آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. قيّم محسن حسن وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي في حواره مع “أفريقيا برس”، مشروع قانون الموازنة الجديد الذي بدأ البرلمان التونسي النظر في فصوله مؤخرا، مشيرا إلى “تضمن القانون إجراءات ايجابية تكرس البعد الاجتماعي للدولة وتدعم الفئات الهشة والضعيفة، غير أن توجهه في البعد الاقتصادي إلى السوق الداخلية ستكون له تداعيات سلبية على الاستثمار كما أنه يزيد الضغوط على موارد الدولة”.
ورأى أن “الخروج من الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها البلد منذ سنوات يتطلب القيام بإصلاحات عاجلة وإصلاح مناخ الأعمال وتحسين الترقيم السيادي وإعادة ثقة المستثمر، إضافة إلى الانفتاح على الاقتصادات الصاعدة بالعالم مثل الصين وإبرام شراكات ناجعة معها”.
ومحسن حسن هو سياسي وخبير اقتصادي تونسي، وقد سبق أن شغل منصب وزير للتجارة سنة 2016.
ما هي قراءتكم لمشروع الموازنة الجديد في تونس الذي أثار جدلا خاصة فيما يخص توجهه نحو الترفيع في الضرائب على الموظفين وعلى الشركات الكبرى؟
لقد وقع إعداد مشروع قانون الموازنة للعام الجديد في ظرف اقتصادي دولي ووطني صعب، اليوم هناك أزمة يعاني منها شركائنا في الاتحاد الأوروبي، كما أن الاقتصاد الوطني بدوره يعاني صعوبات وقد عجز عن تجاوزها إلى حد اللحظة.
ركز قانون المالية لسنة 2025 في اعتقادي على عدة خيارات، الخيار الأول الواضح والجلي هو البعد الاجتماعي للدولة والإحاطة بالفئات الاجتماعية الهشة، حيث هناك عديد الإجراءات التي وقع اتخاذها في هذا الإطار مثل الحماية الاجتماعية لفائدة العاملات بالقطاع الفلاحي وإحداث صندوق للغرض، وإحداث صندوق للتأمين ضد فقدان مواطن الشغل لأسباب اقتصادية، وكذلك مراجعة جدول الضريبة الذي ذهب في اتجاه دعم المقدرة الشرائية لضعاف الحال والفئات المتوسطة، هذا فيما يخص الجانب الاجتماعي.
بالنسبة للجانب الاقتصادي، أعتقد أنه هناك توجه لدعم بعض القطاعات كالاقتصاد الأخضر والمؤسسات الناشئة أو الاقتصاد الدائري، وقد وقع تخصيص قرابة 11 خط تمويل، هناك أيضا نقطة ايجابية أخرى وهي مواصلة برنامج إعادة الهيكلة المالية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وهو برنامج مهم جدا خاصة في هذه الظرف الاقتصادي التي تمر به البلاد. أيضا المعطى الثالث، هو مسألة إدماج أو مقاومة الاقتصاد الموازي ومقاومة التهرب الضريبي والإصلاح الجبائي وهو توجه سليم لكن لم نرى إجراءات فعالة لتحقيق هذه الأهداف.
من ناحية الأرقام الرئيسة الواردة في مشروع القانون وفي ظل غياب تقرير المالية، في اعتقادي هي أرقام لديها دلالات أولها أن نفقات الدولة دون خدمة الدين ستكون في حدود 60 مليار دينار وفي مستوى نفقات سنة 2024، وبالتالي لا يوجد تطور كبير لنفقات الدولة، بالنسبة للموارد سنكون في حدود 50 مليار دينار، أما العجز المتوقع في ميزانية الدولة سيكون في حدود 10 مليار دينار، كما أن الدولة مطالبة باقتراض 28 مليار دينار من الخارج ومن الداخل لتعبئة تمويل العجز وخدمة الدين التي تمثل نسبته في حدود 18 مليار دينار. وستكون القروض على هذا النحو: 6 مليار دينار اقتراض خارجي مقابل 16 مليار دينار لسنة 2024، وبالتالي هناك تقليص كبير في اللجوء إلى الاقتراض الخارجي وهو ما يكرس مبدأ التعويل على الذات الذي تنتهجه السلطة السياسية.
وبالنسبة للاقتراض الداخلي سيكون في حدود 22 مليار دينار وهو رقم ضخم والسؤال المطروح هو: هل أن سوق المالية التونسية قادرة على توفير هذا المبلغ المشط أم لا.
أما فيما يخص الإجراءات الضريبية للأفراد والأداء على المداخيل، برأيي أكثر إجراء يهم التونسيين اليوم هو مراجعة سلم الضريبة وتغيير الشرائح والغاية من هذا الإجراء هو تقليص الضغط الجبائي على الفئات الاجتماعية وبالتالي تطوير قدرتهم الشرائية.
الخلاصة هو أن هناك فئات اجتماعية ستستفيد وقدرتها الشرائية ستتحسن أما الفئات المتوسطة والتي لديها دخل خاضع للضريبة بأكثر من 50 بالمئة ستتضرر وسيتراجع ادخارها.
هل التوجه نحو الاقتراض الداخلي، يخفف من عجز الموازنة التونسية أم لا؟
طبعا مسألة التوجه نحو الاقتراض الداخلي مسألة تستدعي مزيد من الاهتمام في تونس، واللافت في قانون المالية لسنة 2025 أنه تقريبا 80 بالمئة من موارد الاقتراض ستكون من السوق الداخلية وهنا سيتم اللجوء إلى النظام البنكي والمصرفي، وأيضا أعتقد أنه سيقع اللجوء إلى البنك المركزي للتمويل المباشر لتعبئة أو برمجة 22 مليار دينار من السوق المالية التونسية.
