حوار آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبرت مريم الفرشيشي الناطقة الرسمية باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري في توني أن قانون المالية والميزانية لسنة 2024 لا يأخذ بعين الاعتبار واقع الاقتصاد التونسي المتردي والمتراجع ولا يعكس سياسة اقتصادية للدولة كما أنه مليء بالتناقضات حيث يؤكد الرئيس قيس سعيد على عدم وجود خوصصة إلا أنه في المقابل بعض الموارد المالية تتأتى منها، حسب تعبيرها.
وأشارت الفرشيشي في حوارها مع “أفريقيا برس” إلى أن تواصل إيقاف القيادات السياسية والمعارضين أمر مقلق وبمثابة تهديد لحريات الرأي والتعبير أبرز مكاسب ثورة يناير/جانفي 2011، وفي الوقت الذي تشهد فيه البلد تراجعا جليا لمسارها الديمقراطي لم تنجح الرئاسة والحكومات في مرحلة ما بعد 25 جويلية في تحقيق انجازات على صعيد اقتصادي واجتماعي تستجيب لتطلعات الشارع، حسب تقديرها.
ومريم الفرشيشي هي الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، وهي أستاذ مساعد بالتعليم العالي ومتحصلة على دكتوراه في العلوم البيولوجية.
في البداية انطلاقا من الأحداث التي تشهدها غزة ماهو موقفكم كحزب من هذه الأحداث، وماهو تقييمكم للدبلوماسية التونسية في دعمها لهذا الملف؟
ما يحدث في قطاع غرة مظلمة وجريمة في حق الشعب الفلسطيني والإنسانية جمعاء، وهذه الجريمة تحدث بتواطؤ دولي غربي معروف، وهي حرب إبادة جماعية لشعب اغتصب في أرضه و كيانه ووجوده. أما بالنسبة لموقفنا هو من المؤكد موقف منسجم مع موقف الشعب التونسي الذي عبر عنه في الشارع ومع الموقف الرسمي المتناغم مع الشعب ككل، هذا من ناحية المساندة والتنديد والاستنكار واعتبار القضية الفلسطينية هي قضيتنا، لكن علينا في المقابل التساؤل ماذا بوسعنا أن نفعل أكثر من بيانات التنديد، في الواقع نحن مثل غالبية الدول العربية لا نستطيع أن نقدم الكثير في هذا الملف نتيجة للضعف وللتردي الاقتصادي والثقافي والمعرفي، كما يجب أن نتسائل هل السيادة الوطنية لبعض الدول العربية هي سيادة مكتملة ولا يفوتني أن أعرب عن مساندتنا لقانون تجريم التطبيع الذي عرض مؤخرا على البرلمان.
حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري يقول أنكم لستم ضد الانتخابات المحلية، لكنها الآن دون جدوى، ماهي مآخذكم على هذه الانتخابات؟
أولا يهمني التذكير بأن حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لن يشارك في انتخابات المجالس المحلية وذلك بناءا على اعتبارنا أن ما حصل في 25 جويلية هو انقلاب على الشرعية وعلى الدستور وبالتالي كل ما ينجر عنه من إجراءات لا معني لها، ومن جهة أخرى يجب القول أنه نظريا هذه المجالس لها بالأساس دورا تنمويا و ليس تشريعيا أي أنها تعنى بالتنمية الجهوية وتفسح المجال للمواطنين لاختيار التنمية التي تتماشى معهم ، و من جهة أخرى فهي تلعب دورا تحكيميا أي أنها تنظر في أهمية المشاريع المقدمة وأولويتها وهذا منطقي من الناحية النظرية. وواقعيا نحن نعيش في دولة تعاني من المشاكل التنموية على جميع المستويات من مرافق عمومية ومستشفيات، في حين أن المشكل الحقيقي هو غياب الموارد المالية فكيف يمكن التخطيط والتحكيم في مشاريع تنموية تفتقد إلى الموارد اللازمة والتي أصلا لا وجود لها في قوانين المالية سواء قبل أو بعد 25 جويلية.
