حوار آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد محسن السوداني القيادي في حركة النهضة التونسية في حواره مع “أفريقيا برس” أن الهدف من تغيير اسم حركة النهضة وفق ما ذكرته الأمانة العامة مؤخرا، يأتي في” إطار سعيها للتجديد والتطوير وفي إطار مراجعات عميقة تعمل الحركة على بلورتها بالتزامن مع مؤتمرها الحادي عشر”، وأنه “لا علاقة لهذا التغيير بالموقف من السلطة حيث أن الحركة ليست في عزلة سياسية ولا في صدام مع أحد”، حسب وصفه.
وأقر السوداني أن “الحركة تأخرت كثيرا في تنظيم مؤتمرها الحادي عشر حيث قادت الاعتقالات والإيقافات التي طالت قياداتها إلى تأجيله”، لافتا أن “هدف المؤتمر على الصعيد الداخلي هو التجديد أو الانتقال القيادي، أما خارجيا فإن رهان الحركة الأساسي هو استعادة المسار الديمقراطي بالبلاد”.
ومحسن السوداني هو عضو المكتب التنفيذي ومجلس الشوري لحركة النهضة ويعد من أبرز قياداتها، وهو نائب سابق بالبرلمان التونسي.
هل ستتجه حركة النهضة إلى تغيير اسمها وما غاية الحركة من هذا التغيير؟ هل يأتي في إطار مساعيها للتهدئة مع السلطة ومحاولة لفك القيود المفروضة عليها؟
فكرة تغيير الاسم طُرحت في سياق الحوار الذي أجرته لجنة الإعداد المضموني للمؤتمر الحادي عشر، وذلك مقترح ورد بدوره في سياق أعمّ وأشمل. وهو تجديد الحركة وتطويرها. وكما هو معلوم فإنّ الإعداد للمؤتمر انطلق قبل انقلاب 25 جويلية 2021. ولذلك فإنّه لا علاقة للأمر بالموقف من السلطة ولا بأيّ مقصد أو عامل خارج عن الاستحقاق الداخلي للحركة. فلا نحن في عزلة سياسية ولا في صدام مع أحد. وإنما هي اختلافات وتباينات سياسية. ثمّ إنّ الاسم دال. وقيمته لا تكمن في ذاته بل في ما يحيل إليه من معنى. كما أنّ الفكرة باقية وثابتة. أما المتحوّل فهو الشكل أو اللباس أو الهيئة الثقافية التي تتّخذها تلك الفكرة، سواء كان بهذا الاسم أو ذاك.
هناك من يرى أن الحركة من خلال تغيير الاسم تحاول التنصل من ارث وعباءة الغنوشي والتقرب أكثر للقوى العلمانية بالبلد؟
كلمة التنصّل تحيل إلى معنى سلبي، كما لو أنّ الحركة تريد أن تتخلّص من قياداتها. وهذا غير صحيح بالمرة. فمن المروءة السياسية كما من شروط التطور الراسخ الوفاء والاعتراف للمؤسسين. ولكن بالمقابل فإنّ من يريد أن يؤمّن البقاء ويضمن الاستمرار عليه أن يتغيّر ويتطوّر. وإن لم يفعل تحنّط وزال. ولو ركنت الأحزاب إلى الشخوص والرموز التي كان لها فضل التأسيس والسبق، ما كان لها أن تتواصل في الزمن. ومن ناحية ثانية، فإنّ العلاقة بالقوى العلمانية لا تحتاج إلى تغيير الاسم، ذلك أنّنا قبل الانقلاب، وخاصة بعده، نعيش التقاءً في المواقف السياسية وتنسيقا في الأداء الميداني. وتبقى الاختلافات موجودة وقائمة. ومن الخطأ البحث عن التماهي أو التماثل معها. فلكلّ خصوصيته. ويكفي أن يكون الإيمان بقيم الحرية والديمقراطية الفضاء الجامع والمشترك بيننا. حاصل الأمر أنّ التفكير في تغيير الاسم لا علاقة له بمثل هذه التخمينات أو التقديرات. وإنما يأتي في إطار التجديد والتطوير الذي تسعى إليه الحركة.
بالعودة إلى التجارب السابقة كان هناك محدودية للتغيير داخل الحركة، هل اختارت القيام بمراجعات عميقة بعد اعتقال قياداتها التاريخيين للحفاظ على تواجدها بالمشهد؟
مطلب المراجعات أمر سابق بكثير على اعتقال القيادة التاريخية. وقد اقتضته التطورات التي مرت بها الحركة والبلاد. وهي شرط لا غنًى عنه للحفاظ على الوجود. ولا يمكن لحزب مرّ بتجربة حكم صاخبة ومكتظّة بالأحداث النوعية، في مرحلة انتقالية صعبة، أن لا يقوم بمراجعات. التقدم إلى التونسيين بعرض سياسي جديد يقتضي إجراء تلك المراجعات والتقييمات كمقدّمة تبنى عليها الخلاصات. يمكن القول إنّ المراجعة والتقييم هما بمثابة جسر عبور من رؤية إلى أخرى ومن صورة إلى أخرى. ذلك أنّ الانتقال لا يكون هكذا بالقفز في الهواء. وإنما يتمّ عبر ذلك الجسر. وقد سبق لنا، ونحن نستعدّ لانجاز المؤتمر العاشر، أن استفدنا من آراء وتقييمات وأفكار نخب فكرية وسياسية من خارج حركة النهضة ومن خارج المرجعية الفكرية التي نتبنّاها. حيث قمنا باستشارات واسعة وسماعات عميقة لكل من نستأنس فيه الرأي النقدي البنّاء من ذوي التفكير والتقدير النظري والسياسي. ونعتزم الآن أيضا القيام بذلك لأن الرأي الآتي من مرجعيات فكرية وسياسية مغايرة يمكن أن يكون أكثر إثراءً ونفعًا.
