للحزب الاشتراكي

أهم ما يجب معرفته

تشهد تونس في الآونة الأخيرة تصاعدًا في القمع والاعتقالات السياسية، حيث تم اعتقال شخصيات بارزة مثل أحمد نجيب الشابي والعياشي الهمامي. هذه التطورات تعكس تدهور الوضع الديمقراطي في البلاد، حيث يُحاكم المعارضون بتهم ملفقة، مما يثير قلقًا واسعًا حول حرية التعبير وحقوق الإنسان في تونس. يتطلب الوضع الحالي تحركًا عاجلاً من المجتمع الدولي لدعم حقوق المواطنين.

أفريقيا برس – تونس. عرفت الأوضاع السياسية في المدة الأخيرة في تونس تطورات خطيرة حيث اشتد القمع وطغى الجور والظلم إلى جانب توسع دائرة التشفي فيمن طالتهم عصا الاعتداء والسجن. آخر الموقوفين هو رجل أعطى من عمره أكثر من نصف قرن للدفاع عن الديمقراطية، وهو المناضل أحمد نجيب الشابي. فمهما اختلفنا مع الرجل، يبقى مناضلاً لم يدخر جهداً في الدفاع عن تونس ديمقراطية وعن الحرية والعدالة الاجتماعية.

لقد حوكم سنة 1968 بنفس التهم، وهو اليوم في سن الـ82 يقف متهماً بالتآمر أيضاً على نفس الدولة! ولأنه اليوم رئيس لجبهة اعتبرت ما قام به رئيس الجمهورية انقلاباً، يتم اعتقاله ومتابعته بتهمة التآمر على الدولة، وهي التهمة الجاهزة دائماً عند السلطة. ونحن نتذكر أنه هو من فتح جريدة الموقف لكل من أراد أن يناضل بالكلمة ضد غطرسة نظام بن علي، وتخلى حزبه حتى عن إدارة تحريرها لصالح محمد كيلاني ورفاق آخرين كتبوا وساهموا في نشر الوعي لدى النخبة وعموم المواطنين. اعتبرت كل متابع أداة ساهمت في انتفاضة 2011 من موقع متقدم، وفتح مقر حزبه المركزي لكل المعارضين السياسيين لبن علي، وأصبح عنواناً بارزاً للمعارضة التونسية. ها هو يعود اليوم أيضاً إلى لعب نفس الدور بعد اشتداد القمع ضد كل من يشتم منه رائحة المنافسة على كرسي الحكم!

فإيقاف نجيب الشابي أتى مباشرة بعد إيقاف مناضل آخر عرفناه سنوات الجمر، وهو العياشي الهمامي، الذي بسبب فطنته فتح ثغرة في القانون الانتخابي لانتخابات الرئاسة والتشريعية لسنة 2004. تمكن محمد علي حلواني من الترشح ضد بن علي ضمن المبادرة الديمقراطية. واسألوا من عاش تلك الفترة ليحدثكم عما حققته هذه المبادرة من زخم شعبي وإعلامي حاصر نظام بن علي لأول مرة، وفرض عليه الترشح الند للند ضد مرشحها. والأستاذ العياشي يُحاكم اليوم بتهمة التآمر أيضاً والإرهاب، حكم بخمس سنوات ظلماً وجوراً بعد أن وقع إيقاف شيماء عيسى على إثر خروجها في مسيرة 29 نوفمبر!

فهل من المنطقي أن نحكم على من دفع شبابه وضحى بعمله عكس العشرات من زملائه المحامين لصالح سجناء الرأي في فترة بن علي والمرحلة الحالية، وأن يسجن بتهمة الإرهاب؟

لم يكتف “نظام العدالة” لسلطة 25 جويلية بذلك، بل جعل من كل مواطن عبر أو تجرأ على الترشح ضد الرئيس الحالي ملاحقاً بتهم ملفقة. بدأت بعبير موسي التي تجرأت على الذهاب إلى مكتب ضبط رئاسة الجمهورية لتقديم طعن في عدة مراسيم، فأصبحت مسجونة بتهم تعدت حدود فهم العقل البشري، وتهاطلت عليها قضايا أخرى من لجنة الانتخابات، وتوالت محاكماتها من الابتدائي إلى الاستئناف، إلى درجة أن محاميها وجدوا إشكالاً في حضور محاكماتها المتتالية!