بالنسبة لعمق السوق المحلية، أعتقد أن اللجوء المفرط للتداين الداخلي يتجاوز قدرات النظام المالي والمصرفي خاصة أن هذا النظام مطالب بالتوجه نحو تطوير القروض الموجهة للاستثمار والاستهلاك.
في السنة الماضية نسبة الطلب الداخلي على القروض لم تتجاوز إجمالا 1 أو 1,5 بالمئة، وإذا أردنا الترفيع في نسب الاستثمار والتشغيل علينا الترفيع الطلب الداخلي على تمويل الاستثمار وتوجيه موارد البنوك التونسية نحو تمويل الاستثمار وهو دورها الأساسي، وبالتالي أعتقد أن التوجه المفرط نحو السوق المالية التونسية سيكون له تداعيات سلبية على توجه البنوك لتمويل الاستثمار وتمويل الاستهلاك.
ذكرت مؤخرا أن ترفيع الأداء العقاري في مشروع الموازنة الجديد في غير محله، كيف ذلك؟
القطاع العقاري أو قطاع البناء هو قطاع اقتصادي اجتماعي مهم جدا من حيث تشغيل الفئات الهشة ومهم جدا نحو جر بقية القطاعات نحو النمو لتحقيق نشاط أكثر، وهذا القطاع يواجه صعوبات عديدة من بينها هو ارتفاع الأسعار، كما أن إخضاع البعث العقاري إلى نسبة الأداء على القيمة المضافة إلى حدود 19 بالمئة سيزيد من متاعب هذا القطاع في تونس، لذلك أطالب مجلس النواب بتأجيل تطبيق هذا القرار أو إلغائه حيث أن إخضاع قطاع البعث العقاري إلى نسبة أداء على القيمة المضافة في حدود 19 بالمئة يكبل هذا القطاع أكثر ويزيد من متاعبه.
ذكرت أيضا أنه رغم تحسن الترقيم السيادي لتونس لكن مازلنا في درجة خطر كبرى، لماذا مازال يشكل هذا الترقيم عائقا أمام تدفق الاستثمارات الكبرى؟
طبعا الترقيم السيادي لتونس رغم تحسنه مؤخرا، وهو تحسن طفيف، لا يحجب القول أننا لازلنا في درجة المخاطر ولا يُمكّن تونس من الخروج إلى السوق العالمية لتعبئة الموارد المالية هي بأمس الحاجة إليها، ولا يمكن أيضا من جلب الاستثمارات الكبرى، وبالتالي على المجموعة الوطنية الكبرى ومؤسسات الدولة أن توفر أسباب الخروج من هذا الترقيم السيادي في درجة المخاطر والعودة إلى درجة الاستثمار حتى نتمكن من تعبئة الموارد المالية من الخارج من السوق العالمية وحتى نتمكن من جلب الاستثمارات الكبرى، وقد يكون بوسعنا تحقيق ذلك في حال قمنا بتطوير مناخ الأعمال وإصلاحه، فهو الحل الأنسب لتطوير ترقيمنا السيادي.
هل يمكن أن تدعم الشراكة بين تونس والصين مناخ الأعمال في البلاد، أم أن الاختلال الكبير في التجارة بين البلدين يصعب ذلك؟
الصين شريك اقتصادي مهم لتونس لكنه للأسف هو أكثر بلد نحقق معه عجزا في الميزان التجاري وذلك على مدى سنوات عديدة، وهذا يعود لأهمية الصين كمزود للاقتصاد العالمي وكمزود للمواد الأولية والمصنعة والمواد الاستهلاكية.
في اعتقادي العمل مع الصين لا بد أن يرتكز على جانبين: الأول هو تقليص وارداتنا من المواد الاستهلاكية من الصين الغير ضرورية للدورة الاقتصادية، ثانيا، العمل على تطوير شراكة طويلة المدى معها، فهي عملاق اقتصادي لذلك يجب أن نجذبها كمستثمر وهي تستثمر في مشاريع مجدية للطرفين. لذلك لا بد أن ندرس مطالب الصين وندفع نحو تعاون وشراكة حقيقة معها خاصة أننا في أمس الحاجة إلى تطوير قطاعات مثل قطاع النقل والصحة والتعليم والبنية التحتية، لذلك بوسعها أن تكون شريك مهم جدا لتطوير هذه القطاعات. لكن علينا أن نتوجه إليها بنظرة جديدة، لا بد أن نكون أذكياء في بناء شراكة قوية معها.
كوزير تجارة أسبق وخبير اقتصادي كيف يمكن إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية؟
من وجهة نظري من المهم استعادة ثقة المستثمر في بلده وثقة الشريك الأجنبي من خلال التواصل الايجابي وتحسين الترقيم السيادي ومن خلال تحسين المؤشرات المتعلقة بالتنافسية، ثم المرور إلى الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، حيث ليس أمامنا خيار اليوم للخروج من الأزمة إلا بالانطلاق بإصلاحات ورؤية اقتصادية جديدة وسياسات قطاعية جديدة ونظرة جديدة لمناخ الأعمال، وأيضا المضي في إصلاحات تهم المالية العمومية والسعي نحو تقليص العجز التجاري والضغوطات على ميزان الدفوعات وبالتالي الحد من لجوءنا للتداين الخارجي والتحكم في التضخم والعودة إلى التنافسية للاقتصاد الوطني، وأيضا القيام بإصلاحات في قطاع الجباية والاهتمام بالمؤسسات العمومية وكل المجالات التي تحقق التوازنات المالية الكبرى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس