مصطفى عبد الكبير لـ”أفريقيا برس”: لا يمكن إدارة معبر رأس الجدير بحكومات مفلسة وغير مستقرة

78
مصطفى عبد الكبير لـ
مصطفى عبد الكبير لـ"أفريقيا برس": لا يمكن إدارة معبر رأس الجدير بحكومات مفلسة وغير مستقرة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبر رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير في حواره مع “أفريقيا برس” أنه “لا يمكن إدارة معبر رأس الجدير الحدودي مع الجارة ليبيا بحكومات مفلسة وغير مستقرة ومرتهنة للخارج، وهو ما يحول دون تحويله إلى أكبر معبر بري بأفريقيا حيث يشترط تنفيذ هذا الطموح وجود إرادة حقيقية وسلطات قوية” وفق تقديره.

ورأى عبد الكبير أن شبح الانقسام لا يخيف الليبيين فقط بل سيكون له تأثيرات وتداعيات على المنطقة ككل، مستبعدا قدرة البلد على استعادة وحدتها في ظل تواصل خلافات الفرقاء، كما استبعد نجاح ليبيا في المرور إلى انتخابات في ظل تعطل المسار السياسي والاقتصادي وهو ما سينجر عنه تعطلا للمسار الانتخابي.

ومصطفى عبد الكبير هو مدير تنفيذي للمعهد العربي لحقوق الإنسان فرع الجنوب، ورئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، وعضو بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة ممثلا لتونس منذ سنة 2020، ومراقب دولي للانتخابات، كما ترأس لجنة التفاوض التونسية – الليبية لعدة سنوات لفض النزاع بالمناطق الحدودية، وقد تحصل على وسام أفضل ناشط حقوقي تونسي لسنة 2015 ودرع مجموعة دول الساحل والصحراء لسنة 2014 كأفضل حقوقي يعمل بمناطق التوتر.

كيف بالوسع تجاوز قضية الحدود بين تونس وليبيا التي تعود إلى الواجهة في كل مرة بسبب الصراعات بالداخل الليبي ووسط مخاوف، من تداعياتها على الحركة التجارية بين البلدين؟

قضية الحدود بالمعنى الشامل؛ امتداد ترابي يمتد على مئات الكيلومترات في شكل حدود ترابية صحراوية شهدت فترات سلم وأخرى حرب بين القبائل الصحراوية التونسية والقبائل المقابل لها ذات الأصول الليبية، علما وأن بعض هذه القبائل لها امتداد كبيير في تونس وأخرى بليبيا، وكذلك بحريا لنا حدود تمتد لمئات الكيلومترات، غير أن هذه الصراعات قليلة جدا وقد ارتفعت في العقود والسنوات الأخيرة نتيجة ارتفاع ظاهرة الهجرة وكثرة الصيد العشوائي وعدم وضوح الترسيم الحدودي التونسي-الليبي، ومع مرور الوقت ظهرت التجارة والمعابر الحدودية بعد الاستقلال وظهرت معها التجارة والتبادل التجاري وتطورت الإمكانيات وتنوعت البضائع وشهدت المدن المجاورة للمعبر من الجهة الليبية أو التونسية نموا وتطورا وازدهارا وثراء، وتعتبر فترة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والعقيد الليبي معمر القذافي أهم وأفضل فترة نمو واستقرار وهدوء للبلدين.

ولكن جاءت أحداث 2011 التي غيرت أنظمة الحكم ووجدت الفوضى طريقها لملئ القطاعات وخاصة قطاع التجارة والتبادل التجاري وانتشرت الفوضى وأصبحت الحدود تحت سيطرة المليشيات والإرهابيين والمهربين، وكل الأطراف الداخلية والخارجية التي تريد استنزاف الثروات خاصة الليبية وعملت هذه الأطراف على ترك المنطقة تعيش حالة اللااستقرار، وعمت الفوضى في مناطق الحدود، وآخرها ماحدث يوم 18 مارس 2024 والذي أغلق بعده المعبر مباشرة وهو إلى الآن في حالة غير مستقرة ومازال مصيره مجهولا، هذا يعني أنه لا يمكننا الحديث عن الديمومة والاستقرار نظرا لعدة أسباب ترتبط جلها بضعف الدولتين وغياب تطبيق القانون، لذلك نقول أن مشوار الفوضى وعدم الاستقرار بالحدود مازال طويلا ولا أفق له.