هناك غموض بشأن موعد المؤتمر ال11 للحركة، أي توقيت ستختاره الحركة لانعقاده وضمان نجاحه وماهي أبرز رهاناته ؟
يجب الإقرار بأننا تأخرنا كثيرا في إنجاز المؤتمر الحادي عشر. وقد كنا قبل الانقلاب نستعد لعقده. وقد أنجزت لجنة الإعداد المضموني للمؤتمر ورقات جيدة في العرض صادق عليها مجلس الشورى. لكن للأسف تعطّل مسار الانجاز لعدة أسباب، منها اعتقال القيادات التاريخية وغلق مقرات الحركة ومنع الاجتماعات والتضييق على النشاط السياسي. وما تعيشه البلاد من أزمة مركّبة. ونحن الآن بصدد العمل لاستجماع الشروط الضرورية لإنجازه. أمّا أبرز الرهانات التي يدور حولها المؤتمر فهي صنفين: داخلية تهمّ الحركة. وخارجية تهمّ الوطن. أما الداخلية فهي بإيجاز: التجديد اأو الانتقال القيادي، تقييم التجربة السابقة وتقديم عرض سياسي جديد. وأما فيما يخصّ الوطن، فإنّ الرهان الأساسي هو: استئناف المسار الديمقراطي.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، هل ستقدمون كمعارضة تونسية مرشحا للانتخابات وستشاركون فيها أم ستكتفون بالمقاطعة كحال الاستحقاقات السابقة؟
ما زالت مؤسسات الحركة لم تبتّ بعد في الموضوع. لكن الأرجح أننا في حركة النهضة لا نعتزم تقديم مرشّح. بقي أننا معنيون بالانتخابات الرئاسية. ونتداول بشأنها مع الشركاء والفاعلين السياسيين. مع العلم أن الانتخابات ليس مجرد إجراء يقوم بمقتضاه المواطن بوضع ورقة في الصندوق. وإنما هي حدث مميّز ومصيري للبلاد، يمكن وصفه بالعرس أو المهرجان الديمقراطي. الانتخابات قبل كل شيء هي مناخات سليمة. ولذلك فإنه يجب أن تتوفر شروط النزاهة والآمان الاجتماعي والسياسي والحياد الإداري والشفافية والمراقبة الأمينة. أما إذا لم تتوفر هذه الشروط فلا أعتقد أنها ستكون مناسبة ناجحة. وقد تشهد عزوفًا ومقاطعةً واسعة من الشعب التونسي على غرار ما حصل في مناسبات انتخابية سابقة، حيث كانت النسب متدنية جدا وغير ممثّلة للتونسيين.
هل ستواجه الأحزاب المعارضة برأيك صعوبة حقيقة في إقناع الشارع بتجديد الثقة لها خاصة مع تراجع الاهتمام بالشأن العام؟
نحن الآن نعيش ما يشبه موت السياسة. أو بدرجة أقلّ، احتضار السياسة. التونسيون يشعرون بخيبة أمل تجاه الجميع، سلطة ومعارضة. ولم يقنعهم أحد. فهم لم يستجيبوا لنداءات الرئيس في مختلف المحطات السياسية، كما أنهم لم يستجيبوا لأصوات المعارضة. يمكن القول أنهم في حالة انصراف إلى شأنهم الخاص منكفئين على أنفسهم تستبد بهم هواجس اليومي. ولكنهم يراقبون أيضا وينتظرون بديلا مقنعًا. الخشية أن يتواصل الانسحاب طويلا ويُورث لدى الناس شعورًا باليأس والإحباط. الموقف الشعبي يستغرق وقته الطبيعي واللازم كي يكتمل. ولا موجب للعجلة. المشغل الأساسي هو حجم الكلفة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأخلاقية التي يمكن أن تتحمّلها البلاد جرّاء هذا الفتور العام.
على ما يبدو تواجد الحركة في مؤسسات الحكم بعد الثورة أفقدها التواصل المستمر مع قاعدتها الشعبية، هل هناك خطط جديدة لإحياء هذه القاعدة باعتبارها مخزون بشري واجتماعي للحركة؟
من المعلوم أن الدولة تروّض الأيديولوجيا وتطوّقها باكراهات الحكم والمسؤولية وتشفط الكثير من بريق المعارضة. وهو ما يؤثر سلبًا على كل حزب أو كيان يتولّى السلطة. وقد أدركنا نحن في النهضة هذا الأمر، حيث استغرقنا الشأن العام بتفاصيله المعقدة والدقيقة وأوشك أن يحدث مسافة بيننا والناس، لم نتفطّن إليها في البداية. غير أننا انتبهنا إلى تراجع الحاضنة الشعبية لما تراجعت نسب الإقبال على التصويت لصالحنا. وهو درس مهمّ في العمل العام. صحيح أنّ السلطة والمسؤولية شبكة معقدة ودقيقة قد تحجب الرؤية أحيانا وتمنع الاتصال، لكن كان علينا التهيّب لهذا المحذر والتفطن إليه منذ البدء. ونقدر أنه بالإمكان استعادة الحاضنة الشعبية إلى اتساعها وقوتها السابقين، بشرط أن تتوفر ظروف سياسية مناسبة للعمل. أما استمرار الاعتقالات والمحاكمات والتضييقات على الحريات فإنها غير مواتية وغير مشجعة..
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس