محمد الحامدي لـ”أفريقيا برس”: عزوف الشارع في الانتخابات رسالة للسلطة والمعارضة، وأزمة الشرعية والمشروعية ستتواصل

55
محمد الحامدي: عزوف الشارع في الانتخابات رسالة للسلطة والمعارضة، وأزمة الشرعية والمشروعية ستتواصل
محمد الحامدي: عزوف الشارع في الانتخابات رسالة للسلطة والمعارضة، وأزمة الشرعية والمشروعية ستتواصل

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أكد القيادي السابق في حزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي أن “نسبة الإقبال الضعيفة في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها تونس يوم 6 أكتوبر 2024، وتواصل عزوف الشارع عن الشأن العام هو رسالة للسلطة والمعارضة على حد سواء بسبب عجز النخب على تحسين الأوضاع المعيشية”.

وتوقع في حوار مع “أفريقيا برس” أن “تتواصل أزمة الشرعية والمشروعية في البلاد على خلفية نتيجة المشاركة الضعيفة في السباق الرئاسي وبسبب ما شاب المسار الانتخابي من تجاوزات وتضييقات على المترشحين”، كما اعتبر أنه من “الإجحاف محاسبة المعارضة بمعايير الديمقراطية في سياق لم يعد ديمقراطيا بالأساس”، وفق وصفه.

واعتبر أن “التهدئة التي يروج لها المقربون من الرئيس قيس سعيد مؤخرا تعكس وعيا لدى السلطة بأن خطاب التخوين واستهداف المعارضين استنفذ أغراضه وأنها لم تعد قادرة على مواجهة تداعيات الاحتقان السياسي والاجتماعي، وأيضا بمثابة محاولة لإخضاع المعارضة التي تعتبرها السلطة اليوم مهزومة”.

ومحمد الحامدي هو سياسي تونسي سبق أن شغل منصب وزير التربية والتعليم سنة 2020، وهو قيادي سابق في حزب التيار الديمقراطي.

ما هي قراءتكم للمشهد السياسي التونسي بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية؟

لن يتغير المشهد السياسي التونسي كثيرا وستبقى أزمة المشروعية والشرعية تلقي بضلالها على وضع السلطة الحاكمة حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات 27 بالمائة من الجسم الانتخابي وهي من أضعف نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية في العالم، هذا فضلا عن الخروقات والتضييقات الجسيمة التي شابت المسار الانتخابي والتي جعلت منه عملية معلومة النتائج مسبقا، من حيث التضييق على المترشحين وسجن البعض منهم وعدم التزام هيئة الانتخابات بقرارات المحكمة الإدارية المختصة في النزاع الانتخابي وإقصاء ثلاثة مرشحين بدون أي وجه قانوني وتغيير القانون الانتخابي بضعة أيام قبل يوم الاقتراع، كل التجاوزات أفسدت المسار الانتخابي وأفرغته من رهاناته، مما جعل موقف اللامبالاة والعزوف عن الصناديق هو الغالب على مزاج الناخبين.

أزمة الشرعية والمشروعية تتواصل رغم تهديدات هيئة الانتخابات ومحاولتها إخراس الأصوات التي قد تشكك في الانتخابات أو حتى تطعن في دلالتها السياسية، وبصرف النظر عن الناحية التقنية لعملية الاقتراع لم تنجح الانتخابات في ترميم الشروخ العميقة بين السلطة الحاكمة وخصومها ولا تجسير الهوة مع عموم المواطنين.

هل كشف التأييد الواسع الذي حظي به رئيس سعيد عن حجم الهوة بين الشارع والمعارضة التونسية؟

أعتقد أننا نحتاج إلى تنسيب الحديث عن شعبية قيس سعيد فهذه النسبية التسعينية العتيقة والتي تحوم عديد التساؤلات حول السياق السياسي الذي جاءت فيه، هي نسبة تخفي عزوفا أو مقاطعة أكثر من سبعين بالمائة من التونسيين لصندوق الاقتراع وهذا العزوف رسالة للسلطة وللمعارضة.

طبعا لا يمكن التغاضي عن الأزمة الهيكلية التي تعاني منها المعارضة أو المعارضات من حيث تشتتها وعدم قدرتها على توحيد الموقف من نظام قيس سعيد ومن الانتخابات تحديدا، وعدم قدرتها على تعبئة المواطنين، رغم إن إخفاقات سلطة قيس سعيد في معالجة كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعجزها الفاضح عن تحسين حياة الناس كان يمكن أن يمثل مضمونا قويا لخطاب المعارضة وإن كان من الإجحاف محاسبة المعارضة بمعايير الديمقراطية في سياق لم يعد ديمقراطيا، وإنما يتميز بتنامي التسلطية ومصادرة الفضاء العمومي، والتضييق على المعارضين وملاحقتهم أمنيا وقضائيا بحيث أصبح من غير الدقيق الحديث عن معارضة وربما من الأفضل الحديث عن مقاومة لتوجه السلطة الانفرادي التسلطي.. إجمالا تحتاج القوى المعنية باستعادة الديمقراطية إلى مراجعة جذرية لخطابها ولآليات عملها في اتجاه الالتقاء حول المشترك الأدنى الديمقراطي وفي اتجاه ربط الديمقراطية بمعيش المواطنين.

