مسار 25 جويلية: اعتراف بالفشل أم دعوة للإصلاح؟

31
مسار 25 جويلية: اعتراف بالفشل أم دعوة للإصلاح؟
مسار 25 جويلية: اعتراف بالفشل أم دعوة للإصلاح؟

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. وجهت شخصيات وأحزاب داعمة للرئيس قيس سعيد ولمسار 25 جويلية، انتقادات لافتة في الآونة الأخيرة لأداء السلطة، في خطوة أثارت التساؤلات ما إذا كانت هذه الانتقادات تمهد لبداية خسارة المسار لحزامه وسنده السياسي ما يعني أنه بات معرضا لأزمة داخلية، أم أن الهدف من وراءها هو دفع المسار نحو المراجعة والإصلاح.

وعبرت أطراف سياسية مؤيدة للرئيس سعيد عن جملة من المأخذ فيما يخص توجهات المسار التي غلب عليها النهج الفردي، مع إصرار الرئيس على رفضه للحوار حتى مع داعميه، على غرار الإخفاقات في إدارة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى استمرار تطبيق المرسوم 54 المقيد للحريات.

وأشار عبيد البريكي، الأمين العام لحركة تونس إلى الأمام، أحد أبرز الأحزاب الداعمة لمسار 25 جويلية، في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن”تحصين مسار 25 جويلية يحتاج إلى بناء وحدة وطنية من خلال تشريك الأحزاب والمنظمات والخبراء التي تؤمن بهذا المسار.”

وأعتبر أن”هذه المرحلة تحتاج إلى انجاز قراءة تقييمية لما أنجز منذ 25 جويلية، من أجل بلورة تصور لبناء تونس الجديدة، وتفادي أية ثغرات قد تؤثر سلبا على هذا المسار”.

وأضاف أن”نسق الإنجاز يعتبر بطيئًا جديدًا رغم أهمية ما وقع إنجازه منذ 25 جويلية، على المستوى السياسي من خلال وضع دستور جديد للبلاد وانتخاب الغرفتين التشريعيتين”، مشيرًا إلى “وجود عديد المسائل الاجتماعية التي ما تزال تطرح إشكالا إلى حدّ اليوم، وأبرزها تدهور القدرة الشرائية للمواطن في ظل ارتفاع الأسعار واستقرار الأجور ودفع نسق التشغيل”.

وبالنسبة للنائبة فاطمة المسدي، فإن مسار 25 جويلية يحتاج إلى إصلاح، كما حان الوقت لتطبيق شعارات المسار على أرض الواقع حماية لرصيده الشعبي.

وأوضحت المسدي في حديثها لـ”أفريقيا برس” بالقول “حسب رأيي فإن داخل منظومة 25 جويلية هناك العديد من الاتجاهات، هناك اتجاه يرفع شعارات رنانة، واتجاه آخر يحتكم إلى عقل وطني.”

واستدركت “لكن لاحظنا أن الاتجاه الذي يختار سياسة الشعارات أصبح هو الطاغي على المسار، وقد يضر ذلك بالاقتصاد الوطني وبالوضعية الاجتماعية للدولة.”

وتابعت “ليست الشعارات هي التي تبني الدولة. من يبني الدولة هي رؤية اقتصادية توازن بين العدالة الاجتماعية والاقتصاد الوطني، لكن لا نرى هذه التوجهات إلا عند قلة قليلة داخل المسار، ولا يمثل ذلك تطلعات غالبية الشعب الذي انتخب الرئيس قيس سعيد إيمانا بمسار إصلاحي حقيقي، وهو لا ينتظر الشعارات، أو الاستمرار في سياسة التخوين والتشكيك.”

تقييم نقدي

وفيما لا يستبعد متابعون ومحللون نشوب أزمة داخلية داخل مسار 25 جويلية قد تتهدد بانفراط عقده، إلا أن أوساط سياسية رأت في مثل هذه التصريحات مجرد تقييم نقدي لحصيلة المسار، ولتدارك الأخطاء مستقبلا، إضافة إلى مساعيها الضغط على الرئيس سعيد لثنيه عن نهجه الفردي في إدارة الأزمات وفتح الباب أمام بقية الأطراف السياسية الأخرى.

وأشار محمد الكحلاوي الأمين العام لحزب الوطد الاشتراكي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “هذه التصريحات اللافتة لمؤيدي مسار 25 جويلية صادرة عن تقييم لهذا المسار، وهو أي – التقييم – إن ثمن عديد الإجراءات خاصة في مجال السيادة الوطنية مثل رفض التداين لدى صندوق النقد الدولي ودعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه كاملة وكذلك تسوية بعض الملفات الاجتماعية مثل ترسيم المتعاقدين في مجال التعليم الثانوي و الأساسي ومراجعة مجلة الشغل وإلغاء العمل بالمناولة، فإنها أي التصريحات لا تتغاضى عن عديد النقائص مثل غلاء المعيشة وعجز الدولة عن التحكم في التضخم و فقدان عديد المواد الأساسية من حين لآخر مثل السكر والحليب والقهوة و كذلك تراجع خدمات القطاعات الاجتماعية و اهتراء مؤسساتها مثل النقل و الصحة و التعليم، إضافة إلى تواصل العمل بالمرسوم عدد 54 المقيد للحريات”.

وبرأيه فإن “هذه التصريحات لا تنم عن اعتراف ضمني بفشل مسار 25 جويلية، بل هي حرص على تدارك النقائص والهنات والأخطاء التي وقع فيها القائمون على هذا المسار، وهي في نفس الوقت محاولة لتحميل مسؤولية تلك النقائص إلى تفرد سلطة 25 جويلية بالرأي، وهي كذلك تنبيه وإشعار بخطر الانحراف بالمسار وبالتالي بإمكانية فشله، وكل ذلك من أجل الضغط عليها لقبول الإصغاء إلى الأطراف الأخرى المساندة لمسار 25 جويلية وإلى عدم إقصاءها.”

واعتبر أن “هذه التصريحات تطالب بالإصلاح والتعديل، وتنتقد تفرد رئيس الدولة بالرأي، وتدعو إلى مراجعة هذا الموقف الذي يقصي كل الوسائط والأحزاب السياسية و يهمشها، وبالتالي فهي تطالب ضمنيا بضرورة الانفتاح على الأطراف السياسية الرافضة لمنظومة 24 جويلية، وذلك من أجل بعث جبهة وطنية داخلية للمساهمة في تفادي تلكم النقائص المذكورة، وتصويب ما أعوج منها وللتصدي إلى كل تهديد خارجي و تواطؤ داخلي ضد تونس.”

ومنذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021، أبدى طيف سياسي وشعبي واسع تأييده للإجراءات التي فرضها الرئيس سعيد، والتي عزل بموجبها منظومة الحكم السابقة بقيادة حركة النهضة من خلال إقالة الحكومة وحل البرلمان وتجميد العمل ببعض فصول الدستور والاحتكام للمراسيم الرئاسية.

وسبق أن ذكر الرئيس سعيد أن “الإجراءات كانت ضرورية، وأن الهاجس الأكبر من وراء اتخاذها كان الحفاظ على السلم الاجتماعي.”

وفيما يتطلع التونسيين إلى تطبيق السلطة وعودها على أرض الواقع وأهمها بناء دولة اجتماعية عادلة، وتحسين الخدمات الضرورية التي تهم قطاعات النقل والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، إلا أن تواصل الضائقة الاقتصادية مع استمرار غلاء الأسعار يضعف الآمال بقدرة حكومات ما بعد 25 جويلية على تحسين الواقع المعيشي.

وفيما يخص الطبقة السياسية الموالية للسلطة، فبدأ صوتها يتعالى شيئا فشيئا رفضا لإقصاءها وتغييبها من المشهد، وفي حال تعمقت الهوة أكثر مع السلطة، فقد يتعرض مسار 25 جويلية انتكاسة وقد تقود إلى خسارته لحزامه السياسي.

ويقول عثمان الحاج عمر الأمين العام لحزب البعث، أحد الأحزاب المؤيدة لمسار 25 جويلية، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “مؤيدي مسار 25 جويلية، هم ليسوا جزءا صغيرا في الساحة السياسية بل هم أغلبية، من أبناء المناطق والجهات التونسية وقواها الاجتماعية، وعدة أحزاب وقوى وطنية ساندت هذه الإجراءات، وأرادت تحويلها إلى فرصة حاسمة لاستكمال المسار الثوري في تونس وطرحت عدة تصورات لإنجاح هذا المسار في مقدمتها تفكيك منظومة الاستبداد والفساد القديمة والمتجددة وتصفية إرثها الثقيل في ضرب نهوض البلاد واستقرارها ومنها الاهتمام بالعمال والفلاحين، وإنهاء الاستعباد عبر عقود العمل الوقتية ودون تأمين والاهتمام بالمرفق العمومي، وبمختلف القطاعات وتثمين الثروة الوطنية والاعتماد على الذات بدل الارتهان للخارج ولصندوق النقد الدولي وغيره.”

وأردف “قد يلاحظ البعض تلكؤ أو عدم تجاوب السلطة وبالتحديد رئيس الدولة مع مختلف هذه الطروحات، وهو يفضل عدم التعويل على الأحزاب وعلى أية هياكل وسطية أخرى عدا ما وضعه في الدستور من مجالس قد يبدوا أداؤها ضعيفا، ويراهن بدلا عن ذلك على أن تنفذ رؤيته وخطته الإصلاحية بمؤسسات الدولة، وفي هذا يكمن جوهر الخلاف معه”.

وبين أن “هذه الأحزاب قدمت رؤى متقاربة ودعمت إجراءات 25 جويلية، ولكنها لم تدعم رأسا رئيس الدولة وعلى قاعدة ذلك عبر حزبنا عن اختلافه ومعارضته لطريقة تسيير الدولة اليوم، وللعديد من الإجراءات والقرارات التي يتخذها مثل المرسوم 54، ولكن هناك قرارات إيجابية أخرى مثل قانون إنهاء المناولة، غير أن ذلك لم يرقى لإصلاح اجتماعي واقتصادي متكامل.”

مكاسب تشريعية

يعتقد محللون أن حصيلة مسار 25 جويلية الضعيفة خاصة على صعيد الاقتصادي والاجتماعي قد تؤدي إلى تآكل حزامه السياسي، وقد تقفز بعض الأحزاب والشخصيات الفاعلة من مركب المسار للتنصل من الفشل وتفاديا غضب الشارع، مع ذلك لا يبدي الرئيس أهمية لدور القوى السياسية خاصة أنه نجح في إزاحتها من المشهد.

ويلفت محمد ذويب الكاتب والمحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه “كلما تقدم الزمن وابتعدنا عن 25 جويلية، إلا وتقلص عدد مناصري السلطة، وهذا طبيعي جدا في أي مسار سياسي، بطبيعة الحال هناك قوى تهمها مصلحة البلاد وهي تحاول تقديم أراء وأفكار لقيس سعيد، وهناك قوى أخرى تريد الضغط ودعمت الرئيس ومساره في البداية على أمل الحصول على جزء من السلطة.”

وفي تقديره “الرئيس لا يعول كثيرا على القوى السياسية الموجودة في البلاد التي تدعمه لذلك لم يلتفت إليها ولا يأبه كثيرا بالقوى المعارضة التي لا وزن كبير لها فحتى حركة النهضة تقلص دورها وأصبحت عاجزة، ولكن الرئيس رغم عدم تحقيق لكل الوعود والتطلعات، فقد نجح في استمالة نسبة كبيرة من الشعب وخاصة بعد أن نجح مؤخرا في حلحلة عدة ملفات اجتماعية كانت معطلة منذ سنوات على غرار عمال المناولة والآليات والأساتذة والمعلمين النواب.”

وبينما تنتقد الأحزاب موالاة ومعارضة إقصاءها من صنع القرار ومن المشاركة في حل أزمات البلاد، وهو ما يزيد من أمد الأزمة السياسية في البلاد، إلا أن السلطة حققت مكاسب تشريعية في الفترة الأخيرة من خلال مصادقتها على قوانين ثورية تترجم شعار الدولة الاجتماعية على أرض الواقع مثل قانون إلغاء المناولة، وهو ما يعزز رصيدها الشعبي مقابل فقدان الشارع لثقته في بقية المكونات السياسية الأخرى في البلاد.

ويلفت باسل ترجمان، المحلل السياسي، في حديثه مع “أفريقيا برس”بالقول”نحن نعلم تماما أن للرئيس سعيد رؤية مختلفة في علاقته بالأحزاب والأجسام باتخاذه مسافة تجاهها، أما على صعيد اقتصادي فقد حققت السلطة نجاحات مهمة، مثل ترفيع المنظمات المالية الدولية للتصنيف الانتمائي لتونس، إضافة إلى النجاح في إصدار مشاريع قوانين كان يحلم بها الشعب التونسي مثل منع عقود المناولة.”

وخلص بالقول “أما الحديث عن رؤى سياسية تريد أن تعيد الزمن إلى ما قبل 24 جويلية، فهذا ليس في وارد المرحلة القادمة، هناك قطيعة كبيرة بين الشارع وبين مختلف الأحزاب بمختلف أطيافها، وبالتالي هي مطالبة بأن تقدم رؤاها إلى الشعب التونسي، على أمل أن تستعيد مواقعها وتستعيد ثقة الشعب بالمنظومات الحزبية ككل.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here