وصفتم قانون المالية الجديد انطلاقا من تصريحات رئيس الحزب لطفي المرايحي بالمليء بالتناقضات، أي خلل ترصدونه في السياسة الاقتصادية التونسية؟
نحن نعتبر النسخة الأولى لمشروع قانون المالية نسخة مطابقة للميزانية الماضية مع بعض الإجراءات أو التعديلات حيث لا وجود لإستراتيجية تعكس سياسة اقتصادية للدولة لأن الميزانية ليست فقط أرقام و مصاريف ومداخيل بل ما تعكسه لسياسة الدولة خلال فترة معينة خاصة، وفي الوقت الذي نمر فيه اليوم بأزمة كبيرة كان من المفروض أن تترجم بتدابير معينة في قانون المالية هذا إضافة إلي التناقضات الموجودة حيث أن رئيس الجمهورية يعلن أنه لا وجود للخوصصة في حين أن قانون المالية ينص على موارد متأنية من الخوصصة و من ناحية أخرى يعلن ريس الجمهورية أنه علينا التعويل على أنفسنا بعيدا عن التداين الخارجي وعكسه موجود في قانون المالية، إضافة إلي غياب نصيب قانون 38، وعلى كل حال فإن كل الميزانيات التي أنجزت لم تأخذ بعين الاعتبار الواقع التونسي الذي يقوم على الدينار التونسي من جهة و من جهة أخرى علي العملة الأجنبية وبالتالي أي ميزانية لا تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى تعتبر غير مدروسة و غير دقيقة.
حمل حزبكم قيس سعيد مسؤولية الأوضاع الاقتصادية المتردية، ألا تعتقدون أن النخبة ككل تتقاسم هذه المسؤولية؟
يجب الإشارة أن الوضعية الاقتصادية في البلاد شهدت تردي كبير خلال العشرية الأخيرة وذلك نظرا لغياب رؤية اقتصادية واضحة وسياسة دولة هدفها إصلاح كامل للمنظومة الاقتصادية. ولطالما نبه الاتحاد الشعبي الجمهوري إلي أن الأزمة في تونس هي أزمة اقتصادية بامتياز والدليل هو فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق “النمو” وهي الكلمة المفتاح عندما نتحدث عن السياسات الاقتصادية، ومن الطبيعي جدا أن يتحمل قيس سعيد مسؤولية ما يحصل من تفاقم للأوضاع الاقتصادية وهذا يرجع على الأقل لسببين أولا: لأن سعيد منذ أن ترشح للانتخابات لم يعرف ببرنامجه الاقتصادي الذي سيطبقه على مدى خمس سنوات رغم اطلاعه بالواقع الاقتصادي الموجود، وعلى عكس ذلك جعلنا نتساؤل لماذا ترشح أصلا إذا كان لا يملك ما يقدم للشعب التونسي، ثانيا لا يجب أن ننسي أن رؤساء الحكومات التي عينت منذ 2019 هي خيارات سعيد والوزراء كذلك و خاصة بعد 25 جويلية و قد جمع كل السلط التي تخول له القيام بإصلاحات جوهرية و لكن ونظرا لغياب الرؤية الاقتصادية لم نلمس أي انجاز يستحق الذكر أو النقاش.
كيف تقيمين أداء المعارضة التونسية، ما الذي ينقصها لاستعادة ثقة الشارع بعد نجاح الرئاسة في بسط مشروعها واستكمال ملفاتها؟
في ما يخص تقييمنا للمعارضة التونسية من المؤسف أن نلاحظ تراجعا شديدا للمسار الديمقراطي ومتنفس الحرية الذي أنعمت به ثورة 14 جانفي، وإن كانت اليوم المعارضة تتلخص في قلة قليلة من الأصوات أولها الاتحاد الشعبي الجمهوري و أمينه العام لطفي مرايحي والذي رغم المضايقات التي يتعرض لها لا زال يملك من الشجاعة ما يجعله يعبر عن موقفه و موقف الحزب، على ذلك فحتى الأسماء التي وجدت في الساحة فهي إما تقبع في السجون أو شق آخر ينتابه الخوف وخير الصمت في هذه الفترة الحساسة.
