بقلم : منير السويسي*:
يتواصل ضغط دول غربية وخصوصا سويسرا، ومنظمات دولية على تونس لحملها على المصادقة على قانون سيجعل من تونس “أرض لجوء”.
ونظّم “المعهد العربي لحقوق الإنسان” ومكتب “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتونس” (يومي 14 و15 ديسمبر 2017) ندوة إقليمية في تونس بعنوان “الممارسات الجيّدة في مجال حماية اللاجئين والتصرّف في تدفّقات الهجرة المختلطة” وذلك بدعم من سفارتيْ الاتحاد الأوروبي وسويسرا بتونس.
وخلال الندوة، دعا ممثل المفوضية السامية للاجئين بتونس، مازن أبو شنب، وسفيرة سويسرا بتونس السيدة “ريتا آدم” السلطات التونسية إلى تسريع المصادقة على قانون مشروع قانون للجوء في تونس.
وشرعت وزارة العدل في الاشتغال على مشروع القانون منذ سنة 2012 وقد انتهت من صياغته سنة 2016 وأحالته مؤخرا على رئاسة الحكومة، دون أن يكون محل “استشارة موسعة” خصوصا في وسائل الإعلام، كما تقتضي ذلك “الديمقراطية التشاركية الناشئة” في “مهد الربيع العربي”.
وقال ممثل المفوضية، خلال الندوة الإقليمية، “نتمنى أن تكون سنة 2018 سنة سنّ هذا القانون حتى تكون تونس أول دولة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تتبنى قانونا وطنيا وإنسانيا للاجئين”.
وقد انخرطت وسائل إعلام محلّية (دون وعي على الأرجح) في “التطبيل” لهذا القانون تحت يافطة “الأول في العالم العربي، والثاني في إفريقيا” دون البحث في خلفياته.
من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة المعهد العربي لحقوق الإنسان، عبد الباسط بن حسن، إن المعهد ومكتب مفوضية شؤون اللاجئين بتونس “يقومان بحملة كبيرة لاعتماد هذا القانون عن طريق الدورات التدريبية والندوات والحملات”.
أما سفيرة سويسرا فذكرت بأن بلادها التي تستضيف مقرّ المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ساعدت ماليا وتقنيا وزارة العدل التونسية في إعداد قانون للجوء في تونس. وأفادت أنه تم إنجاز “دراسة” حول “تأثير ونتائج” قانون اللجوء المنتظر على بقية التشريعات التونسية (وزارة العدل لم تعلن عن هذه الدراسة أو تنشرها). ودعت السفيرة أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) إلى “اعتماد هذا القانون” حتى يتسنى تطبيقه.
وقد أعلنت وزيرة العدل والشرطة السويسرية “سيمونيتا سوماروغا” خلال زيارتها إلى تونس (يوم 3 أكتوبر 2017) أن بلادها ستخصص خلال الفترة ما بين 2017/2020 ما يعادل 38 مليارا من مليماتنا لفائدة الدولة التونسية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل مساعدة المهاجرين الذين يمرون بـ”محنة” في تونس. وأعلنت الوزيرة السويسرية، خلال تلك الزيارة، عن افتتاح مكتب “أمني” في سفارة سويسرا بتونس، ستكون مكافحة الهجرة غير الشرعية من أولويات عمله. وذكرت أنها تزور تونس “بمناسبة مرور 5 سنوات” على إبرام تونس وسويسرا اتفاقية “شراكة” في مجال الهجرة.
وبموجب “الشراكة” في مجال الهجرة، “تدعم” سويسرا تونس في مجال “صياغة وتطبيق السياسات الهجرية المطابقة للمعايير الدولية” وفق ما أعلنت السفارة السويسرية في بيان صحفي نشرته يوم 3 أكتوبر. وفي مؤتمرها الصحفي، قالت وزير العدل والشرطة السويسرية إن “تونس أصبحت بلد عبور” وأيضا “وجهة” للمهاجرين غير الشرعيين (أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء).
“الترويكا” فتحت الباب
يوم 11 جوان 2012، أمضى وزير الخارجية في حكومة “الترويكا” رفيق عبد السلام (حركة النهضة) “مذكرة تفاهم” (في العاصمة تونس) مع وزيرة العدل والشرطة السويسرية سيمونيتا سوماروغا، تنص بالخصوص على إنشاء “شراكة” بين البلدين في مجال الهجرة.
وتهدف هذه “الشراكة” بالخصوص، إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا انطلاقا من سواحل تونس، و”تشجيع العودة الطوعية” للمهاجرين غير الشرعيين (التونسيين) نحو بلادهم و”توفير حماية أفضل للاجئين والمهاجرين المستضعفين في تونس” و”إقامة حوار منتظم حول الهجرة” بين تونس وسويسرا، حسب ما أعلنت وزارة العدل والشرطة السويسرية في 2012.
وتجيز “مذكرة التفاهم” (التي لم تنشرها حكومة الترويكا) إعادة التونسيين المقيمين بشكل غير شرعي في سويسرا إلى تونس ولو بشكل “قسري”.
وذكرت وكالة الأنباء السويسرية (في برقية بتاريخ 11 جوان 2012) أن “وزير الخارجية التونسي (رفيق عبد السلام) شدّد على أن عودة الرعايا التونسيين الشباب يخدم مصلحة البلاد، معربا عن قناعته بأن الفترة الأمرّ والأسوأ قد انقضت بالنسبة لتونس بعد ثورة جانفي 2011”.