هذا دون أن ننسى ما وقع للعياشي الزمال، ذلك الرجل الذي لم يرفع لا سلاحاً ولا حتى قلماً في وجه الاستبداد، بل لمجرد تجرؤه على الترشح ضد الرئيس، يقضي اليوم سنوات شبابه وراء القضبان هو ومجموعة من أنصار حملته الانتخابية. ولا ننسى سجن أربع نساء من جندوبة من سنتين إلى أربع سنوات، اللاتي جمعن تزكيات للمرشح كريم الغربي، إضافة إلى حكم غيابي ضده منعه من دخول بلاده، إلى جانب الدكتور لطفي المرايحي الذي يقضي سنوات بعيداً عن عائلته ومهنته التي لمع فيها.

في الحقيقة، لا يمكننا أن نتذكر كل السياسيين الذين يقبعون في سجن سلطة 25 جويلية بتهم مختلفة من التآمر إلى قانون الإرهاب إلى المرسوم 54.

أهذا عدل أم ظلم؟

أهذا حق أم باطل؟

هذا إضافة إلى المدونين والصحفيين والنقابيين والحقوقيين، مراد وشذى، سعدية مصباح، شريفة الرياحي وآخرون كثر، يقبعون في السجون لمجرد قول أو تعليق أو رأي رأت السلطة الحالية أنه يقلقها أو يزاحمها أو حتى ينتقدها.

لقد أصبح السجن في انتظار كل صاحب رأي وكل معارض سياسي.

هل نستسهل رمي الناس في السجون لمجرد رأي أو موقف ناقد نشتم منه أنه ينافس صاحب الكرسي الحالي!

نحن دوماً مع نصرة الحق وإعلاء قيم الحرية والعدل مهما كان المتضرر ومهما اختلفنا معه في التقدير أو في قراءة اللحظة أو في المشروع المجتمعي الذي ينادي به. فالفيصل بين هذا وذاك هو الشعب التونسي، والفصل في ذلك هو القانون العادل والمنصف، والكلمة الأخيرة لصندوق الاقتراع في انتخابات حرة وشفافة ترعاها هيئة محايدة.

فلا التشفي أو الشماتة التي نراها هنا وهناك من مساندي السلطة أو حتى من أصحاب “المساندة النقدية” يمكن أن ترفع قيمة السلطة عند الشعب ونخبه، ولا أن تحسن من الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها، ولن تعود بالأسعار إلى حقيقتها…

وحدها المحاكمات العادلة التي تتوفر على الشروط الدنيا من حضور “المتهم” إلى حق الدفاع المضمون هي التي تعود بالقضاء إلى مربع العدالة.

إن الحرية واسترداد الحقوق والتشبع بها، وأولها حرية التعبير، هي بوابة نشر ثقافة حقوق الإنسان الكونية. من الضروري أن تبقى كل القوى الجمهورية التي تؤمن بالمؤسسات ودورها على هذا التشابك بينها للتشبث بالحقوق والحريات وفضح الاستبداد والظلم والتعدي على الحريات مهما كان المتضرر منها.

نحن ضد القهر والتعدي على الحريات، ونقف مع كل من ظلم ولم يتمتع بمحاكمة عادلة، وكل جور على الناس سواء كان تحت تهمة التآمر أو قانون الإرهاب أو المرسوم عدد 54.

فمادام هناك ظلم وطغيان، فنحن سنندد به ونقف إلى جانب المتضرر منه حتى يسترد حريته، سواء كنا نحمل نفس المشروع المجتمعي أم نتقابل معه ونناضل ضده بكل الوسائل المشروعة.

لا نرضى الظلم على أنفسنا، فكيف نرضاه على غيرنا؟

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here