لماذا فشلت المعارضة بمختلف أطيافها في استرجاع ثقة الشارع، أم أن المعركة الانتخابية كانت غير متكافئة بالأساس ولصالح مرشح السلطة؟

المناخات التي دارت ضمنها الانتخابات لم تكن سليمة مطلقا، فقد تميزت بتطويع القضاء، واستهداف قيادات الحركة السياسية التونسية وتدجين الإعلام والتضييق على المترشحين بحيث ظهر المسار منذ البداية غير موثوق، لذلك اعتبره جزء أساسي من قوى المعارضة بكونه مجرد مسار لبيعة صورية لإعادة إنتاج انفراد الرئيس قيس سعيد بالسلطة وتكريس إجرائي شكلي لانقلابه على دستور الثورة ومؤسسات الانتقال الديمقراطي، ومع ذلك انخرطت بعض فعاليات المعارضة في ديناميكية المشاركة والترشحات والتصويت دون أي رهان انتخابي جدي وإنما بغاية الاشتباك السلمي القانوني مع سلطة الحكم الفردي وتعرية تجاوزاته.

بماذا تفسر النتيجة الضعيفة التي حظي بها المغزاوي، هل عاقبته قوى المعارضة بسبب تأييده لمسار 25 جويلية؟

المرشح زهير المغزاوي عانى بالإضافة إلى ما يمكن أن يعاني منه أي مرشح آخر تجرأ على التفكير في منافسة قيس سعيد الماسك بكل الأجهزة والمتحكم في السياقات التي تدور فيها الانتخابات، فهو عانى أيضا من تبعات موقفه وموقف حركة الشعب من نظام قيس سعيد، فهم ساندو قيس سعيد للربع ساعة الأخير وحتى محاولات زهير المغزاوي في الأيام الأخيرة اتخاذ موقف نقدي من قيس سعيد كانت متأخرة جدا وغير ذات مصداقية على الأقل بالنسبة إلى معارضي قيس سعيد، بحيث لم يستفد المغزاوي من المعارضين لسعيد، بل يبدو أنه لم يستفد حتى من جزء من أصوات حركة الشعب والتيار القومي ممن واصلوا مساندتهم لسعيد، انعدام التموقع الواضح أضعف أيضا المغزاوي، ولربما كانت حظوظ القيادي سالم الأبيض الذي عبر عن اختلافه عن توجهات قيس سعيد مبكرا أفضل على الأقل في أوساط المعارضين.

كل هذا التحليل يجب تنسيبه بالنظر إلى أننا في كل الحالات لم نعش انتخابات “عادية” ديمقراطية مطابقة للمعايير الدولية سواء بالنسبة للمغزاوي أو للزمال.

بماذا تفسر ظاهرة العياشي زمال في حصوله على المرتبة الثانية في الانتخابات، وهل كانت وراء النتيجة بعض القوى المعارضة؟

الزمال استفاد من أصوات بعض المعارضين والنشطاء وإن لم يتمتع بدعم واضح وقوي من أحزاب أو جبهات سياسية واستفاد خاصة من حالة التعاطف الناتجة عن سجنه والتنكيل به.

هل تتوقع أن ينجح الرئيس سعيد في ولايته الثانية في إدارة الملف الاقتصادي، وهل يمكن أن يفتح صفحة جديدة مع القوى السياسية والأجسام الوسيطة ويتجه نحو الحوار لإنهاء الأزمة السياسية؟

لا أعتقد أن قيس سعيد قادر على معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والثلاثة سنوات الماضية والتي مارس فيها سعيد حكما مطلقا بصلاحيات واسعة، غير مسبوقة ودون معارضة أو قوة تعديل أعطت الدليل على أنه لم يقدر على الاستجابة للمشاكل الاقتصادية بطريقة ناجعة وفعالة وأنه اكتفى بخطابات التخوين والمؤامرات والملاحقة الأمنية والقضائية لخصومه ومعارضيه وحتى ما يقترحه من “مشاريع” كالشركات الأهلية والصلح الجزائي تبين بوضوح افتقارها لأي نجاعة ومردودية اقتصادية.

ما هي الرسالة التي أراد شقيق الرئيس، نوفل سعيّد أن يوصلها للشارع السياسي عندما قال على القوى الوطنية الالتقاء على قاعدة 25 جويلية؟

ربما تفسر حالة العجز خطاب التهدئة والحوار الذي يتردد لدى بعض القريبين من قيس سعيد، فهذه الدعوة قد تعكس حالة وعي بحقيقة المصاعب والتحديات التي ستواجه حكم قيس سعيد، وأن خطاب التخوين واستهداف المعارضين استنفذ أغراضه ولن يكون قادرا مستقبلا على معالجة الاحتقان الاجتماعي الذي قد ينتج عن الأزمة الاقتصادية، وأنه لم يعد بالإمكان التحجج بالمعارضة في تغطية الفشل بعد أن روج لهذا الخطاب طيلة ثلاثة سنوات.

كما يمكن أن يكون خطاب التهدئة والدعوة للدخول تحت مظلة 25 جويلية نوعا من محاولة فرض شروط الاستسلام على معارضة يتصورها القريبون من النظام مهزومة، ويعتقدون أن الفرصة أسنح ما يكون لإخضاعها وانتزاع اعترافها بشرعية نظام ظلت ثلاث سنوات تعتبره منقلبا وغير شرعي.

ولنكن إيجابيين فإن ما يعول عليه حقا ليس دعوات التهدئة المزعومة، بل الإجراءات الانفراجية الحقيقية، فالمطالب بالتهدئة في كل الحالات ليس المعارضة التي تدافع عن الحقوق الأساسية، بل السلطة التي جرفت الحياة السياسية وصادرت الحقوق والحريات واعتقلت المعارضين والمخالفين وفككت مؤسسات الانتقال الديمقراطي ودجنت القضاء والإعلام، من ينتظر منه التهدئة هو من يخون كل من خالفه من التونسيين ويستقوي عليهم بأجهزة الدولة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here