ومن سوء الحظ، فإن العكس تماما هو ما حصل إذ تعيش تونس، منذ 2011، أسوأ أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ما دفع آلاف الشبان التونسيين المحبطين إلى “الحرقة” إلى أوروبا.
وضغطت سويسرا على حكومة الترويكا لتوقيع اتفاقية “شراكة” في مجال الهجرة، بعد أن وصل آلاف من المهاجرين غير الشرعيين التونسيين إلى التراب السويسري في 2011 و2012.
وأعلنت وزارة العدل والشرطة السويسرية (في بيان نشرته سنة 2012) أن أعداد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين في سويسرا “ارتفع بشكل كبير” وأن طلبات “اللجوء” التي قدّموها للسلطات السويسرية مثّـلت نسبة 18 بالمائة من مجموع طلبات اللجوء في سويسرا عام 2011 (مقابل 6،4 بالمائة في 2010).
وجاء في البيان أن “تونس تعهدت (بموجب مذكرة التفاهم) بأن تقبل مُجددا على أراضيها مواطنيها الذين لا يحق لهم، أو لم يعد يحق لهم البقاء في سويسرا”.
ولفتت الوزارة السويسرية في البيان أن التعاون مع تونس في مجال إعادة التونسيين المقيمين بشكل غير شرعي في سويسرا قد “تعزز منذ ديسمبر 2011” أي منذ تولي حكومة الترويكا مقاليد الحكم في تونس.
وقالت وكالة الأنباء السويسرية في برقية نشرتها في نفس اليوم الذي تمّ فيه توقيع “مذكرة التفاهم” (11 جوان 2012) “عندما ترغب سويسرا في التعرف على طالب لجوء، يجب أن تقدم تونس إجابة في غضون 20 يوما” من خلال توفير معطيات “بيومترية” تسمح بتحديد هوية “اللاجئين المرفوضين”.
وأضافت الوكالة بأن مذكرة التفاهم “تتيح أيضا إمكانية تنفيذ عمليات ترحيل جوّيّة قسرية”.
وقد صرّحت وزيرة العدل والشرطة السويسرية للإذاعة السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS) أن سويسرا تتكفّل بموجب مذكرة التفاهم بمصاريف رحلة إعادة التونسيين “المطرودين” من سويسرا وتدفع لهم “مساعدة مالية يمكن ان تصل إلى 4000 فرنك سويسري (حوالي 10آلاف دينار بسعر الصرف اليوم).
ونوّهت وكالة الأنباء السويسرية (يوم 20 ديسمبر 2017) بتحقيق “كثير من النجاحات، إذ استطاعت سويسرا أن تُرحّل 743 مهاجرا تونسيا كانوا في وضع غير قانوني، وتُعيدهم إلى بلدهم”.
وأضافت الوكالة “تعهدت سويسرا بإسناد الأجهزة الحكومية وغير الحكومية التونسية فيما يتعلق بالاستجابة للحالات الإنسانية الطارئة المتعلقة بالهجرة”.
وفي الفترة ما بين 2011 و2016 خصصت سويسرا 24 مليون فرنك سويسري (حوالي 60 مليارا من المليمات التونسية) لتمويل برامج تتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية انطلاقا من تونس و”حماية” المهاجرين غير الشرعيين ذوي الأوضاع “الهشة”.
وتقدم السفارة السويسرية في تونس دعما لمنظمات غير حكومية ناشطة في تونس، إحداها تدافع عن فكرة تحويل تونس إلى “أرض لجوء”.
ضغط مجلس حقوق الإنسان الأممي
في ماي 2017 تقدّم “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة (مقرّه جنيف بسويسرا) بجملة “توصيات” إلى الدولة التونسية منها “التعجيل باعتماد مشروع قانون اللجوء”.
وقد ردّت تونس خلال جلسة “الاستعراض الدوري الشامل” الثالث لسجلها في مجال حقوق الإنسان أمام المجلس (يوم 21 سبتمبر 2017) بأنها تحتاح “مزيدا من الوقت” من أجل “التعمّق في دراسة مشروع القانون بالتنسيق مع كل الأطراف المتدخلة”.
كما أوصى مجلس حقوق الإنسان تونس بالانضمام إلى “الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم”.
وردت تونس على هذه التوصية بالقول إنها “تحتاج لمزيد تطوير المنظومة الوطنية في مجال الهجرة وإيجاد الحلول الملائمة والقابلة للتطبيق”.
في المقابل، أيّدت الدولة التونسية التوصيات المتعلقة “باتخاذ تدابير من أجل تعزيز آليات الكشف عن المهاجرين الضعفاء على الحدود وتحديدهم ومساعدتهم بمن فيهم القصّر وطالبي اللجوء المحتملين وضحايا الاتجار بالبشر حيث تم وضع دليل للإجراءات العملية للتعامل مع الذين يتم إنقاذهم بالبحر بالتنسيق مع الهياكل المتدخلة”.
إن اعتماد قانون لجوء في تونس يستدعي (مثلما أكدت ذلك الدولة التونسية) تحقيق توازن بين التزامات تونس الدولية، واعتبارات أخرى أكثر أهمية منها الحق في حماية أمننا الوطني، خاصة في ظل الفوضى العارمة في جارتنا الشرقية ليبيا، بالإضافة إلى التكاليف المالية “المرهقة” لمعالجة وضع اللاجئين في وقت يعاني فيه الاقتصاد من الركود والمالية العمومية من شحّ الموارد التي لا يمكن تغطيتها إلا بالقروض والهبات الخارجية.