ماجد البرهومي: النخب خانت الثورة.. والشارع التونسي بلا قيادة موحّدة

2
ماجد البرهومي: النخب خانت الثورة.. والشارع التونسي بلا قيادة موحّدة
ماجد البرهومي: النخب خانت الثورة.. والشارع التونسي بلا قيادة موحّدة

حذامي خريّف

أفريقيا برس – تونس. في وصفه لما تعيشه تونس من تحولات سياسية واجتماعية عميقة منذ أكثر من عقد، يقول الكاتب السياسي التونسي يقول ماجد البرهومي في حوار مع “أفريقيا برس” إن “النخب خانت اللحظة بعد الثورة.. والشارع بلا قيادة موحّدة”.

وفي ظل تجدد الأسئلة حول دور النخب، موقع الأحزاب، ومآلات الشارع التونسي، يفتح “أفريقيا برس” باب النقاش مع ماجد البرهومي، وهو أحد الأقلام التحليلية التي ما فتئت تواكب المشهد التونسي عن كثب، وتطرح قراءات نقدية لمسار ما بعد 2011، من موقع القريب من النبض الشعبي والمتابع لانحرافات النخب على حدّ سواء.

البرهومي، المعروف بكتاباته الجريئة وتحليلاته الاجتماعية والسياسية الحادّة، ومؤلف كتاب بورقيبة الحاضر الغائب، يفتح في هذا الحوار ملفات النخبة، انهيار الثقة بين الأحزاب والمواطنين، غياب القيادات، وتشتت الشارع التونسي، محاولا رسم ملامح لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الفعل السياسي في تونس.

تونس كثيرا ما توصف بأنها مختلفة عن محيطها المغاربي، خاصة من حيث التجارب السياسية والإصلاحية. ما سر هذا التميز؟

تتميز تونس على محيطها الإقليمي المغاربي بأنها البلد الذي عرف حركات إصلاحية في مراحل متعددة من تاريخه وراكم تجارب عديدة في هذا المجال وليس من باب الصدفة أن تنشأ فيه عائلات سياسية متعددة أفرزتها الحركات الإصلاحية وتطور مستوى الوعي بفضل التعليم. كما ظهرت في تونس منظمات وجمعيات بداية من القرن التاسع عشر وصولا إلى يوم الناس هذا ساهمت في الارتقاء بمستوى تفكير التونسيين وأفرزت نخبا اضطلعت بأدوار هامة خلال مراحل متعددة من التاريخ الحديث للبلاد التونسية.

بعد 14 جانفي 2011، ظهرت مؤشرات على عجز هذه النخب، ماذا حدث؟

نخب البلاد سواء تعلق الأمر بنشطاء الأحزاب السياسية أو الفاعلين في المجتمع المدني وجدوا أنفسهم مباشرة وبعد 14 جانفي 2011 أمام استحقاقات هامة تقتضي منهم لعب الدور الطلائعي الذي كانوا مطالبين به لإنقاذ الأوضاع من التردي. لكنهم لم يكونوا على استعداد للقيام بهذه المهمة الجسيمة التي فاجأت البعض وساهمت في فشلهم فشلا ذريعا خاصة وأنهم لم يمارسوا الحكم من قبل ولا دراية لهم بمتطلباته.

هل هذا ما أدى إلى القطيعة بينها وبين الشارع؟

بالتأكيد. فقد ساهم انصراف النخبة السياسية إلى تقاسم كعكة الحكم واعتباره غنيمة، وعدم إيلائها الأهمية اللازمة لمطالب الشعب الاقتصادية والاجتماعية التي خرجت فئة منه من أجلها يوم 17 ديسمبر 2010، في حصول القطيعة بينها وبين مسانديها حتى أصبحت اليوم عاجزة عن تحريك شارعها وحشد الأنصار. لقد فقد رجل الشارع العادي ثقته في الأحزاب السياسية نتيجة للعربدة التي شهدها من بعضها خلال السنوات الماضية وأخذ الأحزاب التي لم تكن طرفا فيما آلت إليه البلاد من خراب بذنب الآخرين ولم يميز بين هذا وذاك.

هناك من يتحدث عن ترذيل ممنهج للنخب من طرف السلطة، هل هذا صحيح؟

ساهمت بعض الأطراف الحاكمة في ترذيل النخب واحتقارها عبر تأليب الشارع عليها وإطلاق مقولات أفقدت الجميع هيبتهم من “قبيل نكبتنا في نخبتنا” وغيرها من المقولات التي طبعت تلك المرحلة وتم فيها استهداف جميع العائلات السياسية وجميع المنظمات وجميع القطاعات الهامة والحيوية بالتشويه والقذف. فقد أصبح كل منتم لحزب سياسي أو منظمة وطنية أو لبعض المهن الطلائعية فاسدا ومجرما ولصا وباحثا عن الغنائم إلى أن تثبت براءته، ولن تثبت في أذهان البعض حتى وإن أثبتتها كل محاكم العالم.

ماذا عن إقصاء الأجسام الوسيطة، كالأحزاب والمنظمات؟

عدم إيمان المنظومة الحالية بالأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات وغيرها ساهم في إبعادها عن دائرة القرار فانفض من حولها المتمعشون والانتهازيون والراغبون في الارتماء في أحضان من يحكم في جميع العهود ومع كل الأطياف. كما ساهم نظام الاقتراع على الأفراد في الانتخابات في استغناء الراغبين في الترشح إلى المناصب والمشاركة في الحكم من المواطنين عن الأحزاب السياسية وتحقيق طموحاتهم بعيدا عن الأحزاب.

كيف أثر غياب المال السياسي على الحراك الانتخابي؟

ساهم قطع الطريق على المال السياسي الحزبي، المحفز للأنصار و”المؤلفة قلوبهم” على الذهاب إلى صناديق الإقتراع، في انصراف الكثير من الناخبين عن الشأن الانتخابي. فبالنسبة إلى البعض فإن الانتخاب ليس حقا وواجبا لمواطن تجاه دولته ومشاركة منه في الشأن العام وإنما وسيلة للحصول على منافع مادية حتى وإن كانت بسيطة وتقتصر على يوم الاقتراع وهذه الفئة كانت في وقت سابق تساهم أيضا في الحشد الشعبي الحزبي في الشارع وحين غاب المحفز المالي غابت.

هل ترون أن غياب القيادات عن المشهد ساهم في تجميد الحراك السياسي؟

لا يجب إغفال مسألة وجود قيادات حزبية، لها وزنها في عائلاتها السياسية ومؤثرة في تنظيمها، وراء القضبان الأمر الذي ساهم في خلو الشارع من مؤثرين حقيقيين. فالقيادات في الحزب الدستوري الحر لم تستطع ملء الفراغ الذي تركته عبير موسي ولا حركة النهضة وجدت ضالتها في غير راشد الغنوشي ولا حتى الحزب الجمهوري تمكن من تعويض عصام الشابي. وبالتالي بان بالكاشف أن الأحزاب السياسية في تونس هي أحزاب رؤسائها ومؤسسيها وهي مرتبطة بهم إلى حد كبير وقد تندثر بغيابهم عن المشهد السياسي أو قد يقل تأثيرها في المشهد السياسي للبلاد.

إذن من يقود الشارع التونسي اليوم إذا؟

في الحقيقة فإنه لا يوجد شارع تونسي واحد، بل شوارع إن صح التعبير وهي مختلفة في توجهاتها. فالغالبية العظمى من التونسيين انصرفت اليوم للبحث عن قوت يومها وتحسين معيشتها ولم تعد معنية كثيرا بالشأن العام وقد أصيبت بخيبة أمل كبرى من الطبقة السياسية في وقت سابق والتي زادت طينها بلة الانقسامات التي نراها اليوم في المعارضة وآخرها ما حصل في جبهة الخلاص.

كما أن هناك فئة من التونسيين مساندة لرئيس الجمهورية ولمسار 25 جويلية ومازالت ترى في الرئيس سعيد المنقذ والمصحح لمسار الثورة. ومن بين هؤلاء مساندون سابقون كثر للمنظومات السابقة بحثوا في حركة النهضة على من يخاف الله وفي نداء تونس عن هيبة الدولة وخاب ظنهم فبحثوا عن الأستاذ الجامعي نظيف اليد ويتمنون أن لا يخيب أملهم أيضا.

أما أنصار الأحزاب السياسية الكبرى من الأوفياء فإنهم بانتظار متغيرات جديدة على الساحة السياسية على غرار الإفراج عن رؤساء أحزابهم أو حصول مصالحة سياسية وذلك لاستئناف نشاطهم بالوتيرة التي كان عليها الأمر في السابق. ولا يبدو أن ذلك سيحصل على المدى القريب بالنظر إلى عدة أسباب لعل أهمها أن المنظومة الحالية لا رغبة لها في مد يدها لمن تعتبرهم مسؤولين عن الخراب الذي طال البلد وشمل جميع المجالات.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here