هل تعتقد أن رغبة البلدين في تحويل رأس الجدير إلى أكبر معبر بري في أفريقيا طموح غير واقعي؟

بخصوص رغبة البلدين في تحويل رأس جدير إلى معبر كبير كنافذة دولية تربط بين قارتين أو أكثر، لا أعتقد أنها تعني ساسة لبيبا وتونس اليوم كثيرا بالرغم من أن طموحات النظاميين السابقين نظام بن على ونظام معمر القذافي كانت كبيرة وواقعية غير أن ساسة اليوم هواة وليست لهم الإرادة الحقيقية خاصة أن البلدين يعيشان حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، فمعبر رأس الجدير هو أكبر من أن تديره حكومات مفلسة وغير مستقرة ومرتهنة القرار للخارج، ويبقى المعبر هو إحدى أكبر البوابات الدولية التي تحتاج إلى إدارة من طرف سلطات قوية ومستقرة وذات سيادة.

ما هو تقييمكم للسياسة الأمنية التونسية في مواجهة قضايا مثل خطر الجماعات المسلحة بليبيا وتهريب البشر من ليبيا إلى تونس؟

السياسة الأمنية التونسية اعتبرها ناجحة خاصة وأننا نجحنا في التصدي لتهريب الأسلحة والمخدرات ونجحنا في إبرام صفقات مع الطرف الليبي، وهو ما مكننا من القبض أو تسلم عناصر إرهابية خطيرة كانت تريد إسقاط الدولة وقتل بعض الأمنيين والعسكريين إضافة إلى نشر الفوضى والرعب عن طريق عمليات نوعية منفردة أو هجمات مباشرة على غرار هجوم 7 مارس 2016 ببن قردان والذي أثبت نجاح الخطط الأمنية التونسية في مقاومة الإرهاب خاصة وأن تونس أول دولة تنتصر على تنظيم الدولة في حرب شوارع في أيام معدودة، كما أن الأمن التونسي نجح في إحباط عديد محاولات تسفير الشبكات الإرهابية لشباب تونس لبؤر التوتر إضافة لنجاحه في مقاومة الاتجار بالبشر ولو بشمل نسبي.

كيف بالإمكان استفادة تونس من علاقاتها القوية والتاريخية مع ليبيا على صعيد اقتصادي بشكل خاص في ظل تداعيات الأزمات السياسية الداخلية على اقتصاد البلدين؟

العلاقات التونسية – الليبية مرت بفترات متقلبة وقد نجحت تونس في توظيف عدة جوانب مهمة تربط الشعبيين؛ مثل الامتداد القبلي على الحدود والبعد الجغرافي والتاريخي للبلدين وعلاقات التصاهر بين العائلات التونسية والليبية إلى آخره، ففترة الزعيم بورقيبة كانت الأسوأ نظرا لعدم اقتناع بورقيبة بثورة الفاتح من سبتمبر واعتبار تصرفات الزعيم الليبي غير نظامية وأن ما يحصل في ليبيا فوضى وليست ثورة مما أدى سنة 1981 إلى دعم معمر القذافي لمجموعة قفصة المسلحة والتي خططت لمهاجمة وحدات عسكرية تونسية في مدينة قفصة الحدودية مع الجزائر وانتهت العملية بإلقاء القبض على كافة عناصر التنظيم وتم إعدام أغلبهم، وبقيت العلاقات التونسية – الليبية مقطوعة بين البلدين إلى سنة 1987 عند سقوط نظام بورقيبة وقدوم نظام بن على الذي قلب الأمر تماما ففتحت الحدود وأصبح دخول ليبيا وتونس ببطاقات شخصية وليست بجوازات سفر وازدهرت التجارة وأصبح هناك تكاملا اقتصاديا حقيقيا، الشيء الذي جعل النظام التونسي يرفض كل القرارات الدولية التي تصدر ضد ليبيا وتحولت تونس إلى منفذ رئيسي وتحديدا رأس الجدير الذي لعب دورا مهما في نجاح التكامل الاقتصادي والاجتماعي وفشلت أمريكا في حصار لبيبا وبقي معمر في الحكم إلى أن رفعت الأمم المتحدة الحصار على ليبيا وسقط نظام القذافي نهاية سنة 2011 بعد سقوط نظام بن علي في نفس السنة وعندها قدمت أنظمة غيرة مستقرة وحاولت توظيف كل مقومات التقارب من أجل التكامل والوحدة إلا أن ذلك لم يدم سوى بعض الأشهر القصيرة ثم عادت التوترات بين البلدين.

هل تعتقد أن شبه الانقسام بات يهدد ليبيا وسط الفشل في تجاوز الخلافات بين الفرقاء الليبيين والمرور إلى انتخابات؟

الانقسام هو شبح يخيف الجميع في لبيبا وخارجها لأن كل المؤشرات والأحداث تدل أن ساعة الانقسام اندلعت منذ انتخابات 2013، والتي رفضها العديد ورحب بها عدد آخر، الشيء الذي جعل انعقاد البرلمان في مدينة بيضاء بالشرق عوضا عن طرابلس العاصمة، أين يوجد المقر الرئيسي للبرلمان الليبي وكأن الحنين للتاريخ عاد من جديد علما أن برلمان الملك كان ينتصب أغلب الأوقات بعاصمة الشرق بنغازي بعد ذلك اندلعت عدة معارك وشهدت انقسام سياسيا واضحا بين الشرق والغرب وبأقل حدة في الجنوب الليبي الذي يعيش حالة من الفوضى وانهيار كل مكونات الدولة المدنية إضافة لانقسام الإدارات والوزارات إلى أن شهدت وجود عملتين نقديتين عملة بالشرق وعملة نقدية أخرى بالغرب وكذلك انقسام الأجسام الأمنية والعسكرية و الإدارية، وحسب اعتقادي فإن مسألة عودة ليبيا موحدة تحتاج جهودا كبيرة وإرادة قوية هي غائبة الآن وغير موجودة.

كما لا يمكننا الآن الحديث عن انتخابات في ظل تعطل كل المسارات وأساسا المسار الأمني ثم المسار الاقتصادي وبذلك سيتعطل المسار الانتخابي، هل يمكن الحديث عن انتخابات في ظل انتشار أكثر من 36 مليون قطعة سلاح؟ هذا من قبيل الضحك على الذقون حيث أن الانتخابات تحتاج استقرارا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا وإلا فإنها فوضى ودجل وليست ديمقراطية بل أنها انتخابات المليشيات إن حصلت.

هل هناك نشاط روسي من ليبيا باتجاه تونس حسب تقديركم في ظل رغبة موسكو في توسيع نفوذها في منطقة شمال أفريقيا؟

الوجود الروسي يتركز الآن بشكل واضح بالمنطقة الشرقية وجزء من الوسط الليبي بالمقابل تتواجد قوات أمريكية وأخرى غربية وتركية وعربية خليجية في غرب ليبيا الأمر الذي زاد الوضع تعقيدا، زد على ذلك انتشار الميليشيات المسلحة ومافيا الاتجار بالأسلحة والمخدرات والبشر التي تبقى عاملا مهما في الصراع في ظل غياب دولة قوية، كل ذلك ينبئ بنشوب حروب داخل ليبيا وقد تكون طويلة وإن كانت متقطعة فكل الأطراف سواء داخلية أو خارجية ترفض التفريط في المغانم والمكاسب المادية، الشيء الذي سيترك دول المنطقة تعيش حالة اللااستقرار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here