لكن من الغريب أيضا أن يضع قيس سعيد أيضا نفسه في شق المعارضة عندما يسأل في جولاته عن تردي وضعية النقل و الصحة و التعليم..فهل هو هنا يعارض السلطة التي قام بتعيينها..فأين السلطة؟ من يتسائل؟ من يملك الإجابة؟ ولحد الساعة مثلنا مثل كل تونسي لم نلمس أي إجراء من شأنه تحسين القدرة الشرائية للمواطن الذي بات يفتقد إلى الأساسيات من حيث الغلاء الفاحش من جهة و فقدان المواد الأساسية من ناحية أخرى.
هل تتوقعين انفراجة في ملف الموقوفين السياسيين خاصة مع تهديد الكثير منهم بإضراب جوع؟
في ما يتعلق بقضية الموقوفين السياسيين نعتبر أن الأمر يدعو إلى القلق والخوف من يكون ذلك انهيار لآخر حجر للديمقراطية وحرية التعبير وهي أهم مكاسب ثورة الحرية والكرامة وعليه وجب التذكير أن المعنيين بالأمر هم رؤساء أحزاب أو نشطاء سياسيين وبالتالي هم يمثلون جزء و لو صغير من الشعب التونسي ويعبرون عن موقفه ووضعهم رهن الإيقاف بهذه الطريقة دون أي تصريح للرأي العام هو ضرب أولا لحرية إبداء الرأي وثانيا لحق الشعب التونسي في معرفة الحقيقة. مع العلم أن الأمين العام للحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري يمثل أيضا أمام القضاء من أجل تصريح إذاعي اتهم من خلاله ببث خبر زائف وهو في الحقيقة لا يتعدى إجابة عن سؤال عبر فيها د.لطفي المرايحي عن موقفه و موقف الحزب بصفة عامة، لذلك نعتبر أن هذه الإيقافات هي إستراتيجية السلطة في التخلص من معارضيها عن طريق تلفيق التهم واستغلال الجهاز القضائي.
ماهو البديل الذي يطرحه حزب الاتحاد الشعبي لإنقاذ تونس من أزماتها؟
أكيد وأنتم متابعون للشأن السياسي تعلمون أن الاتحاد الشعبي الجمهوري ومنذ سنة 2011 يعتبر أن المشكل في تونس هو اقتصادي بامتياز لذلك فشلت كل الحكومات المتعاقبة لأنها تفتقر إلي برنامج اقتصادي واضح قادر على تحقيق نمو ويخلق الثروة، لذلك ما انفك الاتحاد الشعبي الجمهوري ينادي بتغيير المنوال الاقتصادي لأنه منوال خاطئ ولا يتناسب مع الوضع الحالي ودعا في المقابل إلى اعتماد سياسة اقتصادية حمائية عن طريق آليات معينة مثل الأداء على القيمة المضافة حتى يمكن المنتوج التونسي من إيجاد سوق محلية قادرة على توفير مناخ ينمو و يتطور فيه ، ويجب الإشارة أن هذا الإجراء يخص أساسا المنتوجات التي تستجيب إلى شروط وهي قدرة تشغيل عالية وأن لا يتطلب إمكانيات كبيرة وأن يكون التونسي قادر على إنتاجها مثل قطاع الجلود والأحذية والملابس، ولا يعني هذا التوجه الانغلاق على السوق الخارجية إنما هدفه تشجيع السوق المحلية والعمل على استيراد فقط المواد الأولية أساسا والتي نحتاجها لآلة الإنتاج، كما يطالب الحزب بضرورة مراجعة جميع الاتفاقيات التجارية وتبقى هذه الخطوات رهينة الشجاعة والجرأة السياسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس